• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / العيد سنن وآداب / خطب
علامة باركود

خطبة عيد الفطر 1445 هـ أهمية الوفاء

خطبة عيد الفطر 1445 هـ أهمية الوفاء
عبدالوهاب محمد المعبأ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/4/2024 ميلادي - 30/9/1445 هجري

الزيارات: 8095

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عيد الفطر 1445

أهمية الوفاء


الخطبة الأولى

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلًا.

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين، الحمدُ للهِ خالقُ كلِّ شيءٍ وهاديْه، ورازقِ كلِّ حيِّ وكافيْه، وجامعِ الناسِ ليومِ لا ريبَ فيه، الحمدُ للهِ عَدَدَ ما خَلَقَ وذَرأَ وبرأَ، وعَدَدَ ما أحصى كتابُه، الحمدُ للهِ عَدَدَ ما ذَكَرَه الذاكرونَ، وسبَّحه المسبِّحون، وسَجَدَ له السَّاجِدون.

 

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلا اللهُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.

 

اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلًا.

 

أحمدُ -سبحانَه- وأشكُره وأُثْني عليهِ الخيرَ كلَّه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الرحيمُ بخلقِه، الكريمُ في جودِه وعطائِه، الودودُ في رفقِه ورأفتِه، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، نبيُّ الإسلامِ وحاملُ لواءِ السلامِ، أرسلَه ربُّه رَحمةً للأنامِ، وهاديًا إلى دارِ الخُلودِ والسَّلامِ، صلَّى اللهُ عليه وآلهِ وصحبهِ، والتابعينَ لهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ:

 

فيأيُّها المسلمونَ: أُوصيْكم ونفسي بتقوى اللهِ؛ فهي وصيتُه -سبحانَه- للأوَّلينَ والآخرين، ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ ﴾ [النساء:131]، واعلموا أنَّ تقواه نجاةٌ لكم مِنْ كرباتِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ.

 

أيُّها المؤمنون: هذا اليومُ هو يومُ عيدِ الفطرِ المبارك، أعادَه اللهُ علينا وعلى المسلمينَ بالخيرِ والبركةِ، والأمنِ والإيمانِ، والسلامةِ والإسلامِ، والعزِّ والنَّصرِ والتمكينِ.

 

أيها المسلمون، أديتم فرضكم، وأطعتم ربكم، وصمتم شهركم، وصليتم ما شاء الله لكم أن تصلوا، وقرأتم ما فتح الله عليكم أن تقرؤوا، وتصدقتم بما يسر الله لكم أن تتصدقوا، وربما قمتم بغيرها من أعمال البر والتقوى، وها أنتم اليوم تحضرون عيدكم بعد تمام شهركم، واكتمال نعمة الله تعالى عليكم، فأسعد الله أيامكم، وبارك الله أعيادكم، وأدام الله أفراحكم، وتقبل الله منا ومنكم، وبشراكم بإذن الله فوزكم بالأجر العظيم والجزاء الأوفى، فربكم محسن كريم، لا يضيع أجر من أحسن عملًا، أوليس قد صح الخبر بأن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، وفرحة بلقاء ربه؟ فافرحوا بعيدكم واسعدوا، وأدخلوا الفرح والأنس على ذويكم وابتهجوا.

 

حديثنا اليوم بإذن الله تعالى سيكون عن خلق من أخلاق الإسلام الراقية، وصفة من صفات النفوس الأبيّة، خلق إذا انتشر بين الناس ملأ حياتهم صفاء ونقاء، وظللهم بروح المودة والإخاء والمحبة والألفة.

 

إنه الوفاء!! وما أجمله من خلق! وما أرقها من خصلة! وما أسماها من صفة! الوفاء خلق جميل، وكنز ثمين...

 

الوفاء: حفظ للعهود والوعود، وأداء للأمانات، واعتراف بالجميل، وصيانة للمودة والمحبة.

 

عباد الله: الحديث عن الوفاء حديث شيق، يتصف بعذوبة المعاني وجميل المباني؛ لِما يتصل به من حسن الأدب، فيا سعادة من اتصف به وادَّخره ليوم المعاد، وما أحوجنا للكلام عنه في هذا الزمان، وتذكير الناس به؛ فإنه الطريق إلى البر، والسبيل لكل خير!

 

وأعظم الوفاء - عباد الله - الوفاء بعهد الله؛ بأن يُعبَد ولا يُجحَد، وأن يُوحَّدَ ولا يُشرَك به، وأن يُشكَر ولا يُكفَر، وأن يُوقَّر دينه ويُلتزم شرعه؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [البقرة: 40].

 

فمن أطاع ربَّه والتزم بشرعه، وامتثَل أمره واجتنَب نهيه ووقف عند حدوده... كان من أهل الوفاء مع الله.

 

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

 

إن الوفاء مع الله يتمثل في امتثال المأمورات واجتناب المنهيات كما جاء في نداءات المؤمنين؛ رَوى ابنُ أبي حاتم أنَّ رجلًا أتى عبدالله بن مسعود فقال: اعْهَدْ إليَّ، فقال له: إذا سمعْتَ الله يقول: ”يا أيها الذين آمنوا” فأَرْعِها سَمْعك؛ فإنه خيرٌ يَأمر به، أو شَرٌّ يَنهى عنه.

 

فأين الوفاء مع الله؟ ممن ينتهك الحرمات، ويواقع المنكرات؟

 

أين الوفاء مع الله؟ ممن فرط في طاعة الله، فضيع فرائضه واعتدى على حدوده؟

 

أين الوفاء مع الله؟ ممن انشغل بدنياه عن عبادة خالقه ومولاه؟

 

ومن صور الوفاء: الوفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بذل كل وسع وتحمل كل عناء من أجل أن يبلغ للعالمين رسالته. ما من خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذر الأمة منه، بين لنا الطريق، وأنار لنا السبيل، وتركنا على المحجة البيضاء الناصعة الواضحة لا يزيغ عنها إلا هالك.

 

فأين الوفاء منا لرسول الله؟ أين نحن من سنته، وهديه وشريعته؟

 

فالوفاء مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكون باتباع سنته والتخلق بأخلاقه والاقتداء به والدفاع عن دينه وعقيدته.

 

ولقد ضرب الصحابة الكرام أروع الأمثلة في حسن الوفاء لرسول الله بدمائهم وأموالهم وأولادهم

 

عباد الله الوفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بصدق محبته، واتباع سنته، والتزام شريعته، والذود عنه، فجزاء من يفعل ذلك وُرُود حوضه صلى الله عليه وسلم.

 

أيها المسلمون: من أعظم الوفاء، الوفاء مع الوالدين؛ فقد قَرَنَ الله حقهما بحقه تبارك وتعالى؛ قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، ومن المقرر عند العقلاء أنه كلما ازداد الإحسان، ازداد الوفاء، فتأمل: تعِب الوالدان لراحتك، وسهِرا لنومك، حملتك أمك وهنًا على وهن، ومع هذا اشتاقت لك، وأحبتك، وكدح الوالد لتحصيل عيشك، فمن الوفاء لهما الدعاء لهما؛ كما علمنا ربنا: ﴿ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]، وطاعتهما في غير معصية، وفعل الجميل لهما، وإدخال السرور على نفوسهما، هذا في حياتهما، وبعد وفاتهما الدعاء لهما، وإنفاذ وصيتهما، وإكرام صديقهما؛ جاء رجل من بني سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل بقِيَ من بِرِّ أبويَّ شيء، أبَرُّهما بعد موتهما، قال عليه الصلاة والسلام: ((نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصِلة الرحم التي لا تُوصَل إلا بهما، وإكرام صديقهما)).

 

وأوفى الأوفياء الذي لا يَنْسَى والديهِ بعد وفاتهما بدعوةٍ صالحةٍ، أو إحسانٍ، أو صدقةٍ، أو صلةٍ، فإنَّ الميتَ مرتهنٌ بعمله إلاَّ من صدقةٍ جاريةٍ، أو عِلمٍ يُنتفعُ بهِ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له.

 

ويا من فقدت صديقًا حميمًا، أو جارًا، أو أخًا أو أختًا، أو أبًا أو أمًّا، أبْشِرْ؛ فإن باب الصلة والوفاء مفتوح، وحبل المودة ممدود، فلا تبخل عليهم ولو بدعوة؛ فإنها عليك يسيرة، ولكنها عندهم أمنية مستحيلة، وهدية عزيزة.

 

ومن صور الوفاء: الوفاء مع الناس كافة: ما أشد حاجة الناس إلى الوفاء، في زمن فشا فيه الجحود والنكران في قلوبِ كثيرٍ مِن البشَر، فلا الجميل عندَهم عاد يُذكَر، ولا المعروف لديهم صار يُحفَظ.

 

تجد البعض من الخلق يأخذون ولا يعطون، لا يسمحون بضياع نزر يسير من حقوقهم، ولا يردون حقوق الناس إلا بعناء، ولو ردوه تجدهم لا يُفكِّروا في ردِّ الجميل، بل يردوه وكأنهم هم أهل الفضل والمنة، وكأنَّهم ما خُلِقوا إلاَّ ليأخذوا لا ليُعطوا، وما وُجِدوا إلا ليَستغلُّوا لا ليَمنحوا، وما علموا أنَّ قيمةَ الحياةِ الحقيقيَّة تكمُن في البذل والعطاء من المال والعلم والوقت والجاه.

 

فلو نظرت إلى واقع الأمة اليوم ستجد كم من الناس مَن يتكلَّم، وكم من الناس مَن يَعِد، وكم من عهودٍ مسموعة ومرئيَّة ومنقولة! ولكن أين صدق الوعود؟! وأين الوفاء بالعهود؟!

 

ومن الوفاءِ أن يؤديَ كلُّ من ائتُمِنَ على أمانة، أن يؤديَها خيرَ أداء، في التعليم والمهن والتجارة، وكذا كلُّ صاحبِ عملٍ في عمله.

 

ما أعظم الوفاء، حينما يتجلى في ولد يرافق والده ويسعى لرضاه، وابنةٍ تسهر بجوار أمها، وتذوب شفقة عليها!

 

ما أجمل الوفاء، في طالب يذكر فضل أستاذه ويخصه بدعائه، ويعظم الوفاء في مثل هذه المناسبات والظروف الصعبة أن يتفقد الطالب الميسور استاذه ومعلمه ويزوره ويقوم ببره ويكرمه ويهديه وهل جزاء الاحسان الا الاحسان أين وفائنا للمعلمين والكثير منهم يعيش اليوم في حاجة وفقر أين وفائنا لجيراننا وذوينا وأرحامنا وزملائنا وأصحابنا ومن له حق علينا ومن كانت أياديهم ممدودة إلينا.

 

أنت أيها الميسور لو التفت لفتة وفاء لوجدت الكثير ممن حولك يجب عليك الوفاء ورد الجميل لهم.

 

ما أجمل الوفاء في أخ يثني على أخيه ويذكرُ محاسنه، وفي زوج يكرم زوجةً حفظته ورعت أولاده، وفي زوجة لم تنس بذلَ زوجها وشقاءَه!

 

والزوجانِ بينهما معروف مترادِف، وجميل متقابِل، أسدى كلُّ واحد منهما للآخَر زهرةَ حياته، وثمرةَ فؤاده، فَحِفْظُ العهدِ وَحُسْنُ العشرةِ والتغافلُ عن الزلات من الوفاء ورَدّ الجميلِ، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر".

 

فالوفاء بين الزوجين، يجعل الأسر مستقرة، والبيوت مطمئنة، فيكون رابط الوفاء بينهما في حال الشدة والرخاء، وفي العسر واليسر.

 

معشر المسلمين: كلما كان المرء وفيًا كان إلى الله أقرب، ولدينه أوعى، فأوفوا معشر الأوفياء، وأحفظوا لذوي الفضل فضلهم، تزكُ نفوسكم، وتتطهرْ قلوبكم

 

قال أحد الشعراء:

ذَهَبَ الْوَفَاءُ ذَهَابَ أَمْسِ الذَّاهِب
فَالنَّاسُ بَيْنَ مُخَاتِلٍ وَمُوَارِبِ
يَغْشَوْن بينهم المودة والصفا
وقلوبهم محشوة بعقارب

 

فليعلم العبد أنه سيسأل عن وفائه يوم القيامة، فقد قال عز وجل: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34] فماذا يكون جواب العبد إذا سئل عن وعوده وعهوده وعقوده التي أمره الله -تعالى- بالوفاء بها وأدائها، فقال سبحانه: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ﴾[النحل: 91]، وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾[المائدة: 1] ماذا يكون جوابه وقد أخلف وعده وضيع عهده وخان أمانته؟

 

الوفاء خلق أهل الإسلام، نطقت به آياتُ القرآن، وتمثله أتباعُه خير امتثال، فسادوا الأممَ وفتحوا قلوب الناس قبل بلدانهم.

 

معشر المؤمنين: لا يسود الناسَ إلا كريم، ولا يخضعُ القلوب إلا وفيّ، فالوفاء ليس لباسًا يُفاخر به، بل هو قرين المروءة والسؤدد.

إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ
واللؤمُ مقرون بذي الإخلافِ
وترى الكريم لمن يعاشرُ منصفًا
وترى اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ

 

اللهم اجعلنا من الموفين بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء، أقول ما تسمعون وأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة.

 

الخطبة الثانية

أَيُّهَا النَّاسُ: من الوفاء الواجب علينا اليوم أن نذكر ونستعرض ما تَمُوجُ به الْأَرْضُ الْمُبَارَكَةُ -أَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَوْطِنُ الْمِعْرَاجِ، أَرْضُ فِلَسْطِينَ الْمُحْتَلَّةِ- بِأَحْدَاثٍ كُبْرَى؛ اسْتَحَرَّ فِيهَا الْقَتْلُ، وَسَالَتْ فِيهَا الدِمَاءُ، وَمُزِّقَتْ فِيهَا الْأَشْلَاءُ، فَفَضَحَتْ تِلْكَ الْأَحْدَاثُ قُوَى الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ، وَمَا يَدَّعُونَهُ مِنْ حِفْظِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ، وَحُقُوقِ الْمَرْأَةِ، وَحُقُوقِ الطِّفْلِ؛ إِذْ سُحِقَتْ هَذِهِ الْحُقُوقُ الْمُدَّعَاةُ عَلَى ثَرَى فِلَسْطِينَ الْمُحْتَلَّةِ، قُتِلَ عَشَرَاتُ الْآلَافِ، أَكْثَرُهُمْ مِنَ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ، وَهُجِّرَ مِئَاتُ الْآلَافِ، وَحُوصِرُوا وَجُوِّعُوا، بِلَا ذَنْبٍ اقْتَرَفُوهُ؛ إِلَّا لِأَنَّ الْعَدُوَّ الْغَاشِمَ عَجَزَ عَنْ مُقَارَعَةِ خُصُومِهِ، فَنَفَّسَ عَنْ غَضَبِهِ فِي الضُّعَفَاءِ؛ فَنَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَتَقَبَّلَ قَتْلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الشُّهَدَاءِ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَاهُمْ، وَأَنْ يُؤْوِيَ مُشَرَّدِيهِمْ، وَأَنْ يُنْزِلَ نَصْرَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ يَدْحَرَ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَمَعَ قَتَامَةِ الْمَشْهَدِ، وَشِدَّةِ الْمُصَابِ بِأَهْلِنَا فِي فِلَسْطِينَ؛ فَإِنَّ ثَبَاتَهُمْ رَغْمَ مُصَابِهِمْ كَانَ أَبْلَغَ مَشْهَدٍ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَهِدَايَةِ الضَّالِّينَ؛ إِذْ يَحْمِلُ الْوَالِدُ وَلَدَهُ أَشْلَاءً مُمَزَّقَةً وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَيُلْقِي آخِرَ نَظْرَةٍ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ قَبْلَ تَسْجِيَتِهِمْ لِدَفْنِهِمْ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَيُوَدِّعُ طِفْلَتَهُ بِعِنَاقِهَا وَتَقْبِيلِهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَيَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ أَنْقَاضِ مَنْزِلِهِ قَدِ اخْتَلَطَ التُّرَابُ بِالدَّمِ عَلَى وَجْهِهِ وَجَسَدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. خَسِرُوا أَهْلَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَهُمْ يَلْهَجُونَ بِحَمْدِ اللَّهِ -تَعَالَى-، لَا يُسْمَعُ مِنَ الْمُصَابِينَ فِي فِلَسْطِينَ كَلِمَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِهِمُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ إِنَّهُ انْتِصَارٌ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الشَّيْطَانِ وَعَلَى الْأَعْدَاءِ أَنْ يَحْمَدَ الْمُؤْمِنُ رَبَّهُ فِي كُلِّ حَالٍ؛ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاهُمْ لِحَمْدِهِ. وَحِينَ نُقِلَتْ هَذِهِ الْمَشَاهِدُ الْمَمْلُوءَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ -تَعَالَى- إِلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ؛ عَمِلَتْ عَمَلَهَا فِي قُلُوبِ الْمَلَايِينِ مِنَ الْكُفَّارِ؛ فَأَقْبَلُوا عَلَى الْقُرْآنِ لِمَعْرِفَةِ مَعْنَى الْحَمْدِ وَسِرِّ الثَّبَاتِ؛ لِيَجِدُوا أَنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ تُفْتَتَحُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ -رَبِّ الْعَالَمِينَ-، وَيَعْلَمُوا أَنَّهَا ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- فِي أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ، وَأَشَدِّ السَّاعَاتِ، وَأَحْلَكِ الظُّرُوفِ، فِي حَالِ فَقْدِ الْحَبِيبِ وَالدَّارِ وَالْأَمَانِ، وَفَقْدِ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا؛ لِيَكُونَ أَمَانَهُمُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَمَلْجَؤُهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَعِوَضُهُمْ عَلَى اللَّهِ. وَقَدْ أَتَى اللَّهُ -تَعَالَى- أَعْدَاءَ الْإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا؛ إِذْ كَانَتْ أَحْدَاثُ فِلَسْطِينَ، وَصَبْرُ الْمُرَابِطِينَ، وَحَمْدُ الْمُصَابِينَ؛ سَبَبًا لِلْإِقْبَالِ الْكَبِيرِ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي شَتَّى الدُّوَلِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الدُّوَلِ الْغَرْبِيَّةِ، فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ النِّعَمَ فِي النِّقَمِ، وَالْمِنَحَ فِي الْمِحَنِ، وَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ مُصَابَ الْمُسْلِمِينَ دَعْوَةً لِغَيْرِهِمْ، وَهِدَايَةً لِسِوَاهُمْ؛ لِيَنَالُوا أُجُورَ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَيُحَقِّقُوا الْحَمْدَ فِي الْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ.

 

لَقَدْ أَقْبَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا عَلَى الْقُرْآنِ قِرَاءَةً وَدِرَاسَةً وَتَعَلُّمًا، قَادَ كَثِيرًا مِنْهُمْ إِلَى اعْتِنَاقِ الْإِسْلَامِ؛ ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ:19]؛ فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا يُحْلَفُ بِغَيْرِهِ، مَا يُنْتَقَصُ الْإِسْلَامُ فِي أَرْضٍ إِلَّا نَمَا فِي أَرْضٍ أَوْسَعَ مِنْهَا، وَلَا يَنْحَسِرُ فِي شُعُوبٍ إِلَّا وَانْتَشَرَ فِي شُعُوبٍ أَكْثَرَ مِنْهَا؛ إِنَّهُ دِينُ اللَّهِ -تَعَالَى-، يَدْخُلُ النَّاسُ فِيهِ أَفْوَاجًا بِسَبَبِ قَوْلِ الْمُصَابِينَ فِي مُصَابِهِمُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَهَذَا يَسْتَوْجِبُ الِاحْتِفَاءَ بِالْمُهْتَدِينَ، وَالْفَرَحَ بِالدِّينِ، وَالِاجْتِهَادَ فِي هِدَايَةِ النَّاسِ لِلْحَقِّ، وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى الْهُدَى، وَالِاسْتِبْشَارَ بِأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ، إِنَّهُ دِينُ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ لَا يُنَاكِفُهُ إِلَّا مَغْلُوبٌ، وَلَا يُحَارِبُهُ إِلَّا مَهْزُومٌ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ وَقْفَ انْتِشَارِهِ، وَلَا مَنْعَ الْقُلُوبِ مِنَ اسْتِقْبَالِهِ؛ فَهُوَ دِينُ الْحَقِّ، وَدِينُ الْفِطْرَةِ، وَدِينُ الْعَدْلِ، وَدِينُ السَّمَاحَةِ مَعَ الْحَزْمِ، وَدِينُ الْيُسْرِ وَالرُّخْصَةِ مَعَ الِامْتِثَالِ وَالْعَزِيمَةِ؛ ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التَّوْبَةِ:32-33]

 

عباد الله: إذا كنتم تنعمون بفرحة العيد، فإن هناك فئام من الناس قد حرموا منها؛ فكيف يفرح بالعيد من عزم على ترك الصلاة بعد رمضان؟! وكيف يفرح بالعيد قاطع الرحم ولأقاربه وإخوانه مخاصم؟! وكيف يفرح بالعيد من يتعامل بالمحرمات أو يتاجر بها أو يبيع للناس سلعا مغشوشة؟! كيف يفرح بالعيد من يعطل ويماطل الناس في خدماتهم أو حقوقهم ويعطل مصالحهم إلا بعد رشوة أو وساطة؟! كيف يشارك المسلمين فرحة عيدهم من يتعرض للآمنين في بيوتهم أو يعترض طريقهم ليغتصب أو يسرق متاعهم وأموالهم؟! كيف يسعد بالعيد من ضيق على عياله وبخل على أسرته وربما انفق ماله في أشياء تعود عليه بالإثم والضرر؟! وكيف تفرح بالعيد زوجة تنغص على زوجها الحياة بالتمرد عليه، وتكليفه ما لا يطاق وكيف يفرح بالعيد من نغص على زوجته وحملها من هموم الحياة وغصصها الشيء الكثير ؟!...

 

عباد الله في هذا اليوم -يا عباد الله- وسِّعوا على أولادكم وأهليكم، وعظِّموا هذا اليوم في قلوبهم بالهدايا وبالعيديات، تؤجروا على ذلك إذا نويتم بذلك قُربةً عند الله.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا يَوْمُ التَّسَامُحِ وَالتَّصَافُحِ وَالتَّصَالُحِ، فَتَرَاحَمُوا وَتَلاَحَمُوا وَتَسَامَحُوا، فَالْعِيدُ مُنَاسَبَةٌ طَيِّبَةٌ لِتَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ، وَإِزَالَةِ الشَّوَائِبِ عَنِ النُّفُوسِ، وَتَنْقِيَةِ الْخَوَاطِرِ مِمَّا عَلِقَ بِهَا مِنْ بَغْضَاءَ أَوْ شَحْنَاءَ وَخُصُوصًا مَعَ الْوَالِدَيْنِ؛ اللَّذَيْنِ رِضَا اللهِ فِي رِضَاهُمَا، جَعَلَ اللهُ عِيدَكُمْ مُبَارَكًا، وَأَيَّامَكُمْ أَيَّامَ سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ وَفضْلٍ وَإِحْسَانٍ.

 

اللهم أعد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، واجعلنا ممن طال عمرُه وحَسُن عمله، واجعل عيدنا سعيدًا، وعملنا صالحًا رشيدًا.

 

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

 

اللهم ثبتنا على طاعتك وارزقنا المسابقة إلى مرضاتك ومحابك.

 

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين المستضعفين فوق كل أرض وتحت كل سماء.

 

وصلوا وسلموا..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة عيد الفطر 1445هـ {وحسن أولئك رفيقا}
  • خطبة عيد الفطر 1445هـ
  • خطبة عيد الفطر 1445هـ
  • خطبة عيد الفطر 1445 هـ
  • خطبة عيد الفطر 1445 هـ
  • خطبة عيد الفطر 1445 هـ

مختارات من الشبكة

  • خطبة عيد الفطر المبارك 1446 هـ الأعياد بين الأفراح والأحزان(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • خطبة عيد الفطر السعيد (1445 هـ) معنى الفرح بالعيد، وإسداء النصح للعبيد(مقالة - ملفات خاصة)
  • بالطاعات تكتمل بهجة الأعياد (خطبة عيد الفطر المبارك 1442 هـ)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • فرحة العيد - خطبة عيد الفطر المبارك 1439 هـ(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر المبارك 1435 هــ ( عيد ميلاد وبناء )(مقالة - ملفات خاصة)
  • (هذا العيد يخاطبكم) خطبة عيد الأضحى 1444 هـ(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الأضحى 1443 هـ (العيد وصلة الأرحام)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • (لمن فرحة العيد؟) خطبة عيد الأضحى 1442 هـ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التهنئة بالعيد يوم العيد (بعد الفجر وبعد صلاة العيد لا قبل يوم العيد)(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • خطبة عيد الفطر 1444 (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب