كيف تتعامل المرأة مع التحرش الجنسي؟

كيف تتعامل المرأة مع التحرش الجنسي؟

في موضوعٍ سابقٍ بيَّنتُ شُيوعَ ظاهرة التحرُّش الجنسيِّ بالمرأة وأسبابَها، وبما أن التحرش الجنسيَّ لا بدَّ واقعٌ، وحيث إن نسبتَه تزيدُ مع زيادةِ الاختلاط وضعف الدين وضعف الرقابة الخارجية، ولأن المرأة غالبًا هي الحَلْقة الضعيفة في عمليات التحرش والاعتداء؛ لذا يجب عليها أن تعرفَ كيف تتعامل مع أي حالة تحرش تحدُثُ لها؟

‏وسأذكر هنا:

1- سبل الوقاية.

2- وكيف تفهم أن ما يحدث حولها قد يكون تحرشًا؟

3- وكيف تتعامل مع التحرش الجنسي إذا حدث لها؟

ولن أتعرض للاعتداء والاغتصاب؛ لأنه يحتاج إلى مساندة نفسية مِن متخصِّص، وغالبًا ما يكون ذلك في عيادة نفسية.

‏1- سبل الوقاية:

أين يقع التحرش بالمرأة؟

ولماذا؟

غالبًا ما يحدث التحرش في الأماكن المختلطة، وعندما يخلو الذكر بالأنثى، وفي كلتا الحالتينِ يجب على المرأة الحذرُ مِن أن تكون سببًا أو تكون فريسةً، والمتحرشُ غالبًا ما يكون يبحث عمَّا يسهل له تحرشه وعمَّا يدعوه لمواصلته؛ ‏ولذا تُنصَح المرأة بتجنُّب العمل في الأماكن المختلطة قدر الإمكان، وإذا اضطُرَّت لذلك فعليها أن تتجنَّب ما يجعلُها جاذبةً للمتحرشين، الذين غالبًا ما يختارون فريستهم بإتقان، وأهم شروطهم أن تكون ضعيفة الحيلة يصعب عليها الانتصار منهم، وهذا مما يعرفونه بالخبرة التي يتناقلونَها بينهم، ‏وهذا سببٌ مهمٌّ لفرض الحجاب على المرأة؛ بحيث لا يكون زينة في نفسه، ونهيها عن التطيُّب، ونهيها عن التزيُّن، ونهيها عن الخضوع بالقول والتمايع والدَّلال في حديثها مع الرجال، فإذا فعلت شيئًا مِن ذلك أو بالغَتْ فيه حتى من غير قصد، فَهِم المتحرِّشون أن هنالك مجالًا ليتحرشوا بها.

‏وأثرُ لباس المرأة الساترِ في الحد مِن عملية التحرش الجنسي بها - مُثبَتٌ بتجارِبَ متعددةٍ، ومن أشهرها تلك التي قامت بها أمريكيَّةٌ في نيويورك؛ حيث نشرت تجرِبتَها المشي بدون حجاب وبحجاب لمدة عشر ساعات في الشوارع العامة، وهي مرفوعة في اليوتيوب، ومع العلم بأنَّ أمريكا لديها قوانين ضد التحرش، لكنها لم تحدَّ منه.

‏وقد تظنُّ بعض النساء أن التحرش الجنسيَّ يقتصر على الأسواق فقط، وغايتُه أن يكون تحرشًا عابرًا، لكن أسوأ منه ما يحدُثُ في بيئةِ العمل أو الدراسة، وهو الذي يُشكِّل ضغطًا نفسيًّا شديدًا على المرأة؛ ‏لذا يجبُ على المرأةِ التي تعمل أو تدرُسُ في بيئة مختلطة أن تفهم هذا جيدًا، وتتوقَّع حدوثه في أي وقت، ومِن أي ذكرٍ، ويؤكِّد هذا ما توصلت له دراسةُ البروفيسور لوين بريزنداين؛ حيث ذكرَتْ أن 95 % مِن الرجال يُفكِّرون في المرأة كجسدٍ أُنثَوي جذَّاب، مهما حاولوا التظاهر بغير ذلك!

وَفْقَ هذا يُمكِن أن نعلَمَ أن ما يتسبَّب في حدوث التحرش الجنسيِّ بالمرأة هو أمرٌ مشتَرَك بين جميع المجتمعات ولا يمكن منعُه، وحتى مع وجود قوانينَ للتحرُّش، فلا ضمان لمنعه، وإلا فكيف تُفسِّر أن يكون حتى رؤساء الدول وكبار قادة المجتمعات ورجال القانون ومحامي العدالة ضالِعينَ في هذه المشكلة؟!

♦♦ ♦♦ ♦♦

‏2- كيف تفهم المرأة أن ما يحدث لها ضمن دائرة التحرش الجنسيِّ؟

أولًا لتفهم جيدًا طبيعةَ الفرق بينها وبين الرجل عند التفكير في الإعجاب أو الإطراء أو الحب.

المرأة تبحثُ عن الإعجابِ وكلمةِ إطراء ومديح، وتتخيَّل أن الرجل يُفكِّر بنفس طريقتها، بينما في الواقع أن الرجلَ غالبًا يُفكِّر في عَلاقة جنسية!

‏وفي دراسة البروفيسور لوين بريزنداين السابقةِ ما يُوضِّح ذلك الفرق بشكل كبير.

كما بيَّنت دراسةٌ أخرى أن طريقةَ النظر يمكن أن تُميِّز بين نظرة الحب وبين نظرة الشهوة الجنسية؛ حيث ذكرَتْ أن نظرة الحب تُركِّز على النظر إلى العين، بينما الشهوة تركز على الجسد.

‏وأكدت البروفيسور "ليون" أنها وجَدَتْ في الأديان السماوية السرَّ في العين، والإسلامُ ذكر ذلك عندما أسند فعل الزنا للعين البشرية لدى الرجل والمرأة، ووصفُ النظرةِ بالزنا في الإسلام أثبَت أن تلك الديانةَ أصيلةٌ، فقد أجمعت كل دراسات العالَم على أن خطرَ انحراف المرأة والرجل خارجَ المنزل يبدأ من النظرة!

‏كل تلك الحقائقِ السابقة تخضَعُ لثقافةِ المجتمع ونظامِه الاجتماعيِّ ودينِه، وعوامل الضبط فيه، والنظام التربوي السائد فيه.

ومِن نافلة القول أنْ نذكُرَ أن المجتمع المسلمَ سيكونُ أفضلَ مِن غيره من المجتمعات بسببِ وجود الرَّقابة الذاتية، لكن ذلك سيبقى مرتبطًا بمستوى الوازع الدينيِّ لدى الأفراد الذي بدأَتْ تُؤثِّر في ثباته وزيادتِه مطارقُ الحياة المادية المعاصرة.

‏وإثبات مشكلة التحرش الجنسي بالمرأة في حال وجود الاختلاط لا يحتاج إلى شواهدَ كثيرةٍ؛ فقد أصبحت من ضمن المَشاهِد اليوميَّة حتى غَدَتْ من القضايا البَدهيَّة التي يعرِفُها كلُّ الناس وفي كل المجتمعات!

‏لذا؛ يجب على المرأةِ أن تبقى يَقِظةً ومنتبِهةً لِما قد ينتِجُ عن سلوكها العَفْويِّ الذي قد يُترجِمه بعض السيِّئين على أنه إذنٌ، فيعملون على التحرش بها.

ولا تتَّكِل المرأة أبدًا على نظام التحرُّش، وإن كان مهمًّا، فإنه - كأيِّ قانون - يحتاج لإثبات وأدلة، وطريقُه طويلٌ ومُمِلٌّ ومُنهِك نفسيًّا، وقد تنهارُ حياةُ بعض النساء قبل أن يحصُلْن على حقوقِهن.

‏كما أن تطبيقَ قانون التحرُّش يُعَدُّ مِن العلاج، والوقايةُ أهمُّ وأخفُّ وأنجعُ من العلاج.

وعواملُ الوقاية من التحرش الجنسي غالبًا ما تكون مفاتيحُها بيد المرأة نفسها، كما أن وَلِيَّ أمرِها مسؤولٌ عن ضمان ذلك لها.

تَعْدُو الذِّئابُ على مَن لا كلابَ له ♦♦♦ وتتَّقِي صولةَ المُستنفرِ الحامي

♦♦ ♦♦ ♦♦

‏3- كيف تتعامل المرأة مع التحرش الجنسي في حال تعرضها له؟

• طبِّقي خُطواتِ الوقايةِ السابقةَ.

• الالتزام بالحجاب المفروض على المرأة؛ بحيث لا يكون زينة في نفسه، ونهيهاعن التطيُّب، ونهيها عن التزيُّن، ونهيها عن الخضوع بالقول والتمايع والدَّلال في حديثها مع الرجال.

• لا تخرُجِي وحدَكِ أبدًا، خاصةً للأماكن غير المأمونة.

• حافِظي على الأذكار اليومية؛ فهي حِرزٌ مِن الله تعالى للعبد، وتكف عنه أذى الشياطين.

• ثِقي في نفسك وقدرتِك على الامتناع وصدِّ المتحرشين، وللعلمِ فإن المتحرِّش غالبًا جبانٌ، ويخاف مِن الفضيحة، وهو يهرُبُ عند أدنى محاولةٍ لفضحه!

• ارفعِي صوتَك والجئي لأقربِ مكانٍ يُوجَد فيه الناس، ولا تقفي مكتوفةً تنظرين ماذا يصنعُ هذا الشخص الذي تُشكِّين فيه.

‏• هنالك بخَّاخ فلفلٍ صُنِع خصيصا لهذه الحالات، وتحمله المرأة في حقيبتِها، وعند تعرضها لمحاولة تحرش أو اعتداءٍ ترشُّه في وجه المعتدي لينشغلَ بنفسه؛ حتى يُمكِنَها الهربُ مِن اعتدائه.

• كوني قويةً في ردِّ أي إيماءٍ تشعُرين بأنه بدايةُ تحرُّش، ولا تتهاوَني في البدايات دائمًا.

• إذا رأيتِ حالة تحرش بامرأة أخرى فقِفِي معها، وأوقفي المتحرش عند حدِّه.

• استعيني بمَن حولكِ، واصرخي بأعلى صوتك؛ فإن ذلك سيجعل المتحرش ينتقل مِن التفكير في التحرش إلى التفكير في الهرب.

• في حالة كون المتحرش رئيسَك في العمل، فلا تسكتي له، وإذا بدر منه أيُّ تصرف أو إيماء أبلغِيه أنك لا ترضَين بذلك، وأنك لا تهتمين بما قد يعاقبك به، حتى لو فُصِلت من عملك، فذلك أهون في نظرك من الاستجابة له، قد يحاولُ إغراءك بترقيةٍ أو مِيزاتٍ، فلا تنخدعي بذلك، وابقَي ثابتةً على موقفك، قويةً في شخصيتك.

• وصارِحي زميلاتِك في العمل بما يفعَلُه المتحرش لك؛ فقد يكون هنالك كثيراتٌ غيرُك وغالبُهن صامتاتٌ، فاتحادُكن وتكاتُفُكن حتمًا سيُوقِف محاولاتِ التحرُّش بكنَّ.

• إذا كان المتحرش من أقاربك، وكنت تخشين من إحداث مشكلاتٍ في العائلة، وتخشين من التصريح بذلك، فعبِّري عن سخطك عليه، وأنك لا تتقبّلينه، ولا تزيدي عن السلام عليه، وارفُضِي الجلوس معه، فلن يعلم أحد بالموضوع، لكن المتحرِّشَ سيشعُرُ وكأن الجميع علِموا، بسبب سخطك، وهذا وحدَه قد يكون كافيًا في إيقافه عند حده غالبًا.

• كما يمكنك التواصل مع مركز مكافحة الإيذاء على رقم 1919، التابع للشؤون الاجتماعية.

• أو رقم 1909 لمكافحة الابتزاز التابع لهيئة الأمر بالمعروف، وستجدين لديهم الدعم المناسب بإذن الله.

لا تصمتي وتتركي حقَّك؛ فذلك قد يُؤذِيك طويلًا.

تذكَّري أن أفضل حلٍّ للمشكلة هو مواجهتها، وليس الهربَ منها.

أيتها الأنثى، كما تحذرين من المتحرش الصريح الوَقِح، فكوني أشدَّ حذرًا مِن ذلك المتودِّد ناعمِ المَلْمَس، ولا تُصدِّقيه؛ فقد يَلبَسُ لكِ جلدَ الضأن، ويُسمِعك هَدِيلَ الحَمَام؛ حتى يحصل على ما يريده منك، ثم ينطلق إلى أخرى غيرك، وآخِرُ ما يفكر فيه هو دموعُك!