• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / خطب رمضان والصيام
علامة باركود

لذة العبادة في رمضان (خطبة)

لذة العبادة في رمضان (خطبة)
عبدالوهاب محمد المعبأ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/3/2025 ميلادي - 19/9/1446 هجري

الزيارات: 3688

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لذة العبادة في رمضان


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وشرح صدورنا بالإيمان، ووفَّقنا لطاعته بالعون والإلهام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صاحب الجود والإنعام، والهادي إلى دار السلام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خيرَ من تلذذ بطاعة الرحمن، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان؛ أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي وصية الله تعالى لعباده المؤمنين: ﴿ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]، فأصحاب القلوب المؤمنة التقية المخلِصة هم الذين يعرفون معنى التقوى، ويلتزمون بها ظاهرًا وباطنًا، فبالتقوى ينال العبد السعادةَ في الدنيا والآخرة.

 

عباد الله: إن الله تعالى بعظمته وحكمته خلقَنا لعبادته، ومن عرَف العبادة حقَّ المعرفة، وذاق حلاوتها، اجتهد في سبيل الوصول إلى أعلى درجاتها؛ فالعبادة كما عرَّفها العلماء: هي كل ما يُحبُّه الله تعالى من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فكل طاعة يقوم بها العبد هي سبيله إلى السعادة والراحة في الدارين، فمن أراد أن ينال الرضا والرضوان، ومجاورة الكريم المنَّان، فليسعَ للحصول على هذه اللذة التي لا يستطيع أحد الحصول عليها، إلا بمحبة الله والتعلق به، والتوكل عليه، والتلذذ بطاعته، والعمل بما يُرضيه.

 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:

"في القلب شعثٌ لا يلُمُّه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يُزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يُذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يُسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسَراتٍ لا تُطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه، وفيه فاقة لا يسُدُّها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أُعطي الدنيا وما فيها لم تُسَدَّ تلك الفاقة منه أبدًا".

 

أيها المسلمون:

لذة العبادة إنما تحصُل بحصول أسبابها، وحريٌّ بالمسلم أن يسعى في تحصيلها لينعَم بالحياة السعيدة، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: ((أرِحْنا بالصلاة يا بلال))؛ وذلك لِما يجد فيها من اللذة والسعادة القلبية.

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وجُعِلت قرة عيني في الصلاة))؛ [رواه أحمد والنسائي].

 

قال ابن القيم رحمه الله: "الصلاة إنما تُكفر سيئات من أدى حقها، وأكمل خشوعها، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه، فهذا إذا انصرف منها، وجد خِفَّةً من نفسه، وأحس بأثقال قد وُضعت عنه، فوجد نشاطًا وراحة ورَوحًا، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها؛ لأنها قرة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها، لا منها، فالْمُحِبُّون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا؛ كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم: ((يا بلالُ، أرِحنا بالصلاة))، ولم يقل: أرحنا منها"؛ [انتهى كلامه].

 

فالصلاة فيها الراحة، وفيها السعادة، وفيها اللذة التي لا تضاهيها لذة، فمن أحب ربَّه، وقام بين يديه وركع وسجد، وتلذذ بمناجاته وقربه، نال السعادة، وكيف لا ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: ((وجُعلت قرة عيني في الصلاة))، وقال: ((يا بلالُ، أرِحنا بالصلاة))؟

 

قال ثابت البناني: "كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعَّمت بها عشرين سنة".

 

وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه إذا هدأت العيون، وأرخى الليل سدوله، سُمِع له دويٌّ كدوي النحل، وهو قائم يصلي.

 

وهذا عبدالله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما كان إذا قام في الصلاة، فكأنه عود من شدة الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره، لا تحسبه إلا جذعَ حائطٍ.

 

وكان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل، فإذا أصابه فتور أو كسل قال لنفسه: "أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه؟ والله لأزاحمنَّهم عليه، حتى يعلموا أنهم خلَّفوا بعدهم رجالًا"، ثم يصلي إلى الفجر.

 

وكان عبدالعزيز بن أبي رواد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل، فكان يضع يده على الفراش فيتحسَّسه، ثم يقول: "ما ألينك! ولكن فراش الجنة ألين منك"، ثم يقوم إلى صلاته.

 

وقال بعض السلف: "إني لأفرح بالليل حين يُقبل؛ لِما يلتذُّ به عيشي، وتقر به عيني من مناجاة من أُحب، وخلوتي بخدمته، والتذلل بين يديه، وأغتمُّ للفجر إذا طلع؛ لِما اشتغل به".

 

وكان ثابت البناني يقول: "اللهم إن كنت أعطيت أحدًا الصلاةَ في قبره، فأعطِني الصلاة في قبري".

 

نعم، لم يعُد للصلاة عندنا طعم ولا لذة، وإنما أصبحت مجرد حركات تؤدَّى دون أن يصاحبها الاستشعار لعظمة الله، والتذلل له، والاستسلام له، والاستشعار للثواب والعقاب.

 

معاشر الصائمين والصائمات: ولقراءة القرآن لذةٌ وجمال، وسرور وجلال، كلام الله يُتلى على الألسن، ويطرُق الآذان، فتخشع النفوس، وتلين القلوب، وتسكن الجوارح؛ خشيةً وخشوعًا، حبًّا وحبورًا، ولا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم؛ فهو لذة قلوبهم، وغاية مطلوبهم.

 

وكيف يشبع المحب من كلام من هو غاية مطلوبه؟ يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لو طهُرت قلوبكم، لَما شبعت من كلام الله".

 

في تلاوة القرآن الكريم وفي تدبره سعادة لا تعدلها سعادة، وأنسٌ لا يُحِسُّ به إلا من ذاقه، والمؤمن لو صح إيمانه، وصلح قلبه، ما شبع من كلام ربه سبحانه.

 

واللذة في الذكر - عبادَ الله - روح وريحان، ولهذا سُمِّيت مجالس الذكر برياض الجنة، وما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل؛ فليس شيء من الأعمال أخفَّ مؤونةً، ولا أعظمَ لذةً، ولا أكثر فرحةً وابتهاجًا للقلب من الذكر.

 

عباد الله: في الذكر والدعاء سعادة وهناء، وفي تركهما بؤس وشقاء؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴾ [طه: 124، 125].

 

وقال: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

 

قيل لبعض الصالحين لما أكثر الخلوة: "ألا تستوحش؟ قال: وهل يستوحش مع الله أحد؟".

 

وقال آخر: "كيف أستوحش وهو يقول: وأنا معه إذا ذكرني؟".

 

فالذي يذكر ربه صاحب قلب حيٍّ يُحِسُّ طعم الإيمان وحلاوته؛ عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت)).

 

قال ابن القيم رحمه الله:

"إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغنِ أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنِسوا بأحبابهم فاجعل أُنسك بالله، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم، وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة، فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه، تَنَلْ بذلك غاية العز والرفعة".

 

قال بعض الزهَّاد:

"ما علمت أحدًا سمع بالجنة والنار، تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها بذكر أو صلاة، أو قراءة أو إحسان".

 

عباد الله:

أين الشعور بلذة العبادة التي وجدها السلف يومَ أن قال قائلهم:

"إنه لتمرُّ بالقلب أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا؛ إنهم لفي عيش طيب"؟

 

ويقول الآخر:

"مساكينُ أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والإقبال عليه، والإعراض عمن سواه".

 

وفي الإنفاق، أيها المسلمون لذةٌ وُجد حلاوتها؛ وهذا أبو الدحداح الأنصاري رضي الله عنه حين نزل قوله تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]، قال: يا رسول الله، وإن الله لَيريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرِني يدك يا رسول الله، فناوله يده، قال: فإني أقرضتُ ربي حائطي))، ولقد كان حائطه من سبعمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، فجاء إليهم ونادى: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي؛ فقد أقرضته ربي عز وجل، فقالت: ربِح البيع يا أبا الدحداح.

 

فخرجت من مزرعتها فرحةً مسرورة، فقد أبدلها الله تبارك وتعالى أجرًا جزيلًا، ولذةَ إنفاق، وحلاوة إيمانٍ تجعل القلب يرقص فرحًا وهو يبذل أغلى ما يملك.

 

وكان الصحابة إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم للإنفاق وليس عندهم شيء، قصدوا السوق فاشتغلوا حمَّالين، وأنفقوا ما كسبوا ولو كان قليلًا؛ لتنفيذ أمر النبي عليه الصلاة والسلام؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كنا نحمل على ظهورنا".

 

وأما الأغنياء من الصحابة، فقد أنفقوا النفقات العظيمة في سبيل الله تعالى؛ فأنفق أبو بكر ماله كله، وأنفق عمر نصفه، وجاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهَّز جيش العسرة، فنثرها في حجره؛ قال عبدالرحمن: ((فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول: ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم؛ مرتين))؛ [رواه الترمذي وحسنه].

 

قال الخطابي رحمه الله تعالى:

"كان عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف خازنين من خُزَّان الله تعالى في أرضه، يُنفقان في طاعته، وكانت معاملتهم لله تعالى بقلوبهما".

 

وكان النساء يُنافسن الرجال في الإنفاق، فدعاهن النبي عليه الصلاة والسلام للإنفاق، فجعلت المرأة تُلقي خُرْصَها وسِخَابها؛ [رواه الشيخان]، والخرص حلية الأذن، والسخاب قلادة الرقبة.

 

ولَكَمْ يُحِسُّ المؤمن بطعم الإيمان حينما تمتد يده لمساعدة الناس، حينما تمتد يده لتأخذ بيد مصاب أو منكوب، حينما تمد يده لمسح دمعة حزين أو تمسح على رأس يتيم!

 

أيها المسلمون:

المؤمن يبكي ويتحسر عندما يرى من هو مشرد جائع، ومحتاج ضائع، وبائس فقير، المسلم لا يشبع وأخوه جائع، ولا يرتاح وأخوه يعاني الفاقة والشدة.

 

كيف نفرح وبين أظهُرنا فقراءُ محاويجُ؟

كثير من البيوت حولكم ليس عندهم ما يأكلون، بيوتهم خاوية، ليس بها زاد إلا رحمة رب العباد.

 

وكم من أرملة مغمومة مهمومة، يتلوَّى صغارها، ويتقطع خمارها، ولكن هيهات أن تجد مَغاثها إلا من الرحمن الرحيم، ونحن متفرجون ولها مكذِّبون، نظن حالهم أعلى من حالنا، والله أعلم بما تُخفي وتُكِنُّ من فقرها.

 

وتلك نبَذها أهلها ومعها أبناؤها وصغارها، فمن سيعولهم ويقوم بحقهم ويعطيهم الطعام؟ حسبنا الله ونعم الوكيل.

 

أينكم أيها المسلمون؟ أيها المسؤولون: هل يهنأ لكم عيش وتفرحون ومن حولكم يتجرعون غُصَصَ الجوع؟ انظروا المحاويج والْمُعْسِرين، ما أكثر من أثقلتهم المتغيرات والخطوب، وطحنتهم الأحداث والحروب، فأصبحوا في فقر وبطالة، وذلٍّ ومهانة، وتشريد ونزوح، لا تؤويهم البيوت، ولا يسعهم مكان، فأين نحن منهم؟! ألَا نستحي من الله؟ أعطانا الكثير وأمرنا بإخراج القليل، كسانا وعافانا وآوانا، وهم يَسْتَجْدُون ولا مجيب.

 

كم متعفِّفٍ باتَ خاليًا! وكم من آيسةٍ ضائقة بائسة، استهواها الشيطان وحزبه؛ لفقرها وحاجتها، وبكاء صغارها، والذئاب يريدون أن يفتكوا بعرضها! أينكم يا مسلمون؟ الكثير من الأُسر بيوتهم أوهى من بيت العنكبوت، الرياح تُسقطها، والمطر مصدر بؤسها، لا يفرحون بالغيث لأنه زوال بيوتهم، والله المستعان.

 

أينكم يا من بالملذات تفتخرون وتتنعمون، ولها تنوِّعون؟ موائدكم متعددة، وبطونهم متيبسة من خوائها.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254].

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

معاشر الصائمين والصائمات:

هذا الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك يوشك على الرحيل، وإني أسأل نفسي وأرجو أن تسأل نفسك:

كم مرة وجدتَ حلاوة الصيام، حتى تمنيتَ من تلك الحلاوة أن يتأخر الغروب؟

 

وكم مرة استعجلت فيها الأذان لتُفطر، وكأن الصيام ثقل جاثم على قلبك؟

 

كم مرة تلذذت فيها بقراءة القرآن فهزَّك وعيده، فاضطربتَ وبكيتَ وذرفت عيناك الدموع، وفرِحتَ لوعده، فأخذت تتلوه بلذة حتى إنك لم تضعه من يديك إلا اضطرارًا، وتمنيتَ أن عشتَ معه ساعاتٍ أطول؟

 

وكم مرة تلوتَ القرآن فلم تعقِل ما قرأت، وكان همك آخر السورة أو الحزب الذي وضعته لنفسك؛ شوقًا للجوال والفيسبوك والواتساب، أو الحديث مع الأهل والأصحاب؟

 

كم مرة تلذذت فيها بصلاة التراويح، حتى إنك تمنيت ألَّا ينتهي منها الإمام؟

وكم مرة وقفت فيها مُتململًا، تنتظر متى ينتهي الإمام حتى تنطلق لدنياك؟

كم مرة تلذذت بدعاء القنوت، فما شعرت بطول القيام؟

وكم مرة تمنيت أن يختصر الإمام؟

 

عباد الله:

إن لم نجد حلاوة الطاعة والعبادة في رمضان، فمتى؟

حُقَّ لنا أن نقف مع أنفسنا لنتفكر ونتساءل: من أين أُوتينا؟ كيف أصابتنا هذه الرَّزية العظيمة؛ فَقْدُ التلذُّذ بالطاعات، والأنس بها، والخشوع والخضوع، ورقة القلب، وإسبال الدمعة؟

 

قال الإمام ابن الجوزي في صيد خاطره:

"قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب، كم أعصيك ولا تعاقبني! فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري! أليس قد حرمتُك حلاوة مناجاتي؟".

 

قال وهب بن الورد وقد سُئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ فقال: ولا من هم بالمعصية".

 

وقال ذو النون: "كما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه، كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب".

 

 

فرُبَّ شخص أطلق بصره فحُرم اعتبار بصيرته، أو أطلق لسانه فحرمه الله صفاء قلبه، أو آثَر شبهةً في مطعمه، فأظلم سرُّه، وحُرم قيام الليل وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك.

 

عباد الله، الله أكبر، فرُبَّ ذنب لم نُلقِ له بالًا، وعددناه من الصغائر، أوردَنا ما نحن فيه من القسوة والضيق.

 

ورُبَّ صغائر تهاونَّا في أمرها وشأنها، فتكاثرت على قلوبنا حتى أصبحنا على الحال التي نحن فيها.

 

ورُبَّ لقمة من حرام أو شُبهة حرام تساهلنا فيها، فأصابنا ما أصابنا.

 

ورب ذنب هممنا به في الشهر المبارك، فكانت ثمرة ذلك الهم ما فقدناه من حلاوة العبادة ولذة المناجاة، وضياع الأوقات المباركة والساعات الفاضلة.

 

أخي الصائم، أختي الصائمة، اسمع معي كلام الصالحين عن حلاوة العبادة:

فهذا أبو سليمان الداراني يقول: "لَأهل الطاعة بالليل ألذُّ من أهل اللهو بلهوهم، ولولا الليل ما أحببتُ البقاء في الدنيا".

 

وقال: "لو لم يبكِ العاقل فيما بقِيَ من عمره، إلا على لذة ما فاتته من الطاعة فيما مضى".

 

وقال: "ليس العجب ممن يجد لذة الطاعة، إنما العجب ممن وجد لذتها ثم تركها، كيف صبر على تركها؟".

 

عباد الله، وإن من العقوبة والحرمان، والألم والخسران، أن يُحرم العبد لذة الطاعة والعبادة.

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إذا لم تجد للعمل حلاوةً في قلبك وانشراحًا، فاتهمه".

 

لا إله إلا الله، نشكو إلى الله حالنا...

 

كم كنا نتباكى على قيام الليل وتقصيرنا فيه، فأصبحنا نتباكى على التفريط في السنن الرواتب!

 

ثم انحدر الأمر حتى صرنا نتباكى على التفريط في الصف الأول وتكبيرة الإحرام!

 

وقد وصل الحال ببعضنا إلى التباكي على ترك بعض الفرائض جماعةً!

 

فيا مسلمون، إلى أين نحن سائرون؟ كل هذا يُصيبنا ولم نُفق بعدُ، فهل قست القلوب؟ هل مرضت القلوب؟ هل ماتت القلوب؟ عياذًا بالله.

 

ربنا ارحمنا؛ فإنك بنا راحم...

 

أيها المسلمون:

هل وجد لذة العبادة من نام عن الصلاة المكتوبة في رمضان؟

هل وجدها من لا يقوم حتى يسمع الإقامة للصلاة؟

هل وجدها من يتململ في المسجد وكأنه عصفور في قفص؟

هل وجدها من إذا زاد الإمام في صلاة التراويح دقائقَ عن المساجد الأخرى، انسحب وخرج؟

هل وجد لذة المناجاة من يستثقل الركوع والسجود؟

هل أحس بطعم العبادة من لا يختم كتاب الله في شهر رمضان ولو مرةً واحدةً؟

 

لذة العبادة هي الدافع لعبادة حية، وإن فُقدت - عياذًا بالله - تصبح العبادة كجسد ميت لا روح فيه.

 

لذة العبادة هي أجمل لذة في الدنيا، وكم – والله - هو مسكين من خرج من الدنيا، ولم يذُق قلبه تلك اللذة والحلاوة!

 

لذة العبادة لو ذاقها الملوك وأبناء الملوك، لتركوا الدنيا والْمُلْكَ وراء ظهورهم، ولَجالدوا الصالحين عليها بسيوفهم.

 

لذة الطاعة فاقت عند العارفين لذة النوم ودفء الفُرش، فقاموا يناجُون ربهم معظِّمين ليلهم، فأعدَّ لهم ربهم جناتٍ وعيونًا، وأثنى عليهم ربهم وحبيبهم بقوله:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 15 - 18].

 

فيا مسلمون، هيا، هيا لنجعل من شهر رمضان شهرَ لذة وحلاوة المناجاة.

 

هيا لنتلذذ بمناجاة الحبيب الأعظم؛ ربِّنا جل في علاه.

 

هيا لنحقق قوله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

 

عباد الله، العبادة سهلة مُيسَّرة لمن يسَّرها الله عليه، ولا تحتاج من المرء إلا أن يضع أقدامه على الطريق الصحيح بجدٍّ وعزم وإخلاص، وسوف يُعينه الله، كيف لا وهو قد وعد؟ وربنا لا يخلف الميعاد، بقوله:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، وقال في الحديث القدسي في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً)).

 

فاللهَ الله عباد الله، أكثروا من الاستغفار، تغسلوا وتُطهروا قلوبكم، وأكثروا من التضرع والدعاء في شهر الدعاء أن يُذِيق الله قلوبنا وقلوبكم حلاوةَ الإيمان، ولذة الطاعة والمناجاة، إنه سميع قريب مجيب.

 

أسأل الله تعالى بمنِّه وكرمه، وجوده وإحسانه أن يمُنَّ علينا بلذة الطاعة، وأن يجعل طاعته أحبَّ إلينا من الماء البارد على الظمأ، وأن يمن علينا بحلاوة الإيمان في قلوبنا، وأن يُعيننا على كل ما يُرضيه عنا، وأن يغفر لنا تقصيرنا وزَلَلَنا.

 

اللهم أذِقْنا حلاوة طاعتك، ولذة عبادتك، وبرَّك ومغفرتك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الجنة تتزين للصائمين في رمضان (خطبة)
  • لياقة القلب في رمضان (خطبة)
  • الصدقة في رمضان (خطبة)
  • الإحسان وحال السلف في رمضان (خطبة)
  • الإنفاق في رمضان (خطبة)
  • فضل الصدقة وأهميتها في رمضان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • رمضان ولذة العبادة(مقالة - ملفات خاصة)
  • سؤال اللذة (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موقف ابن تيمية من التمييز بين لذات الدنيا ولذات الآخرة(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • كم من الناس قد حرم لذة العبادة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لذة العبادة(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • خطبة المسجد النبوي 26/9/1432 هـ - نعيم رمضان ولذة الأعمال الصالحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شمولية العبادة في الإسلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • استثمار رمضان في العبادة (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • حسن العبادة أو العبادة الحسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 26 / 8 / 1434هـ - رمضان والتيسير في العبادة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب