• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / خواطر صائم / مقالات
علامة باركود

10 رسائل للصائمين

أبو يوسف حميضي بن عبدالعزيز الحميضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/9/2008 ميلادي - 29/8/1429 هجري

الزيارات: 34588

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
الرسالة الأولى
فضل شهر رمضان المبارك
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من المسلمين، وفقني الله وإياهم لاغتنام الخيرات وجعلني وإياهم من المسارعين إلى الأعمال الصالحات، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

أيها المسلمون، إنكم في شهر عظيم مبارك، ألا وهو شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تُفتَّح فيه أبواب الجنَّات، وتضاعف فيه الحسنات، وتُقَالُ فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وتُرفَع الدرجات، وتُغفَر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكَرامَات، ويجزل فيه لأوليائه العطيَّات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وأمر الناس بصيامه وأخبر - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أن من صامه إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه، شَهْر فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِم خيرَها فقد حرم، فاستقبلوه - رحمكم الله - بالفرحِ والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه، والمسابقةِ فيه إلى الخيرات، والمبادرةِ فيه إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات، والتناصُحِ والتعاون على البر والتقوى، والتواصِي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى كل خير؛ لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم.

وفي الصيام فوائد كثيرة وحِكَم عظيمة، منها: تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة، كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها للأخلاق الكريمة، كالصبر والحلم والجود والكرم، ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه، ومن فوائد الصوم: أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه، ويذكره بعظيم نِعَم الله عليه، ويذكره أيضًا بحاجة إخوانه الفقراء، فيوجب له ذلك شكر الله - سبحانه - والاستعانة بنعمه على طاعته، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم، وقد أشار الله - سبحانه وتعالى - إلى هذه الفوائد في قوله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

فأوضح - سبحانه - أنه كتب علينا الصيام لنتقيه، فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى، والتقوى: هي طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه من إخلاص لله - عز وجل - ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبَه؛ فالصيام شعبة عظيمة مِن شعب التقوى، ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شؤون الدين والدنيا، وقد أشار النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - إلى بعض فوائد الصوم في قوله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصَّوم فإنه له وِجَاء)) [1]، فبَيَّن النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أن الصَّوْم وجاء للصائم، أي: وسيلة لطهارته وعفافه؛ وما ذاك إلاَّ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري، ويذكر بالله وعظمته، فيضعف سلطان الشيطان، ويقوِّي سلطان الإيمان، وتكثر بسببه الطاعات من المؤمن، وتقل به المعاصي، وفي الصوم فوائد كثيرة غير ما تقدم، تظهر للمتأمل من ذوي البصيرة ومنه: أنه يُطَهِّر البدن من الأخلاط الرديئة، ويكسبه صحة وقوَّة، وقد اعترف بذلك الكثير من الأطباء، وعالجوا به كثيرًا من الأمراض، وقد ورد في فضله وفريضته آيات وأحاديث كثيرة؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 183 - 185].

وفي الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت))[2].

وثبت عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله - عز وجل -: ((إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك))[3].
وفي الصحيحين عن النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((إذا دخل رمضان فتِّحَت أبواب الجنة، وغلِّقَت أبواب النار، وسلْسِلَت الشياطين))، وأخرج الترمذي، وابن ماجه، عن النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((إذا كان أول ليلة من رمضان صفِّدَت الشياطين ومردَة الجن، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي مناد: يا باغِيَ الخير أقبِل، ويا باغيَ الشر أقصِر، ولله عُتَقَاء مِن النار، وذلك كلَّ ليلة))[4].

وفي الصحيحين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قال: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غَفَر الله له ما تقدَّم من ذنبِه)) [5]، وثبت عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه كان في الغالب لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عَشْرَةَ ركعة، يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا[6]، وثبت عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه في بعض الليالي يصلي ثلاثَ عشْرَةَ ركعة [7]، وليس في قيام رمضان حد محدود؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - سئُل عن قيام الليل، قال: ((مثنى مثنى؛ فإذا خشي أحدكم الصبح صلَّى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) [8]، ولم يحدد - صلَّى الله عليه وسَلَّم - للناس في قيام الليل ركعات محدودة، ثلاث عشرة ركعة، أو ثلاثًا وعشرين، أو أكثر من ذلك أو أقل فلا حرج عليه، ولكن الأفضل هو ما فعله النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وداوم عليه في أغلب الليالي، وهو إحدى عَشْرَةَ ركعة مع الطمأنينة في القيام والقعود، والركوع والسجود وترتيل التلاوة، وعدم العجلة؛ لأن روح الصلاة هو الإقبال عليها بالقلب، والخشوع فيها، وأداؤها كما شرع الله بإخلاص وصدق، ورغبة ورهبة وحضور قلب؛ كما قال الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2]، وقال النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((وجُعلت قرَّة عيني في الصلاة)) [9]، وقال للذي أساء في صلاته: ((إذا قُمْت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسَّر من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها))[10]، وكثير من النساء يصلي في قيام رمضان صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها، بل ينقرها نقرًا، وذلك لا يجوز بل هو منكر لا تصِحُّ معه الصلاة؛ فالواجب الحذر من ذلك.

وفي الحديث عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((أسوأ الناس سَرِقَةً الذي يَسرِق من صلاته))، قالوا: يا رسول الله، وكيف يسرق من صلاته؟ قال: ((لا يتم ركوعها ولا سجودها)) [11]، وثبت عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه أمر الذي نقر صلاته أن يعيدها.

فيا معشر المسلمين، اغتنموا هذا الشهر العظيم وعظموه - رحمكم الله - بأنواع العبادة والقرُبات، وسارعوا فيه إلى الطاعات؛ فهو شهر عظيم جعله الله ميدانًا لعباده يتسابقون إليه فيه بالطاعات، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات، فأكثِرُوا فيه - رحمكم الله - من الصلوات والصدقات وقراءة القرآن الكريم والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام، وقد كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أجودَ الناسِ، وكان أجود ما يكون في رمضان، فتأسَّوْا بنبيِّكم - صلَّى الله عليه وسَلَّم - واقتدوا به في مضاعفة الجود والإحسان في شهر رمضان، وأعِينُوا إخوانكم الفقراء على الصيام والقيام، واحتسبوا أجر ذلك عند الملك العلام، واحفظوا صيامكم عما حرمه الله عليكم من الأوزار والآثام، فقد صح عن النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) [12]، وقال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((الصيام جُنَّة؛ فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يَرفُث ولا يَفسُق، فإن امرؤ سابَّه أحد، فليقل: إني امرؤ صائم)) [13]، وجاء عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((ليس الصيام عن الطعام والشراب، وإنما الصيام عن اللغو والرَّفَث)) [14]، وقال جابر بن عبدالله الأنصاري - رضي الله عنه -: ((إذا صمت فليصم سَمعُك وبَصَرك ولسَانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن لك وقارٌ وسَكينَة، ولا تجعل يوم صَومِك ويوم فطرك سواءً)).

فينبغي للصائم الإكثار من تلاوة القرآن بِتَدبُّر وتَعقُّل، والإكثار من الصلوات والصدقات، والذكر والاستغفار وسائر أنواع القربات في الليل والنهار؛ اغتنامًا للزمان، ورغبة في مُضاعَفَة الحسنات، ومَرْضَات فاطر الأرض والسماوات، واحذروا - رحمكم الله - كل ما ينقص الصوم ويضعف الأجر، ويغضب الربَّ - عز وجل - من سائر المعاصي، كالتهاون بالصلاة، والبخل بالزكاة، وأكل الربا، وأكل أموال اليتامى، وأنواع الظلم، وعقوقِ الوالدين، وقطيعة الرحم، والغِيبَةِ والنميمة، والكذب وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان الكاذبة، وحلق اللحى وتقصيرها، وإطالة الشوارب، والتكبُّر وإسبال الثياب، وشرب المسكِرَات والتدخين، وتبرج النساء وعدم تسترهن من الرجال، والتشبه بنساء الكفرة في لبس الثياب القصيرة، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله.

وهذه المعاصي التي ذكرنا محرمة في كل زمان ومكان، ولكنها في رمضان أشدُّ تحريمًا وأعظم إثما لفضل الزمان وحرمته، ومن أقبح هذه المعاصي وأخطرها على المسلمين ما ابتلي به كثير من الناس، من التكاسل عن الصلوات، والتهاون بأدائها في الجماعة في المساجد، ولا شك أن هذا من أقبح خصال أهل النفاق، ومن أسباب الزيغ والهلاك؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142]، وقال النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر)) [15]، وقال له - صلَّى الله عليه وسَلَّم - رجل أعمى: يا رسول الله، إني بعيد الدار عن المسجد، وليس لي قائد يلائمني، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((هل تسمع النداء للصلاة؟)) قال: نعم، قال: ((فأجب)) [16]، وقال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - وهو من كبار أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: "لقد رأيتُنا وما يتخلف عن الصلاة في الجماعة إلا منافق معلوم النفاق أو مريض"، وقال - رضي الله عنه -: "لو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم"[17].

ومن أخطر المعاصي اليوم أيضًا: ما بلي به الكثير من الناس، من استماع الأغاني وآلات الطرب، وإعلان ذلك في الأسواق وغيرها، ولا ريب أن هذا من أعظم الأسباب في مرض القلوب، وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة، وعن استماع القرآن الكريم والانتفاع به، ومن أعظم الأسباب أيضًا في عقوبه صاحبه بمرض النفاق والضلال عن الهدى؛ كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6]، ولقد فسر أهل العلم لهو الحديث بأنه: الغناء وآلات اللهو وكل كلام يصد عن الحق، وقال النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف)) [18]، والحر: هو الفرج الحرام، والحرير معروف، والخمر: هو كل مسكر، والمعازف: هي الغناء، وآلات الملاهي: كالعود، والكمان، وسائر آلات الطرب، والمعنى أنه يكون في آخر الزمان قوم يستحلون الزنا، ولُبْسَ الحرير، وشرب المسكرات، واستعمال الغناء وآلات الملاهي، وقد وقع ذلك كما أخبر به النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وهذا من علامات نبوته ودلائل رسالته - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وقال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((إن الغناء يُنْبِتُ النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع)).

فاتقوا الله، أيها المسلمون، واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسولُه واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره، وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه؛ لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة، والله المسؤول أن يعصمنا والمسلمين من أسباب غضبه، وأن يتقبل منا جميعًا صيامنا وقيامَنَا، وأن يُصلح ولاة أمر المسلمين، وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء؛ إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارَك على عبدِه ورسوله محمد وآله وصحبه [19].
لسماحة الشيخ
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله -
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء والدعوة والإرشاد



الرسالة الثانية
فضل صيام رمضان وقيامه
مع بيان أحكام مهمة قد تخفى على بعض الناس
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من المسلمين، سلك الله بي وبهم سبيل أهل الإيمان، ووفقني وإياهم للفقه في السنة والقرآن، آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد، فهذه نصيحة موجزة تتعلق بفضل صيام رمضان وقيامه، وفضلِ المسابقة فيه بالأعمال الصالحات مع بيان أحكام مهمة قد تخفَى على بعض الناس.

ثبت عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان ويخبرهم - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه شهر تفتح فيه أبواب الرحمة وأبواب الجنة، وتُغَلَّق فيه أبواب جهنم وتُغَلُّ فيه الشياطين، ويقول - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((إذا كان أول ليلة من رمضان فُتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلَق منها باب، وغلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب، وصفِّدت الشياطين، وينادي منادٍ: يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عُتقَاء من النار، وذلك كلَّ ليلة))، ويقول - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((جاءكم شهر رمضان شهر بركة يَغشَاكم الله فيه، فينزل الرحمة ويحطُّ الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافُسِكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا؛ فإنَّ الشقيَّ مَن حرم فيه رحمة الله)) [20]، ويقول - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومَن قام ليلَة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه))[21]، ويقول - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((يقول الله - عز وجل -: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سَبعمائة ضعف؛ إلا الصيامَ فإنه لي وأنا أجزي به، تَرَك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخَلوف فم الصائم أطيَب عند الله من ريح المسك)).

والأحاديث في فضل صيام رمضان وقيامه وفضل الصوم كثيرة، فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة، وهي ما مَنَّ الله به عليه من إدراك شهر رمضان، فيسارع إلى الطاعات ويحذر السيئات، ويجتهد في أداء ما افترض الله عليه، ولا سيما الصلوات الخمس؛ فإنها عمود الإسلام وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين، فالواجب على كل مسلم ومسلمة المحافظة عليها، وأداؤها في أوقاتها بخشوع وطمأنينة، ومن أهم واجباتها في حق الرجال أداؤها في الجماعة في بيوت الله، التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه؛ كما قال - عز وجل -: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، وقال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، وقال عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2]، إلى أن قال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 9 - 11]، وقال النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفَر)) [22].

وأهم الفرائض بعد الصلاة أداء الزكاة كما قال - عز وجل -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56]، وقد دل كتاب الله العظيم، وسنة رسوله الكريم على: أن من لم يؤد زكاة ماله يُعَذَّبْ به يوم القيامة، وأهم الأمور بعد الصلاة والزكاة صيام رمضان، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة المذكورة في قول النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)) [23].

ويجب على المسلم أن يَصُون صيامه وقيامه عمَّا حرم الله عليه من الأقوال والأعمال؛ لأن المقصود بالصيام هو طاعة الله - سبحانه - وتعظيم حرماته وجهاد النفس على مخالفة هواها في طاعة مولاها، وتعويدها الصبر عما حرم الله، وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشراب وسائر المفطرات؛ ولهذا صح عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((الصيام جنَّة: فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يَرفُث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إنِّي صائم)) [24].

وصح عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((مَن لم يَدع قول الزور والعملَ به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) [25].

فعُلِم بهذه النصوص وغيرها: أن الواجب على الصائم الحذَرُ من كل ما حرم الله عليه، والمحافظةُ على كل ما أوجب عليه، وبذلك يرجى له المغفرةُ، والعتقُ من النار، وقبولُ الصيام والقيام.

أمور قد تخفى على بعض الناس:
وهناك أمور قد تخفى على بعض الناس، منها أن الواجب على المسلم أن يصوم إيمانًا واحتسابًا، لا رياء ولا سُمعَة ولا تقليدًا للناس أو متابعة لأهله أو أهل بلده، بل الواجب عليه أن يكون الحامل له على الصوم هو إيمانه بأن الله قد فرض عليه ذلك، واحتسابه الأجر عند ربه في ذلك.

وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيمانًا واحتسابًا لا لسبب آخر؛ ولهذا قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))؛ متفق عليه.

ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس: ما قد يعرض للصائم من جراح، أو رُعاف، أو قَيْء، أو ذهاب الماء أو البنزين إلى حَلْقه بغير اختياره، فكل هذه الأمور لا تفسد الصوم، لكن من تعمَّد القيء فسد صومه؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من ذَرَعَه القَيْءُ وهو صائِمٌ فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه الإعادة)) [26].

ومن ذلك ما قد يعرض للصائم من تأخير غسل الجنابة إلى طلوع الفجر، وما يعرض لبعض النساء من تأخير غسل الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر، إذا رأت الطهر قبل الفجر، فإنه يلزمها الصوم، ولا مانع من تأخيرها الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر، ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس، وهكذا الجنُب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس؛ بل يجب عليه أن يغتسل ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس، ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة.

ومن الأمور التي لا تفسد الصوم تحليل الدم، وضرب الإبر غير التي يقصد بها التغذية، لكن تأخير ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسَّر ذلك؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((دع ما يَرِيبك إلى ما لا يَرِيبك)) [27]، وقوله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) [28]، متفق عليه.

ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس: عدم الاطمئنان في الصلاة، سواء أكانت فريضة أم نافلة، وقد دلَّت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - على أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة بدونها، وهي الركود في الصلاة، والخشوع فيها وعدم العجلة حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وكثير من الناس يصلي في رمضان صلاة التراويح، صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها بل ينقرها نقرًا، وهذه الصلاة على هذا الوجه باطلة، وصاحبها آثم غير مأجور.

من الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس: ظن بعضهم أن التراويح لا يجوز نقصها عن عشرين ركعة، وظن بعضهم أنه لا يجوز أن يزاد فيها على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، وهذا كله ظن في غير محلِّه؛ بل هو خطأ مخالف للأدلَّة.

وقد دلَّت الأحاديث الصحيحة، عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - على أن صلاة الليل موسع فيها، فليس فيها حد محدود، ولا تجوز مخالفته؛ بل ثبَت عن النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه كان يُصلِّي من الليل إحدى عشْرَةَ ركعةً؛ متفق عليه، وربما صلَّى - صلَّى الله عليه وسَلَّم - ثلاث عشرة، وربما صلَّى أقل من ذلك في رمضان وفي غيره، ولما سئل - صلَّى الله عليه وسَلَّم - عن صلاة الليل قال: ((مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر ما قد صلَّى))؛ متفق عليه.

ولم يحدد ركعات معينة لا في رمضان ولا في غيره؛ ولهذا صلى الصحابة - رضي الله عنهم - في عهد عمر - رضي الله عنه - في بعض الأحيان ثلاثًا وعشرين ركعة، وفي بعضها إحدى عشرة ركعةً، كل ذلك ثبت عن عمر - رضي الله عنه - وعن الصحابة في عهده [29].

وكان بعض السلف يصلي في رمضان ستًّا وثلاثين ركعة ويوتر بثلاث، وبعضهم يصلي إحدى وأربعين ركعة ذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وغيره من أهل العلم كما ذكر - رحمه الله - أن الأمر في ذلك واسع، وذكر أيضًا أن الأفضل لمن أطال القراءة والركوع والسجود أن يقلل العدد، ومن خفف القراءة والركوع والسجود زاد العدد، هذا معنى كلامه - رحمه الله - ومن تأمل سنته - صلَّى الله عليه وسَلَّم - علم أن الأفضل في هذا كله هو صلاة إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة في رمضان وغيره؛ لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - في غالب أحواله؛ ولأنه أرفق بالمصلين وأقرب إلى الخشوع والطمأنينة، ومن زاد فلا حرج ولا كراهة كما سبق، والأفضل لمن صلَّى مع الإمام في قيام رمضان أن لا ينصرف إلا مع الإمام لقول النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)) [30].

ويشرع لجميع المسلمين الاجتهاد في أنواع العبادة في هذا الشهر الكريم، من صلاة النافلة وقراءة القرآن بالتدبر والتعقُّل، والإكثار من التسبيح والتحميد، والتكبير والاستغفار والدعوات الشرعية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله - عز وجل - ومواساة الفقراء والمساكين، والاجتهاد في بر الوالدين وصلة الرحم، وإكرام الجار، وعيادة المريض، وغير ذلك من أنواع الخير؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - في الحديث السابق: ((ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله)).

ولقوله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - في الحديث السابق: ((يا باغي الخير، أَقْبِلْ، ويا باغي الشر، أقصر)).

ولما رُوي عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((مَن تقرَّب فيه بخصلة من خِصال الخير، كان كمَن أدَّى فريضَةً فيما سِواه، ومَن أدَّى فيه فريضة كان كمَن أدَّى سبعين فريضةً فيما سواه)) [31]، ولقوله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - في الحديث الصحيح: ((عمرة في رمضان تعدِل حجة))، أو قال: ((حجة معي)) [32].

والأحاديث والآثار الدالة على شرعيَّة المسابقة والمنافسة في أنواع الخير في هذا الشهر الكريم كثيرة، والله المسؤول أن يوفقنا وسائرَ المسلمين لكل ما فيه رضاه، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا ويصلح أحوالنا ويعيذنا جميعًا من مُضلاَّت الفتن، كما نسأله - سبحانه - أن يصلح قادة المسلمين ويجمع كلمتهم على الحق؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الرسالة الثالثة
تنبيهات على أخطاء أو نقائص تقع من بعض الصائمين
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه:
1 - عدم تبيِيت النية للفرض من الليل أو قبل طلوع الفجر، وإن كان قد يُكتفى لرمضان بنية واحدة.
2 - الأكل أو الشرب مع أذان الصبح أو بعده، وإن كان بعض المؤذنين قد يتقدمون احتياطًا.
3 - تقديم السحور قبل الفجر بساعة أو ساعتين، وقد ورد الترغيب في تعجيل الفطر وتأخير السحور.
4 - الإسراف من غالب الناس في الْمَآكِلِ والمشارب، وهو خلاف ما شرع له الصوم من الجوع الذي هو سبب الخشوع.
5 - التفريط في أداء الصلاة جماعة؛ كالظهر والعصر لعذر الكسل أو النوم أو الاشتغال بما لا يُجدي.
6 - عدم حفظ اللسان في نهار الصيام وليله، من اللغو والرفث، وقول الزور والكذب، والغِيبة والنميمة.
7 - إضاعة الأوقات الشريفة في اللهو واللعب، ومشاهدة الألعاب والأفلام، والألغاز والأحاجي والتسكع في الطرقات.
8 - التفريط في الأعمال المضاعفة في رمضان؛ كالأدعية والأذكار، والقراءة ونوافل الصلوات المؤكدة.
9 - ترك صلاة التراويح جماعة، مع ورود الترغيب في فعلها مع الإمام حتى ينصرف؛ ليكتب له قيام ليلة.
10 - ترك القيام الذي خُصَّت به العشر الأواخر؛ فقد كان النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - إذا دخلت العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجَدَّ، وشدَّ المِئزر.
11 - السَّهر ليلةَ الصيام، ثم النَّوم عن صلاة الصبح فلا يُصلِّيها البعض إلا في الضحى، وذلك تفريط في هذه الفريضة.
12 - البخل بالمال ومنع ذوي الحجة مع كثرتهم في رمضان، ورغم مضاعفة أجر الصدقات في تلك الأوقات.
13 - عدم الانتباه من الكثير لأداء الزكاة الماليَّة كاملة، مع أنها قرينة الصلاة والصيام، وإن كانت لا تختص برمضان.
14 - الغفلة عن الدعاء وقت الصيام، وخصوصًا عند الإفطار بتناول الأكل والشرب مع أنه ورد الحديث بذلك، وأن للصائم عند فطره دعوة لا تُرَد.
15 - إضاعة سنة الاعتكاف في رمضان، وبالأخصِّ في العشر الأواخر مع ورودها في الكتاب والسنة.
16 - خروج الكثير من النساء إلى المساجد بلباس الزينة، مع التعطُّر والتطيُّب مع ما فيه من أبواب الفتنة.
17 - التسهيل للنساء ليَخرُجْن إلى الأسواق في ليالي رمضان، ومع سائق أجنبي وبلا محرم بدون حاجة غالبًا.
18 - ترك سنة التكبير في ليلة العيد ويومه، قبل الصلاة وفي أيام عشر ذي الحجة مع الأمر به في القرآن.
19 - تأخير زكاة الفطر مع أن السنَّة تُوجِب إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، وتجوز قبله بيوم أو يومين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، يرجَى من أئمة المساجد قراءتها على المصلين وشرحها إتمامًا للفائدة.
كتبها الفقير إلى عفو ربه
فضيلة الشيخ
عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين


الرسالة الرابعة
نبذة عن الصيام وزكاة الفطر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فهذه نُبْذَةٌ في الصيام وحكمه وأقسام الناس فيه والمفطرات، وفوائد أخرى على وجه الإيجاز:
1- الصيام: هو التعبد لله تعالى بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
2- صيام رمضان أحد أركان الإسلام العظيمة؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام)).

الناس في الصيام:
1- الصوم واجب على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر، مقيم.
2- الكافر لا يصوم، ولا يجب عليه قضاء الصوم إذا أسلم.
3 - الصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الصوم، لكن يؤمر به ليعتاده.
4- المجنون لا يجب عليه الصوم ولا الإطعام عنه، وإن كان كبيرًا، ومثله المعتوه الذي لا تمييز له، والكبير المهذرِي الذي لا تمييز له.
5- العاجز عن الصوم لسبب دائم؛ كالكبير والمريض مرضًا لا يُرجَى برؤه، يطعم عن كل يوم مسكينًا.
6- المريض مرضًا طارئًا يُنتَظر برؤه: يُفطِر إن شقَّ عليه الصوم، ويَقضِي بعد برئه.
7- الحامل والمرضع إذا شق عليهما الصوم من أجل الحمل أو الرضاع، أو خافَتا على ولدَيْهما، تفطران وتقضيان الصوم، إذا سهل عليهما وزال الخوف.
8 - الحائض والنُّفَسَاء لا تصومان حال الحيض والنفاس، وتقضيان ما فاتهما.
9 - المضطر للفطر؛ لإنقاذ شخص يجب إنقاذه من غرق أو حريق - يفطر لينقذه ويقضي.
10 - المسافر: إن شاء صام وإن شاء أفطر وقضى ما أفطره، سواءٌ كان سفره طارئًا - كسفر العمرة - أم دائمًا - كأصحاب سيارات الأجرة (التاكسي)، والشاحنات (المرسيدس وغيرها) - فيفطرون إن شاؤوا، ما داموا في غير بلدهم.

مفطرات الصائم:
1 - لا يفطر الصائم إذا تناول شيئًا من المفطرات ناسيًا أو جاهلاً أو مكرهًا؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وقوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، وقوله: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5].

فإذا نسِيَ الصائم فأكل أو شرب لم يفسد صومه؛ لأنه ناسٍ، ولو أكل أو شرب يعتقد أن الشمس قد غربت، أو أن الفجر لم يطلع لم يفسد صومه؛ لأنه جاهل، ولو تمضمض فدخل الماء إلى حلقه بدون قصد لم يفسد صومه؛ لأنه غير متعمِّد، ولو احتلم في نومه لم يفسد صومه؛ لأنه غير مختار.

2 - المفطرات هي:
1 - الجماع: وإذا وقع في نهار رمضان من صائم يجب عليه الصوم، فعليه مع القضاء كفَّارة مغلَّظة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
2 - إنزال المني يقظة: باستمناء أو مباشرة، أو تقبيل أو ضم أو نحو ذلك.
3 - الأكل أو الشرب، سواءٌ كان نافعًا أم ضارًّا كالدخان.
4 - حقن الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الطعام؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب - فأما الإبر التي لا تغذي فلا تفطر، سواءٌ أسْتَعْمَلَهَا في العضلات أم في الوريد، وسواء وجد طعمها في حلقه أم لم يجده.
5 - خروج دم الحيض والنفاس.
6 - إخراج الدم بالحجامة ونحوها، فأما خروج الدم بنفسه كالرُّعاف، أو خروجه بقلع سن ونحوه فلا يفطر؛ لأنه ليس حجامة ولا بمعنى الحجامة.
7 - القيء: إن تَقَصَّدَه، فإن قاء من غير قصد لم يفطر.

* فوائد:
1 - يجوز للصائم أن ينوي الصيام، وهو جنُب ثم يغتسل بعد طلوع الفجر.
2 - يجب على المرأة إذا طهرت في رمضان من الحيض أو النفاس قبل الفجر أن تصوم، وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.
3 - يجوز للصائم دهن رأسه وجسده بدواء وغيره وشم الطيب، لكن لا يستنشق دخان البخور، ويجوز أيضًا قلع ضرسه أو سِنِّه، ومداواة جرحه، والتقطير في عينيه أو أذنيه، والاكتحال، ولا يفطر بذلك ولو أحس بطعم القطور في حلقه.
4 - يجوز للصائم أن يتسوَّك في أول النهار وآخره، وهو سنّة في حقه كالمفطرين.
5 - يجوز للصائم أن يفعل ما يخفف عنه شدة الحر والعطش.
6 - يجوز للصائم أن يبخ في فمه ما يخفف عنه ضيق التنفس الحاصل من الضغط أو غيره.
7 - يجوز للصائم أن يبلَّ بالماء شفتيه إذا يبستا، وأن يتمضمض إذا نشف فمه من غير أن يتغرغر بالماء.
8 - يسن للصائم تأخير السحور قبيل الفجر، وتعجيل الفطور بعد غروب الشمس، ويفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، فإن لم يجد فعلى أي طعام حلال، فإن لم يجد نوى الفطر بقلبه حتى يجد.
9 - يُسَن للصائم أن يكمل صيامه بالإكثار من الطاعات، ويجتنب جميع المنهيات.
10 - يجب على الصائم المحافظة على الواجبات والبعد عن المحرمات؛ فيصلي الصلوات الخمس في وقتها ويؤديها مع الجماعة، إن كان من أهل الجماعة، ويترك الكذب والغِيبة، والغش والمعاملات الربوية، وكل قول أو فعل محرم؛ قال النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) [33].

زكاة الفطر:
1 - زكاة الفطر: صاعٌ من طعام أرز أو بُرّ أو تَمْر أو غيره مما يطعم الناس.
2 - لا تُجزئ زكاة الفطر من الدراهم والثياب وغيرها سوى الطعام.
3 - تُدْفع زكاة الفطر صباحَ العيد قبل الصلاة، ويجزئ دفعها قبل العيد بيوم أو يومين.
4 - لا يجوز تأخير دفعها عن صلاة العيد إلا لعذر.
5 - تُدْفع زكاة الفطر عن الصغير والكبير، والذكر والأنثى من المسلمين.
يُرْجى ممن يطلع على هذه الرسالة أن يدفعها لمن يستفيد منها؛ لأنها وقف، سائلين الله أن ينفع بها المسلمين.
تأليف فضيلة الشيخ
محمد بن صالح العثيمين


الرسالة الخامسة
حال السلف في رمضان
رسالة إلى كل مسلم ومسلمة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك.
أخي المسلم، أختي المسلمة.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
أما بعد، فأبعثُ إليكم هذه الرسالة محملة بالأشواق والتحيات العطرة، أزفها إليكم من قلب أحبَّكم في الله، نسأل الله أن يجمعنا بكم في دار كرامته ومستقر رحمته، وبمناسبة قدوم شهر رمضان أقدم لكم هذه النصيحة هدية متواضعة، أرجو أن تتقبلوها بصدر رحب وتبادلوني النصح، وحفظكم الله ورعاكم.
كيف نستقبل شهر رمضان المبارك؟
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

أخي الكريم:
خص الله شهر رمضان عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل منها:
- خَلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
- تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا.
- يزيِّن الله في كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يُلْقُوا عنهم المؤونة والأذى ثم يصيروا إليكِ.
- تُصفَّد فيه الشياطين.
- تُفتَّح فيه أبواب الجنة وتُغلَّق أبواب النار.
- فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حرم الخير كله.
- يُغفَر للصائم في آخر ليلة من رمضان.
- لله عتقاء من النار، وذلك كلَّ ليلة من رمضان.
فيا أخي الكريم، شهر هذه خصائصه وفضائله بأي شيء نستقبله؟ بالانشغال وباللهو وطول السهر؟ أو نتضجر من قدومه ويثقل علينا، نعوذ بالله من ذلك كله.
ولكن العبد الصالح يستقبله بالتوبة النصوح، والعزيمة الصادقة على اغتنامه، وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة، سائلين الله الإعانة على حُسْن عبادته.

وإليك، أخي الكريم، الأعمالَ الصالحة التي تتأكد في رمضان:
1 - الصوم:
قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سَبعمائة ضِعْف، يقول الله - عز وجل -: إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك))؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وقال: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ أخرجه البخاري ومسلم.

لا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس له حاجة في أن يَدَع طعامه وشرابه))؛ أخرجه البخاري.

وقال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((الصوم جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يَرفُث ولا يَفسُق ولا يجهل، فإن سابَّه أحد فليقل إني امرؤ صائم))؛ أخرجه البخاري ومسلم.

فإذا صُمت - يا عبدالله - فليصم سَمعُك وبصرك ولسانك وجميع جوارحك، ولا يكن يوم صومِك ويومُ فطرِك سواءً.

2 - القيام:
قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
وقال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 63، 64].

وقد كان قيام الليل دأب النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وأصحابه، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "لا تدع قيام الليل؛ فإن رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدًا".

وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يصلِّي من الليل ما شاء حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم: "الصلاة الصلاةَ"، ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].

وكان ابن عمر يقرأ هذه الآية: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9]، قال: ذاك عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال ابن أبي حاتم: "وإنما قال ابن عمر ذلك؛ لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته، حتى إنَّه ربما قرأ القرآن في ركعة".

وعن علقمة بن قيس قال: "بت مع عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - ليلةً، فقام أول الليل ثم قام يصلي، فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حيِّه؛ يرتل ولا يُرجِّع، يُسمِع مَن حوله ولا يُرجِّع صوته حتى لم يبقَ من الغلس إلا كما بين أذان المغرب إلى الانصراف منها، ثم أوتر".

وفي حديث السائب بن زيد قال: كان القارئ يقرأ بالمئين - يعني بمئات الآيات - حتى كنا نعتمد على العِصِي من طول القيام، قال وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر.
تنبيه:
ينبغي لك، أخي المسلم، أن تكمل التراويح مع الإمام حتى تكتب في القائمين، فقد قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) [34]؛ رواه أهل السنن.

3 - الصدقة:
كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة [35]، وقد قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((أفضل الصدقة صدقة في رمضان))؛ أخرجه الترمذي عن أنس.

روى زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: أمرنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أن نتصدَّق ووافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، قال فجئت بنصف مالي، قال: فقال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((ما أبقيتَ لأهلك؟))، قال: فقلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((ما أبقيت لأهلك؟)) قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا.

وعن طلحة بن يحيى بن طلحة، قال: حدَّثَتْني جدتي سُعدَى بنت عوف المرِّية، وكانت محل إزار طلحة بن عبيدالله قالت: دخل علي طلحة ذات يوم وهو خائر النفس فقلت: ما لي أراك كالح الوجه؟ وقلت: ما شأنك: أرابك مني شيء فأعينكَ؟ قال: لا، ولنعم حليلة المرء المسلم أنت، قلت: فما شأنك؟ قال: المال الذي عندي قد كثر وأكربني، قلت: ما عليك أقسمه، قالت: فقسَّمَه حتى ما بقي منه درهم واحد، وقال طلحة بن يحيى: فسألت خازن طلحة كم كان المال؟ قال: أربعمائة ألف.

فيا أخي، للصدقة في رمضان مزية وخصوصية، فبادر إليها واحرص على أدائها بحسب حالك، ولها صور كثير منها:
(أ) إطعام الطعام:
قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 8 - 12]، فقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات، سواء أكان ذلك بإشباع جائع أم إطعام أخٍ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر، فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((أيما مؤمن أطعم مؤمنًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمنًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم)) [36].

وقد قال بعض السلف: لأن أدعو عشرة من أصحابي، فأطعمهم طعامًا يشتهونه أحب إليَّ من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل.

وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم، منهم عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - وداود الطائي، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يُفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه فلم يفطر في تلك الليلة.

وكان من السلف من يُطعم إخوانه الطعام وهو صائم، ويجلس يخدمهم ويروحهم، منهم: الحسن، وابن المبارك.

قال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يُصلُّون في هذا المسجد، ما أفطر أحدٌ منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معهُ أكل وإلا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع الناس وأكل الناس معه.

وعبادة إطعام الطعام ينشأ عنها عبادات كثيرة منها: التودد والتحبب إلى إخوانك الذين أطعمتهم فيكون ذلك سببًا في دخول الجنة: ((لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابُّوا)) [37]، كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات، التي تقووا عليها بطعامك.

(ب) تفطير الصائمين:
قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من فطر صائمًا كان له مثل أجره، غيرَ أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)) [38]؛ أخرجه أحمد والنسائي، وصححه الألباني.

وفي حديث سلمان: ((ومن فطر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبِه وعتقَ رقبته من النار، وكان له مثل أجرهِ من غير أن ينقُص مِن أجرِه شيء))، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يُفطر به الصائم، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائمًا على مذقة لبن، أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائمًا سقاه الله من حوضي، شربة لا يظمأ بعدها، حتى يدخل الجنة)).

4 - الاجتهاد في قراءة القرآن:
سأذكّرك، يا أخي، بأمرين عن حال السلف الصالح:
كثرة قراءة القرآن: شهر رمضان هو شهر القرآن، فينبغي أن يُكثر العبد المسلم من قراءته، وقد كان من حال السلف العناية بكتاب الله، فكان جبريل يدارس النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - القرآن في رمضان، وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يختم القرآن كل يوم مرَّة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة، يقرؤها في غير الصلاة، وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان، وكان قتادة يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.

قال ابن رجب: إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان، خصوصًا الليالي التي يُطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنامًا لفضيلة الزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم، كما سبق ذكره.

(ب) البكاء عند تلاوة القرآن أو سماعه:
لم يكن من هدي السلف هذُّ القرآن هذَّ الشعر دون تدبُّرٍ وفَهْم، وإنما كانوا يتأثرون بكلام الله - عز وجل - ويحرِّكُون به القلوب.

ففي البخاري، عند عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((اقرأ عليّ))، فقلت: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ فقال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري))، قال: فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، قال: ((حسبك))، فالْتَفَتُّ فإذا عيناه تذرفان.

وأخرج البيهقي، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما نزلت: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} [النجم: 59، 60]، بكى أهل الصُّفَّة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - حِسَّهم بكى معهم، فبكينا ببكائه، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((لا يلج النار من بكى من خشية الله))، وقد قرأ ابن عمر سورة المطففين حتى بلغ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]، فبكى حتى خر، وامتنع من قراءة ما بعدها.

وعن مزاحم بن زُفَر قال: صلى بنا سفيان الثوري المغرب، فقرأ حتى بلغ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، بكى حتى انقطعت قراءته، ثم عاد فقرأ الحمد.

وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت فُضَيلاً يقول ذات ليلة - وهو يقرأ سورة محمد - وهو يبكي ويردد هذه الآية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]، وجعل يقول: ونبلوا أخباركم، ويردد: وتبلو أخبارنا؟ إنه إن بَلَوْتَ أخبارنا فضحتنا وهتَكْت أستارَنا، إنك إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذَّبْتنا، ويبكي.

5 - الجلوس في المسجد حتى تَطلُع الشَّمْس:
كان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسَلَّم - إذا صلى الغداة - أي: الفجر - جلس في مُصلاَّه حتى تطلع الشمس؛ أخرجه مسلم (670).

وأخرج الترمذي، عن أنس عن النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يَذكُر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلَّى ركعتين كانت له كأجر حَجَّةٍ وعُمرَة تامَّة تامة تامة))؛ صحَّحه الألباني، هذا في كل الأيام؛ فكيف بأيَّام رمضان.

فيا أخي، رعاك الله، استعن على تحصيل هذا الثواب الجزيل بنوم الليل، والاقتداء بالصالحين، ومجاهدة النفس في ذات الله، وعلوِّ الهِمَّة لبلوغ الذروة من مَنازِل الجنة.

6 - الاعتكاف:
كان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يعتكِف في كل رمضان عشرة أيامٍ، فلمَّا كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا؛ أخرجه البخاري (9: 42).
فالاعتكاف من العبادات التي تجمع كثيرًا من الطاعات؛ من التلاوة، والصلاة، والذكر، والدعاء، وغيرها.

وقد يتصوَّر مَن لم يجربه صعوبته ومشقته، وهو يَسير على مَن يسَّره الله عليه، فمن تسلَّح بالنية الصالحة، والعزيمة الصادقة، أعانه الله.

وآكدُ الاعتكاف في العشر الأواخر تحريًا لليلة القدر، وهو الخلوة الشرعية، فالمعتكف قد حبس نفسَه عَلَى طاعةِ الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه.

7 - العمرة في رمضان:
ثبت عن النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أنه قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
وفي رواية: ((حجة معي)).
فهنيئًا لك، يا أخي، بحجة مع النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم.

8 - تحري ليلة القدر:
قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 1 - 3].

وقال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه))؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وكان النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يتحرَّى ليلة القدر ويأمر أصحابه بتحرِّيها، وكان يوقظ أهله في ليالي العشر رجاءً أن يدركوا ليلة القدر.

وفي المسند عن عبادة مرفوعًا: ((من قامها ابتغاءَها ثم وقعَت له غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر)) [39].

وورد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين الاغتسال والتطيُّب في ليالي العشر؛ تحرِّيًا لليلة القدر التي شرفها الله ورفع قدرها.

فيا من أضاع عمره في لا شيء، استدرك ما فاتك في ليلة القدر، فإنَّها تُحسَب من العمر، والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر سِواها، مَن حُرِم خيرَها فقد حرم.

وهي في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الوتر من لياليه أحرى، وأرجى الليالي سبع وعشرين؛ لما روى مسلم عن أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه -: "والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - بقيامها، وهي ليلة سبع وعشرين" [40].

وكان أبي يحلف على ذلك ويقول: "بالآية والعلامة التي أخبرنا بها رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أن الشمس تطلع صَبيحَتَها لا شعاع لها".

وفي الصحيح عن عائشة قالت: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: ((قولي: اللهم، إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنِّي)).

9 - الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار:
أخي الكريم، أيام وليالي رمضان أزمة فاضلة فاغتنمها بالإكثار من الذكر والدعاء، وبخاصة في أوقات الإجابة منها:
- عند الإفطار؛ فللصائم عند فطره دعوة لا ترَد.
- ثلث الليل الأخير، حين ينزل ربنا تبارك وتعالى ويقول: ((هل من سائل فأعطيَه، هل من مستغفر فأغفرَ له)).
- الاستغفار بالأسحار: قال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18].
- تحري ساعة الإجابة يوم الجمعة وأحراها آخر ساعة من نهار يوم الجمعة.

وأخيرًا، أخي الكريم:
وبعد هذه الجولة في رياض الجنة نتفيأ ظلال الأعمال الصالحة، أنبهك إلى أمر مهم، أتدري ما هو؟
إنه الإخلاص.
نعم، الإخلاص؛ فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب، أعاذنا الله وإياك من ذلك، ولذلك نجد النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يؤكد على هذه القضية بقوله: ((إيمانًا واحتسابًا)).

وقد حرص السلف على إخفاء أعمالهم خوفًا على أنفسهم؛ فهذا التابعي الجليل أيوب السختياني يحدِّث عنه حماد بن زيد فيقول: "كان أيوب ربما حدث بالحديث فيرِق، فيلتفت فيتمخَّط ويقول: ما أشد الزكام؟ يُظهر أنه مزكوم لإخفاء البكاء".

وعن محمد بن واسع قال: لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه لا تشعر به امرأته، ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الفص فتسيل دموعه على خده، ولا يشعر به الذي إلى جنبه.

وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنَّه ما قام تلك الساعة.

وعن ابن أبي عدي قال: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يَعْلم به أهله، وكان خرَّازًا يحمل معه غذاءه من عندهم، فيتصدق به في الطريق ويجرع عشيًّا فيفطر معهم.

قال سفيان الثوري: بلغني أن العبد يعمل العمل سرًّا، فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه فيُكتب في العلانية، ثم لا يزال به الشيطان حتى يحب أن يُحمد عليه فيُنسخ من العلانية فيُثبت في الرياء.

10 - اللهو في رمضان:
أخي، أظن أني قد أطلت عليك، وأنا أحثك على اغتنام الوقت، قطعت عليك الوقت، ولكن أتأذن لي أن نعرِّج على ظاهرة خطيرة وبخاصة في رمضان.
إنها ظاهرة إضاعة الوقت وتقطيعه في غير طاعة الله، إنها الغفلة والإعراض عن الرَّحمَات والنفحات الإلهية؛ قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 124 - 127].

كم تتألَّم نفسك ويتقطع قلبك حسرات على ما تراه من شباب المسلمين، الذين امتلأت بهم الأرصفة والملاعب في ليالي رمضان الفاضلة.

كم من حرمات الله ومعاصيه التي يُجَاهر بها في ليالي رمضان المباركة.

نعَم، إن المسلم ليغار على أوقات المسلمين، وعلى زهرة شبابهم أن تُبذَل في غير طاعة الله، ولكن لا بأس عليك، إن الطريق لسعادتك وسعادة إخوانك الدعوة والدعاء.

نعم، دعوة من غفل من أبناء المسلمين وهدايتهم الصراط المستقيم، والدعاء لهم بظهر الغيب لعل الله أن يستجيب فلا نشقى أبدًا.

وداعًا، وإلى لقاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الرسالة السادسة
وصايا رمضانية
أخي المسلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، فنرجو أن تكون وجميع العائلة بخير وعافية، كما نهنِّئك بقدوم شهر رمضان المبارك، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق من النار الغفران، شهر الصدقات والحسنات، شهر تفتح فيه أبواب الجنان وتضاعف فيه الحسنات وتُقَال فيه العثرات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وأمر الناس بصيامه وأخبر - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أن ((مَن صامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))، وقد سنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قيامه فقال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)).

ومع إطلال هذا الشهر الكريم، فإنا نتواصى نحن وإيَّاك ونتعاون على البر والتقوى، ونذكر أنفسنا وإياك بأمور تنبغِي في هذا الشهر الكريم:
1 - أخي العزيز، كم زلة كتبت وكم ذنب عملنا من رمضان الماضي إلى هذه الأيام، ومع إقبالة رمضان تفتَّح أبواب الرحمات، فلنتعرَّضْ لرحمة الله بالحفاظ على الصيام والقيام، وأداء الواجبات؛ علَّنا نكون من عتقاء هذا الشهر الكريم.
2 - أخي، ليكن رمضان شهر جد ونشاط في الطاعات لا كسل ونوم وخمول؛ فلا تفتك صلاة الجماعة أبدًا في هذا الشهر، بل ولا تكبيرة الإحرام، فإن لم تحافظ عليها في رمضان فمتى تحافظ؟ واحرص على السنن الرواتب وأذكار الصباح والمساء، فكم ننساها ونغفل عنها.
3 - ابتعد عن خوارق الصوم ومفسداته فلا تتكلم في أعراض الناس بغيبة أو نميمة أو سخرية، واحفظ سمعك عن الزمر والطرب واشغَلْه بسَماع القرآن وغيره من الخير، واحفظ بصَرَك عن النظر إلى ما حرم الله عليك من الصور والمجلات والأفلام المحرمة، قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
4 - احرص على استغلال وقتك في رمضان في ذكر الله من قراءة للقرآن، وتسبيح وتهليل وسماع للأشرطة الإسلامية، أخي، لا أقلَّ مِن أن تختم القرآن في هذا الشهر مرة واحدة؛ فلقد كان سلفنا يختمون القرآن كل ثلاثة أيام، ولنا فيهم أسوة حسنة.
5 - حافظ على صلاة التراويح مع إمام حسن الصوت؛ ليؤثر القرآن على قلبك وجوارحك، ولا تنصرف منها حتى ينصرف الإمام من الصلاة؛ ليكتب لك قيام ليلة كاملة كما أخبر المصطفى - صلَّى الله عليه وسَلَّم.
6 - احرص على بِرِّ والديك وصل أرحامك، بزيارتهم والإهداء إليهم واستضافتهم في هذا الشهر الكريم؛ فإن هذه الأعمال تحببك إليهم، وتقوِّي رابطَتك بهم.
7 - لا تكن من قوم إذا دخل عليهم رمضان ازدادوا بعدًا من الله؛ فنهارهم في نوم عن الصلوات، وليلهم في سهر إلى السحر على معصية الله، من زَمْر ولعِب ورق وسبٍّ وغَيبَة وغيرها فأين هؤلاء من سلف الأمَّة الذين يكثفون الطاعات ويلزمون المساجد طيلة يومهم؛ ليحافظوا على صيامِهم من الآثام؟!
8 - أخي، مَن تعرَّض لك بسوء من شتم أو سب أو غيره فلا تدر عليه بالإساءة، وإنما قل له: إني صائم، أي متحلِّي بعبادة فلا أريد إفسادها.
9 - إن شهر رمضان شهر الإنفاق والبذل والصدقات فالحسنات فيه تُضاعَف، فاحرص فيه على تفطير صائم ليكون لك مثل أجره، وعلى الإنفاق على الأيتام والمساكين والمحتاجين.
10 - لا تُسرِفْ في مطعمك ومشربكَ في هذا الشهر؛ فرمضان ليس شهر التفنُّن في المطاعم والمشارب.
11 - اغتنم العمرة في رمضان إن تيسر لك؛ فعمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وليس من شرطها المكث في مكة أيامًا معدودات.

وقبل أن نختم رسالتنا هذه، أخي العزيز، قف وتأمل:
كم صام معنا العام الماضي من الرجال والنساء والشباب الذين تعرفهم، أين هم هذه الأيام؟
إنهم في بطن الأرض حيل بينهم وبين ما يشتهون، كانوا يؤملون صيام رمضانات عديدة، ولكن الأجل باغتهم.
أخي العزيز، قد يكون هذا الشهر هو آخر رمضان تصومه في عمرك وحياتك؛ فلا تفرط فيه بضياع أوقاته، فيما لا ينفعك دنيا ولا آخرة، ولا تَقْضِ ليله في سهر ونهاره في نوم، بل احرص على كل دقيقة فيه على ما يرضي ربك ويقربك من جنته.

وإنا نودعك الآن بدعوات صادقة صادرة من القلب، نسأل الله أن يبلغنا وإياك شهرَ رمضان، وأن يجعلنا ممن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا، اللهم، اجعل شهر رمضان شاهدًا لنا لا علينا، وشفيعًا لنا يوم نلقاك، اللهم، لا تجعلنا ممن حظُّه من صيامه الجوع والعطش، ولا حظه من قيامه السهر والتعب، اللهم، وفِّقنا فيه لتوبة نصوح، ورُدَّنا فيه إليك ردًّا جميلاً، واختمه لنا بجنَّاتك وعتق من نيرانك.
محبك من الأقارب


الرسالة السابعة
رسالة إلى الأخت المسلمة بمناسبة شهر رمضان المبارك
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعدُ، أختي المسلمة، أبعث إليك هذه الرسالة بمناسبة قدوم هذا الشهر الكريم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، مع دعواتي لك ولجميع المسلمين والمسلمات بدوام التوفيق لما يحبه الله ويرضاه.

إن الباعث، يا أختاه، على كتابة هذه السطور التالية، إنما بقصد التناصح والتواصي بالحق؛ فنحن - معشرَ أهلِ الإسلام - مطالبون - شرعًا - بأن ينصحَ ويوصي بعضُنا بعضًا، وكل ذلك من باب محبة أهل الإيمان، والإحسان إليهم، والشفقة عليهم من كل ما يسوؤهم، خاصة في هذا الزمان الذي قل فيه التناصح وظهرت المداهنات، ومن ثم فلا بد من التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، وحتى نكون من المؤمنين الفائزين الذين قال الله عنهم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].

أختي المسلمة: أرجو أن تتأملي تلك التوجِيهات التي سأذكرها لك، وتنظري بعين الحق والإنصاف، هل أنت قد حققت تلك التوجيهات أو لا؟

فإن كانت الأولى - وهذا ما نرجوه - فالحمد له، ونسأل الله - عز وجل - المزيد والثبات، وإن كانت الأخرى فعليك بالجد والاجتهاد لتحقيقها مع الاستغفار عن التقصير.

أما أهم التوجيهات وأولاها فهو:
التسليم والانقياد لنصوص الكتاب والسنة، فيجب علينا، يا أختاه، أن نسلم وننقاد لما جاء عن الله تعالى في كتابه، وما جاء في سنة نبينا وحبيبنا محمد - صلَّى الله عليه وسَلَّم - فيتعيَّن علينا تصديق النصوص الشرعية، والانقياد والخضوع إليها، ولو خالفت آراءنا أو وجهات نظر الآخرين، فيجب أن نتحاكم إليها، وأن نقدمها على غيرها مهما كانت الأحوال؛ يقول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].

ولقد كان من هدي صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - الإجلالُ والتعظيم للنصوص الشرعية، وتلقيها بالقبول والتسليم دون تردُّد أو حرج، فها هي أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - لما قيل لها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت بكل تسليم: "كان يصيبنا ذلك، فنؤمَر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"؛ رواه البخاري (4: 429)، ومسلم (335).

أرأيتِ يا أختاه إلى هذا الفقه العميق والتسليم التام من الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنها - نحو الأحكام الشرعية! ما أحوجنا إلى التسليم والانقياد لنصوص الوحيين: القرآن والسنة، وما أحوجنا إلى أن تنشرح صدورنا لحكم الله تعالى، فنتلقى أحكام الشريعة بكل خضوع وقبول، دون تباطؤ أو تردد، ولنجعل من هذا الشهر الكريم شهرِ الصيام والقيام مدرسةً، نروض فيه أنفسنا على الانقياد للشرائع والقبول لها.

وأما ثانيا: فعلينا جميعًا، يا أختاه، أن نبادر إلى فعل الطاعات، وأن نسارع إلى الباقيات الصالحات، عسى الله أن يجعلنا من المقبولين، وأذكُر لك، يا أختاه، جملة من الطاعات التي تفعل في هذا الشهر الكريم:
1 - الصوم: قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سَبعمائة ضعف، يقول الله - عز وجل -: إلاَّ الصيام فإنَّه لي، وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فَرحَة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخَلوف فم الصائم أطيَبُ عند الله من ريح المسك))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
وقال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
2 - القيام: وقال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
3 - الصدقة: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أجوَد الناس، وكان أجوَد ما يكون في رمضان، كان أجوَد بالخير من الريح المرسلة، وقد قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((أفضل الصدقة صدقة في رمضان))؛ أخرجه الترمذي.
4 - تلاوة القرآن: شهر رمضان هو شهر القرآن، فعلينا أن نكثر من تلاوة القرآن في شهر الصيام، كما كان حال سلفنا الصالح، وقد كان جبريل يدارس النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - القرآن في رمضان، فاللهَ اللهَ في الإكثار من تلاوة القرآن، ومع حضور القلب، وتدبُّر الآيات.
5 - الاعتكاف: كان النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا؛ أخرجه البخاري.
وإن الاعتكاف من العبادات التي تجمع كثيرًا من الطاعات من التلاوة والصلاة والذكر والدعاء وغيرها.
6 - العمرة: قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((عمرة في رمضان تعدل حجة))؛ أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية: ((حجة معي)).
وأما الأمر الثالث، يا أختاه، الذي أحب أن أوصي به، وهو التفقُّه في دين الله تعالى، والتبصُّر بأحكام الشريعة، ولعلك تلاحظين مدى جهل كثير من المسلمات بدينهن، فالواجب علينا جميعًا أن نتفقه في ديننا، فنقرأ القرآن وأحاديث الرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - ونسأل أهل العلم عما قد يشكل علينا، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وربما يحصل عند بعض النساء اضطراب في العادة الشهرية، فتتردَّد وتُحرَج من السؤال عن الصلاة والصيام وهي كذلك، فتعبد الله على جهل، وكان الواجب عليها السؤال عن أمور دينهابلا حيَاء ولا حرج، ولتقتدي في ذلك بأفضل النسوة - وهن نساء الصحابة - حيث قالت عائشة عنهن: "نعم النساء نساء الأنصار؛ لم يمنعهن الحياء من أن يتفقهن في الدين"، ولا مانع من أن تكتب المرأة السؤال مفصلاً وتعرضه على أهل العلم عن طريق أخيها أو زوجها أو والدها، أو عن طريق الهاتف، وهُنَا أقول: إن حضور المرأة للمسجد لأداء صلاة التراويح فرصةٌ عظيمةٌ؛ لكي تسأل أهل العلم، وتذكر ما قد يقع فيه أخواتها النساء من الأخطاء كي ينبهن عليها.

وأنتقل إلى الأمر الرابع، فأقول، يا أختاه، إن عليك واجبًا كبيرًا تجاه بيتك، ومن ثم لا بد أن نسعى كلنا وبكل عزيمة على إصلاح بيوتنا، ونشر الخير فيها بمختلف أنواعه، واستئصال الشر من جذوره - وفي الحديث: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ البخاري (2409)، ويؤلمنا أن نرى بعض الصالحين لا يهتم بإصلاح بيته ولا باستقامة أهله وأولاده، فعلينا واجب تجاه هؤلاء المفرطين، بحثِّهم وتوجيههم، كما أن عليك، أختي المسلمة، تنبيه أخواتك المسلمات على ما يقَعْن فيه من فعل محرم أو ترك لواجب.

ولا أنسَى أن أقول لك - والحزن يعصر قلبي -: إن أعداء الإسلام من يهود ونصارى وعلمانيين وأذنابهم - يسعَون بكل ما يملكون من أموال وقدرات، ويبذلون أوقاتهم ونفوسهم في سبيل إفسادك وصدك عن دينك، وسحق خلقك وعفافك، ونزع حجابك؛ فالحذرَ الحذر من تلك الخطط والمخططات التي ظاهرها الإصلاح والرحمة، وباطنها الإفساد والإجرام، ومن ثم لا بد من الوعي والإدراك للواقع الذي تعيشين فيه، حتَّى يمكنَك مواجهة تلك الدعوات المغرضة والتيارات الهدامة، وإياك والغفلةَ والسَّذاجَة، وكوني مثالاً للمرأة المسلمة الواعية لواقعها، والمدركة لواجبها نحو بنات مجتمعها.
وهنا أمر خطير أنبه أخواتي عليه ألا وهو استغلال الوقت، وخصوصًا في هذا الشهر المبارك الذي تعتبر أوقاته أغلى وأنفس من غيرها، وإياك - أيَّتُها الأخت - من إضاعة نهاره أو ليله بما لا ينفع من كلام لا طائل تحته، أو أحاديث فارغة، كما أحذرك من كثرة النوم التي تقتل أوقاتك، وكذلك احذري من العكوف على المحرمات من الأفلام والمسلسلات والأغاني.

وفي ختام هذه الرسالة أهمس في أذنك، يا أختي، إذا كنت حريصة على أداء صلاة التراويح في المسجد، فعليك بمراعاة الأحكام الشرعية عند ذهابك، فعليك أولاً باجتناب لباس الزينة، وعليك بالاحتجاب بالحجاب الشرعي الكامل بحيث لا يظهر أي شيء من بدنك، أن تجتنبي العطور والأطياب، حتى البخور؛ لأن بعض النساء ربما جاءت ببخور لتطيب النساء، فهذا محرم، وعليك - حفظك الله - أن تغضي بصرك، ولا تكوني ممن تجيء لتؤدي سنة لترتكب محرمًا، كمن تجيء لأداء صلاة التراويح وتأتي متطيبة متزينة، أو تجيء مع قائد السيارة بمفردها، فاحذري من ذلك، يا أمة الله، كما أن عليك الحذر مِن رفع صوتك في المسجد لئلا تَفْتِني الرجال، ولا تؤذي المصلين بأطفالك، وإياك ومزاحمةَ الرجال عند الأبواب، وعليك بمراقبة الله في صلاتك وجميع عباداتك.
وفقنا الله وإياك وجميعَ المسلمين لاغتنام الأوقات، وفعل الخيرات، وترك المنكرات، وتقبَّل منا جميع أعمالنا الصالحات.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ناصح


الرسالة الثامنة
الاعتكاف
الحمد لله وحده، رب الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على نبي الرحمة للعالمين، وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد؛ فيا أخي المسلم، هذه رسالة أردت بها نفع نفسي وإخواني، نسأل الله الكريم أن تكون في ميزان أعمالي وأعمالهم يوم أن نلقاه.

تعريف الاعتكاف لغةً:
هو لزوم الشيء، وحبس النفس عليه، برًّا كان ذلك أو غيره، قال تعالى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138].

تعريف الاعتكاف شرعًا:
هو لزوم المسلم للمسجد لطاعة الله تعالى.

حكم الاعتكاف:
أجمع العلماء على أنه سنة، فعله النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وداوم عليه في كل سنة تقربًا إلى الله، وطلبًا لثوابه، وهو في رمضان آكَدُ، وآكده في العشر الأواخر، كما كان النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يفعل.

مَن يجب عليه الاعتكاف:
الاعتكاف سنة، إلا إذا نذر المسلم أن يعتكف، فيجب عليه وفاء لنذره؛ لحديث عمر المتفق عليه.

مكان الاعتكاف:
الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة للرجال، قال تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، ومن تخلل اعتكافه جمعة استحب له أن يعتكف في مسجد جمعة، فإن اعتكف في مسجد جماعة خرج إلى الجمعة ثم رجع إلى معتكفه.

متى يبدأ الاعتكاف ومتى ينتهي؟:
الاعتكاف مسنون في أي وقت فللمسلم أن يبتدئ الاعتكاف متى شاء وينهيه متى شاء، إلا أن الأفضل أن يعتكف في رمضان خاصة العشرَ الأواخر منه، فإذا صلى فجر يوم الحادي والعشرين من رمضان، دخل المعتكف ويمكث في المسجد حتى خروجه إلى صلاة العيد، وهذا وقت انتهائه المستحب.

ما يستحب للمعتكف:
يستحب للمعتكف أن يعمر وقته بالذكر وتلاوة القرآن، وصلاة النوافل في غير وقت النهي، وأن يكثر التفكر في حاله ومآله ودنياه وآخرته.

ما يكره للمعتكف:
يكره له أشياء منها: فضول الكلام، والنظر والاشتغال بما لا يستحب.

مباحات الاعتكاف:
يباح للمعتكف أن يخرج من المسجد لحاجاته الضرورية، كقضاء الحاجة من البول والغائط، وكالإتيان بطعامه إن لم يكن ثَمَّ مَن يحضر له الطعام والشراب، ومثله التداوي إن مرض وهو معتكف ونحوه، وكذلك يخرج من معتكفه للواجبات الشرعية كأداء صلاة الجمعة إن اعتكف في مسجد جماعة لا جمعة فيه، وأداء الشهادات، وإسعاف مريض من أهله الذين تجب عليه رعايتهم، ونحو ذلك.

محظورات الاعتكاف:
لا يحل للمعتكف أن يخرج من معتكفه لأشياء له منها بُدٌّ، يعني يمكنه الاستغناء عنها، فإن خرج بطل اعتكافه إلا الناسي، وكذلك لا يحل له الاشتغال حال الاعتكاف بمحرم كغيبة وتجسس أو قراءة تحرم أو نظر، فكل محرم في غير الاعتكاف فهو في الاعتكاف أشد، وكذلك يحرم على المعتكف وطء زوجته حال اعتكافه، فإن فعل فقد بطل اعتكافه.

الاشتراط في الاعتكاف:
يجوز للمعتكف أن يشترط قبل الاعتكاف أن يفعل أشياء من المباحات كأن يشترط أكله في بيته، أو نومه في بيته، أما إن اشترط الوطء أو الخروج لنزهة أو لتجارة فلا يصح؛ لأنها منافية للاعتكاف.

الفائدة من الاعتكاف:
في الاعتكاف إحياء السنة، وفيه إحياء القلب بدوام الطاعة، ومن فوائده أن يخلو المرء بنفسه ويعمل فكره فيما يجب عليه مستقبلاً، فبالاعتكاف صفاء النفس وإشراقها، وبه نوال الخيرات إن شاء الله برحمته ومَنِّه، ومن فوائده أن من اعتكف العشر الأواخر كان حريًّا بموافقة ليلة القدر [41].


الرسالة التاسعة
الصوم الطبي
الصوم وصحة الجسم:
الصوم وقاية من الزوائد والرواسب في الجسم، ومعلومٌ أن الجسم في حالة الصوم يبدأ باستهلاك المواد الغذائية المخزونة فيه، فإذا نفدت يبدأ في استهلاك أو إحراق أنسجته الداخلية، وأول الأعضاء التي يتغذى عليها الجسم هي الأعضاء التي تكون مريضة بأي مرض يسبب فيها احتقانًا أو تقيُّحًا أو التهابًا، وبديهي أن أول الخلايا التي تُسْتهلك هي تلك الخلايا المريضة أو الهرمة، فهذه هي أول ما يتأكسد من أنسجة الجسم وتحترق، ثم يتخلَّص الجسم منها، فالصوم في هذه الحالة يقوم مقام مشرط الجراح، الذي يزيل الخلايا التالفة أو الضعيفة من كل عضو مريض، فيعطيه فرصة يسترد خلالها حيويته ونشاطه، وبهذه النظرية يكون الصوم وقاية للجسم من كثير من الزيادات مثل: الحصوة والرواسب الكلسية، والزوائد اللحمِيَّة وأنواع البروز، والأكياس الدهنية وأيضًا الأورام الخبيثة؛ فقد لوحظ بالأشعة أن جميع هذه الزوائد يصغر حجمها أثناء فترة الصوم.

الصوم ومرض السكر:
والصوم يحمي الإنسان من مرض السكر، ولتفسير ذلك نقول: إن في الصوم تقل كمية السكر في الدم إلى أدنى المعدلات، وهذا يعطي غدة البنكرياس فرصة للراحة، فمن المعروف أن البنكرياس يفرز الأنسولين، وهذه المادة بدورها تؤثر على السكر في الدم، فتحوله إلى مواد نشوية ودهنية تترسَّب وتخزن في الأنسجة، ولكن إذا زاد الطعام عن قدرة البنكرياس في إفراز الأنسولين، فإن هذه الغدة تصاب بالإرهاق والإعياء ثم أخيرًا تعجز عن القيام بوظيفتها، فيتراكم السكر في الدم وتزيد معدلاته بالتدريج سَنَةً وراء سنة حتى يظهر مرض السكر، وخير حماية للبنكرياس من هذا الإرهاق هو الصوم المعتدل.

الصوم والمعدة:
وما أصدقَ الحكمةَ القائلة: قليل من الصوم يصلح المعدة؛ ففي الصيام تخلو المعدة تمامًا من الطعام خلال 12 ساعة في اليوم الواحد تقريبًا، ولمدة شهر كامل، وهذه المدة تكفي لإخلاء المعدَة من كل طعام متراكم، وتعطيها فرصة للراحة من غير إرهاق؛ ولذلك نجد أنه أثناء فترة الصيام يتخلص الإنسان من عادة التكرُّع أو (التجشؤ)، التي يسببها أكل الطعام على الطعام، مما ينجم عنه تخمر الأطعمة في المعدة قبل أن تتمكن من هضمها.

الصوم والأمعاء:
والصيام يريح الأمعاء والمصران الغليظ أيضًا من الطعام المتراكم؛ وبذلك يتخلص الصائم من الغازات والروائح الكريهة، التي تنتج عن التخمة وسوء الهضم والتخمر في الأمعاء؛ بسبب عدم قدرتها على امتصاص الطعام أو التخلص منه، وقد كان النساء فيما مضى قبل الأدوية الحديثة يعالجون حالات الإسهال بالصيام وحده، أو باستعمال المسهلات للمساعدة على طرد المواد السامة من المصران.

كيف تستفيد من الصوم في إنقاص وزنك؟:
الصوم يزيل السمنة والكرش، وهو خير فرصة لعمل (الرجيم)، بشرط أن يصاحبه الاعتدال عند الفطور، وألا يُتخَم الإنسان معدته بعد الصوم، وقد يقول قائل: إن كثيرًا من الناس يزداد وزنهم في شهر رمضان، ويزدادون تُخَمَة.

وهذا قد يحدث، وسببه عدم اتباع السنة النبوية في الصوم والفطور؛ فقد كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يبدأ فطوره بتمرات قليلة أولاً ثم يقوم إلى الصلاة، فإذا انتهى من صلاة المغرب يعود لكي يكمل إفطاره؛ عن أنس - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يفطر على رُطَبَات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم يكن حسا حسوات من الماء"، (وحسا، أي: شرب)، ومن أوامر الرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - في ذلك: ((إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء فإن الماء طهور)) [42].

ولهذه السنة النبوية حكمة طبية عظيمة ربما فاتت الكثير من المسلمين قرونًا طويلة، فتركوها أو أهملوها ظنًّا منهم أنها أمر غير ملزم، فخسروا الكثير من فوائد الصوم الطبية؛ فمن المعروف علميًّا أن شعور الإنسان بالجوع لا يتوقف على فراغ المعدة فقط من الطعام، ولكن العامل الأهم هو نقص كمية السكر في الدم، والدليل على ذلك أنك إذا أكلت شيئًا حلوًا قبل الطعام فإنك تفقد الشهية للأكل حتى لو كانت المعدة خاوية، وسبب ذلك أن السكر الذي تأكله يمتص بسرعة من المعدة إلى الدم، فيرفع نسبة السكر فيه إلى المعدل الذي يشعرك بالشبع، أما إذا بدأت طعامك بعد جوع بأكل اللحوم والخضروات والخبز، فإن هذه المواد تتكون أساسًا من البروتين والدهنيات والنشويات، وهذه المواد يتحول جزءٌ منها إلى سكر في الدم، ولكن بعد عملية هضم طويلة جدًّا وبطيئة، وفي هذه الأثناء لن تشعر بالشبع إلاَّ بعد أن تمتلئ المعدة فوق معدلها وطاقتها، فتذكر دائمًا قول الرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((ما ملأ ابن آدم وعاء أشر من بطنه)) [43].

الصوم وقاية من مرض النَّقْرس:
وهو المسمى مرض الأغنياء، وينتج هذا المرض عن زيادة التغذية والإكثار من اللحوم، وفيه تزيد كمية أملاح البول في الدم، ثم تترسب في العضلات فتسبب آلامًا تشبه الروماتزم، أو تترسب في الكلى فتسبب الحصوة، أو تترسب في المفاصل الصغيرة فتسبب تورمها، والصوم علاج رئيس لهذا المرض.

الذين رفع عنهم الصوم بسبب شرعي:
يقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]. فهذه الآيات تحدِّد لنا فئات من الناس أعفاهم الله لظروف معينة من فريضة الصوم:
منهم: المسافر أو المريض مرضًا مؤقتًا: فله أن يفطر ثم يعوض صومه فيما بعد، وتقدير تعب السفر أو الجهد من المرض متروك للإنسان نفسه، فطالما أنه سوف يعوض صيامه في أيام أخر، فليس هناك خلاف حول حق الإنسان في تقدير حالته أثناء السفر أو المرض.
وهؤلاء الذين عناهم الله هم:
1 - كبار السن: الذين لا تحتمل أجسادهم الصوم؛ لأن الإنسان في هذه المرحلة من العمر يحتاج إلى وجبات متقاربة وصغيرة كمعدة الطفل، ولا يتحملون وجبة واحدة وكبيرة [44].
2 - المرأة الحامل والمرضع: وذلك لأن الجنين في بطن أمه، أو الطفل الذي يرضع من الأم يحتاج إلى غذاء كامل، غني بالفيتامينات والسكريات، وهذه تقل كثيرًا في دم الأم واللبن في فترة الصيام.
3 - المرضى بمرض مزمن لا يرجى شفاؤه: مثل مرض السل أو أمراض المعدة؛ كالقرحة أو الالتهاب أو مرض القلب أو مرض السكر، وجميع الأمراض يؤخذ فيها رأي الطبيب المسلم الفاهم لدينه.

حكمة حديث الإفطار على تمر أو ماء:
يقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد فالماء، فإنه طهور)) [45]، صدق رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم؛ رواه الترمذي (658).

فالأمعاء كما يقول الدكتور أنور المفتي - رحمه الله - تمتص المواد السكرية الذائبة في أقل من خمس دقائق، فيرتوي الجسم، وتزول أعراض نقص السكر والماء فيه؛ لأن سكر الدم ينخفض أثناء الصوم، فيؤدي إلى الشعور بالجوع وإلى بعض التوترات أحيانًا، وهذا سرعان ما يزول بتناول المواد السكرية، وهنا تظهر الحكمة النبوية الشريفة في البدء بتعاطي مادة سكرية كالتمر بالذات، ولو علمنا ما يشتمل عليه البلح بأنواعه المختلفة، لأدركنا أكثر وأكثر تلك الحكمة النبوية العالية، فالدراسات الغذائية عليه أثبتت الآتي:

أولاً - يحتوي البلح (التمر) على مواد سكرية تبلغ نسبتها 70%، ومعظم تلك السكريات الموجودة في التمر من نوع السكريات المحولة، مثل سكر الفاكهة الذي يسمونه الفركتوز، وهذا السكر سهل الهضم وسهل الاختراق، ومن ثَمَّ تتولد عنه طاقة عالية، دون أن تكلف الجسم عناء شديدًا في تحويلها أو هضمها أو تمثيلها الغذائي، وبالطبع فإن هذا السكر يختلف عن السكر الذي نستعمله في طعامنا، وأعني به سكر القصب (السكروز)، وقد ثبت من دراسات أَجْرَتْها منظمة الصحة العالمية: أن زيادة استعمال السكروز - أي سكر القصب والسمندر - له علاقة ببعض أمراض القلب والشرايين، وما يتصل بالسمنة من مضاعفات.

ثانيًا - يحتوي التمر على معادن كثيرة هامة أشهرها:
- البوتاسيوم.              - والصوديوم.
- والكالسيوم.             - والماغنسيوم.
وهي معادن لها أهميتها فيما يتعلق بالعمليات الكيماوية في جسم الإنسان، وتدخل في تركيب أنسجته، ونقصُ أحدِها يكون له آثارٌ ضارة على الجسم، فضلاً عن أن الماغنسيوم - طبقًا لبعض الأبحاث الحديثة - يقاوم الشيخوخة.

ثالثًا - الألياف التي يحتويها البلح، تعتبر عاملاً هامًّا في تنشيط حركة الأمعاء ومرونتها، أي: أنها ملين طبيعي، ويحمي من الإمساك وما يجره من عسر هضم واضطرابات مختلفة.

رابعًا - أن البلح الرطب فيه كمية من (هرمون البتوسين)، وهذا الهرمون من خواصه: عمل الانقباض في الأوعية الدموية بالرحم، ومن ثم يساعد على منع حدوث النزيف الرحمي.

من هنا نرى تلك الحكمة النبوية السامية في تفضيل التمر والماء، وهما من العناصر الهامة بالنسبة لجسم الإنسان [46].


الرسالة العاشرة
ماذا بعد رمضان؟
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى.
وبعد، أخي الحبيب، أختي المسلمة.
نقف وقفات مع وداع رمضان، نسأل الله أن ينفعنا بها:

الوقفة الأولى:- ماذا استفدنا من رمضان؟
هانحن نودِّع رمضان المبارك، بنهاره الجميل، ولياليه العطرة، هانحن نودِّع شهر القرآن والتقوى، والصبر والجهاد، والرحمة والمغفرة من النار.. إلخ [47].
فماذا جنينا من ثماره اليانعة وظلاله الوارفة؟
- هل تحققنا بالتقوى، وتخرجنا من مدرسة رمضان بشهادة المتقين؟
- هل قرأنا القرآن فيه وتدبَّرناه، وعملنا به ودعونا إليه؟
- هل تعلمنا فيه الصبر والمصابرة على الطاعة وعن المعصية؟
- هل ربينا فيه أنفسنا على الجهاد بأنواعه؟
- وهل جاهدنا أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها؟ أو غلبتنا العادات والتقاليد السيئة؟
- هل، وهل، وهل؟
أسئلة كثيرة، وخواطر عديدة، تتداعى على قلب كل مسلم صادق، يسأل نفسه ويجيبها بصدق وصراحة:
ماذا استفدت من رمضان؟
إنه مدرسة إيمانية، إنه محطة روحية؛ للتزود منه لبقية العام، ولشحذ الهمم بقية العمر.
فمتى يتَّعظ ويعتبر، ويستفيد ويتغير، ويغير من حياته من لم يفعل ذلك في رمضان؟
إنه بحق مدرسة للتغيير، نُغيّر فيه من أعمالنا وسلوكنا، وعاداتنا وأخلاقنا المخالفة لشرع الله - جل وعلا -: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

الوقفة الثانية:- {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا}:
أخي الحبيب .. أختي المسلمة
إن كنتَ ممن استفاد من رمضان، وتحققت فيه صفات المتقين،  فصُمْتَه حقًّا،  وقُمْتَه صدقًا،  واجتهدتَ في مجاهدة نفسك فيه،  فاحمد الله واشكره، واسأله الثبات على ذلك حتى الممات.
وإياك ثم إياك من نقض الغزل بعد غزله.
أرأيت لو أن امرأة غزلت غزلاً،  فصنعت بذلك الغزل قميصًا أو ثوبًا، فلما نظرتْ إليه وأعجبها،  جعلت تُقَطِّع الخيوط وتنقضها خيطًا خيطًا بدون سبب، فماذا يقول الناس عنها؟
ذلك هو حال من يرجع إلى المعاصي والفسق والمجون، ويترك الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان،  فبعد أن ينعم بنعيم الطاعة، ولذة المناجاة، يرجع إلى جحيم المعاصي والفجور، فاحذروا، أحبتي الكرام من أن نكون من عباد رمضان؛ فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلاَّ في رمضان.

أحبتي،  ولنقض العهد مظاهر كثيرة عند الناس، فمنها على سبيل المثال، لا الحصر:
1 - ما نراه من تضييع الناس للصلوات مع الجماعة في أول يوم للعيد.
فبعد امتلاء المساجد بالمصلين في صلاة التراويح التي هي سنّة، نراها قد قلّ روَّادها في الصلوات الخمس، التي هي فرض ويكفر تاركها مطلقًا.
2 - الأغاني والأفلام، والتبرج والسفور، والاختلاط في الحدائق، والذهاب إلى الملاهي، رجالاً ونساء، والمعاكسات ... إلخ.
3 - ومن ذلك السفر للخارج للمعصية،  فنرى الناس على أبواب وكالات السفر زرافات ووحدانًا،  يتسابقون لشراء تذاكر السفر إلى الكفر والانحلال والفساد، وغير ذلك.
وما هكذا تُشكَر النعم، وما هكذا نختم الشهر ويُشكَر الله على بلوغ الصيام والقيام، وما هذه علامة القبول، بل هذا جحود للنعمة، وعدم شكر لها.
وهذا من علامات عدم قبول العمل والعياذ بالله؛ لأنَّ الصائم حقيقة يفرَح يوم العيد بفطره، ويحمد ويشكر ربه على إتمام الصيام، ومع ذلك يبكي خوفًا أن لا يتقبَّل الله منه صيامه، كما كان السلف يبكون ستة أشهر بعد رمضان يسألون الله القبول.
فمن علامات قبول العمل أن ترى العبد في حال أحسَن من حاله السابق، وأن ترى فيه إقبالاً على الطاعة: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: 7].
أي: زيادة في الخير الحسي والمعنوي،  فيشمل السعادة في الإيمان والعمل الصالح،  فلو شكر العبد ربه حق الشكر، لرأيته يزيد في الخير والطاعة، ويبعد عن المعصية، والشكر ترك المعاصي، كما قال السلف.

الوقفة الثالثة:- (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين):
هكذا يجب أن يكون العبد مستمرًّا على طاعة الله، ثابتا على شرعه، مستقيما على دينه،  لا يروغ روَغان الثعلب، يعبد الله في شهر دون شهر، أو في مكان دون آخر، أو مع قوم دون آخرين،  لا،  وألف لا.
بل يعلم أن رب رمضان هو رب بقيَّة الشهور والأيام، وأنه رب الأزمنة والأماكن كلها،  فيستقيم على شرع الله حتَّى يلقى ربه عنه راضٍ؛ قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود: 112]، وقال: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت: 6]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((قل أمنت بالله ثم استقم))[48]؛ رواه مسلم.
فلئِن انتهى صيام رمضان، فهناك صيام النوافل، كالست من شوال، والاثنين والخميس، والأيام البيض وعاشوراء وعرفة... وغيرها.
ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة، {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17].
ولئن انتهت صدقة وزكاة الفطر،  فهناك الزكاة المفروضة، وهناك أبواب للصدقة والتطوع والجهاد كثيرة.
وقراءة القرآن وتدبُّره ليست خاصة برمضان، بل هي في كل وقت.
وهكذا فالأعمال الصالحة في كل وقت وكل زمان، فاجتهد، أخي، في الطاعات، وإياك والكسلَ والفتور،  فإن أبَيت العمل بالنوافل، فلا يجوز لك أبدًا أن تترك الواجبات وتضيعها كالصلوات الخمس في أوقاتها ومع الجماعة وغيرها.
ولا أن تقع في المحرمات من قول الحرام أو أكله أو شربه، أو النظر إليه واستماعه، فاللهَ اللهَ في الاستقامة والثَّبات على الدين في كل حين،  فلا تَدري متى يلقاك ملك الموت، فاحذر أن يأتيك، وأنت على معصِية، اللهم، يا مقلب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك.

الوقفة الرابعة:- مع العيد:
فيشرع لك في يوم العيد عدة أمور،  منها:
1 - زكاة الفِطر قبل الصلاة، وهي صاع من شعير أو تمر أو أقط، أو زبيب أو أرز أو نحوه من الطعام، عن الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين.
2 - أكل تمرات وِترًا قبل الذهاب إلى مُصلَّى العيد.
3- الصلاة مع المسلمين وحضور الخطبة، والنساء يشهدن العيد مع المسلمين.
4 - أن تذهب إلى المصلَّى ماشيًا إن تيسر، فتكبر الله من حين خروجك من المنزل إلى أن تصلي، فيهجر الرجال: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد".
5 - الاغتسال والتطيب للرجال ولُبْس أحسن الثياب بدون إسراف ولا إسبال، ولا تزين بحلق اللحية فهذا حرام، أمَّا المرأة فلا تَتبرُّج ولا تتَطيَّب في ذهابها إلى المصلَّى، فلا يصح أن تذهب لطاعة الله والصلاة، ثم تَعصِي الله بالتبرُّج والسفور والتطيب أمام الرجال.
6 - صلة الرحم وزيارة الأقارب تُصَفِّي القلوب، وتطهرها من التباغض والتحاسد والكراهية، وغيرها.
7 - العطف على المساكين والفقراء والأيتام، ومساعدتهم وإدخال السرور عليهم في جميع بلاد المسلمين.
8 - ولا بأس بالتهنئة بالعيد كقولك: "تقبل الله منا ومنك"، كما ورد عن السلف، والله أعلم.
9 - وإذا انتهى يوم العيد فبادر إلى القضاء إن كان عليك أيام،  وإلا فبادر إلى صيام الست من شوال؛ فصيامها مع رمضان كصيام الدهر؛ كما في صحيح مسلم[49].

وختامًا:
ينبغي أن تحرص على أعمال البر والخير، وأن تكون يوم العيد بين الخوف والرجاء، تخاف عدم القبول، وترجو من الله القبول، ونتذكر يوم عيدنا يوم الوقوف بين يدي الله - عز وجل - فمنا السعيد ومنا غير ذلك.

مرَّ وُهَيْب بن الورد على أقوام يلهُون ويلعبون في يوم العيد؛ فقال لهم: "عجبًا لكم،  إن كان الله قد تقبَّل صيامكم فمَا هذا فعل الشاكرين، وإن كان الله لم يتقبله فما هذا فعل الخائفين".

فكيف لو رأى ما يفعله أهل زماننا من اللهو والإعراض، بل مبارزة الله بالمعاصي يوم العيد؟

أسأل الله أن يتقبَّل منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الأعمال، وأن يجعل عيدنا سعيدًا، وأن يعيد علينا رمضان أعوامًا عديدة، ونحن في حال أحسن من حالنا، وقد صلحت أحوالنا،  وعزَّت أمتنا، وعادت إلى ربها عودة صادقة، اللهم آمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم
رياض بن عبد الرحمن الحقيل


[1] البخاري (رقم 5065)، ومسلم (رقم 1400).
[2] البخاري رقم (8)، ومسلم رقم (16).
[3] البخاري رقم (904)، ومسلم رقم (1151).
[4] الترمذي رقم (638)، وابن ماجه (1642)، وابن خزيمة (3/ 188).
[5] البخاري رقم (4/ 99)، ومسلم رقم (759).
[6] البخاري رقم (2013)، ومسلم (738).
[7] البخاري رقم (2/ 397)، ومسلم (749).
[8] البخاري رقم (2/ 397)، ومسلم (749).
[9] أحمد (5/ 310)، والنسائي (3939)، وصححه الحاكم (2/ 160)، ووافقه الألباني في "صحيح الجامع" (1/ 599).
[10] البخاري (757)، ومسلم (397).
[11] رواه أحمد (5/ 31)، وابن خزيمة (663) (1/ 232)، والطبراني (3/ 3283).
[12] البخاري (1903).
[13] البخاري (1894)، ومسلم (1151).
[14] رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الشيخ الألباني "صحيح الجامع" (5376).
[15] رواه الدارقطني، وابن ماجه (793)، وصححه الألباني "صحيح الجامع" (6300).
[16] رواه مسلم (653).
[17] رواه مسلم (654).
[18] رواه البخاري (5590).
[19] عن مجلة رابطة العالم الإسلامي، الصادرة في 1/ 9/ 1397ﻫ.
[20] رواه الترمذي (682)، وابن ماجه (1642)، وابن خزيمة (3/ 188)، ورواه النسائي، والحاكم بنحو هذا اللفظ، وقال: صحيح على شرطهما، "الترغيب والترهيب" (2/ 220).
[21] أورده صاحب كتاب "كنز العمال" (8/ 467)، حديث (23692)، ونسبه إلى الطبراني.
[22] الترمذي (2623)، وقال: حديث حسن صحيح.
[23] البخاري (8)، ومسلم (16).
[24] البخاري (1894)، ومسلم (1151).
[25] البخاري (1903).
[26] رواه أبو داود (3/ 310)، والترمذي (3/ 79)، وابن ماجه (1/ 536)، وسنده صحيح كما قال شيخ الإسلام في "حقيقة الصيام" (ص 14).
[27] رواه الترمذي (2520) وقال: حديث حسن صحيح.
[28] البخاري (2051)، ومسلم (1559).
[29] رواه مالك في "الموطأ" (جـ 1، ص 138).
[30] رواه الترمذي (806)، وقال: حديث حسن صحيح والنسائي (1364)، "مشكاة المصابيح" (1/ 406)، وهو الحديث رقم (1298).
[31] رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، (2/ 191 - 192).
[32] البخاري (3/ 481)، ومسلم (1256).
[33] سبق تخريجه.
[34] رواه أبو داود، والترمذي رقم (806)، والنسائي رقم (134)، وابن ماجه (1327).
[35] البخاري (4/ 99)، ومسلم (2307).
[36] الترمذي (2449)، وأحمد (3/ 14).
[37] مسلم (54).
[38] أخرجه الترمذي (807)، وابن ماجه (147)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6415).
[39] رواه أحمد (5/ 318)، وللنسائي نحوه، قال الحافظ: إسناده على شرط الصحيح.
[40] رواه مسلم (2/ 828).
[41] لقد عرضتُ هذه الرسالة في الاعتكاف على فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين، وأفاد أنها جيدة ومفيدة.
[42] ورد بلفظ: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور))، قال ابن حجر في: "بلوغ المرام" (ص 133): رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم.
- رواه أحمد (4/ 18، 19)، وابن حبان (8/ 281)، والطبراني (6/ 272)، حديث رقم (6197).
[43] حديث: ((ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه))، أخرجه الترمذي (3/ 378)، وابن حبان (1349)، والحاكم (4/ 121، 331)، وأحمد (4/ 132)، وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح، انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ( 5/ 336).
[44] من كتاب "الطب الوقائي" بتصرف (شوقي الفنجري).
[45] من كتاب "الطب الوقائي" بتصرف (شوقي الفنجري).
[46] من كتاب "صوموا تصحوا" للشيخ سعيد بن عبدالرحمن الأحمري.
[47] ليست هذه الأمور خاصة برمضان؛ فكل الأيام وكل الأوقات تحصل فيها علي رحمة الله ومغفرته، وكلها أوقات يجب أن تحقق فيها التقوى وتتخلق بأخلاق القرآن فيها، ولكن هذا الشهر تتضاعف فيه الأجور، وتزداد الحسنات، وتكثر الطاعات، قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68].
[48] انظر: رسالة "كيف نشكر النعم"، لرياض الحقيل - عفا الله عنه -.
[49] انظر رسالة: "وصول الأماني بأصول التهاني"، للسيوطي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إني صائم... إني صائم
  • خطرات صائم
  • خطبة رسائل للشباب
  • نصائح للصائمين قبل وخلال رمضان
  • الجنة تتزين للصائمين في رمضان (خطبة)
  • للصائم دعوة لا ترد

مختارات من الشبكة

  • صيام التطوع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آداب الصيام: صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أجوبة مختصرة حول أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحكام متفرقة في الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام الأحد والاثنين والخميس والجمعة(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام السبت(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام أيام البيض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل صيام الست من شوال: صيام الدهر كله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صيام الجوارح صيام لا ينتهي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب