• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / محمد صلى الله عليه وسلم
علامة باركود

المدرسة النبوية الأولى تربية وتعليما ودعوة: تواضع المعلم وأدب المتعلم

المدرسة النبوية الأولى تربية وتعليما ودعوة: تواضع المعلم وأدب المتعلم
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/4/2016 ميلادي - 24/6/1437 هجري

الزيارات: 17855

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من سورة الأنعام

المدرسة النبوية الأولى تربيةً وتعليمًا ودعوةً
تواضُع المعلِّم، وأدب المتعلِّم

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين:

قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ * وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 52 - 55].

 

كانت فئة الأغنياء في مجتمع مكة من أمثال أبي لهب والوليد بن المغيرةِ وأبي سفيان تتباهى بشرَفها وقوتها واقتدارها، فأورثها ذلك استكبارًا وفخرًا بالأنساب، وعزة جوفاء بالنفس والمال، واعتدادًا بالموروث الجاهلي معتقداتٍ وعاداتٍ وتقاليدَ، وحرصًا على التميُّز الغاشم والاستعلاء الظالم، وبغيًا وعتوًّا استبدوا بهما على العباد، وقسوة وأَدُوا بها بناتهم، وانتفَوا بها من بعض أبنائهم، وعدوانية هوجاءَ استذلوا بها الفقراء والضعفاء، مواليَ وعبيدًا وجواريَ ومنبوذين مِن خلعاء القبائل والأعراق ونُزَّاعها.

 

وكان لا بد أن يثمر هذا الوضع الاجتماعي ثماره السلبية المُرَّة على صعيدين، صعيد المشاقِّ والمحن التي عانى منها صاحب الدعوة الإسلامية صلى الله عليه وسلم، وصعيد مستضعَفي المجتمع الذين استأنسَتْ فطرتهم بصدق النبوة وصحة عقيدتها وسلامة منهجها، فأقبلوا على الإيمان والعبادة لا تُلهيهم عنهما تجارةٌ ولا لهوٌ.

 

ولئن كان موضوع آيات الحلقة السابقة من سورة الأنعام هو تعنُّتَ صناديد مشركي قريش وإعراضَهم عن الإيمان واستعلاءَهم على الحق، ومحاولة استحياء فطرتهم الأولى بالترهيب والترغيب نِذارة وبِشارة، ثم كان أمرُ الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يوجِّه عنايته ودعوته إلى غير المستكبرين، ممن لا يُقيمون وزنًا لحطام الدنيا وزينتها، ولا يأبهون إلا بما يوقنون به مِن الغيب، وما ينتظرهم من الحشر والنشر والحساب والجزاء المخلِّد في الجنة أو النار، بقوله عز وجل: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51] - فإنه تعالى قد سلك بدعوة رسولِه صلى الله عليه وسلم سبيلَ العلاج الحاسم لآفات المجتمع الجاهلي آنئذٍ، غنًى فاحشًا ظالِمًا مستأثرًا بالخيرات، وفقرًا مُدقِعًا مُذِلًّا متحفزًا للفتك والوثوب، يُفرز كل حين طائفةً من الحاقدين على مجتمع الاستكبار والطغيان، من صعاليك البادية وقطَّاع الطرق، أمثال: عروة بن الورد، والسُّلَيْك بن السُّلَكَة، والشَّنْفرى، وتأبطَّ شرًّا،ووضع للمجتمع المؤمن الناشئ منهجًا يُعلي به، نحو الأفضل والأرضى، مشاعرَ الغنى والاستكبار لدى الأغنياء، ومشاعرَ الغضب والحقد لدى الفقراء، ويرفعها إلى آفاق رحبة جديدة لم يألفها أي من الطرفين، آفاق الأخوة الإنسانية والأهداف السامية التي تشرِّف أولي العزم من الرجال، وتبصِّرهم بالحال، وتستشرف بهم أفضل المآل.

 

وقد كان طبيعيًّا أن يمتثل صلى الله عليه وسلم لأمر ربه في الاهتمام بمن أقبلوا على دعوته صادقين مخلصين مؤمنين بيوم الدِّين، حَذِرين أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع، وأن يكون أكثر أول أتباعه كأول أتباع إخوانه الرسل عليهم السلام، مِن ضعَفة المؤمنين في مجال المال والجاه والكسب، من أمثال: صهيب، وبلال، وعمار بن ياسر، وخبَّاب بن الأرتِّ، وسَلْمان الفارسي، وعبدالله بن مسعود، وصُبَيْح مولى أُسَيْد، وسالم مولى أبي حذيفة، وعمرو بن عبدعمرو ذي الشِّمالين، والمقداد بن عمرو، وواقد بن عبدالله الحنظلي، ومَرْثَد بن أبي مَرْثَد، وأشباههم.

 

كما كان متوقعًا أن يثير قربهم من الرسول صلى الله عليه وسلم وإكرامُه إياهم وحسن معاملته لهم، واستئثارهم بمجالسته والأخذ عنه - حَنَقَ المترَفين والأكابر والرؤساء والسادة في مكة، وخوفَهم من أن ينتصر بهم في دعوته، فينقلب ميزان القوة في المجتمع، وترتد عليهم عاقبة ظلمهم واستكبارهم، مساواةً يدعو لها الدِّين الجديد، وتُنكرها الأنانية والاستعلاء والعزة بالمال والأنساب، وأخوَّةً يكرسها التنزيل الكريم ويعيشها عليه الصلاة والسلام بين أصحابه أسوةً طيبة وخُلقًا كريمًا، ومحبة في الله لا تنقُضُها الأهواءُ، ولا تنغِّصُها البغضاء.

 

كلُّ هذه المؤشرات التي لاحظها كبراءُ قريش كان من شأنها أن تدفَعَهم لمحاولة نقض هذا الائتلاف الإيماني الجديد، وقد جرَّبوا من قبل كلَّ أصناف التعذيب والتهديد والوعيد، ضد هذه الفئة المؤمنة من مستضعَفي مكَّةَ وعبيدها وفقرائها، فلم يُفلحوا في تثبيط عزائمها أو ثَنْيِها عما ذاقت حلاوتَه من الإيمان، ثم جربوا أساليب الاستهزاء والسخريَّة والتحقير لها، فلم يُوهِنوها أو يُخضِعوها لإرادتهم.

 

وإذ يئِسوا مِن نجاعة أساليبهم تلك، واتسعت حِلَقُ المستضعفين حول الرسول صلى الله عليه وسلم وتنامَت واستمرت، وتجاوزت مرحلة الحذَر والتكتُّم إلى المعالَنة والتحدي والاستعلاء بالإيمان، ضجَّ طغاة مكة للأمر، وحاولوا تفكيك هذا التلاحم بين النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه المستضعَفين، وسلكوا لذلك عددًا آخرَ مِن المسالك الملتوية، استفزازًا ومكرًا، وخديعة وكيدًا خفيًّا، منها: ما ذكره عكرمةُ مِن أن عتبة بن ربيعة وشيبة بن أمية ومطعِم بن عدي والحارث بن نوفل وقرظة بن عبد وعمرو بن نوفل في أشراف بني عبدمناف مِن أهل الكفر جاؤوا إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب، لو أن ابن أخيك محمدًا يطرد عنه مواليَنا وحلفاءنا، فإنهم عبيدنا، كان أعظمَ في صدورنا وأطوعَ له عندنا، وأدنى لاتِّباعنا إيَّاه، وتصديقنا له، فأتى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فحدَّثه بالذي كتموه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو فعلتَ ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون وإلى ما يصيرون! فنزل قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام: 52]، فلما نزلت هذه الآية أقبل عمرُ بن الخطاب واعتذَر مِن مقالته.

 

ومنها: ما قاله جبير بن نفيل مِن أن قريشًا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة فقالوا: أرسلت إلينا، فاطرُدْ هؤلاء السُّقَّاط عنك؛ فنكون أصحابك، فكانت الآية نفسُها جوابَهم،ومنها ما رُوي عن عيينة بن حصن الفزاري: أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده سلمان وبلال وصهيب وأشباههم، فقال عيينة: يا رسول الله، لو نحَّيت هؤلاء عنك لأتاك أشراف قومك فأسلموا، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ [الأنعام: 52]،ومنها: ما رُوي عن خباب بن الأرتِّ قال: "كنا ضعفاءَ نجلس عند النبي صلى الله عليه وسلم بالغداة والعشي يعلمنا القرآن والخير، وكان يخوِّفنا بالجنة والنار، وما ينفعنا الله به، والبعث بعد الموت،فجاء الأقرع بن حابسٍ التميمي وعيينة بن حصنٍ الفزاري، فقالوا: إنا مِن أشراف قومنا، وإنا نكره أن يرَوْنا معهم، فاطردهم إذا جالسوك، فنزلت: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ [الأنعام: 52]، إلى قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 53].

 

ومنها: ما روي من أن الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصين الفزاري ورفاقًا لهم في الكفر جاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوه قاعدًا مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المسلمين، فلما رأَوْهم حوله حقروهم وأتوه فقالوا: يا رسول الله، لو جلست في صدر المجلس ويغيب عنها هؤلاء وأرواح[1] جِبَابهم - وكانت عليهم جباب من صوف لم يكن عليهم غيرها - لجالسناك وحادثناك وأخذنا عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ مَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 114]، قالوا: فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا به العرب فضلنا؛ فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرانا العرب مع هؤلاء الأعبُدِ، فإذا نحن جئناك فأقمهم، وإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت، قال: ((نعم))، قالوا: اكتب لنا بذلك كتابًا، قال: فدعانا لصحيفة ودعا عليًّا ليكتب، إذ نزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ [الأنعام: 52]، فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54]، فكنَّا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ [الأنعام: 52]الآية، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعمد، وندنو منه، حتى كادت رُكَبُنا تمسَّ رُكَبه، فإذا بلغ الساعة التي يقوم قمنا وتركناه حتى يقوم، وقال: ((الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبِر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات))[2].

 

ولئن تضاربت الروايات حول أسباب نزول قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ ﴾ [الأنعام: 52] وظروفه، فإن ذلك لا يضعفها أو ينفيها؛ إذ قد تكون الآية نزلت أولًا بسبب معين يتعلق بمحاولة طرد المؤمنين من مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ظرف خاص مشابه، فكانت ردًّا على المشركين أوحى به الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وكانت طوائف المشركين تتوافد عليه صلى الله عليه وسلم كل حين تُلحُّ عليه وتسأله إبعاد المستضعَفين عن مجلسه، فيُجيبهم بنفس الآية التي نزلت من قبل في ظروف مشابهة.

 

أما ما رُوي من أنه صلى الله عليه وسلم هَمَّ أن يستجيب لمطلب المشركين في إبعاد المستضعَفين عن مجلسه، فإنه بعيد كل البعد عن الصحة، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يهُمَّ بذلك أو يفعله، وقد أوحى إليه ربه في سورة هود التي نزلت قبل الأنعام بقول نوح عليه السلام لقومه الذين ازدَرَوْا بمستضعفي أتباعه: ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ ﴾ [هود: 29، 30].

 

إن موقف مشركي مكة من المستضعَفين هو نفس موقف قوم نوح، علِمَه الرسول صلى الله عليه وسلم وحيًا من ربه، وليس له أن يحيد عنه، وكيف يشِذُّ عن منهج إخوته الأنبياء والرسل، وقد أمره ربُّه أن يقتديَ بهم بعد أن ذكَّرَه بإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وأيوب ويوسف وهارون وزكريا ويحيى وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوط عليه وعليهم السلام، ثم قال له: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]؟!.

 

إن الرسولَ صلى الله عليه وسلم لم يطرد مَن كان معه من المستضعَفين، ولم يهُمَّ بطردهم، وهو الذي كان يقول لهم: ((معكم المَحْيَا ومعكم المماتُ))، وما كان له ذلك وقد أمر في سورة الكهف أن يصبر نفسَه معهم، وألا يطيع فيهم عبيدَ أهوائهم من المشركين، بقوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

 

أما النهيُ الوارد في الآية الكريمة عن الطرد، وإن كان ظاهره موجَّهًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنما هو في الواقع ردٌّ على المشركين الذين كانوا يحاولون تفكيكَ ارتباط العُصبة المؤمنة بنبيِّها، وفضَّ مجلسها معه، ردٌّ يكبِتُهم ويقرع أسماعهم، ويريهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لن يتخلى أبدًا عن هؤلاء الفقراء الذين تزدري أعينهم، امتثالًا لأمر ربه في هذه الآية أولًا، وتأسيًا بسيرة أخيه نوح عليه السلام في أتباعه ثانيًا، واستجابة لعاطفة الحب والولاء التي تنشأ عادة بين المؤمنين ثالثًا، وإشعارًا بأن لهؤلاء المستضعَفين مكانة عند ربهم، ينزل لها الوحي دفاعًا عنهم ورفعًا لشأنهم، فلا يفكر أحد أبدًا في إذلالهم أو الحط من شأنهم، أو يطمع في أن يتخلى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنه بمقاييس الدعوة المحمدية الناشئة إعلانٌ عام بأن حسابات الدنيا بين البشر قد تغيَّرت بنزول الرسالة، فلم يعُدْ لمقاييس النسَب والعِرْق والمال والجاه والسلطة والنفوذ والقوة المادية أي شأن، وأن القوةَ الحقيقية بالإيمان والحق، والتفاضلَ بين الناس والرفعةَ في أتباع الأنبياء بالتقوى، وأن جميع العلاقات والقيم في المجتمع الجديد أصبحت مرتبطة بحسابات الآخرة إيمانًا وكفرًا، لا يجوز أن يستكبر فيه غني على فقير، أو قوي على ضعيف، أو أن يُستبْعَد فيه الفقير تأليفًا للغني، أو الضعيف استرضاءً للقوي، وأن المؤمنين فيه تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سواهم، وأن هؤلاء المستضعَفين الذين استكبر عتاة المشركين عن مجالستهم مِن أكرم الخلق عند الله تعالى؛ ولذلك نهى عن الازدراء بهم، أو استبعادهم من الحضرة النبوية مهما تكن الأسباب بقوله عز وجل: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ ﴾ [الأنعام: 52]؛ أي: لا تُبعِد عن مجلسك فقراء المؤمنين ومستضعَفيهم.

 

ثم وصفهم الحق سبحانه وتعالى عقب ذلك بأجلِّ وصف، وزكَّاهم بأحسن تزكية؛ إذ شهد لهم بصدق الإيمان، وصواب التوجه والعبادة، بقوله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام: 52].

 

ذلك أن قوله تعالى: ﴿ يَدْعُونَ ﴾ [الأنعام: 52] من فعل: "دعا، يدعو، دعاء، ودعوة"، والأصل في معناه أن تُميل الشيء إليك بصوت أو كلام منك، ومنه الدُّعاءُ - بضم الدال ممدودًا - وهو العبادة بكل أصنافها؛ صلاة وصيامًا، وحجًّا ونُسكًا، ومعاملة للخَلْق بما أرشد إليه الكتاب والسنة، والرغبة إلى الله تعالى فيما عنده من الخير، والابتهال إليه بالسؤال، كما في قوله عز وجل: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55].

 

كما أن الدعوةَ إلى الله معناها ترغيب الغير في الإقبال على دِينه، وتبليغهم رسالته، وهي أشرف وظيفة بُعث بها الأنبياء والرسل عليهم السلام، وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ خاطَبه ربه عز وجل بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]، ولا شك أن كل مسلم عليه واجب الاقتداء بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والقيام بالدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، إن كان عالِمًا بلَّغ، وإن كان جاهلًا تعلَّم وعلَّم؛ لأنها أحسن وأشرف ما يقوم به المؤمن؛ قال عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، ولأن التكليف بها ورد في كتاب الله بصيغة الأمر، والأمر للوجوب، وهو قوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].

 

والغَداةُ في قوله تعالى عقب ذلك: ﴿ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ [الأنعام: 52] تعني البُكْرة، ضد العَشيِّ، وهي ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو تَوَكَّلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم اللهُ كما يرزقُ الطير، تَغْدُو خِماصًا، وتعود بِطانًا))، قرأها ابن عامر في سورتي الأنعام والكهف بضم الغين وسكون الدال والواو بعدهما: ﴿ بِالْغُدْوَةِ ﴾، وقرأها الباقون بفتح الغين والدال وألف بعدهما،وتقييد الدعاء في هذه الآية الكريمة بطرفي النهار: ﴿ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ [الأنعام: 52]، إشارة إلى استغراق العبادة يومهم كاملًا،كشأن أصفياء الله تعالى وأوليائه، وقد خوطب محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [غافر: 55]، وقوله عز وجل: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205]، وقوله سبحانه: ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الإنسان: 25]، وخُوطِب زكريا بقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [آل عمران: 41]، كما أن الجبال تعبُدُ الله وتسبِّحه بالغداة والعشي: ﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾ [ص: 18]، والملائكة عند ربهم يسبِّحون: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206]، والكون كله يعبُدُ ويدعو ويسبِّح: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].

 

ولا شك أن عبادةَ هذه الفئة المؤمنة المقصودة بالآية الكريمة ودعاءَها كان بإشراف مباشر للرسول صلى الله عليه وسلم؛ شحذًا لمشاعرهم، وإعدادًا لقدراتهم على القيام بدورهم في نُصرة الدِّين ونشره، وكانت دعوتهم جامعةً لمعاني العبادة كلها؛ توحيدًا لله تعالى، وثناءً عليه، وذِكرًا وتمجيدًا له عز وجل، وحفظًا لما نزل من القرآن الكريم، واستيعابًا لأحكامه، وتعلُّمًا لمختلِف العبادات والمعاملات، وقيامًا بها، كل ذلك منهم دعاء بالغَداة والعَشيِّ، وعبادة لله جامعة؛ لأن الله تعالى قد سمى العبادةَ دعاءً، وقال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدُّعاءَ هو العبادةُ))، ثم قرأ: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].

 

لقد كانت هذه الفئةُ المؤمنة كلها مِن فقراء مكةَ الذين سارعوا إلى الإيمان حالَ سماعهم ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونالهم مِن أذى المشركين أشدُّ البطش والتعذيب، فكانوا القدوة الحسنة في الصبر والثبات والبذل والجهاد طيلة حياتهم، لم يبدِّلوا ولم يغيِّروا ولم يَهِنوا، وكان على رأس هذه الفئة ستةٌ مِن كرام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ هم سَلْمان الفارسي الذي كان يقول: (إن استطعتَ أن تأكل التراب ولا تكونَنَّ أميرًا على اثنين، فافعَلْ)، وبلال: الذي استأذن أبا بكر بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أن يترك المدينة ليجاهد في سبيل الله، فرجاه الخليفةُ أن يبقى معه، ثم أذِن له،وصهيب الذي صلى إمامًا بالناس بعد استشهاد عمر بن الخطاب إلى أن تم اختيار الخليفة الجديد، وعمار الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عمارًا مُلِئ إيمانًا إلى مُشَاشِه))[3]، والمِقداد: أول مَن أعدَّ فرسًا في سبيل الله، وأحد الفرسان الثلاثة في غزوة بدر[4]، وثالث مَن تكلم في مجلس الشورى يوم بدر بعد أبي بكر وعمر، وقال مقولته المشهورة: (يا رسول الله، امضِ لِما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، بل نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلَا إنا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق، لو سِرتَ بنا إلى بَرْكِ الغمادِ، لجالَدْنا معك من دونه حتى تبلغه، ولنقاتلن عن يمينك وعن يسارك وبين يديك، ومِن خلفك حتى يفتح الله لك)، وخبَّاب بن الأرتِّ: الذي بِيع في الجاهلية بمكة عبدًا، وكان سادس مَن أسلَم، وأول مَن أظهر إسلامه، فعُذِّب عذابًا شديدًا لأجل ذلك، وهو القائل: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بُردةً له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصرُ لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: ((قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيُحفَر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعَل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون]؛ (البخاري: 6943.

 

لقد كان اجتماعهم حول رسول الله صلى الله عليه وسلم أول نواة لمدارس تخريج الدعاة في الإسلام، تلمذةً وانضباطًا وقيادةً وتفرُّغًا للعلم، وتدريبًا على العمل به، كلُّ منهم ساعٍ لكفاية نفسه، حريص على نفع غيره، ونصرة دينه، يحدُوهم الإخلاص لله، وابتغاءُ مرضاته عز وجل؛ ولذلك قُيِّدت دعوتُهم بقوله سبحانه عقب ذلك:

﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام: 52]: وإرادة وجه الله تعالى هي القاسم المشترك الأعظم، ونقطة الارتكاز والانطلاق في العبادة التامة المقبولة، بجزأيها اللذين هما إخلاص النية، وصواب العمل؛ أي تصفية الباعث على العمل من كل الشوائب، وتوحيد التوجه إلى الله وطلب رضاه؛ لأن رضاه عز وجل هو المفتاح الوحيد للنعيم الأبدي في الآخرة، ولا تتحقق هذه الغاية إلا بإيمانٍ جوهره الإخلاص، وقصدٍ سليم مَبْناه محبته سبحانه، وعملٍ بالكتاب والسنَّة أساسه اتباع المصطفى عليه الصلاة والسلام.

 

ذلك ما كانت عليه هذه الفئة المؤمنة الربانية في أول مؤسسة تربوية تعليمية إيمانية في الإسلام، مدرسة النبوة الأولى، فَجْر الدعوة الإسلامية، بتلامذتها من الفقراء والمستضعَفين الذين ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام: 52]، فكان قيامهم وقعودهم وممشاهم ووقوفهم عبادةً، وكلامهم وصمتهم وراحتهم وتعبهم قُرْبَى، ويقظتهم بالنهار جهادًا، ونومهم بالليل تهجدًا، وتمتعهم بالمباحات شكرًا، وامتناعهم عن المحرمات زكاةً، كل ما لديهم وما يعملون، من الله ولله وفي سبيل الله، وابتغاء وجه الله.

 

إن قوله تعالى عنهم: ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام: 52] شَهادةٌ منه عز وجل لهم، لا تضاهيها شَهادة، وتكريم لا أعز منه من تكريم، وتزكية ما أشرفها من تزكية، لا سيما وقد وردت مباشرة عقب إشارته تعالى إليهم بتزكية أخرى بقوله عز وجل: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51]؛ لِما يتميزون به من تمام الإيمان بالغيب، والخوف من يوم الحساب، والولاء الحق لله تعالى، ونَبْذ ما سواه من الأولياء والأنداد والشفعاء[5].

 

ولا شك أن قيام هذه المدرسة الأولى في فجر الإسلام برجالها الأشداء الذين اختاروا الآخرة والتفُّوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم - قد أثار توجُّس المشركين وخوفهم، وحسَدهم وحفيظتهم، فانطلقوا يكيدون لتفريق جمعهم وإبعادهم عن قيادتهم، بتحقيرهم وتسفيهِ وضعهم الاجتماعي، ووصفهم بالأوصاف النابية، مثل: الأعبُدِ والعُبْدان والعُسَفاء كما في الحاشية[6]، والطعن في إيمانهم وصدقهم، والتشكيك في ولائهم للرسول صلى الله عليه وسلم، والزعم بأنهم ما آمنوا إلا لأنهم فقراء عاطلون يجِدون عنده الطعام والكساء، فكان الرد عليهم بقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم تعريضًا بهم:

﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 52]: ليس عليك مِن حساب هذه الفئة شيءٌ مما يُبطنون أو يعمَلون؛ لأن نتائج نياتهم وأعمالهم لازمةٌ لهم وحدهم، لا تتعدى لغيرهم، وحسابهم بيد الله الذي يعلم السر وأخفى، هو وحده يقدر العمل ويقدر الجزاء، وكما أنه تعالى في أمر الصوم استأثر بحساب أجره؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ عمل ابن آدم يضاعَف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى ما شاء الله، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به)) - فكذلك أعمال هذه الفئة المؤمنة، له سبحانه وتعالى حسابها وجزاؤها.

 

ولئن كان هذا هو موقفَ عُتاة المشركين من هذه الفئة المؤمنة، وكان هذا ما ردَّ به ربُّ العزة تعالى عليهم - فإنما ذلك معهود في تاريخ الرسالات الإيمانية منذ كانت، كلما بُعِث نبي أو رسول سارع المستضعَفون إلى اعتناقها، وتحمُّل ثِقَل دعوتها ومحنتها ولَأْوَائِها، وسارع الملأ من الكُبَراء والأغنياء إلى مقاومتها والمكر بها، وكأنه مشهد نوح عليه السلام مع قومه؛ إذ طعنوا في دِين أصحابه، وشكَّكوا في إخلاصهم، وازدَرَوْا بوضعهم الاجتماعي، وطالَبوه بطردهم: ﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 111 - 114]، ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ * وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [هود: 27 - 29].

 

وكما أن حسابَ عملهم لا يتعداهم إليك، فكذلك حساب عملك يا محمد لازمٌ لك وحدك، لا يتعدى لغيرك، على الله وحده حسابه وتقدير جزائه، وليس على أحد منهم أو له تقديره وحسابه: ﴿ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 52]،إنه العدل الإلهي المطلَق، لا يستأثر أحد بأجر عمل غيره، ولا يتحمَّل وِزره؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [فاطر: 18]، لا فرق في ذلك بين نبي ورسول، وتابع ومتبوع.

 

وما دام أمرُ معرفة النيات وصدقها، والأعمال وصوابها، وتقدير الجزاء عليها بيد الله تعالى، فإن محاولةَ المشركين طَرْدَ هذه الفئة المؤمنة، وإبعادَها عن مجلسك - تَأَلٍّ على الله، واجتراءٌ على أمره، وظلمٌ يريدون استدراجك إليه؛ مكرًا بك وبالمؤمنين وخديعة، وذلك ما نبَّه إليه الحق تعالى وحذَّر منه؛ إذ عقَّب بقوله عز وجل: ﴿ فَتَطْرُدَهُمْ ﴾ [الأنعام: 52] جوابًا للنفي في قوله تعالى: ﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 52]، أما قوله تعالى عقِبها: ﴿ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 52]، فجواب النهي السابق عن الطرد في قوله عز وجل: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ [الأنعام: 52]؛ أي: لا تطردهم فتكون ظالِمًا، باعتبار أن في الآية تقديمًا وتأخيرًا، تقديره: ليس عليك من حسابهم شيء فتطردهم، ولا تطردهم فتكون من الظالمين.

 

إن هذا المكر لم يكن أول ما مارسه عتاة قريش ضد المؤمنين؛ فلقد مدُّوا إليهم الأيديَ بالتجويع والحبس والضرب والكي بالنار والسحل على الرمل المُحمَّى في هجير الصيف، عند ظهور تباشير الإيمان الأولى، فما زادهم التعذيب إلا إيمانًا، وما زاد ثباتُهم المشركين إلا غيظًا وحَنَقًا وإصرارًا على محاربة الدعوة الإسلامية وأهلها،وإذ فشلت أساليبهم في التعذيب والإرهاب، عمَدوا إلى الكيد والمكر لإبعادهم عن قائد مسيرتهم صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك عقَّب الحق سبحانه بقوله:

﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 53]، والفتنة لغةً هي الاختبار، مِن "فَتَنَ الذهَبَ يَفْتِنُه" بالكسر: إذا وضعه في النار ليختبر جودته، يقال: فُتِن بعضُ الناس ببعض، وابتُلِيَ بعضهم ببعض،ومنه قوله تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3]، وقوله عز وجل: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، والفتنة في الحياة الدنيا مطلقًا أداةُ الاختبار الإلهي للعباد، عليها بُنِيَ الوجودُ البشري، تكون باختلاف الأرزاق والأخلاق والأعباء والتكاليف، وما يصيب الناسَ مِن حالات اليُسر والعُسر، والسقم والعافية، يُبتلى الوالدُ بالولد، والولدُ بالوالد، والزوج بالزوجة، والزوجة بالزوج، والمريض بالمعافى، والمعافى بالمريض، والمؤمن بالكافر، والكافر بالمؤمن، ويُبتلى الصادق في عبادته بمن يعبد اللهَ على حرف، والثابت على دِينه بالمتاجر بدِينه، ويُبتلى الأشقَّاء ببعضهم البعض، كل منهم بمميزات خاصة قد تثير بينهم التباغض والتحاسد، فمَن تمسَّك بالعدل، وآمَن بقدر الله في توزيع المواهب والقدرات والأرزاق، وسلَك أقوم الطرق في السعي - أَمِنَ شرَّ الفتن، ومَن سَخِط قدر الله، واستكثَر على غيره ما وهبه الله - خسِر نفسه، ذلك ما قرره الحق سبحانه بقوله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 53]؛ أي: وكما هي سنَّتنا فيما ابتلَيْنا به الأمم السابقة فتَنَّا عُتاةَ مشركي قريش بسَبْق الفقراء إلى الإيمان، والثبات عليه، والاستعلاء به، واختبَرْنا فقراءَ المؤمنين ببطش المشركين، وقسوتهم، واستعلائهم على الحق، وازدرائِهم بأهله: ﴿ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ [الأنعام: 53]، واللام في قوله تعالى: ﴿ لِيَقُولُوا ﴾ للعاقبة والمآل؛ أي: لتكون عاقبة المشركين ومآلُ أمرهم أن يقولوا إنكارًا على الفئة المؤمنة ما فضلها الله به: "أهؤلاء الصعاليكُ مِن الفقراء والموالي والعبيد والعتقاء والأجراء هم الذين أنعَم الله عليهم بالتوفيق إلى الحقِّ، وفضَّلهم علينا في الدِّين الجديد؟!".

 

هذا الموقف من المشركين عرَفه الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه قبل أن يعرفه أتباعه المؤمنون؛ إذ قالوا عنه حسَدًا عندما أُنزِل عليه الوحيُ: ﴿ أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ﴾ [ص: 8]، ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف: 31]، وقالوا بعد ذلك عن الفقراء الذين سبَقوا للإيمان: ﴿ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 11].

 

لذلك ردَّ الحق سبحانه عليهم باستفهامٍ تقريريٍّ بقوله:

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53]، وصيغة التفضيل في قوله تعالى: ﴿ بِأَعْلَمَ ﴾ يراد بها أنَّ علمَه ليس فوقه علم؛ أي: هل غاب عنكم أيها المشركون أن عِلمَ الله تعالى بالشاكرين مِن عباده عِلمٌ مطلَق تام بأقوالهم وأفعالهم ونياتهم؟! وأنه وحده العالم بمن يستحقُّ الفضل والتكريم وحسن الجزاء في الدنيا والآخرة؟! العليم بمن يستحق اصطفاءَه عز وجل، وإخراجَه مِن الظلمات إلى النور، وهدايتَه إلى صراطه المستقيم.

 

ثم بالتفاتٍ بيانيٍّ لطيف يخاطب الحق سبحانه نبيَّه الكريم بقوله ناصحًا وآمرًا وموصِّيًا بهذه الفئة المؤمنة السبَّاقة إلى الإيمان والإحسان، يمسَح عن قلوب أهلها ما نالهم مِن أذى المشركين وعَجْرفتهم، ويعجِّل لهم البشرى من ربهم:

﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام: 54]، والمؤمنون بآياتِ الله في سياق هذه الآية والراجحِ من أسباب النزول: هم أولئك المستضعَفون الذين سأل المشركون إبعادَهم عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

ولئن ذهب بعض أهل التأويل إلى أنها نزلت في قوم استفتَوُا النبي صلى الله عليه وسلم في ذنوب أصابوها عظامٍ، فلم يُيْئِسْهم الله من التوبة، ونزلت الآية، وآخرون، منهم عكرمة وعبدالرحمن بن زيد، قالوا: إنها في قوم من المؤمنين أخطؤوا وأشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بطرد الفئة المؤمنة المستضعَفة تأليفًا لقلوب أغنياء قريش وعُتاتها، ثم ندموا، فأمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يبشرهم إذا أتَوْه بأنه قد غفر لهم،إلا أن السياقَ القرآني وتتابعَ الضمائر وأدواتِ العطف في الآية ووحدةَ الموضوع ومحوريتَه حول أولئك المستضعَفين - يؤكد نزولها فيهم، لا في غيرهم، وإن كانت الآية الكريمة بعمومها وإطلاقها في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا ﴾ [الأنعام: 54] تبشِّر بمغفرته سبحانه لكلِّ مَن تاب من المؤمنين.

 

أما السلام مِن الله تعالى فهو عهدٌ بالأمن والأمان، والسلامة والبراءة من الشرك، والبِشارة بالمغفرة والرضوان، كما هو تحية لقاء المؤمنين ربَّهم يوم القيامة؛ قال عز وجل: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 44]، ومِن سعادة هذه الفئة المؤمنة التي استكثر عليها المشركون الاستئثارَ بمجالسة الرسول صلى الله عليه وسلم: أن زاد اللهُ في إكرامهم، وعجَّل لهم في الدنيا تحية لقائه لهم في الآخرة، فقال عطفًا على النهي عن طردهم: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام: 54]؛ أي: إذا جاءك هؤلاء الذين يَدْعون ربهم بالغداة والعَشيِّ يريدون وجهه، فبادِئْهم بالسلام عليهم مِن الله تعالى؛ إكرامًا لهم، وتطييبًا لقلوبهم، وترويحًا عن نفوسهم، وتخفيفًا عنهم ما نالهم من أذى المشركين وعجرفتهم، وأبلِغْهم وَعْدَه لهم بلقاءٍ آمنٍ يوم الدِّين، ما داموا على عهدهم له، ووفائهم لدِينه، واقتدائهم برسوله صلى الله عليه وسلم؛ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما رآهم بادَأَهم بالسلام، وقال: ((الحمدُ لله الذي جعل في أمَّتي مَن أمَرني أن أبدأَه بالسَّلام)).

 

لذلك عقَّب الحق سبحانه ببِشارة عامة شاملة لعباده، هي مصدر كل مغفرة، وقَبول كل توبة فقال: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54]؛ أي: أوجَب على نفسه الرحمةَ بعباده؛ لأنه هو الرحمنُ الرحيم، اللطيف بعباده، ولصفاتِه هذه كان أرحمَ بعبده من الأم بولدها، كما ذكر عمرُ عن امرأة من السبيِ تحلَّبَ ثديُها، فكانت تسعى إذا وجدت صبيًّا في السبيِ أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟!))، فقالوا: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال: ((لَلهُ أرحمُ بعباده مِن هذه بولدها))،وكما روى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((جعل الله عز وجل الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخَلْق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها؛ خشيةَ أن تصيبه))،وفي صحيح البخاري: ((إن الله تعالى كتب كتابًا، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقَتْ غضبي)).

 

ولئن تساءل البعض عن كيفية إضفاء هذه الرحمة على العباد في سياق هذه الآية الكريمة، أَلْفَى الجواب في الآية الكريمة بعدها وقد تضمنت أصلًا من أصول الدِّين، وهي قوله تعالى:

﴿ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ﴾ [الأنعام: 54]، والسُّوء في هذا السياق يعني أعظَمَه، وهو الشرك، كما يعني الذنبَ، صغيرًا أو كبيرًا، والجهالة التي يرتكب بها السوء، كفرًا كان أو ذنبًا، هي عدم الاعتزاز به أو الإصرار عليه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206]، أو كفِعل قوم نوح في قوله تعالى: ﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴾ [نوح: 7]، وفي قوله تعالى: ﴿ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة: 46]، وقول نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم على المنبر: ((ويلٌ للمُصرِّين الذين يصرُّون على ما فعلوا وهم يعلمون))، كما رُوي بإسناد صحيح: أنَّ رجلًا قال لابن عبَّاسٍ: كم الكبائرُ، أسَبعٌ هي؟ قال: هي إلى سَبعِمائةٍ أقربُ منها إلى سبعٍ، غيرَ أنه لا كبيرةَ مع استغفارٍ، ولا صغيرةَ مع إصرارٍ.

 

أما أن يرتكب المرء الذنب عن جهلٍ بحرمته، أو جهل بعقوبته، أو بمقدار ما يفوته من الثواب وما يستحقه من العقاب، أو جهل بعاقبة إيثار اللذة العاجلة في الدنيا على الخير الكثير الموعود به في الآخرة، ثم يُعقِب ذلك بتوبة صادقة يقصِد بها وجه الله تعالى، ندمًا على الارتكاب، وعزمًا على الإقلاع وعدم العودة، وردًّا للحقوق، وإصلاحًا لِمَا أفسده الذنب في نفسه وفي غيره ما استطاع، فإنه يجدُ الله توَّابًا رحيمًا، وهو قوله عز وجل: ﴿ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54]؛ أي: إن أدَّى شروط التوبة، إنابةً وإصلاحًا، وجَد الله غفارًّا للذنوب، رحيمًا بالعباد.

 

وجديرٌ بالذكر أن أحكامَ التوبة مِن ارتكاب السُّوء بجهالة قد انتظمتها في الفترة المكية بعد سورة الأنعام: سورةُ النحل، بقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 119]، ثم زادت أحكامَها تفصيلًا سورةُ النساء في الفترة المدنية بقوله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 17، 18].

 

ولعل مِن كرامة هذه العُصبة المؤمنة عند الله تعالى أن بَشَّرها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالسلام والأمن في الدنيا والآخرة، في أشد فترات الجاهلية واعتراضها ولَظَى تكذيبها، وجعل صبرها واحتسابها سببًا لنزول هذه الآية الكريمة، آية التوبة على المؤمنين كافة، وجعل الجَهالة المطلَقة بكافة أصنافها إذا تبِعَتْها التوبةُ سببًا للمغفرة والرحمة.

 

أما من حيث قراءة هذه الآية الكريمة فجدير بالذكر أن قوله تعالى: ﴿ أَنَّهُ ﴾ ورد فيها مرتين، الأولى قوله: ﴿ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ.. ﴾ [الأنعام: 54]، والثانية قوله: ﴿ فَأَنَّهُ غَفُورٌ.. ﴾ [الأنعام: 54]، وقد قرأ نافع: ﴿ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ.. ﴾ بفتح همزة "أن" على البَدَلِية من الرحمة، وقرأ: ﴿ فَإِنَّهُ غَفُورٌ ﴾ بكسر همزة "إن" على الاستئناف بعد حرف الفاء، وقرأ عاصم وابن عامر بفتح همزة ﴿ أَنَّ ﴾ فيهما، أما الباقون فقرؤوا بكسر همزة ﴿ إِنَّ ﴾ فيهما.

 

ثم ختم الحق تعالى بذِكر حكمته في ابتلاء ضعَفة المؤمنين بكفَرة المشركين، بعد بيان غضبه لهم ورضاه عنهم، وما كتبه على نفسه من الرحمة العامة المطلقة، وما شرعه من أحكام التوبة وشروط قبولها، فقال: ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 55].

 

والإشارة في قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ ﴾ [الأنعام: 55] إلى آيات الخَلْق والتدبير، ودلائل التوحيد والألوهية والربوبية والنبوة الواردة فيما سبق من هذه السورة المباركة، وآيات فشَل محاولات المشركين المكرَ بالمؤمنين والتفرقة بينهم وبين نبيهم صلى الله عليه وسلم، وآيات حماية الله لهم بتثبيت قلوبهم على الحق، وإكرامهم ورفع درجاتهم، ونهيه عن طردهم من مجلس الذِّكر والعلم ومدرسة النبوة، وآيات اتضاح معايير الدِّين وقِيَمه المستعلية على قِيَم المال والجاه والنسَب والقوة المادية الغاشمة، ﴿ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 55]، والسبيل هو الطريق والنهج والمنهج، يُذَكَّر كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ﴾ [الأعراف: 146]، ويُؤَنَّث كما في قوله عز وجل: ﴿ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [الأعراف: 86]،أما استبانته فاتِّضاحه بعد اشتباهٍ؛ أي: ليتضحَ لمحمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين في كل عصر ومصرٍ: طريقُ المجرمين المنحرفين عن منهج الرشد ومسلك السداد، كفرةً ومشركين ومنافقين، فلا يبقى عليها أيُّ غموض مُخِلٍّ، أو اشتباه مُضلٍّ، وتتميز بذلك عن سبيل الله وصراطه المستقيم، وتنكشف حقيقة الهدى وحقيقة الضلال، وتتم المفاصلة الشعورية بين أهل الإيمان وأهل الكفر والجحود، ويَهلِك مَن هلك عن بينة، وينجو مَن نجا عن بينة.

 

ولئن اختلفتِ القراءات لهذه الآية لدى القراء، فقرأ نافع: ﴿ لِتَسْتَبِينَ ﴾ بالتَّاء، و﴿ سَبِيلَ ﴾ بالنصب على المفعولية؛ أي: لتستبينَ يا محمدُ والمؤمنون معك طريقَ المجرمين، كفرةً ومشركين، وتتضحَ لكم معالمُ كيدِهم ومكرهم، وما يُلقُون من الشبهات، وقرأ حمزةُ والكسائي وأبو بكر عن عاصم: ﴿ لِيَسْتَبِينَ سَبِيلُ ﴾ بالياء وتذكير السبيلِ مرفوعًا على الفاعلية؛ أي: ليتَّضحَ سبيلُ المجرمين، وقرأ الباقون: ﴿ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ﴾ بالتاء وتأنيث السبيل مرفوعًا - فإن جميعَ هذه القراءات تلتقي في معنى واحد، هو وجوب معرفة الحقِّ، واتِّباعه، وموالاة أهله، ومعرفة الباطل، واجتنابه، ومفاصلة أهله، وتجنُّب مكرهم، والحذَر مِن كيدهم وغدرِهم.

 

إن هذه الآية الكريمة قاعدة أساس للتصور الإيماني؛ إذ ينعكس على تصرفات المرء وعلاقاته وولائه وبرائه، وتحديد مسار حياته، فبغير استبانة سبيل المجرمين لا يستطيع المؤمن محاذرتها وتجنُّبَها، بل قد تكون رؤيته لسبيل المؤمنين غائمةً أو مضطربة، وبضدها تتميز الأشياء، كما هي سنَّة الله في الخَلْق، السواد مقابل البياض، والليل ينسلِخُ منه النهار، والحياة تُعرَف بالموت، والحسَنُ يعرف بالقبيح، وهكذا دواليك؛ولذلك عندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم تمييزَ سبيل الرشد من سبل الضلال، خطَّ لأصحابه خطًّا مستقيمًا، ثم قال: ((هذا سبيل الله مستقيمًا))، ثم خط عن يمينه وشِماله، وقال: ((هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطانٌ يدعو إليه))، ثم قرأ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ [الأنعام: 153]،وقد أُثِر عن عمر رضي الله عنه: أنه كان يقول: "مَن لم يعرف الجاهلية، لا يعرف الإسلام))، وهذا نُعَيم بن حماد شيخُ البخاري، قيل له: "إنك شديدٌ على الجهمية[7]"، فقال: "لأني كنتُ منهم"،وقال ابن تيمية: "ومَن نشأ في المعروف لم يعرِفْ غيره، فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكَر وضرره ما عند مَن علمه، ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم".

 

إن قاعدة تمييز سبيل المؤمنين عن سُبل الضالين، كانت في هذه الآيةِ الكريمةِ الحكمةَ المستخلَصةَ من تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الفئة السبَّاقة إلى الإسلام فَجْرَ الدعوة الإسلامية، في أول مدرسة نموذجية للنبوة أقضَّت مضاجع كفار قريش؛ حيث كان يتحلق حوله الفقراء والمستضعَفون والأجراء ونزَّاع القبائل والأعراق، فيعلمهم القرآن، ويفقههم في العبادات، ويصحح عقيدتهم، ويبلور تصورهم الإيماني الخالي من الشوائب، ويعلي هممهم عن الأطماع الوضيعة والمشاعر الرخيصة والقِيَم الزائفة، ويستخلصهم للولاء الحق لله ورسوله والمؤمنين، ويُعِدُّهم لنصرة الدِّين بأغلى ما يملِك الإنسان،ولعل خيرَ مثال على ما بلغه تصوُّرُهم الإيمانيُّ مِن وضوح رؤيةٍ وإشراقِ إيمان: ما رواه مسلمٌ في صحيحه عن عائذ بن عمرو: أن أبا سفيان أتى على سَلْمان وصهيبٍ وبِلالٍ ونفرٍ فقالوا: "واللهِ ما أخذَتْ سيوفُ اللهِ مِن عنقِ عدوِّ اللهِ مأخذها"، فقال أبو بكرٍ: "أتقولون هذا لشيخِ قريشٍ وسيدِهِم؟!"، فأتى النبيَّ صلى الله عليهِ وسلم فأخبره، فقال: ((يا أبا بكرٍ، لعلك أغضبتَهم، لئِن كنتَ أغضبتَهم لقد أغضبتَ ربَّك))، فأتاهم أبو بكرٍ فقال: "يا إِخوتاه، أغضبتُكم؟"، قالوا: "لا، يغفِر الله لك يا أخِي".

 

إنها أول مدرسة نموذجية في التاريخ الإسلامي تعلِّمُنا ما ينبغي أن يكون عليه المعلِّم والمتعلِّم، ومنهج التربية والتعليم،المعلِّم وهو في الذروة من قريش والذؤابة من بني هاشم وسيد ولد آدم، يجالس بكل تواضع تلامذتَه مِن ضعَفة القوم كأنه منهم، حتى لَيقولُ سلمان الفارسي وخبَّاب بن الأرتِّ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا ويدنو منا حتى تمَسَّ ركبتُنا ركبته، وكان يقوم عنا إذا أراد القيام، فنزلت: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ [الكهف: 28]، فترَك القيام عنا إلى أن نقوم، فكنا نعرف ذلك ونعجله القيامَ"؛أي: إنهم كانوا يقومون أولًا من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في منتهى الأدب إذا شعَروا بأنهم أطالوا الجلوس معه؛ كيلا يُحرجوه مع ربه وقد أمره أن يصبر نفسه معهم، وفي هذا قمة الحب والأدب والتكريم من المعلِّم والمتعلِّم.

 

وحتى لَيقولُ أبو سعيد الخدري: جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستتر ببعض من العُرْي، وقارئ يقرأ علينا، إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا، فلما قام علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت القارئ، فسلَّم، ثم قال: ((ما كنتم تصنعون؟))، قلنا: يا رسول الله، كان قارئ لنا يقرأ علينا، وكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحمد لله الذي جعل مِن أمتي مَن أُمِرت أن أصبر نفسي معهم))، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطنا ليعدل بنفسه فينا، ثم قال بيده هكذا، فتحلقوا وبرزت وجوههم، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرَف منهم أحدًا غيري،ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذلك خمسمائة عام)).

 

أما المتعلِّم في هذه المدرسة على فقره وخلوِّه مما يفاخر به كبراءُ قريش، فهو مستعلٍ بإيمانه، لا يستذلُّه الغِنَى من الأغنياء، ولا تفتنه القوة من ذوي الجاه والسلطان، ولا يقف متوددًا أو متسولًا على أبواب الكُبَراء والمكاثرين، كما يفعله بعض الدعاة الذين استرخصوا مروءاتهم وعِلمهم مسترفدين الأعطيات، تحت ذريعة الاستقواء على تكاليف الدعوة وأعبائها.

 

لقد كانت هذه العُصبة المؤمنة المستضعَفة مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تتلقى العلم والأدب مستورةَ الحال، صابرة على البلاء، محتسبة شاكرة في البأساء والنَّعماء، لا يعلَم صدق نياتهم وصفاء نياتهم إلا اللهُ تعالى، وهو الحكيم العليم بالشاكرين، حتى إذا اشتد حسَد المشركين لهم على سبقهم للإسلام، وحنَقُ الكفار على استعلائهم بالإيمان، وحاوَلوا خفضهم عن درجتهم عند الله تعالى، أراد اللهُ أن يُشهِرَ منزلتهم عنده، ويَغيظ بهم أعداءه، ويجعلهم قدوة لعباده، فشهد لهم مِن فوق سبع سموات بصدق العبادة والتقوى: ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام: 52]، وبشَّرهم بسلامة الحال بين يدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلامة الورود بين يدَيْ ربه عز وجل: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام: 54]، وجعل أمرهم مدخلًا لتنزيل تشريع رحمته بعباده: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54]، فهنيئًا لهم سلامة الحال، وسعادة المآل، وهنيئًا لِمَن كان على سيرتهم فكثَّر رفقاء دربهم، واتبع سنة نبيهم صلوات الله عليه وسلامه.



[1] الرِّيح: نسيم الهواء، والجمع أَرْواح، تعبير عن رائحة عرق أجسادهم وملابسهم.

[2] إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

[3] أي: إلى ما تحت عظامه.

[4] وهم المقداد، والزبير، ومرثد بن أبي مرثد.

[5] تخلِّيهم عن الأولياء والشفعاء لا ينافي ثبات ولاء المؤمن للمؤمنين، ولا إثبات الشفاعة للمؤمنين؛ لأن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله تعالى، وهي بذلك في الحقيقة منه عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [المائدة: 55]، وقوله عز وجل: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255].

[6] العُسَفاء جمع عسيف، وهو: الخادم والأجير.

[7] أتباع الجهم بن صفوان الذي قتل عام 128هـ بعد اشتراكه مع الحارث بن سريج التميمي في الثورة على الدولة الأموية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مزايا السيرة النبوية
  • دروس من الهجرة النبوية
  • قبسات من التربية النبوية
  • طبيعة البحث في السيرة النبوية
  • السيرة النبوية والاستشراق
  • قيمة العلم في السنة النبوية

مختارات من الشبكة

  • أهم المدارس اللسانية الغربية الحديثة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المدرسة الإسلامية بمانشستر تصنف ضمن أفضل مدارس المدينة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ألمانيا: مدرسة تمنع الحجاب للطالبات والنقاب للأمهات(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المدرسة البنيوية التقليدية (مدرسة جنيف) ومؤسسها دوسوسير(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مدارس الاستشراق .. المدرسة الهولندية(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مدارس الاستشراق .. المدرسة الإيطالية(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مدارس الاستشراق .. المدرسة الإسبانية(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مدارس الاستشراق .. المدرسة الروسية(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مدارس الاستشراق .. المدرسة الأمريكية(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مدارس الاستشراق .. المدرسة الألمانية(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب