• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / محمد صلى الله عليه وسلم / ردود وتعقيبات
علامة باركود

آيات محمد وآيات المسيح عليهما السلام

د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/11/2013 ميلادي - 7/1/1435 هجري

الزيارات: 61091

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بين السيد المسيح والنبي محمد في القرآن والإنجيل (10)

حقائق الإسلام الدامغة وشبهات خصومه الفارغة

الرد على ضلالات زكريا بطرس

آيات محمد وآيات المسيح عليهما السلام

 

• العجائب التي وهبها الله لمحمد هي آياته الفريدة في سور القرآن، فليست آيات محمد أعمالاً بل كلامًا، ويشهد القرآن للمسيح بكلمات محدودة، إنما يبرِز أعماله العجيبة وشفاءاته المتعددة، لم يلعَن المسيح أعداءه، ولم يتصرَّف كجبار شقي، بل أظهر نفسه أنه ينبوع اللُّطف ومصدر المحبة والرحمة، وعظُمت قوة الله فيه بآيات متعددة عجيبة.

 

الطبيب الأعظم المبارك:

لقد برهن القرآن أن المسيح شفى العُمْي بدون عملية جراحية وبلا أدوية، وأبرأهم بكلمته القوية، وتضمَّنت كلماته قوة شافية آنذاك وحتى اليوم؛ فالمسيح هو المبارك أينما يكون ومنبَع البركة لجميع الناس في كل العصور؛ سورة آل عمران 49، وسورة مريم 31.

 

لم يَخَف ابن مريم من الأبرص، بل لمس جلده وشفاه بكلمة سلطانه؛ فالمسيح هو الطبيب الأعظم في كل أوان، أحبَّ المساكين وقبَّل المرضى، وخلق فيهم رجاءً وإيمانًا بقدرته، وشفى كل مريض تقدَّم إليه.

 

محيي الموتى:

وأعظم عمل قام المسيح به هو إقامة الموتى المشهود له من الإنجيل والقرآن، لقد أقام ابن مريم طفلة صغيرة، وشابًّا راشدًا، ورجلاً بالغًا من الموت، فمن يقدِر أن يقيم الأموات ويُعيدهم إلى الحياة إلا الله؟! فيجب علينا إدراك عمق هذا المعنى في الآيات القرآنية أن المسيح استطاع إقامة الموتى مرارًا، ويقول الناقد: إن ابن مريم لم يقدِر أن يقوم بآية ما من تلقاء نفسه، بل الله هو الذي أيَّده بروح القدس؛ ليستطيع أن يتَمِّم مشيئة الله؛ ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [سورة البقرة 2: 87]، ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ [البقرة 2: 253]، ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي... فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [سورة المائدة 5: 110].

 

فيا للعجب! القرآن يشهد مرارًا بتعاون الله مع المسيح وروحه القدوس! فالثلاثة اجتمعوا وتعاونوا في آيات المسيح في وَحدة متكاملة، فقوة الله عاملة في ضَعف جسد ابن مريم بسلطان إلهي.

 

الفتى الخالق:

ونقرأ في القرآن أن المسيح وهو طفل، خلَق من الطين كهيئة الطير، ونفَخ فيه فأصبح حيَّا طائرًا في الفضاء؛ ﴿ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران 3: 49]، نجد في هذه الآية العبارة المدهشة: "أخلُق" الدالة على أن المسيح هو خالق مقتدر، لا يقدِر إنسان أن يخلق من العدم شيئًا، ولا أن يُعيد المادة الميتة إلى الحياة، إلا المسيح، ويشهد القرآن بقدرة المسيح الخالقة بواسطة نفخته المحيية، فنفخ في هيئة الطير، فأصبحت طائرًا حيًّا، كما أن الله نفخ نسمته في آدمَ سابقًا، فكان المسيح قادرًا أن يبُث الحياة في الطين الميت.

 

الرزاق اللطيف:

لاحظت الجماهير قدرة ابن مريم فتبِعته حتى إلى الصحراء ناسية المكان والزمان، وباقية معه حتى الليل، فالقرآن يشهد بأن المسيح أنزل لأتباعه مائدة من السماء وسط الصحراء، وأشبَع أتباعه المخلصين؛ ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [المائدة: 112 - 114].

 

يبحث البعض في نوعية أطعمة السماء على المائدة أكثر من أن يتعمَّقوا ببحثهم في شخصية وهَّاب الهبة العجيبة، لقد أشبَع المسيح حسب الإنجيل خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد من خمسة أرغفة وسمكتين، فأظهر بذلك قدرته الخالقة بطريقة عملية، لم يتفوَّه بكلام فارغ، بل عمِل ما قاله، وشفى، وفعَل أعمالاً حقيقية.

 

كاشف الأسرار:

استاء محمد من بعض أتباعه في المدينة؛ لأنهم خبَّؤوا في بيوتهم أطعمة وكنوزًا، ولم يشارِكوا فيها المهاجرين من مكة، فأنذرَهم قائلاً: إن المسيح سيأتي عن قريب، وسينبِّئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم؛ لأن له عينًا خارقة، ويبصِر خلال الجدران، ويخبر المنافقين بما يخبِّئون حسب قول المسيح في القرآن: ﴿ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 49]، يعرف المسيح الحقيقة ويقرأ أفكار القلوب، ويعلم أيضًا أسرارك بالتفصيل، وسوف يُعلِن لك أعمالك السيئة والصالحة، هو العليم بما في صدور الناس، وليس أحد بارًّا أمامه.

 

المشرِّع العظيم:

ونقرأ أيضًا في القرآن أن المسيح حلَّل لأتباعه ما حُرِّم عليهم في شريعة موسى، ولم يأمرهم أن يحفظوا الشريعة كاملة، ويقول الإنجيل: إن المسيح وضَّح لحوارييه بخصوص أنواع الأطعمة أن ما يدخل في جوفهم لا ينجِّسهم، بل ما يخرج من قلوبهم هو نجس؛ لأن من القلب تخرج أفكار شريرة: الزنا، القتل، البُغض، الكبرياء، الكذب، الحقد، والطمع، لقد أعلن المسيح بهذا الانقلاب الفكري والشرعي أنه هو المشرِّع الذي يحق له بسلطانه أن يكمل الشريعة، لقد أثبت القرآن هذا الامتياز الفريد، موضحًا أن المسيح لم يَعِشْ تحت الشريعة لتنفيذها، بل إنه قائم فوقها لتكميلها، لقد كان موسى وكل الناس في العهد القديم يعيشون تحت الشريعة، وكان عليهم أن يُتمِّموا الوصايا، أما المسيح، فكان له السلطان أن يعدِّل الشريعة، وأعلَن حسَب الإنجيل: قيل: عين بعين وسن بسن، وأما أنا، فأقول لكم: أحبُّوا أعداءكم، بارِكوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" [متى 5 : 38 و44].

 

طوبى لمن يُدرك أن المسيح ليس إنسانًا عاديًّا، ولا مجرد نبي، بل هو المشرِّع بسلطان الله، ولم يكن ابن مريم محتاجًا لأن يسأل أهل العهد القديم: ما هي أسرار الناموس؟ وما هي تفاصيل أحكامه كما أُوحي لمحمد؟ إذ كان في شك مما أُنْزِل إليه؛ سورة يونس 94، أما المسيح، فكان الشريعة المتجسد، وطلب الطاعة لنفسه، وهكذا قال: اتقوا الله وأطيعُون - سورة آل عمران: 50، فلم يرشد المسيح البشر إلى التسليم لله فحسب، بل طلب منهم أن يتَّبعوه مطبِّقين تعاليمه؛ لذلك يسمِّي القرآن تلاميذ المسيح بأحسن الألقاب: حواريين، وأنصار الله، ومسلمين مؤمنين، وخاصة أتباعه، ونقرأ عن أتباعه في سورة الحديد: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ﴾ [الحديد: 27]. وفي سورة آل عمران: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ [آل عمران: 55]، فيظهر أن أتباع المسيح هم طبقة خاصة مميَّزة من البشر؛ لأنهم متواضعون ولا يستكبرون، كما هو مكتوب في سورة المائدة: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة: 82].

 

إن هذه الشهادة القرآنية تدل على أعظم آية من آيات المسيح، إنه لا يغيِّر الأحوال السياسية والاجتماعية بواسطة حروب وحيلٍ، بل يجدد خُطاة عُصاة، ويغيِّرهم من أنانيين إلى محبِّين، ومن أسياد متباهين إلى خدَّام الرب المتواضعين، كما أنه شخصيًّا لم يأتِ ليُخدَم، بل ليَخدُم وليبذُل نفسه فدية عن كثيرين؛ [متى 20: 28]، كل من يقارِن آيات محمد بآيات المسيح، يرى أن آيات محمد في القرآن هي كلمات كثيرة، ولكن آيات المسيح وعجائبه هي أعمال المحبة وخدمات الرحمة التي لا تُعَد.

 

• نبدأ بقول الواعظ: "إن العجائب التي وهبها الله لمحمد هي آياته الفريدة في سور القرآن، فليست آيات محمد أعمالاً، بل كلامًا، ويشهد القرآن للمسيح بكلمات محدودة، إنما يبرز أعماله العجيبة وشفاءاته المتعددة، لمْ يلعن المسيح أعداءه، ولم يتصرَّف كجبار شقي، بل أظهر نفسه أنه ينبوع اللُّطف ومصدر المحبة والرحمة، وعظُمت قوة الله فيه بآيات متعددة عجيبة"، وهو قول يدل على أن العقل قد غاب تمامًا عن الرجل، كيف؟ إن وضع الكلام على هذا النحو يعني أن المسيح لم يتكلم، وأن محمدًا لم يعمل، فهل هذا صحيح؟ بل هل يدخل هذا عقل عاقل؟ الواقع أن كلا النبيين الكريمين قد قال وعمِل، لقد جاء محمد بالقرآن من عند الله، وكانت له أحاديث تشرح القرآن أو توضِّح كيفية تطبيقه أو تُضيف له تفصيلات لم يتطرَّق إليها، تاركًا الكلام فيها له - عليه السلام - أو تضيِّق أو توسِّع نطاق أحكامه حسب السياقات والظروف المختلفة... إلخ، وبالمِثل جاء عيسى بالمواعظ وضرْب الأمثال التي تملأ الأناجيل، وإذا كان عيسى قد أتى ببعض المعجزات، فلسنا ننكر شيئًا من ذلك، وكيف نفعل، والقرآن الكريم قد ذكَرها، بل ذكر بعضًا آخر منها لم تورِدها الأناجيل المعتمدة عند النصارى؟ لكن الانطلاق من ذلك إلى الزعم بأن محمدًا لم يفعل شيئًا هو - هل أقول: "كذب" صراح، وتدليس "وَقاح"، وأنا الذي قلت في بداية الدراسة إنني سأكون هادئًا هذه المرة؟ لا لا، لا داعي، بل سأكتفي بالقول بأن ذلك - خطأٌ بيِّن، ألم يعمل الرسول بكل طاقته على إخراج الناس من ظلمات الشرك والوثنية إلى نور الإيمان الساطع؟ بلى، ألم يهاجر النبي من مكة إلى المدينة، بعد أن وجد أنه قد وصل مع البيئة القرشية إلى طريق مسدود؟ بلى، ألم يعقِد معاهدة بين المسلمين واليهود في يثرب تنظِّم العلاقات السياسية والاجتماعية والدينية بين الفريقين؟ بلى، ألم يأتِ بتشريعات لم تُغادر شيئًا من شؤون الحياة إلا ونظَّمته وقنَّنته على أحسن ما يكون التناغم مع فطرة البشر وأوضاع حياتهم وظروف مجتمعاتهم، جامعة بين المثالية العاقلة الكريمة والواقعية الطاهرة الحكيمة؟ بلى، ألم يَبْنِ دولة ناجحة في المدينة استطاعت في غضون عدة عقود - لا راحت ولا جاءت في حساب التاريخ - أن تتحوَّل إلى إمبراطورية اكتسحت معاقِل الشرك والتثليث، وعبادة النار والبقر والبشر؟

بلى، أوَهذا كله كان مجرد كلام لا يُشبِع من جوع ولا يروي من ظمأ؟ أوَيظن الواعظ المحترم أن معجزات السيد المسيح على جلالها أنفع للعباد من هذه الإنجازات المحمدية بكل ما تشتمِل عليه من تشريعات وأنشطة سياسية واجتماعية، واقتصادية وعلمية، وعسكرية وقانونية؟ كلاَّ وحاشا، فإن الذي يعطي الجائع صنارة ويعلِّمه كيف يصنع ما شاء من الصنانير، ثم يشرح له كيف يقوم بعملية الصيد ليسدَّ جوْعته، ويدَّخر بعضًا من السمك المصطاد؛ ليبيعه لغيره مقابل شيء مما عند ذلك الغير لا يَملِك مثله هو، فيَطعَم ويَغتني، ويُطعِم ويُغنِي بدوره من حوله - لأفضل ألف مرة من تزويد غيره بأكلة سمك مرة أو مرتين، ثم يتركه بعد ذلك للجوع والضياع، والبطالة والانقضاض على حقول الآخرين؛ ليأكل منها دون إذنٍ من أصحابها، وبخاصة أنه ليس عنده وقت لتلبية حاجات كل جائع، وأنه عاجلاً أو آجلاً مغادره إلى الأبد، ومُبقيه وجهًا لوجه مع أمعائه الخاوية وزوجته وأطفاله الصارخين، لا يعرفون كيف يتصرفون، ولا كيف يواجهون هذا المأزق العسير!

 

ومن المضحك أن يقول الواعظ الذكي: "إن المسيح لم يَلعن أعداءه، ولم يتصرف كجبار شقي، بل أظهر نفسه أنه ينبوع اللُّطف ومصدر المحبة والرحمة"؛ إذ الأناجيل إنما تقول لنا شيئًا مخالِفًا لهذا الذي يقوله واعظنا، فالمسيح - بحسب تلك الأناجيل - لم يكن يلعن أعداءه فقط، بل كان يلعن أصدقاءه أيضًا، وكذلك المدن والأشجار "فوق البيعة"، وإلى القارئ طائفة من تلك اللعنات والشتائم التي كان يَسوط بها الظهور والوجوه والأقفاء والجُنوب، بحيث لا يترك موضعًا دون أن يجود عليه بنصيب، فمن ذلك ردُّه على أبٍ استغاث به؛ ليعالِج ابنه الذي يصيبه الصَّرع ويرهِقه، قائلاً له في نفاد صبر وضجَرٍ: "أيها الجيل غير المؤمن والملتوي، إلى متى أكون معكم وأحتمِلكم؟"، ومنه كذلك قوله للمرأة الفينيقية التي كانت ترجو شفاءه لابنتها: دعي البنين أولاً يشبعون؛ لأنه ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين، ويُطرح للكلاب، يقصِد بالبنين بني إسرائيل، وبالكلاب إياها وقومها وأمثالهم من الأمم الأخرى، وكان في مجمع يهودي يوم سبت، وشفى امرأة من مرضها، مما ساء رئيس المجمع؛ لأنه رأى في هذا اعتداء في السبت، فما كان من عيسى ابن مريم إلا أن سبَّه قائلاً "يا مرائي!" ودعاه أحد هؤلاء الفريسيين للطعام فلاحظ أنه - عليه السلام - لم يغسل يده وكلَّمه في ذلك، فما كان منه إلا أن نزل عليه بسوط لسانه يُلهِبه بكل ما عنده من عزم: أنتم الآن أيها الفريسيُّون تنقون خارج الكأس والقصعة، وأما باطنكم، فمملوء اختطافًا وخبثًا، يا أغبياء، أليس الذي صنع الخارج صنع الداخل أيضًا؟ بل أعطوا ما عندكم صدقة، فهو ذا كل شيء يكون نقيًّا لكم، ولكن ويل لكم أيها الفريسيون! لأنكم تُعشِّرون النَّعنَع والسَّذاب وكل بقل، وتتجاوزون عن الحق ومحبة الله، كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك، ويل لكم أيها الفريسيون! لأنكم تحبون المجلس الأول في المجامع، والتحيات في الأسواق، ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم مِثل القبور المختفية، والذين يمشون عليها لا يعلمون!"، ولست أدري كيف طاوعتْه نفسه على شتم مُضيفه الذي أراد أن يحتفي به، وحتى لو كان باعث الفريسي على ملاحظته هذه، هو الحذلقة والتنوُّق الشكلي في أمور الدين، أفهناك من يقول: إن النظافة شيء يُعاب؟ لقد كان يمكنه لفت نظر الفريسي إلى أن النظافة الخارجية لا تكفي، بل لا بد معها من نظافة القلب والضمير، أما أن يندفع في نوبة سباب وتهديد، فهذا آخر ما كان يتوقَّعه الشخص منه - صلى الله عليه وسلم! ومن ذلك أيضًا سبابه للفريسيين بهذه العبارة الرهيبة: "34يا أولاد الأفاعي، كيف تقدِرون أن تتكلَّموا بالصالحات وأنتم أشرار؟".

 

وفي مناسبة أخرى انهال عليهم بمطارق الكلام التي تفلق الرؤوس، بل تُحطِّمها تحطيمًا:

"1حينئذ خاطَب يسوع الجموع وتلاميذه 2 قائلاً: "على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعَلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا؛ لأنهم يقولون ولا يفعلون، 4فإنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عسيرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحرِّكوها بإصبعهم، 5وكل أعمالهم يعملونها؛ لكي تنظرهم الناس: فيعرضون عصائبهم ويعظِّمون أهداب ثيابهم، 6ويحبون المتكأ الأول في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع، 7والتحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس: سيدي سيدي! 8وأما أنتم، فلا تُدْعَوا سيدي، لأن معلِّمكم واحد المسيح، وأنتم جميعًا إخوة، 9ولا تَدْعُوا لكم أبًا على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السموات، 10ولا تُدْعَوا معلِّمين؛ لأن معلِّمكم واحد المسيح، 11وأكبركم يكون خادمًا لكم، 12فمن يرفع نفسه يتضِع، ومن يضع نفسه يرتفع، 13"لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تغلِقون ملكوت السموات قدَّام الناس، فلا تدخلون أنتم ولا تَدَعون الداخلين يدخلون، 14ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تأكلون بيوت الأرامل، ولعلة تُطيلون صلواتكم؛ لذلك تأخذون دينونة أعظم، 15ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تطوفون البحر والبر لتَكسَبوا دخيلاً واحدًا، ومتى حصل تصنعونه ابنًا لجهنم أكثر منكم مضاعفًا، 16ويل لكم أيها القادة العميان! القائلون: من حلَف بالهيكل، فليس بشيء، ولكن من حلف بذهب الهيكل يُلتزَم، 17أيها الجهال والعميان، أيما أعظم: الذهب أم الهيكل الذي يقدِّس الذهب؟ 18ومن حلَف بالمذبح، فليس بشيء، ولكن من حلف بالقربان الذي عليه يلتزَم، 19أيها الجهال والعميان، أيما أعظم: القربان أم المذبح الذي يقدِّس القُربان؟ 20فإن من حلف بالمذبح، فقد حلف به وبكل ما عليه! 21ومن حلف بالهيكل، فقد حلف به وبالساكن فيه، 22ومن حلف بالسماء، فقد حلَف بعرش الله وبالجالس عليه، 23ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تعشرون النَّعنع والشبث والكمون، وتركتم أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان، كان ينبغي أن تعمَلوا هذه، ولا تتركوا تلك، 24أيها القادة العميان! الذين يُصَفُّون عن البعوضة، ويبلعون الجمل، 25ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تتقون خارج الكأس والصحفة، وهما من داخل مملوآن اختطافًا ودعارة، 26أيها الفريسي الأعمى، نقِّ أولاً داخل الكأس والصحفة؛ لكي يكون خارجهما أيضًا نقيًّا، 27ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تُشبِهون قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة، 28هكذا أنتم أيضًا: من خارج تظهرون للناس أبرارًا، ولكنكم من داخل مشحونون رياءً وإثمًا، 29ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزيِّنون مدافن الصديقين، 30وتقولون: لو كنا في أيام آبائنا، لما شارَكناهم في دم الأنبياء، 31فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتَلة الأنبياء، 32فاملؤوا أنتم مكيال آبائكم، 33أيها الحيات أولاد الأفاعي، كيف تهربون من دينونة جهنم؟ 34لذلك ها أنا أرسِل إليكم أنبياءَ وحكماءَ وكتبة، فمنهم تَقتُلون وتصلبون، ومنهم تَجلِدون في مجامعكم، وتطردون من مدينة إلى مدينة، 35لكي يأتي عليكم كل دم زكي سُفِك على الأرض، من دم هابيل الصدِّيق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتُموه بين الهيكل والمذبح، 36الحق أقول لكم: إن هذا كله يأتي على هذا الجيل!".

 

وفي موقف آخر جرى حوار بينه وبين بطرس كبير حوارييه، فأسمَع المعلمُ تلميذه كلامًا في منتهى العنف والقسوة: "وابتدأ يعلِّمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألَّم كثيرًا، ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وبعد ثلاثة أيام يقوم، وقال القول علانية، فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهِزه، فالتفت وأبصر تلاميذه، فانتهر بطرس قائلاً: اذهب عني يا شيطان! لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس، حتى أمه يكلِّمها بنبرة تخلو من أي احترام أو عطف؛ إذ كان ذات مرة في عرس بقانا الجليل، ونفِدت الخمر، فلفتتْ أمه انتباهه إلى هذا كأنها تطلب منه أن يجد حلاًّ، فرد عليها في خشونة جافية"، ما لي ولك يا امرأة؟ وأنْكى من ذلك أنه قام بعدها بتحويل الماء الموجود في العرس إلى خمر، وكانت أول معجزة له، فيا لها من معجزة تليق بالأنبياء وأبناء الآلهة!

 

وعلى أية حال، أفلم يكن ينبغي أن يفعل هذا من البداية بدلاً من هذه الخشونة التي لا تصح ولا تليق؟ حتى المدن يتهدَّدها ويلعنها في شراسة وحَنَق: "يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء، وراحمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمَع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا! هو ذا بيتكم يُترك لكم خرابًا!"، 20وحينئذ ابتدأ يوبِّخ المدن التي صنعت فيها أكثر قواته؛ لأنها لم تتُب، 21"ويل لك يا كورزين! ويل لك يا بيت صيد! لأنه لو صنعت في صور وصيداء القوات المصنوعة فيكما، لتابتا قديمًا في المسوح والرماد، 22ولكن أقول لكم: إن صور وصيداء تكون لهما حالة أكثر احتمالاً يوم الدين مما لكما، 23وأنت يا كفرَنَاحوم المرتفعة إلى السماء، ستهبِطين إلى الهاوية؛ لأنه لو صنعت في سدوم القوات المصنوعة فيك، لبقيت إلى اليوم، 24ولكن أقول لكم: إن أرض سدوم تكون لها حالة أكثر احتمالاً يوم الدين مما لك".

 

وحتى التينة التي توقَّع - عليه السلام - أن يجد فيها فاكهة يأكلها من جوع، ولم يكن الوقت أوان ثمر، حتى هذه التينة قد لعَنها حين لم يجد فيها تينًا، ودعا عليها ألا تثمِر إلى الأبد، فيَبست في الحال، بالله ما ذنب التينة المسكينة إن كان لها عقل وإدراك؟ وإذا لم يكن لها عقل وإدراك فهل هناك معنى للعْنها؟ أم هل هناك معنى لتيبيسها وحرمان الآخرين من ثمرها إلى الأبد؟ أو هكذا يعلِّمنا السيد المسيح الحِفاظ على البيئة؟ لو كان تيبيسها في مصلحة عامة، ما قلنا شيئًا، ثم أي إله هذا الذي يجوع؟ بل أي إله هذا الذي لا يدري أذاك موسم التين أم لا، ويطلب ثماره في غير إبَّانه؟ فماذا ترك لنا نحن البشر "الغلابى" إذًا؟ ألا يرى القارئ أن الأمر كله عبث في عبث؟ وفي النهاية أسوق هذه الكلمة التي قالها السيد المسيح - عليه السلام - وسجَّلها مؤلفو الأناجيل: "جئتُ لألقي نارًا على الأرض، فماذا أُريد لو اضطرمت؟ ولي صبغة أصطبِغها، وكيف أنحصر حتى تكمُل؟ أتظنون أني جئت لأعطي سلامًا على الأرض؟ كلا، أقول لكم: بل انقسامًا؛ لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين: ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة، ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب، والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كَنَّتها، والكَنَّة على حماتها"، والآن أظن أن هذا يكفي.

 

أما أن القرآن قد قال على لسان المسيح: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آل عمران: 50]، فهذا صحيح، لكن الواعظ تجاهَل الآية التالية لهذه الآية، وهي صريحة الدلالة على أن عيسى ابن مريم ليس إلا عبدًا لله باعترافه هو نفسه، لا إلهًا ولا ابنًا للإله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 51]، وهو ما يصُك شُبهته في وجهها صكَّة تفتِّته تفتيتًا، ثم إن هذه العبارة التي يظن الواعظ الطيب - الذي على نياته - أنها تؤسِّس وضعًا خاصًّا بعيسى بوصفه ابن الله، قد قالها بنصها نوح وهود، وصالح ولوط وشعيب، ويمكن القارئ الرجوع حسبما نقرأ في الآيات 108، 110، 126، 131، 144، 150، 163، 179 من سورة "الشعراء"، إلى جانب الآية الثالثة من سورة "نوح"، فضلاً عن الآية التالية التي وردت على لسان هارون: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ﴾ [طه: من الآية 90]، ذلك أن وجوب طاعة الرسول ليس أمرًا خاصًّا بعيسى ابن مريم وحده، بل هو حق للرسل جميعًا: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [النساء: 64]، وقد جاء مثله وأقوى منه في محمد - عليه الصلاة والسلام - والشواهد عليه كثيرة، بيد أنني أكتفي بالآيات التالية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [النساء: 59]، ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]. ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [المائدة: من الآية92]، ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا ﴾ [الأحزاب: 64 - 66]، والغريب أنني، وأنا في أكسفورد في سبعينيات القرن الماضي، قد قرأت مرة لبعض المبشِّرين الإنجليز يعيبون على النبي محمد - عليه الصلاة والسلام - أنه يقرن بين اسمه واسم الله - تعالى - في مِثل تلك الآيات، فقلتُ في نفسي: إن هؤلاء الناس (لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب)، فإذا ظنوا أن القرآن لا يحتوي على تلك الآيات التي تتحدث عن محمد، سارَعوا إلى القول بأن هذا دليل على أن عيسى هو وحده الذي قيل في حقه ذلك، ومن ثم فهو ابن الله، وإن تنبَّهوا إلى أن القرآن قد ذكر في حق محمد هذا، قالوا: إنه يتألَّه على أتباعه، مع أنه لا قول عيسى هذا يعني ألوهيَّته بأي حال من الأحوال، ولا القرن بين طاعة الله وطاعة محمد يعني أنه يضع نفسه مع الله على قدم وساق؛ إذ القرآن واضح تمام الوضوح في تأكيد عبوديَّته له - سبحانه.

 

على أية حال، فكتاب الله كما هو واضِح، لم يقرن في مسألة الطاعة بين الله - سبحانه - وبين أي نبي من أنبيائه، اللهم إلا في حالة محمد - عليه الصلاة والسلام.

 

وبالمِثل فإن استشهاد الواعظ بقوله - تعالى - في الآيتين التاليتين: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ﴾ [الحديد: 27]، ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ [آل عمران: 55]، لا يوصِله إلى شيء؛ ذلك أنه في الآية الأولى قد حذَف بقيَّتها، وهي كالآتي: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 27]، ومن الواضح أن الصفات الكريمة التي جعلها الله في قلوب أتباع عيسى، لم تَبْقَ نقيَّة كما أرادها الله، بل سَرعان ما انحرَف كثيرٌ من أتباعه بها، فاستحقوا أن يصِفهم الله بأنهم "فاسقون"، كما أن قوله - تعالى - في سورة "المائدة": ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة: 82]، لا عَلاقة له بالقسيسين والرهبان؛ من حيث إنهم قسيسون ورهبان، بل من واقع أنهم قد أسلَموا واتَّبعوا النبي محمدًا مُوفِّين بذلك بما أخذه الله من ميثاق على أهل التوراة والإنجيل، أنهم متى جاءهم رسول من عند الله ليؤمننَّ به ولينصرنه، فهم إذًا مسلمون من أتباع محمد، لا قسيسون ورهبان نصارى، فضلاً عن أن تكون نصرانيَّتهم نصرانية مثلِّثة، وكي يكون القارئ متابعًا لما نقول، سوف أورد الآية المذكورة في سياقها كاملاً: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [المائدة: 82 - 86]، ومن الواضح أنهم ما إن سمعوا النبي محمدًا وهو يتلو عليهم بعضًا من الذكر الحكيم، حتى فاضت أعينهم خشوعًا وإيمانًا بالقرآن، والإله الذي أنزَله، والرسول الذي جاء به، والقصة معروفة في أسباب نزول القرآن؛ إذ سمِع نفر من رجال الدين النصارى بعض آيات القرآن، فتأثَّرت قلوبهم وأخبَتوا إلى ربهم، فسارَعوا إلى إعلان إيمانهم بالرسالة الجديدة وصاحبها، مرة أخرى نؤكد أن الآيات لا تمدح أحدًا من النصارى بوصفه نصرانيًّا، بل تمدح نصارى تركوا نصرانيَّتهم وأصبحوا مسلمين من أتباع محمد - عليه السلام.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أيهما أعظم: محمد أم المسيح؟
  • الوعود الإلهية عن محمد والمسيح عليهما السلام
  • الوحي لمحمد والمسيح عليهما السلام
  • سلام محمد وسلام المسيح عليهما السلام
  • مولد المسيح ودعوته
  • ( رحمة الله ) .. بين المسيح ومحمد عليهما السلام
  • هل أخطأ القرآن في اسم والد مريم كما يزعم المتخرصون ؟
  • موقف المسيح من تقديس السبت!

مختارات من الشبكة

  • زبدة الأحكام من آيات الأحكام: تفسير آيات الأحكام (2) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أشراط الساعة الكبرى (2) المسيح الدجال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عدد آيات سورة الفاتحة وكلماتها وحروفها(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • تفسير: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهم ما ترشد إليه الآية الكريمة: آيات مختارة من سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرياح آية من آيات الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الماء آية من آيات الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عشر آيات كونية من الآيات القرآنية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عدد آيات الفاتحة، وهل البسملة آية منها؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب