• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / محمد صلى الله عليه وسلم / سيرة نبوية
علامة باركود

إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (27)

إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (27)
الشيخ محمد طه شعبان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/12/2015 ميلادي - 10/3/1437 هجري

الزيارات: 4843

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز

في السيرة (27)

 

قوله:

وَبَعْدَهُ قَدْ أَوْرَدُوا مَا كَانَ فِي ♦♦♦ يَوْمِ حُنَيْنٍ............

 

قال ابن إسحاق رحمه الله:

"ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة، جمعها مالك بن عوفٍ النصري، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيفٌ كلها، واجتمعت نصرٌ وجشمٌ كلها، وسعد بن بكرٍ، وناسٌ من بني هلالٍ، وهم قليلٌ، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعبٌ ولا كلابٌ، ولم يشهدها منهم أحدٌ له اسمٌ، وفي بني جشمٍ دريد بن الصمة شيخٌ كبيرٌ، ليس فيه شيءٌ إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شيخًا مجربًا، وفي ثقيفٍ سيدان لهم، وفي الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتبٍ، وفي بني مالكٍ ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالكٍ، وأخوه أحمر بن الحارث، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوفٍ النصري، فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فلما نزل بأوطاس، اجتمع إليه الناس، وفيهم دريد بن الصمة في شجارٍ له يقاد به[1]، فلما نزل قال: بأي وادٍ أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل! لا حزنٌ ضرسٌ، ولا سهلٌ دهسٌ[2]، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوفٍ مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم.

 

قال: أين مالكٌ؟ قيل: هذا مالكٌ، ودعي له، فقال: يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يومٌ كائنٌ له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قال: سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم، قال: ولمَ ذاك؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجلٍ منهم أهله وماله؛ ليقاتل عنهم، فقال: راعي ضأنٍ والله! وهل يرد المنهزم شيءٌ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجلٌ بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، ثم قال: ما فعلت كعبٌ وكلابٌ؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحدٌ، قال: غاب الحد والجد، ولو كان يوم علاءٍ ورفعةٍ لم تغب عنه كعبٌ ولا كلابٌ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعبٌ وكلابٌ، فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامرٍ، وعوف بن عامرٍ، قال: ذانك الجذعان[3] من عامرٍ لا ينفعان ولا يضران، يا مالك، إنك لم تصنع بتقديمالبيضة بيضة هوازن[4] إلى نحور الخيل شيئًا، ارفعهم إلى متمنَّع بلادهم وعُلْيا قومهم، ثم القَ الصُّبَّاء على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك قد أحرزت أهلك ومالك، قال: والله لا أفعل ذلك، إنك قد كَبِرْتَ وكَبِرَ عقلك، والله لتطيعُنَّني يا معشر هوازن، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري، وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكرٌ أو رأيٌ، فقالوا: أطعناك، فقال دريد بن الصمة: هذا يومٌ لم أشهده ولم يفتني:

يا ليتني فيها جذع
أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع
كأنها شاةٌ صدع

 

ثم قال مالكٌ للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجلٍ واحدٍ"؛ اهـ[5].

 

تجهيز جيش المسلمين:

ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبدالله بن أبي حدردٍ الأسلمي، وأمره أن يدخل في الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم، فانطلق ابن أبي حدردٍ، فدخل فيهم، فأقام فيهم، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع من مالكٍ وأمر هوازن ما هم عليه، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر[6].

 

فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن، وقام صلى الله عليه وسلم بتجهيز جيشه المكون من اثني عشر ألفًا[7]؛ العشرة آلافٍ الذين فتحوا مكة، وألفان من الطلقاء، وهو أكبر جيشٍ للمسلمين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيدٍ على مكة[8].

 

فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعًا له وسلاحًا - وكان صفوان لا يزال مشركًا - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا صفوان، هل عندك سلاحٌ؟))، قال: عارية أم غصبًا؟ قال: ((لا، بل عاريةٌ))، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعًا[9].

 

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة خامس شوالٍ[10].

 

ووصلوا إلى حنينٍ في مساء العاشر من شوالٍ[11].

 

عن سهل بن الحنظلية: أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنينٍ، فأطنبوا السير حتى كانت عشية، فحضرت الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجلٌ فارسٌ، فقال: يا رسول الله، إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنينٍ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ((تلك غنيمة المسلمين غدًا إن شاء الله))، ثم قال: ((من يحرسنا الليلة؟))، قال أنس بن أبي مرثدٍ الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: ((فاركب))، فركب فرسًا له، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقبل هذا الشِّعْبَ حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن من قِبلك الليلة))، فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين، ثم قال: ((هل أحسستم فارسكم؟))، قالوا: يا رسول الله، ما أحسسناه، فثوب بالصلاة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، حتى إذا قضى صلاته وسلم، قال: ((أبشروا؛ فقد جاءكم فارسكم))، فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحت اطلعت الشعبين كليهما، فنظرت فلم أرَ أحدًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل نزلت الليلة؟))، قال: لا، إلا مصليًا أو قاضيًا حاجةً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد أوجبت، فلا عليك ألا تعمل بعدها))[12].

 

وبدأت المعركة:

خرج مالك بن عوفٍ بمن معه إلى حنينٍ، فسبقَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إليها، فأعدوا وتهيؤوا في مضايق الوادي وأجنابه، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح[13]، وقد أعجبت بعضَ المسلمين كثرتُهم، فحمل المسلمون على المشركين في أول المعركة فهزموهم، وفر المشركون من الميدان، فانكب المسلمون على الغنائم يجمعونها، فاستقبلهم رماة المشركين بالسهام[14]، فثارت في وجوه المسلمين الخيل، فشدت عليهم، وانكفأ الناس منهزمين، لا يقبل أحدٌ على أحدٍ[15]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان آخذٌ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعباس آخذٌ بلجام بغلته، يكفها عن الجري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي عباس، نادِ أصحاب السمرة[16]))، قال عباسٌ - وكان رجلًا صيتًا -: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار، يقول: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج[17]، وكان الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر لا يتعدون المائة[18]، منهم رهطٌ من أهله؛ علي بن أبي طالبٍ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، وأخوه ربيعة، والفضل بن العباس - وقيل: الفضيل بن أبي سفيان - وأيمن بن أم أيمن، وأسامة بن زيدٍ، وقثم بن العباس، ورهطٌ من المهاجرين؛ منهم: أبو بكرٍ وعمر[19]، فلما دعاهم العباس، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم ويقول: ((أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبدالمطلب، اللهم نزل نصرك))[20]، فاستجاب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، واجتمع المسلمون مرةً أخرى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إنك إن تشَأْ ألا تُعبَدَ بعد اليوم))[21].

 

ويقول - أيضًا - صلى الله عليه وسلم: ((أين أيها الناس؟ هلم إلي، أنا رسول الله، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبدالله))[22].

 

واستعاد المسلمون توازنهم، ونظموا صفوفهم، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا حين حمي الوطيس))، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصياتٍ فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: ((انهزموا وربِّ محمدٍ))، يقول العباس رضي الله عنه: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلًا، وأمرهم مدبرًا، قال العباس: وكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته[23].

 

وقد أنزل الله تعالى في هذه المعركة جندًا من السماء لإعانة المسلمين على عدوهم؛ كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 26].

 

وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنيةً، فاستقبلني رجلٌ من العدو، فأرميه بسهمٍ فتوارى عني، فما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنيةٍ أخرى، فالتقوا هم وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وأرجع منهزمًا، وعليَّ بردتان متزرًا بإحداهما مرتديًا بالأخرى، فاستطلق إزاري، فجمعتهما جميعًا، ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزمًا، وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد رأى ابن الأكوع فزعًا))، فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضةً من ترابٍ من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: ((شاهت الوجوه))، فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله تعالى[24].

 

وفي غزوة حنينٍ يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 25 - 27].

 

سرية أوطاس لتتبع فلول هوازن:

لما انهزمت هوازن، ذهبت فرقةٌ منهم - فيهم الرئيس مالك بن عوفٍ النصري - إلى الطائف فتحصنوا بها، وتوجه بنو غيرة من ثقيفٍ نحو نخلة، وسارت فرقةٌ فتحصنوا بمكانٍ يقال له: "أوطاس"، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً من أصحابه عليهم أبو عامرٍ الأشعري، فقاتلوهم فغلبوهم[25].

 

وكان قائد المشركين في أوطاس دريد بن الصمة.

 

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنينٍ، بعث أبا عامرٍ على جيشٍ إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقُتل دريدٌ، وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامرٍ، فرمي أبو عامرٍ في ركبته؛ رماه جشمي بسهمٍ فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عم، من رماك؟! فأشار فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولى، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألا تثبت؟ فكف، فاختلفنا ضربتين بالسيف، فقتلته، ثم قلت لأبي عامرٍ: قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته، فنزا منه الماء، قال: يا بن أخي، أقرئ النبي صلى الله عليه وسلم السلام، وقل له: استغفر لي، واستخلفني أبو عامرٍ على الناس، فمكث يسيرًا ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سريرٍ مرملٍ[26]، وعليه فراشٌ قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامرٍ، وقال: قل له: استغفر لي، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماءٍ فتوضأ، ثم رفع يديه فقال: ((اللهم اغفر لعبيدٍ أبي عامرٍ))، قال أبو موسى: ورأيت بياض إبطيه، ثم قال: ((اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثيرٍ من خلقك من الناس))، فقلت: ولي فاستغفر، فقال: ((اللهم اغفر لعبدالله بن قيسٍ ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا))[27].

 

ويقال: إن الذي قتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام رضي الله عنه[28].

 

وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنينٍ بعث جيشًا إلى أوطاس، فلقوا عدوا فقاتلوهم، فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا، فكأن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 24]؛ أي: فهن لكم حلالٌ، إذا انقضت عدتهن [29].

 

حدث في حنين:

• عن الحارث بن مالكٍ رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنينٍ ونحن حديثو عهدٍ بالجاهلية، قال: فسرنا معه إلى حنينٍ، قال: وكانت كفار قريشٍ ومن سواهم من العرب لهم شجرةٌ عظيمةٌ خضراء، يقال لها: ذات أنواطٍ، يأتونها كل سنةٍ، فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يومًا، قال: فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرةً خضراء عظيمةً، قال: فنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذات أنواطٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أكبر، قلتم والذي نفس محمدٍ بيده كما قال قوم موسى لموسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، إنها السَّنَن؛ لتركبن سَنَنَ مَن كان قبلكم))[30].

 

• وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، فبينا نحن نتضحى[31] مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ على جملٍ أحمر، فأناخه ثم انتزع طلقًا من حقبه[32]، فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفةٌ ورقةٌ في الظهر، وبعضنا مشاةٌ، إذ خرج يشتد، فأتى جمله فأطلق قيده، ثم أناخه وقعد عليه، فأثاره، فاشتد به الجمل، فاتبعه رجلٌ على ناقةٍ ورقاء.

 

قال سلمة: وخرجت أشتد، فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت، حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض، اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل، فندر، ثم جئت بالجمل أقوده، عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقال: ((من قتل الرجل؟))، قالوا: ابن الأكوع، قال: ((له سلبه أجمع))[33].

 

• وعن رباح بن ربيعٍ رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ، فرأى الناس مجتمعين على شيءٍ، فبعث رجلًا، فقال: ((انظر علام اجتمع هؤلاء؟))، فجاء، فقال: على امرأةٍ قتيلٍ، فقال: ((ما كانت هذه لتقاتل!))، قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلًا، فقال: ((قل لخالدٍ: لا تقتلن امرأةً ولا عسيفًا))[34].

 

• وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ - يعني يوم حنينٍ -: ((من قتل كافرًا فله سلبه))، فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلًا، وأخذ أسلابهم[35].

 

• وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنينٍ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولةٌ، فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين، فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع، وأقبل علي فضمني ضمةً وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب، فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله تعالى، ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((من قتل قتيلًا له عليه بينةٌ، فله سلبه))، فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت، فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت، فقال: ((ما لك يا أبا قتادة؟))، فأخبرته، فقال رجلٌ: صدق، وسلبه عندي، فأرضه مني، فقال أبو بكرٍ: لاها الله إذًا، لا يعمد إلى أسدٍ من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه[36]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدق، فأعطه))، فأعطانيه، فابتعت به مخرفًا[37] في بني سلِمة، فإنه لأول مالٍ تأثلته[38] في الإسلام[39].

 

• وعن أنسٍ رضي الله عنه: أن أم سليمٍ اتخذت يوم حنينٍ خنجرًا، فكان معها، فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، هذه أم سليمٍ معها خنجرٌ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما هذا الخنجر؟))، قالت: اتخذته، إن دنا مني أحدٌ من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله، اقتل من بعدنا من الطلقاء[40]؛ انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أم سليمٍ، إن الله قد كفى وأحسن))[41].



[1] الشجار: شبه الهودج إلا أنه مكشوف الأعلى.

[2] (الحزن): المرتفع من الأرض، (والضرس): الذي فيه حجارة محددة، (الدهس): اللين الكثير التراب.

[3] جَذَعان: صغيران لا قوة ولا خبرة لهما بالحرب.

[4] (بيضة هوازن): جماعتهم.

[5] "سيرة ابن هشام" (2/ 437- 439).

[6] "سيرة ابن هشام" (4/ 37).

[7] "سيرة ابن هشام" (4/ 38).

[8] السابق.

[9] أخرجه أبو داود (3563)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (631).

[10] "سيرة ابن هشام" (4/ 39).

[11] السابق.

[12] أخرجه أبو داود (2501)، وصححه الألباني.

[13] أخرجه أحمد (3/ 376) بإسناد حسن.

[14] متفق عليه: أخرجه البخاري (4317)، ومسلم (1776).

[15] التخريج قبل السابق.

[16] أصحاب السمرة: هم أصحاب البيعة تحت الشجرة، وكانت شجرة سمر.

[17] أخرجه مسلم (1775).

[18] أخرجه الترمذي (1689)، وصحح إسناده الألباني.

[19] أخرجه أحمد (3/ 376) بإسناد حسن.

[20] متفق عليه: سبق تخريجه.

[21] أخرجه أحمد (3/ 121).

[22] أخرجه أحمد (3/ 374) بإسناد حسن.

[23] أخرجه مسلم (1775).

[24] أخرجه مسلم (1777).

[25] "سيرة ابن هشام" (4/ 47)، "البداية والنهاية" (5/ 22).

[26] سرير مرمل: أي معمول بالرمال، وهي حبال الحصر التي تضفر بها الأسِرَّة؛ "فتح".

[27] متفق عليه: أخرجه البخاري (4323)، ومسلم (2498).

[28] "فتح الباري" (7/ 638)، وقال ابن حجر: رواه البزار في مسند أنس بإسناد حسن.

[29] أخرجه مسلم (1456).

[30] رواه ابن إسحاق بسند صحيح، "سيرة ابن هشام" (4/ 39)، والحديث أخرجه الترمذي (2180)، كتاب: الفتن، باب: ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم، عن أبي واقد الليثي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح السنن".

[31] نتضحى: نتغدى.

[32] الطلق: هو العقال من الجلد.

[33] أخرجه مسلم (1754).

[34] أخرجه أبو داود (2669)، وصححه الألباني.

[35] أخرجه أبو داود (2719).

[36] يريد أبو بكر رضي الله عنه أن أبا قتادة معه بينة، فقد يأخذ حق غيره؛ ولذلك قال: لا يعمد إلى أسدٍ من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين صدق أبي قتادة فقال: ((صدق، فأعطه)).

[37] مخرَفًا: أي بستانًا، سمي بذلك لأنه يخترف منه التمر؛ أي: يجتنى.

[38] تأثلته: أي: أصلته أو تملَّكته.

[39] متفق عليه: أخرجه البخاري (4321)، ومسلم (1751).

[40] اقتل من بعدنا من الطلقاء، هم الذين أسلموا من أهل مكة يوم الفتح، سموا بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مَنَّ عليهم وأطلقهم، وكان في إسلامهم ضعف، فاعتقدت أم سليم أنهم منافقون، وأنهم استحقوا القتل بانهزامهم؛ (نووي).

[41] أخرجه مسلم (1809).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (23)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (24)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (25)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (26)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (28)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (29)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (30)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (31)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (32)

مختارات من الشبكة

  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (WORD)(كتاب - ملفات خاصة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (36)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (35)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (34)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (33)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (32)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (22)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (21)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (20)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (19)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب