• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / مدارسة القرآن في رحاب رمضان
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (3)

تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (3)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/4/2013 ميلادي - 22/5/1434 هجري

الزيارات: 12266

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات (183 : 184) [3]


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183- 184]..

 

ورد في الحديث زيادة عند الإمام أحمد: ((الصوم جنة ما لم يخرقها))[1] أي: يخرقها بشيء من أعمال الإثم وسوء النية أو سوء الاستقبال له وعدم الانشراح به، أو يخرقها بسوء الفهم وعدم مراقبة الله، فيكون صيامه كتقليد موروث لا ينتفع به ولا يتأثر في أي ناحية من نواحي سلوكه، فيكون قد خرق الحكمة الناشئة من الصوم الصحيح، فإن جنة الصيام تنخرق بالإصرار على المعاصي وبالعزم على العودة إليها بعد رمضان، وبالتفريط في جنب الله ونبذ كتابه واطراح رسالته ولو خارج رمضان، فإن المقصود من فريضة الصيام توجيه الأمة إلى رب رمضان في جميع الأزمان لا مجرد عبادته في رمضان، ولذلك كان من لم ينتفع فيه محرومًا راغمًا أنفه والعياذ بالله؛ لأن الصوم جنة ووقاية عن أدواء الروح والقلب والبدن، وله تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة، فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين لأعدائهم من شياطين الجن والإنس.


والصوم أيضًا رياضة للأبرار المتقين للتدرب على وظيفتهم بخلافة الله في الأرض، وهو رحمة عظيمة النفع للبدن والروح جميعًا، وفيه مقصود شريف مهم أيضًا: وهو اجتماع القلب والهمم على الله، وتوفير قوى النفس على محابه وطاعته والجهاد في سبيله؛ لتكون كلمته هي العليا وكلمة الكفار السفلى مهما تنوعت بألقابها وشعاراتها.


وفي الصوم من الفوائد الاجتماعية المساواة في الحكم فيه بين الأغنياء والفقراء والحكام والسوقة – هذا من جهة، ومن جهة أخرى إعداد الصائمين لتقوى الله فيما بينهم بأن يتفقد بعضهم بعضًا، حيث يتساوون في الجوع، فتذهب غفلة الشبعان عن الجائع، ويتذكر الموسر حال المعسرين، ويتقي الله فيما يسأله عنهم من الأرحام، كما قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] فيحملهم التذكر على الرأفة والرحمة الداعيتين إلى البذل والصدقة، لا سيما مع رقة القلب والاجتماع على سماع المواعظ والرغبة في مزيد الأجر والثواب مما ينتعش به المجتمع ويزول بؤسه، ومنها تعليم الأمة النظام في المعيشة، إذ جميع الصائمين يفطرون في وقت واحد بلا تقديم ولا تأخير.


ثم إن في الصوم صحة عظيمة بجميع معانيها، صحة بدنية حسية وصحة روحية معنوية، فالصحة البدنية هي كونه يفني بعض المواد الراسبة في البدن، ولا سيما أبدان المترفين أولي النعمة والنهمة والتخم وقليلي العمل والتعب، فقد قال علماء الطب: إنه يحفظ الرطوبات الطارئة، ويطهر الأمعاء من فساد الذؤب والسموم التي تحدثها البطنة، ويحول دون كثرة الشحم في الجوف، وهي شديدة الخطر على القلب، فهو كتضمير الخيل الذي يزيدها قوة على الكر والفر.


ونقل صاحب المنار رحمه الله عن بعض أطباء الإفرنج أنه قال: "صيام شهر في السنة يذيب الفضلات الميتة في البدن مدة سنة".


وأما الصحة المعنوية الروحية فهي ما قدمناه، وما سنذكره أيضًا من فوائد الصيام في نفوس الصائمين، وتوجيههم إلى الله بتقوية المحبة والتعظيم وحسن المراقبة ومعرفة الصائم وظيفته لعلام الغيوب، وإعدادهم للأخذ بجميع وسائل التقوى التي تقيهم من الخزي والذل والخسران في الحياة الدنيا، ومن عذاب الخزي في الدار الأخرى، فتصح قلوبهم وتشفى من مرض الشبهات ومرض الشهوات الذي ابتلى به أهل الأرض، وذهب بأمن حياتهم وراحتهم، وأفقدهم الوحدة الصحيحة الروحية، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ((صوموا تصحوا))[2].


ففي الصوم صحة القلوب والأرواح وصحة الأدمغة الذي يحصل به حسن التفكير في كينونة الإنسان التي لا يملك مجاوزتها في هذه الأرض، ومعرفة مركزه فيها ووظيفته لرب العالمين، وأنه إذا لم يستقي المعلومات من ربه، ويستلهم الهداية من وحيه، ولم يقم بتنفيذ حكمه وتشريعه، فقد تنكر لنعمته وإحسانه، وكفر به كفرًا عمليًا بدل الشكر الواجب عليه، وانسلخ من شرف جندية مولاه العزيز الرحيم إلى مخلوق مثله، يشغله بمذاهب وأنظمة مصطنعة مضطربة يضل بها عن سواء السبيل، ويسعى بإضلال غيره أيضًا ثم يشقي بها فترة من الزمن، ومن يدور معه في فلكه، فتكون حياته شرًا عليه وعلى غيره، ثم بعد مماته يكون ممن يحملون أوزارهم كاملة كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون.


هكذا يتفطن الصائم فيصح تفكيره من تأثير الصيام الصحيح، فيستنير بنور الله، ويستجيب لنداءاته جل وعلا، ويحقق طاعته له، رافضًا الاستجابة لغيره أو طاعة سواه من ملاحدة الشرق والغرب الذين يدعون الفسلفة المتناقضة ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50] ثم بصحة تفكيره وسلامة ضميره يصفو قلبه من الصدأ، وينصقل من رين الذنوب، لمراقبته الله وإنابته إليه، فلا يعود بعد رمضان إلى غفلته السابقة أو أعماله التي فيها شرود عن الله وإضاعة لأوقات عمره النفيسة فيما يحرمه حظوظه الغالية من الله، بل يخرج من صيامه بإنسانية جديدة تحمل القوة المعنوية والطموح الصحيح، والشموخ برأسه الى استلام القيادة العالمية التي هيأه الله لا نتنراعها من اليهود العابثين بمقدرات أهل الأرض، ويربأ بنفسه من عار التقليد والتبعية التي ابتلي بها كثير من العصريين المتشدقين بمسايرة الركب والتطور، معلنين على أنفسهم بتبعية المسايرة، والله يوجب على المسلم أن يسير الناس على صراطه المستقيم بضوء وحيه الذي ورثه من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لا أن يكون مسايرًا للناس، منضبعًا بعلومهم المادية، ومنصبغًا بفلسفتهم الإلحادية، فإن من كان على هذه الحالة بعد شهر رمضان لم يتنفع بصيامه، وكان كالبهيمة المحبوسة عن الطعام والشراب وقتًا معينًا، وبعدم انتفاعه بتشريعات الله، يكون مزعزع الكيان أو فاقدًا له بالكلية، ويكون ذنبًا تابعًا، لا رأسًا متبوعًا، ومهما ادعى لنفسه التحرر والتقدمية فهو مستبعد معنويًا وفكريًا، ومتأخر حقيقة، ولكنه يخادع نفسه ويخدع المصغي له ممن تشبه ببني إسرائيل، فكان سماعًا للكذب والعياذ بالله.


وتقوية الإرادة في النفوس ليس بالأمر الهين، فقد عمل رجال الاجتماع وأصحاب التنظيم العسكريين على تقويتها في المجتمع هذا الزمان، وقد سبقهم الدين الإسلامي على ذلك بأربعة عشر قرنًا، وما أحوج المسلم خاصة أن يكون قوي الإرادة، صادق العزيمة، ولذا أمره الله بتحمل المشاق في الحج، والصبر على فراق الأهل والأحباب، وتعطيل المصالح الدنيوية أو بعضها، والمسير إلى بلد لا يبلغها أحد إلا بشق الأنفس، ومكابدة ألم الجوع والعطش في الصيام، وقوة الصبر عن مألوفاته التي اعتادها حال الصيام، احتسابًا لله، ووفاء بأمانة الصوم الذي أضافه الله إليه، مما يجعل المؤمن قوي الإرادة في تحقيق ذلك، بحيث لو دفع له شيء من المال على ترك مألوفاته لم يقبل، ولكن يتركها حال صومه لله رب العالمين.


فجدير بالصائم ألا يفعل بعد إفطاره ما يخل بهذه القوة أو يوهنها أو يقلل من شأنها، فيهدم في ليله ما بناه في نهاره من قوة الإرادة التي صبر بسببها عن محبوباته ومألوفاته. فما أحزمه لو استغل شهر الصيام كمدرسة يتدرب بها على هجر ما يكرهه هو، أو يكرهه الشارع من مألوفاته التي اعتاد أكلها أو شربها أو مقاربتها، تالله ما أحزمه لو واصل هذه الحمية عن ذلك بالليل كما عملها في النهار، وإن هو عكس الأمر وأخذ يتأفف على ماحرمه منه الصيام، ويتلهف لساعة الإفطار للإسراع إلى تناول مألوفاته المضرة بنهمة، فقد ضيع الحزم والعزم وبرهن على خوره، وضعف نفسه وانعدام يقينه وقلة صبره وانحلال معنويته وانعدام عزيمته وبشاعة هزيمته، وأنه لا يزال فاقد الإرادة، مغلوبًا على أمره داخليًا، لم يستفد من صيامه، ولم ينجح من مدرسته التدريبية بشيء، فلم يكتسب المرونة المطلوبة من فرضية الصيام إذ لم يحمل نفسه على الصبر المتواصل، فهو وإن كان مثابًا من جهة صيامه الساعات المحدودة إلا أنه لم يتنفع من الناحية النفسية والاجتماعية. إذ هو بضعف إرادته التي جرته إلى الإقبال على مألوفاته بجشع ونهمة قد أهدم في ليله ما بناه صومه في نهاره، وأثبت أن صيامه مجرد روحانية خاصة قاصرة.


نعم إن من يقبل حين إفطاره على مألوفاته الخسيسة من دخان أ حشيشة أو قات ونحوه من المفترات أو المخدرات، فقد برهن على ضعف إرادته وانهزامه النفسي الذي هدم به في ليله ما بناه صيامه في نهاره، وأثبت أن صيامه صيامًا تقليديًا يشوبه التوجع والتأفف على عدم تناول مألوفاته، وأن صبره ليس منبثقًا عن قوة نفسية وصدق عزيمته، وإنما جاء قسرًا من ضغط البيئة، أو من الخضوع الديني الذي أجبره على احترام شهر رمضان في ساعات محدودة لا يتعداها صبره عن تناول مألوفه الذي هو مكروه في الشرع، مستقبح في الطبع، ضار في الوضع لقلبه أو عقله أو بدنه أو ماله، أو مضيق لمعيشة عياله، فلم يخرج من ذلك الصوم بمرونة وتهذيب للنفس يكتسب به قوة الإرادة التي يجب أن يظفر بها الصائم صيامًا حقيقيًا كاملًا يحبه الله، وتظهر نتائجه في تقوية معنوية فاعلة من كل ناحية، كما هي الحكمة العظمى من حكم الصوم التي أخذ علماء التربية والاجتماع الآن يعملون على تقويتها في النفوس بشتى الوسائل، كما يذكر عن اهتمام (ألمانيا) بتقوية الإرادة.


ونحن أغنياء بتشريعات ديننا القويم الذي وضعه لنا العليم الحكيم جل شأنه، فلسنا بحاجة إلى التطفل على غيرنا في التربية، إذ تربية أولئك مبنية على المادة الصرفة التي تقلق راحة الإنسان وتزيد من جموحه إلى الشر بسببها.


وتربية الشارع الحكيم جمعت بين الروح والمادة بميزان تغلب فيه الروح وترجح، فتسيطر على مشاعره عن الجماح والانحراف، فالمسلم بحمد الله على بينة من أمره والحكم العليا في دينه الذي يتلوه شاهد منه لا يحتاج معه إلى الاستشهاد بغيره، وإنما يحتاج إلى التطبيق وأخذ ما أنزل إليه بقوة.


ومن لم يتأثر بما يقوله وما يعمله من أركان الإسلام وشعائره تأثرًا روحيًا ومعنويًا تنسبك به أخلاقه وطبائعه، فليس جديرًا بحمل رسالته العظيمة التي أوجب الله عليه حملها في جميع نواحي الأرض ليصلح بها ما أفسد الناس، ويكون مصدر العزة والحكمة ومنبع الخير والرحمة كما هيأه الله بما شرع في دينه لذلك.


والمسلمون ما قست قلوبهم وتقاعسوا عن واجبهم فكانوا عرضة لغزو أعدائهم سياسيًا وثقافيًا إلا بسبب عدم تأثرهم بما يكررون قوله وفعله من أركان الإسلام وشعائره مما أصبح والعياذ بالله (كطقوس روتينية) بحيث غلبهم أصحاب المبادئ الوثنية والمذاهب المادية الجديدة التي يتفانون في نشرها وتركيزها بكل حماس وتضحية حتى كسبوا أولاد المسلمين كسبًا رخيصًا، بل اختطفوا عقول الكثير من آبائهم أيضًا.


ولو أنهم تأثروا بما يقولونه ويفعلونه تأثرًا صحيحًا لأجج في قلوبهم نار الغيرة لله، والانتصار لما أنزله عليهم من الحق محبة صحيحة له ولرسوله، فحملوا رسالتهم القويمة العظيمة الخالدة، ودفعوا بها إلى الإمام، ودفعوا الباطل بسيوف الحق الدامغة، فلم يسمحوا له بالانتشار، ولم يوجدوا له فراغًا ينفذ منه، بل شغلوا الفراغ بالحق بدلًا من أن يشغله غيرهم بالباطل، ووقفوا سدًا منيعًا أمام كل تيار بحيث يدفعونه حتى يتلاشى، كما دفعه أسلافهم الصالحون الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.


فالدين الإسلامي دين حيوي يجمع تشريعاته القولية والفعلية والاعتقادية، فكل شعيرة منه تعمر الضمير وتزيد في تقوى الله ومحبته وتعظيمه، وتحمل صاحبها على التفاني في نصرة دينه اقتداء برسوله - صلى الله عليه وسلم.


وما انطفأت نار الغيرة والحب إلا بسبب عدم التأثر المطلوب؛ لأن المسلم في هذا الزمان - وياللأسف - أصبح عنده ذكر الله وتلاوة كتابه لا يتجاوز الحنجرة، وكذلك الصلاة يصليها بجسمه لا بقلبه، والصيام يؤديه كعادة رسمية يحترمها مع التضجر على ما يمتنع منه والتلهف على سرعة تناوله. فلا الذكر والقرآن يورثان المحبة والتعظيم والتدبر والتفكر. ولا الصلاة تورث الإخبات والإنابة لخلوها من الخشوع، ولا الصوم يورث قوة الإرادة ورباطة الجأش وصدق العزيمة.


والواجب أن تستقيم أموره كما يحب الله منه ويوجب عليه، فيطمئن قلبه بذكر الله، وينيب إليه، ويخشع بتمام مراقبته لله، وبالإجلال والتعظيم له في الصلاة فينتهي عن الفحشاء والمنكر، وأن تتوفر فيه جميع حكم الصيام وغيره لتؤتي كل شعيرة ثمرتها المقصودة من شرعيتها. فيكون عبدًا شكورًا قائمًا بوظيفته لربه في الحياة، مجاهدًا في الله حق جهاده، لينال ما وعده الله به من العز النصر والتمكين والنجاة من الشرور: ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد: 21] فالصوم الصحيح يبقى في قلب صاحبه من الصحة والشفاء الوحي ما يقيه من الأمراض المعنوية.كما أنه يتأثر بالصلاة الخاشعة وقراءة القرآن بالتدبر حال صيامه مما تعرج به ورحه إلى مولاه عروجًا معنويًا يكسبه الاستقامة على طاعته، والقيام بحسن المعاملة للخالق والمخلوق، ويرهف إحساسه نحو رسالته، فيتفانى في حملها، ويبذل النفس والنفيس في سبيلها قيامًا بحق الله، وبسلامة قلبه من الأمراض المعنوية وصلاح أعماله يكون قدوة صالحة بين الأنام، فيحصل دعوته القبول التام لما يرون فيه من الأسوة الحسنة، فهكذا يوجب الله على المسلمين أن يكونوا في الأرض لتعمر بهم عمارة روحية ومعنوية.


فصلى الله عليك من رسول أوتيت جوامع الكلم. تالله إن كلماته القصيرة الحكيمة في هذين الحديثين الشريفين: ((الصوم جنة ما لم يخرقها))[3] و((صوموا تصحوا))[4] ولو تكلم بهما بعض ما يسمى بـ(الفلاسفة) أو بعض أطباء الغرب في هذا الزمان الموبوءة فيه أوضاع أهله، لطفحت بها الصحف بالعناوين الضخمة، ووجدا رواجًا عظيمًا عند الماديين الذين رفضوا الروحانيات، وأصبحوا لا يتلقون الهداية من مشكاة النبوة، بل يتلقون أقوال هذا وذاك ممن ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 104].


والمؤمن الصحيح يجب عليه أن يحصر التلقي للنور والهداية على وحي الله من كتاب وسنة، ويجعلهما الميزان الصحيح لكل ما يرد عليه أيضًا، وأن يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه حاضر عنده لا يغيب عنه، ويلاحظ إطلاع الله عليه أيضًا، فيتمسك بوحيه الذي هو حبله المتين - أي: عهده المتين - ويقتدي بنبيه - صلى الله عليه وسلم - قولًا وعملًا، لتكون حياته امتدادًا لحياته الظاهرة، وإن لم يكن كذلك فإن حياته صورة لغيره والعياذ بالله.



[1] هذه الزيادة ليست في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وإنما من حديث أبي عبيدة رضي الله عنه وهي عند أحمد (1/195).

[2] ذكره العقيلي في الضعفاء [2/92] من طريق زهير بن محمد أبو المنذر عن سهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: ((اغزو تغنموا وصوموا تصحوا)) وقال: لا يتابع عليه إلا من وجه فيه لين - يقصد زهير بن محمد أبو المنذر - وانظر الكامل لابن عدي [2/357], [7/57].

[3] انظر التعليق قبل السابق.

[4] تقدم، انظر التعليق قبل السابق.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (1)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (2)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (4)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (5)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (6)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (7)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183: 184) (8)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (185)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (186) (1)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مقدمة بين يدي تفسير سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب