• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / محمد صلى الله عليه وسلم / مقالات
علامة باركود

من ملامح المنهج المحمدي: استغلال الوقائع والأحداث للتوجيه والإرشاد

من ملامح المنهج المحمدي: استغلال الوقائع والأحداث للتوجيه والإرشاد
أ. د. جابر قميحة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/8/2014 ميلادي - 16/10/1435 هجري

الزيارات: 8947

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من ملامح المنهج المحمدي

استغلال الوقائع والأحداث للتوجيه والإرشاد

 

من ملامح المنهج التربوي المحمدي، استغلال الوقائع والأحداث للتوجيه والإرشاد؛ أمرًا بالخير والحق، ونهيًا عن الشرِّ والباطل، والنبي عليه السلام في مثل هذه الحال كان ينطلق من الخاصِّ إلى العامِّ، ومن الفرديِّ إلى الجماعيِّ.

 

وربطُ التوجيه بالواقعة يوضِّح طبيعةَ التوجيه، ويُقنع الناسَ به من ناحية، ويكتُب لهذا التوجيه الاستقرارَ والديمومة من ناحية أخرى؛ وذلك لارتباطه بحدَثٍ يسهل تذكُّرُه واستعادته؛ فهو نوع من ربط التجريدي بالمحسوس، وكأنما الحدث هنا يقوم بالدور الذي تقوم به "الوسائل التعليمية" في عملية التعليم.

 

عن حكيم بن حزام قال: سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي: ((يا حَكيمُ، إن هذا المالَ خَضِرة حُلوة؛ فمن أخَذه بطِيب نفس، بُورِك له فيه، ومَن أخذه بإشراف نفسٍ، لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكُلُ ولا يشبع، واليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى))[1].

 

فالواقعة الخاصة هنا واقعة مسلِمٍ متطلِّعٍ إلى المال، منهوم بحبه، فليعطِه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يسكُنَ وحشُ النهم ولو إلى حين، ثم بعد ذلك ليأتِ دورُ القِيَم الخالدة؛ على المسلمِ أن يتحلَّى بالرِّضا، والقناعة، وعفَّة النفس والاعتماد عليها في التكسُّب، وليتسع المقام - كذلك - لتقرير قاعدة اقتصادية واجتماعية وإنسانية، وهي: "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، المعطي خيرٌ من الآخِذ"، ولننظر في مجتمعاتِنا المعاصِرة: إن الدولة التي تعطي المِنَح وتمنَح القروض والمعونات هي اليد العليا، هي صاحبةُ المكانة العظمى بين الدول والمجتمعات، أما الدول الآخذة، فهي المتخلِّفة، أو "النامية" تأدُّبًا، هي اليد أو الأيدي السُّفلى التي تمد دائمًا لتسعَدَ - ولو إلى حين - بالعطاءِ الساقط من اليد أو "الأيدي" العليا.

 

وحينما تسرق المرأة المخزومية "الشريفة"، وحين تشعُرُ قريش بأنها ستُحَدُّ، يصيبها الفزع، وتُهَرع إلى الحِبِّ ابن الحِبِّ أسامةَ بنِ زيد؛ ليشفع لها عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ويغضبُ الرسول ويقول مستنكِرًا: ((أتشفعُ في حدٍّ من حدود الله؟!))، ثم قام فخطب قائلاً: ((يا أيها الناس، إنما ضلَّ مَن قبلكم أنهم كانوا إذا سرَق الشريفُ ترَكوه، وإذا سرَق الضعيف فيهم، أقاموا عليه الحدَّ، وايم اللهِ لو أن فاطمةَ بنت محمَّد سرَقتْ، لقطَع محمدٌ يدَها))[2].

 

الناس أمام القانون سواءٌ، المراكزُ الاجتماعية لا تُعطِّل قوةَ القانون، التفريق في المعاملة القانونية أدَّى ويؤدي إلى ضَياع الأُمَم وهلاكِها.

 

مبادئُ وقواعد عظيمة قرَّرها الرسولُ - عليه السلام - بمناسبة خطيئة وقعتْ فيها امرأةٌ من عِلْيَةِ القوم.

 

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعتمدُ على الواقع المشهود في تقرير المبادئ الإنسانية، وقريبٌ من هذا أنه كان يستعين بالأمثالِ والقصص، والأشباه والنظائر؛ لتقريرِ ما يحرص على غرسِه في نفوس أصحابه من قِيَم، والسنَّة غاصةٌ بالأمثلة التي تدور في هذا الفَلَك، نكتفي منها بنموذجين:

• عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجلٌ بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهَثُ يأكل الثرى من العطش، فقال الرجلُ: لقد بلَغ هذا الكلبَ مِن العطش مثلُ الذي كان بلَغ مني، فنزل البئر فملأ خُفَّه ماءً، فسقى الكلب، فشكَر الله له فغفر له))، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا، فقال: ((في كلِّ ذاتِ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ))[3].

 

• ويُروَى عنه عليه السلام أنه قال: ((مَثَلُ القائم في حدود الله والواقع فيها كمَثَل قومٍ استهَموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضُهم أسفلها، فكان الذين في أسفلِها إذا استقَوْا من الماء، مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرَقْنا في نصيبنا خرقًا، ولَم نؤذِ مَن فوقنا! فإنْ ترَكوهم وما أرادوا، هلَكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم، نجَوْا ونجَوْا جميعًا))[4].

 

وهذا الحديثُ يبرز أهمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، وبوَحْدة المصلحة في المجتمع كلِّه، وهي مسؤولية كلِّ فرد في الأمة مهما صغُر موقعُه الوظيفي في المجتمع، ولكن المسؤولية تعظُمُ بالنسبة للقائمين على أمرِ الأمة وقيادة سفينتها، وهذا الشعورُ الجماعي بالمسؤولية يُحتِّم على كلِّ فرد أن يكونَ صالحًا في ذاتِه من ناحية، وأن يمنع المنكَرَ والانحراف - بقدر طاقتِه - من ناحية أخرى، غير مستهينٍ بما يرى من مظاهرِ الفساد مهما كان ضئيلاً؛ فمُعظَم النار من مُستصغَر الشرر، وصدَق الشاعر العربي إذ قال:

إذا نحن طامَنَّا لكلِّ صغيرةٍ
فلا بدَّ يومًا أن تُساغَ الكبائرُ

 

ومن أهمِّ ملامح التوجيه النبوي - وقد أشرنا إلى ذلك من قبل - أنه عليه السلام لم يكُنْ يواجهُ المخطئَ بخطئه، إلا إذا وجد للمواجهة ضرورة مِن دِين أو خُلق، بل كان يجعل الخطاب بضميرِ الغائب، وبصيغة الجمع غالبًا، وبمسمعٍ من الجميع: ((ما بال أقوامٍ يفعلون كذا وكذا؟)).

 

استعمل عليه السلام رجلاً من الأَسْدِ يقال له: ابن اللُّتْبِيَّةِ، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا لي، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمِد الله وأثنى عليه، وقال: ((ما بالُ عاملٍ أبعثه فيقول: هذا لكم، وهذا أُهدِي إليَّ؟! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أُمِّه حتى ينظرَ: أُيهدَى إليه أم لا؟! والذي نفسي بيده، لا ينال أحدٌ منكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمِلُه على عُنُقِه))[5].

 

والنبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب غير المباشر في التوجيه يدلُّ على أنه عليه السلام كان يحترم آدمية الإنسان، وعلى أن الهدفَ من التشريع هو الإصلاحُ لا التشهير، والتشهيرُ بالمخطئ قد يدفَعُه إلى الإصرار على السير في طريق الخطأ والخطيئة، وقد غضب النبيُّ عليه السلام على خالد بن الوليد حين سبَّ الغامدية وهو يُقِيم عليها حدَّ الرَّجْم لزناها.

 

ومسلك النبي صلى الله عليه وسلم هذا انعكاس عملي لفضيلةٍ نفسية عُرِفت عنه، وهي عفَّة اللسان، وصونه من الهُجْر والفحش والبَذَاء، حتى في حق الأعداء، حينما شُجَّ يوم أُحُد، وسال دمُه، وكُسِرَت رَبَاعِيَتُه، قال له أصحابه: "لو دعوتَ عليه!"، فقال: ((إني لَم أُبعَثْ لعَّانًا، ولكني بعثت داعيًا ورحمة، اللهم اهدِ قومي؛ فإنهم لا يعلَمون))[6].

 

وكان المسلمون يلجؤونَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتونه ويسألونه فيما يعِنُّ لهم من أمور الدِّين والدنيا، وكثيرًا ما كان القرآن يتكفل بالإجابة، وقد أورد القرآن الأسئلة والإجابات عليها في خمسة عشر موضعًا، منها:

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215].

 

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [المائدة: 4][7].

 

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 187][8].

 

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1][9].

 

ويلاحَظ أن أغلب هذه الآيات مدنيَّة، وأن سورة البقرة - وهي أول السُّوَر المدنيَّة نزولاً - أعمرُ السُّوَر بالأسئلة والأجوبة؛ إذ كان المسلمون يتطلعون إلى معرفة الكثير في المجتمع الإسلامي الجديد الذي كان يمثل الأساسَ القويَّ للدولة الإسلامية الوليدة.

 

وإذا لم يقدمِ القرآنُ الجواب على ما يطرحه المسلمون من أسئلة، كان النبي عليه السلام يُجيبهم بما ينفَعُهم في دنياهم وأُخراهم، وكان يعطي لكل سؤال حقَّه من الإجابة، إيجازًا أو تفصيلاً، تبَعًا لمقتضيات الحال، والإجابة دائمًا شافية كافية، بحيث لا يترك النبي صلى الله عليه وسلم السائلَ وفي نفسه أثارة من حرج، أو أثارة من جهل بأي جانب من جوانب الموضوع الذي يسأل عنه.

 

سأله رجل ذات مرة: يا رسول الله، أأستأذنُ على أمي؟ فقال: ((نعم))، قال الرجلُ: إنني معها في البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استأذِنْ عليها))، فقال الرجلُ: ((إني خادمُها))، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((استأذِنْ عليها، أتحبُّ أن تراها عُريانةً؟))، قال: لا، قال: ((فاستأذِنْ عليها))[10].

 

هكذا بصدر رحبٍ، وإنسانية صافية، يُقنِع الرسولُ صلى الله عليه وسلم الرجلَ، مثيرًا فيه عاطفة "البُنوة" التي تكرَهُ أن ترى من الأم ما يسيء إليها وإليه.

 

وآخرُ هذه الملامح التربوية في تعليم الدِّين والحياة والخُلُق: أن يضعَ النبي صلى الله عليه وسلم نفسَه موضعَ السائل، على سبيل ما يسمى بـ: "تجاهل العارف"، والمسلمون يجيبون، فإن كانت الإجابة سديدةً أقرَّها، وإن كانت الإجابة غالطة صحَّحها وأبان عن الصواب، وإن كانت الإجابةُ ناقصةً أكملها، ومن أمثلة ذلك:

عن أبي بَكْرة عن أبيه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبِّئُكم بأكبرِ الكبائر؟))، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوقُ الوالدينِ))[11].

 

عن ابنِ عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أَخبِروني بشجرةٍ مَثَلُها مَثَلُ المسلم، تؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربها، ولا تحُتُّ ورقَها))، فوقَع في نفسي أنها النخلة[12].

 

عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بسَبيٍ، فإذا امرأةٌ من السَّبي تبتغي، إذا وجدَتْ صبيًّا في السبيِ أخذَتْه فألصقَتْه ببطنها وأرضعَتْه، فقال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أترَوْن هذه المرأةَ طارحةً ولدَها في النار؟))، فقلنا: لا واللهِ وهي تقدِرُ على ألا تطرَحَه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أرحَمُ بعبادِه مِن هذه بولدِها))[13].

 

ومن الأسئلة التي طرَحها النبيُّ صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وجاءت إجابتُها غالطة فصحَّحها: سؤالُه عن الصُّرَعة، فكان الجواب: إنه الذي يغلِبُ هذا ويصرَعُ ذاك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشَّديدُ بالصُّرَعةِ؛ إنما الشديدُ مَن يملِكُ نفسَه عند الغضبِ)).

 

وكذلك سؤاله عن المُفلِس: جاءت إجابتُهم بأنه: مَن لا درهم له ولا متاع، ويصحِّحُ النبي صلى الله عليه وسلم هذا المفهومَ الغالط: ((إن المفلسَ مِن أمَّتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتَم هذا، وسفَك دمَ هذا، وضرَب هذا، فيُعطى هذا من حسناتِه، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يَقضيَ ما عليه، أُخِذ من خطاياهم، فطُرِحَت عليه، ثم طُرِح في النار)).

 

والسنة الشريفة حافلة بهذا اللون الذي يقوم على طريقة: "السؤال والجواب"، وسواء أجاءت إجابة المسلمين كاملة شافية، أو ناقصة وأكملها النبيُّ عليه السلام، أو غالطة وطرح النبي عليه السلام البديلَ الصحيح، يخلص النبيُّ عليه السلام إلى القِيمة الدِّينية أو الخُلقية، أو الحقيقة الاجتماعية، أو الدرس النفسي الذي حرص أن يعيَه المسلمون بهذه الطريقة في التعليم والتربية.

 

وهذا الاتجاه النبوي يتَّفِق مع أحدث الطرق وأنجحِها في التعليم، وهي ما تسمى بـ: "الطريقة الاستنباطية"، وهي الطريقة التي تعتمد على عرض الأمثلة المساعدة، ومن فهم هذه الأمثلة واستيعابها والموازنة بينها تُستخلَصُ القواعد والحقائق المنشودة.

 

ومن أصول هذه الطريقة اعتمادُها على "طرح الأسئلة المنتجة"، التي يصل بها المعلِّم عن طريق التلاميذ إلى حقائق الدرس، سواء أكانت حقائق جزئيةً في مراحل الدرس المختلفة، أو حقائق كلية في آخرِ مرحلة من مراحل الدرس، ومن أهمِّ قواعدها أن يحرص المدرِّس على إثارة كوامن المعارف والخِبرات المختزنة عند التلاميذ للانتفاع بها في الخلوص إلى الحقائق التي يهدف إليها المعلِّم.

 

نعم كانت "الطريقة الاستنباطية" في التربية إحدى طرائق رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكلها تهدف - دُون تعنُّت أو تعسُّف - إلى خَلْق المسلم الصالح الذي يجمع بين الدِّين والدنيا، بين العِلم والعمل، بين الحقِّ والواجب.

 

وبعد هذه المسيرة نعود فنكرر أن السيدة عائشة لَم تبالِغْ حين قالت عنه صلى الله عليه وسلم: "كان خُلُقه القرآن؛ يرضى برضاه، ويسخط بسخطه"؛ فقد كان مجموعةً من القيم الإنسانية في أرقى صورِها من ناحية، وأصلحها للتطبيق من ناحية أخرى.

 

واستطاع أن يغرسَ هذه القِيَم في أعماق الرَّعيل الأول، متبعًا منهجًا واضحًا محدَّدَ الملامح والسِّمات:

♦ فكان قدوة حسنة يسبق فعلُه قولَه.

 

♦ واتَّخَذ من الأحداث وسيلةً لتقويم أخلاق المسلمين وتربيتهم.

 

♦ واستعان في سبيل ذلك بالقصص والأمثال.

 

♦ واستعان بطريقة التوجيه غيرِ المباشر؛ حتى لا يُشهِّر بالمخطئ.

 

♦ وفتَح صدره للمسلمين يسألون ويستفتون وهو يجيب عن كل ما يُسأَل، حتى ما كان تافهًا لا قيمةَ له في مسيرة المجتمع.

 

♦ واستعان - وهو أستاذ الحياة - بأسلوب المعلِّم الذي يسأل تلاميذه ومُرِيديه؛ ليُخلِصوا للحق والحقيقة في مجال النفس والخلق والمجتمع.

 

وكانت الحصيلة جماعة من الأنجم الزواهر، أشرقَتْ بنور الله في مشارق الأرض ومغاربها، فإذا الظُّلم والباطل بلا صولةٍ ولا جولة ولا صولجان، وبهذه الجماعة صارت كلمةُ الله هي العليا، وكلمة الباطل والكفر والضلال في أسفل سافلين.



[1] البخاري 8/116 (كتاب الأدب).

[2] البخاري 8/199 (كتاب الحدود)، الحِبُّ ابن الحِبِّ - بكسر الحاء - أي: الحبيب ابن الحبيب، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحب أسامةَ وأباه زيدًا، حتى كان المسلمون يطلقون عليه: زيد بن محمد.

[3] البخاري 3/173 (باب الآبار).

[4] البخاري 8/190 (كتاب الحدود).

[5] مسلم 4/497 (كتاب الإمارة)، الأَسْد - بتسكين السين - أو الأَزْد، وكان الرجل من قبيلة أزد شنوءة.

[6] الشفا 1/221.

[7] الجوارح: الكواسِب للصيد؛ مِن السِّباع والطير، مكلِّبين: معلِّمين لها الصيدَ.

[8] أيان مرساها: متى إثباتها ووقوعها، يُجلِّيها: يكشفها ويُظهِرها، حَفِيٌّ عنها: عالِم بها.

[9] وانظر: البقرة 189، 217، 219، 220، 221، 222، الإسراء 85، الكهف 83، طه 105، النازعات 42، والأنفال: الغنائم.

[10] الموطأ 597 (كتاب الاستئذان).

[11] البخاري 8/4 (كتاب الأدب)، عقوق الوالدين: مخالفتهما وعصيانهما، والإساءة إليهما.

[12] السابق 39 (تحُتُّ ورقَها: أي: تُسقِطُه وتُزِيله).

[13] مسلم 5/97 (كتابة التوبة)، السَّبي: جماعة الأَسرى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من ملامح المنهج المحمدي : القدوة العملية

مختارات من الشبكة

  • أبرز ملامح المنهج العلمي في الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • استخلاص أهم ملامح منهج الإمام أبي داود في سننه من رسالته إلى أهل مكة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح كلية من منهج الحافظ أبي حاتم الرازي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها...﴾(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح الإسلامي حتى القرن الخامس للهجرة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {ومن يهن الله فماله من مكرم}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التربية في القرآن الكريم: ملامح تربوية لبعض آيات القرآن الكريم - الجزء الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون﴾(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب