• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / المرأة في الإسلام
علامة باركود

الحجاب والتنوير

نورا عبدالغني عيتاني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/5/2018 ميلادي - 21/8/1439 هجري

الزيارات: 5174

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحجابُ والتنوير

 

ظاهرةٌ جديدةٌ / قديمة استشرت وانتشرت في الآونةِ الأخيرةِ في مجتمعاتنا العربيّة، وتفشّت فيها تفشّي المرضَ العضال في الجسمِ السالمِ والصحيح، ممّا بات يستدعي منّا وقفةً جادّةً للتساؤل والتأمّل وطرح السؤال الكبيرِ، واستجلاء الأسبابِ الكامنة المتخفّية خلفَ الستار.

 

ولعلّ المتأمّل لأحوال كثيرٍ من المسلمات في مجتمعاتنا، يرى كمّيّة التذبذبِ والقصورِ والحيرة التي تَغرقُ فيها المرأة في عصرنا الحالي، وضياعها وتشرذمها ما بين جنونِ الفنّ والفراغ، واللهوِ والزينةِ وبهارجِ الموضةِ وصيحاتها، وذوبانها في معاييرِ الجمالِ الخاطئة وقوالبها الجاهزة، وسعيها الدؤوبِ وركضها خلف الحريّةِ الزائفة، والمساواةِ المقلوبة، وأسطورة تحقيق الذات، وغيرها من الشعارات الكاذبة الوهميّة التي أغرقها فيه عصر التقدم والتحضّر الزائف، بل والذي أُغرِق فيه شباب المسلمين عامة، من كِلا الجنسين. لكنّ المرأة بشكل خاص، وقضاياها عامةً، لطالما شكّلت حجر الأساس لكلّ عابثٍ ومنافق، ناقمٍ على الشرع والدين، سوّلت له نفسُه الإفساد في الأرض عبر التبديل في قوانين الله وشرائعه كيفما يحلو له ويناسب هواه، فكان ما نشهده اليوم من تذبذبٍ وضياع وحيرة في صفوف شباب المسلمين عامّة، ونسائهم خاصّة، سيّما وأنّ المرأة تشكّلُ أهمّ عنصرٍ في المجتمع، فهي التي يقع على عاتقها بالدرجة الأولى واجب التربية وغرس بذرة التأسيس الأولى.

 

تكونُ الفتاة آمنةً سعيدة مستقرّة، وقورةً محفوظةً مستترة، ساميةً بحجابها، شامخةً بهويّتها الإسلامية، مزدانةً بأبهى وأرقى حلّة، وإذ بها تتحول إلى التسيّب والتراجع والتقهقرِ شيئًا فشيئًا، ويتدهورُ حالها، وتتخلى عن وقارها واحتشامها، لتبدأ تدريجيًّا رحلة الانحدار والنزول إلى منحدر الجهالة والتخلي عن آخر نقطةٍ من الحياء والخشية وتأنيب الضمير.. حتى تصل إلى مرحلة الفيض في الجهالة، والانخلاع من ربْقة الدين والتقوى، والتخلي عن كلّ الثوابت والمبادئ والقيم، فتلفظ الحجاب بكلّ تمرد وجرأة وفخار، وكأنها تقوم بعمل بطولي تستحق عليه الثناء والتقدير والإطراء! تبدأ بادئ ذي بدء بالكشف عن أولى خصلات شعرها الأمامية المصففة والملونة بعناية، لتكون تمهيدا للخطوات الأخرى التي ستليها.. ثم تفسح فيما بعد عن باقي خصلات الشعر السجينةِ المطمورة زمنا طويلا تحت قماشة بالية، تحرمها من التمتع بأشعة الشمس ونسمات الهواء العليلة، على حدّ تعبير إحداهنّ! فتظنّ بهذا أنّها قد تحرّرت وكسرت القيد، لتفاجَأ بعدها بقليل بأنها لن تكون سوى سلعةً ماديّةً زهيدة تباع وتشترى، وتعرَض في الأسواق قربَ البضائع والسلع الرخيصة والدنيئة، لتسويقها ليس إلاّ.. ولتجدها بعدها بفترة قصيرة تعرض صورها العارية على وسائل التواصل بكلّ جرأةٍ وإقدام، وتتلقّى (التهاني والتبريكات) من صديقاتها المداهنات!

 

والحقّ أنّ خطوة جريئة كهذه، وقرارًا خطيرًا مثله حُقّ له أن لا يتم هكذا دفعة واحدة، ولا بين ليلة وضحاها، بل ينبغي أن تُهيأ له الأسباب والأجواء والمبررات الكافية، وإن كانت غير مقنعة إلا للعقول السطحية والشباب السذّج، وبعض أدعياء "العقل" ممن انطلت عليهم خدع (كهنةِ التنوير)، وزيفهم وضلالهم. للأسف، هذه هي الحقيقة، فكثير من شباب أمّتنا تمّت عملية غسيل وتشفيرٍ معقدة لعقولهم بشكل مدروسٍ وممنهج، وإن كان ذاك المنهج فاسدا ولا علاقة له بالمنهج العلمي ومصداقية البحث وموضوعيته لا من قريب ولا من بعيد.

 

معظم شبابنا اليوم مفتون بالعبارات الجديدة الجذابة، والعناوين المذهّبة الفاتنة، التي تنادي بالتجديد والتحديث والخروج عن إطار التراث وكل قديم وبالٍ عفا عليه الزمن، وأبطلَ قيمته وفعاليته، بحدّ زعمهم. ومعظم شبابنا اليوم منبهرون (بمخلّفات) و(نفايات) و(فضلات) الحضارة الغربية وقشورها، مأخوذون بها حدّ الانصهار المؤذن بالاندثار، رافعون شعار العقل والتنوير والحرية الكاذبة والبحث عن الحكمة والحقيقة، في الوقت الذي تساق فيه عقولهم إلى حتفها بأبشع الطرق وأكثرها سفاهةً وإجرامًا وعبوديةً وسفورا على الإطلاق!

 

عبارات مزركشةٌ وهميةٌ ضخمةٌ من العيارِ الثقيل، تحمل معانٍ كبيرة في ظاهرِها، يُخدع بها شبابنا، ويمشون خلفها مشية الأعمى المتخبّطِ في جهله السائر نحو الضوءِ الخادع والوهمي. يسيرون خلفها، دون أن يعلموا بأنّها صمّمت خصيصى لهم ليتلقّفوها بجهلٍ وسطحيّة، ويضلّوا وينحرفوا عن جادة الصواب، وليبتعدوا عن منهج القرآن والسنّة الذي ارتضاه الله لهم، وحذرهم فيه من اتباع الهوى والسير خلف النفس والهوى والشطط والانحطاط. إنّ أغلب مفكري اليوم "التنويريين" شياطين ترتدي زيّ البشر، يزعمون الدعوة إلى درب التقدم والحضارة، وما هم إلاّ دعاة للفساد والرجعية التي يدّعون محاربتها والدعوة للخلاص منها. فما الرجعي إلاّ الذي يريد أن يفتن المسلمين عن دينهم ويعيدهم لعصر العري والانحطاط، ويتسبب في طردهم من رحمة اللهِ وجنته.. قال اللهُ تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ الأعراف: 27

 

ذلك السفور والعري والانحطاط الذي ترفعت عنه المرأة حتى في الجاهلية، وفي كلّ الشرائع السماوية، وفهمت خطورته وأذاه بالفطرةِ، فابتعدت عنه واختارت العفاف والستر. هذه الفطرة السليمة هي نفسها التي يريد اليوم أدعياء الفكر والتنوير المكذوب أن يشوهوها، ويبدّلوها بتكذيب نصوص التشريع البينة الواضحة الصريحة تارةً، وليِّها تارةً أخرى، ونفيها واستئصالها مرات ومرات.. مدعين ومرجحين إمكانية وقوع الخطأ فيها، لكونها في عرفهم من التاريخ الذي يحتمل الخطأ والتزوير، أو الجغرافيا التابعة لعوامل البيئة والمناخ والتعرية!

 

هكذا وبالحرف الواحد، وبدون أدنى خجل أو حياء، أو خشية من الله تعالى، يصرّح أحد كهنة (التنوير الزائف)، معتبرا حجاب الرأس عند المرأة مجرّد لازمٍ من اللوازم الاحتياطية التي توضع عند الحاجة، أو غطاءٍ مؤقت كانت ترتديه فترة من الزمن ليقيها حرّ الشمس وغبار الصحراء في أيام مضت وانقضت، وهو اليوم يدعو بكلّ صراحةٍ وسماحةٍ إلى إمكانية التدوير وإعادة التفكير في فرضية الحجاب انطلاقا من عوامل بيئية بالدرجة الأولى، ولا يمانع أن يكون الحجاب مع هذا شيئا من العبادة المرتبطة بالسلوك والأخلاق لكونه قد ذكر في القرآن الكريم، فاصلًا بين شرعيته وكونه شيئا من العبادة، وبين فرضيّته ووصفه وأحكامه التي جاءت مفصلة في كتاب الله بالنص الواضح والمحكم والصريح، ناسياً في الوقت ذاته أو متناسياً تفسير الآيات وأسباب التنزيل، غاضًّا البصر عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنته، وما اجتمعت عليه الأمة من تفسيرٍ وإجماعٍ واتفاق، وكأنّ الأمة منذ عهد الرسول إلى يومنا هذا كانت على خطأ وضلال، حتى جاء جلالته لينير عقول الأمة، ويرشدها إلى ما غاب عن نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام، وأصحابه والتابعين، والسلف، وعلماء الأمة الأجلاء، وليبشرها بأنّ الأمر " مطّاط " وواسع ويحتمل التغيير والتجديد بحسب البيئة فحسب!

 

مع ذلك، يظلّ صاحبنا هذا أفضل من قرينهِ العبقري، الذي فاقهُ نبوغاً وذكاءً وسبقاً في درجات العقل والتنوير والحكمة، مما دعاه لنسف فكرة صاحبه المطاطة القابلة لكلّ تغييرٍ وفرضية واحتمالٍ قد يطرأ على العقل النيّر المتفكّر والمتجدّد، ضارباً بها عرض الحائط.. إذ يرتئي صاحبنا هذا – عافانا الله من صحبةٍ كهذه - أنّ الحجاب ما هو بعبادة أصلاً، بل إنّه مجرد عادة اجتماعية فرضها المجتمع على المرأة، وعليه، فإنّ بإمكان المرأة أن تلبس لباس البحر، وتكتفي بإخفاء أماكن حساسة من جسدها فحسب، لتكون قد احتجبت وأتمّت واجباتها تجاه ربّها! ولم يكتف بهذا، بل وشرّع الخمر، وأحلّ الزنا مفبركًا لهُ تفسيرًا وتحليلاً خاصاً ملائمًا لتشريعه، ونفى كذلك أوامر الله بغضّ البصر، وأوّل الآيات وزوّرها وثناها من كلّ طرفٍ وجهة لتكون على قياس الفكرة التي أراد إيصالها، فكانت النتيجة ترّهاتٌ وخزعبلات على شكلِ تفسيراتٍ، أو فبركاتٍ مضحكةٍ – وشرّ البلية ما يضحك - مركّبة بالمقلوب، مشوّهة كلّ التشويه، يشيب لها رأس العاقل الملتزم المتمسك بالدين وبالفطرة السليمة.

 

وعليه فإنّك لن تجد بعد هذا أي سبب يدعوك للتعجب والاستغراب، أو السؤال عن سبب ما وصلنا إليه من انحطاط وانحلال على كل المستويات إزاء كلّ هذا العبث الضاربِ في العبث. فشبابنا في حالة تنويم مغناطيسي، سُلبت عقولهم، ودُجّنت أفكارهم لصالح شرذمة شيطانيةٍ مضللة، سيمتها النفاق، وظاهرها وأسماؤها وعناوينها إسلاميةٌ بحتة، وكل ما في جوفها ينضح بالكفر والفسق والفجور الصرف.. وأنت إذ تشفق وترأف وتتألم حين ترى الفتاة من فتياتنا المسلمات، وهي تخلع الحجاب وتنطلي عليها كذبات هؤلاء المخادعين الشياطين، لن تشعر إلاّ بكامل البغض والنقمة والكره تجاه من دفعوها إلى هذا المنحدر، وأودوا بها نحو الهاوية.

 

والأعجبُ من هذا كلّه حين يظهرُ لكَ بعضُ أتباع هؤلاء الكهنة التنويريين، ممّن يدّعون أنّهم يدعون للتفكير الحرّ والتطوّر والتحضّر المزعوم، طالبين منك أن تلغي عقلكَ بالكامل وتسلمهم إياه، بحجّة أنّهم سيعلّمونك استخدامه من جديد ليحرروه ويفكّوا عقاله، وكأنّهم يقومون بإطفائه ومن ثمّ إعادة تشغيله من الصفر بكبسة زر ليس إلا.. فيطالبونك بنسف كلّ فكرةٍ قديمة وكلّ موروث أو مبدأ أو ثوابت قد رسخت فيه، ويعملون على تشذيبها أو اقتلاعها بالكامل، ليبثّوا مكانها بسمومهم وبذورهم الشائهةِ، التي لا تنبت إلاّ الخبيثَ والفاسد. ولأنّهم يعلمون زورهم وضلالهم وكذبهم، ولكي يحتاطوا أمامَك وأمام كلّ من يودّون خداعه من شباب المسلمين الأبرياء، يحذّرونك دوما من الرجوعِ إلى منهجِ المفكّر (التنويري) الذي أنت بصدد القراءةِ له، أو محاولة الاطلاع على سيرته حتّى، لأنّك حتما إذا رجعت لمنهجه وسيرته ستصدّ عنه، وستجدُ الحكم الصحيح والوصف الفاضح والصريح الذي يثبتُ كفره وإلحاده، أو نفاقهُ وتدليسه على أقلّ حدّ.. لذا، يحثّك الداعي منهم على الاكتفاء بالاستقاء من أنوار المفكّر وحكمته فحسب، وأخذ ما يمكن أخذه من فوائدَ مضرّة، ودررٍ زائفة، وأنوار معتمة، مردّدين: ((كلٌّ أحدٍ يؤخذ من قوله ويردّ إلا صاحب هذا القبر)) فتصدّقهم، وتجرب أن تستمع لهم، لتفاجأ بعدها أنهم يأخذون كلّ شيء من أيّ كان ولا يردّون إلا أقوال صاحب هذا القبر! وأنهم يقنعون بزيف الكفار وكذب المدجلين والفلاسفة وعلماء النفس الغربيين المغالين، ويسلمونهم عقولهم على أطباق من ذهب، رافضين في الوقت عينه أن يسمعوا لحكم السنة ونصوص الوحي السليمة من كلّ عيبٍ أو ريبٍ أو ضلالة.. رغم أنّ الحكمة كلّ الحكمة موجودة فيها، وهي التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.

 

فإن حارجتهم في فرضيّة الحجابِ مثلًا، وجرّبت أن تلقي على سمعهم نصًّا من نصوص الوحي الثابتة، من قرآن، أو سنة، أو تفسير منقول عن العدول الثقات الصادقين الصالحين، ممّن حسنت سيرتهم، وعلت همّتهم، مبينا لهم صدق منهجهم ونقائه ووضوحه وصفاء مشربه، صموا آذانهم، وأعموا أبصارهم التي طمس الله عليها، ورفضوا السماع متشوّقين لدليل عقلي فحسب يصدر من مبطلٍ مخادعٍ دجّال، يرتدي ثوب حكيم، لأنّه يعطيهم الإجابة السهلة والحلّ الهين الذي يريدون الوصول إليه، والذي تتوق إليه أهواؤهم وميولهم الكامنة ليس إلاّ. فإن حاججتهم وقلت لهم أنّ نصوص الوحي واضحة، وتفاسيرها بينة، قالوا لكَ: إنّ الوحي من التاريخ، والتاريخ قد يكون مزوّرًا، ونحن لا نصدق إلاّ ما بين أيدينا من أدلة مادية ملموسة تقنع العقل وترضخه لها، وإن كان هذا الدليل صادرًا عن كذابين ودجالين ذوي مناهج فاسدةٍ ومشارب ملوثة، وإن كان هؤلاء الدجالون بمناهجهم الضالة الفاسدة، وسيرهم الفاضحةِ، هم الذين سيكتبون التاريخ القادمَ لأجيالٍ لن تسمع إلا للزيفِ والضياعِ وضحالة الأفكار والمبادئ والقيم، وفراغها من مضامينها، وإن كان صدق الوحيِ وثبوته وحقيقته واضحا أمامهم وضوح الشمس للعيان.

 

وبعد، فلا شكّ أنّ التحريف والتزييف، والتبديل والتضليل، والتلاعب والتشويه الذي أصاب ديننا، من قبل هذه الشرذمة المضللة من المخادعين المنافقين، كان له دور بارز وكبير في تضليل معظم شبابنا وفتياتنا، وجرهم إلى مستنقع الخواء الروحي، والانحدار والركوع، والدخول والانحشارِ في خرم إبرة الغرب الضيقة، إلاّ أنّ السبب الأكبر والأعظم أساسه يرجع إلى الأهل دون أدنى ريب. فمعظم فتياتنا وأبنائنا هم ضحايا لوالدَين مقصّرَين لم يحسنا التربية ولا حفظ الأمانة التي أولاهما الله إيّاها، فضيعوها. ومعظم البلاء منشؤه من هذه التربة الفاسدة التي وضع الآباء والأمهات أبناءهم فيها منذ الصغر، وافتقارها لعوامل الغذاء الأساسية والضرورية التي كان ينبغي أن يؤمنوها لأبنائهم يوم كانوا صغارا بحاجة للعناية والرعايةِ، والنصحِ والتوجيه والإرشاد.

 

مع الأسف الشديد، إنّ ما نشهده في مجتمعاتنا من تساهل في أمور التربية الدينية، ينبئ عن خطر كبير قادمٍ في المستقبل، أكبر من هذا بكثير، وأشدّ خطرا على الأمة، مالم نتوقّ الحذر والعناية والانتباه الشديد. أبناؤنا يُصرَفون عن كلّ ما يمتُّ للدينِ والثوابت والقيم السليمة والعقيدةِ الصحيحةِ بِصِلة.. الأهلُ لاهون وغافلون، كلّ همهم تأمين لقمة العيش، ولا رقابة أو سلطة كافية لهم في ظلّ عصر المعلوماتيّة والإنترنت والعولمة والانفتاح على كلّ العوالم والمعالم.. جلّ ما يشغل بال الأهل اليوم حين يودون اختيار مدرسة أو جامعة لأبنائهم، هو مستوى تلك المدرسة التعليمي المتعلق باللغة الأجنبية والعلوم فحسب، والأغلبية، إلا من رحم الله، لا يولون الدين واللغة العربية تلك العناية والاهتمام الذي تستحقه..

 

أقولها وعن ثقة كاملة، ويقين تام، إنّ الطفل الذي ينشأ نشأة سليمة في طاعة الله، وتُغرَسُ فيه بذرة الدين القويم والإيمان السليم، واليقين الثابت منذ الصغر، والذي يتعهده أهله بالعناية والرعاية والتنشئة على أسس الإسلام، والذي يسقى ويروى بماء المعاملات الإسلامية، ويتشرّبُ روح الإسلام عن صغر، ويغذى بالمحبة والنور الحقيقي الساطع من عُرى القرآن والسنّة، والذي يتعهده أهله بالنصيحة والرقابة، والمتابعة والسؤال، والإشراف، والاهتمام البالغ، والمحادثة الصريحة، ويربّونه على التوعية والتبصرة والتمييز والحيطة وأخذ الحذر البالغ من كلّ ما يحاك حوله من خطط دنيئةٍ ومؤامراتٍ آثمة.. هذا الطفل الذي يتوخى الأهل إرساله إلى المسجد ليتربى تربية دينية ويتعلم القرآن والتفسير والحديث ويتبين حكمة الباري وغايته من خلق الإنسان.. تربيةً كاملةً متكاملة تعنى بكل جوانب حياته وأموره، وكذا تكون مدرسته وجامعته، مؤطرة بأطر الإسلام، لا تحيد عنها قيد أنملة، وكذا صداقاته ومحيطه، تكون منتقاة بعناية كاملة، خاضعة لإشراف الأهل وعنايتهم ورقابتهم، ولو من بعيد، ولو لمدة محدودة من الزمن، حتى يتخطى عتبة معينة يصل فيها إلى مرحلة من الرسوخ والثبات والثقة بما عنده من الثوابت والدعائم.. إنّ طفلا كهذا، من المحال أن يقع فريسة لأحد كهنة التنوير الكاذب حين يكبر، ومن المحال أن يكون ضحية أحد دعاة الضلالة والزيف والتزوير.. على العكس، بل إنّ طفلا مثله لحريٌّ به أن يصير حين يكبر شابًّا صالحا مصلحًا، حاميا للحمى، يحفظ حدود الله، ويرعاها، ويذبُّ عنها، ويغضب لأجلها.. ويردُّ كلّ باطلٍ يريد أن يوقع بها الأذيّة أو يعبث بها.

 

إنّ شابًّا مثل هذا، يجعل من هدي الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام قدوةً لهُ وأسوةً ودليلا، ينبغي أن يكون النموذج الخالص والمثال التطبيقي الحيّ الذي تبنى عليه مجتمعاتنا الإسلامية، وأن تُصرف إليه الطاقات وتوجه إليه الأنظار والاهتمام والغايات، وتهيأ له الوسائل والأسباب والمقومات والعوامل، وكلّ ما يلزم للوصول إلى الغاية الكبرى: حفظ دين الله، وتنشئة شبابٍ ثابت متيقن بالله وشرعته التي ارتضاها، لا يحيد عن الحقّ قيد أنملة، ولا يسقط في فخاخ التضليل، بل ويكون دليلا لغيره، منه يستشفّون الأخلاق الصالحة والسبل القويمة والأفكار النيّرة، ليسيروا جميعا على بصيرةٍ وهدى ونورٍ حقيقيٍّ مبين، ذاك النور الدائم الذي لا ينطفئُ ولا يتبدد.. ذاك النور الملائم لكلّ مكان وزمان، الموائم لكلّ أرضٍ وكلّ بقعةٍ، فبه تغتذي، ومن أشعتهِ الدافئةِ المشرقة تستقي تربتُها الطيّبة حياتها وانبعاثها وثباتها، لتتنامى أشجارها المباركة وتتفتّح أغصانها الخيّرة، وتعطي ثمارًا غضّةً طيّبة من أطيب ما تكون، ولتقفَ بالمرصاد لكلِّ منافقٍ أو شيطانٍ تسوّل له نفسه التعدّي على حدٍّ من حدود الله، وتردّه خائبًا مذموما مدحورا، وتفضحه بين الخلائقِ والأمم.. وحُقَّ على كلِّ شيطانٍ أن يفضَحَ ويذمّ ويردّ خاسئًا مذموماً مدحوراً..

 

وحُقّ لكلِّ مؤمنٍ صالح مستمسكٍ بشرع الله وحدوده، أن يكرمه الله ويمدّه بالنورِ الحقّ والإيمانِ الخالصِ واليقينِ الكامل، ليحيا حياةَ الطيّبين، فبوركَ بالشبابِ الطيّبين...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الوشم في الإسلام
  • خطبة فضائل الحجاب
  • حجاب التقوى
  • توضيحات ونصائح حول قضية الحجاب
  • أرجوزة مصابح التنوير في كشف رموز الجامع الصغير للعلامة جلال الدين السيوطي
  • أسئلة وأجوبة حول الحجاب (1)
  • الستر والحجاب

مختارات من الشبكة

  • حجاب المرأة (1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • كشف الحجاب في مسألة الحجاب (منظومة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • روسيا: "انظري إلى نفسك بالحجاب" أحد مشروعات داغستان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فرنسا: حظر فعاليات يوم الحجاب العالمي في ليون(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ألمانيا: اليوم العالمي للحجاب في الذكرى الرابعة لشهيدة الحجاب(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بلغاريا: لأول مرة القبض على مسلمة لارتدائها الحجاب(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فوائد الحجاب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أوزباكستان: التحقيق مع مسلمات نشرن صورا للحجاب على الإنترنت(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التبرج والحجاب(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب