خطبة عيد الأضحى 1438هـ: عيدان في يوم واحد

خطبة عيد الأضحى 1438هـ

"عيدان في يوم واحد"

أفكار الخطبة:

أولاً: مقدمة

ثانياً: العرض:

1- الأعياد في الإسلام

2- أعياد المسلمين الثلاثة

3- عيدان في يوم واحد

4- مع العيد السنوي

5- مع العيد الأسبوعي

ثالثاً- خاتمة

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة الحسنى للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد:

عباد الله:

اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، فلقد أمركم نبيكم بلزوم التقوى وحثكم عليها، فعن أبي أمامة - رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم– يخطب في حجة الوداع فقال: «اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم »[1].

وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى العصيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني[2]

أيها المؤمنون:

نستقبل هذا العام بيومنا هذا – يوم الجمعة – وهو العاشر من شهر ذي الحجة عيدين عظيمين من الأعياد التي شرعها الإسلام، وأقرها لتكون شعاراً لوحدة المسلمين وتضامنهم، ومظهراً لفرحتهم وسعادتهم، وذلك في أجواء إيمانية، ترى فيها التنافس على الطاعات، وتسمع منها التهليل والتكبير في الأسواق والطرقات، فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة!

فيا إخوان العقيدة:

إن للمسلمين أعياداً ثلاثة لا رابع لها: عيد الفطر وعيد الأضحى ويوم الجمعة، ونحن اليوم نجتمع لنشهد مشهداً عظيماً، عيدان في يوم واحد، الأول عيد سنوي، والثاني عيد أسبوعي، فأين نحن من فهم إيحاءاتهما و روحانياتها؟ وكيف نستغل ساعاتهما في الاستعداد ليوم المعاد وفقه القدوم على الله رب العباد؟

إن الأعياد سنة فطرية، وجبلة إنسانية، لا استغناء عنها ولا حياة من دونها، وقد اتخذها الناس منذ عرفوا الاجتماع، احتفالا بذكرى سارة قد مرت عليهم، أو تخليدا لها، فكلما تكررت من جديد بعثت في نفوسهم اليائسة ذكريات مجيدة، وأيقظت أجسادهم الخاملة للعمل الصالح، مما يجعلون يعتبرون بما اندثر ومضى، وللخير والإصلاح يسارعون الأزمان ويحثون الخطى، وغاية الغايات عندهم وأقصى المنى: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [3].

فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قدم رسول الله المدينة ولهما يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قال: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، قال: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» [4]، فجاء الإسلام وأقر القوم على أصل تلك الفطرة، وألغى يومي الجاهلية، وأبدلهما بعيدي الفطر والأضحى [5].

ففي يوم الجمعة نجتمع للخطبة والصلاة، إيذاناً باجتماع المسلمين على ذكر الله وتوحيده، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [6].

وفي يوم عيد الأضحى نجتمع للصلاة والخطبة المتميزتان بتكبيراتهما، قال الله تعالى داعيا الأمة إلى توحيده في العبادة: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2][7]، والأضحية هي كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من بهيمة الأنعام، فحكمها عند جمهور العلماء سنة مؤكدة، ومنهم من رأى بالوجوب، وحكمها كثيرة غزيرة نذكر منها:

أولها التقرب إلى الله بامتثال ما شرعه، قال تعالى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾[8]، ثانيها التأسي بإبراهيم الخليل – عليه السلام-، ومتابعة -النبي صلى الله عليه وسلم – الذي ضحى بكبشين أبيضين أملحين أقرنين، وثالثها التوسعة على الأهل والعيال، ورابعها إظهار البشر والفرح بإتمام الطاعات، و خامسها شكر الله على نعمه المتعددة، ومنها بهيمة الأنعام قال تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [9].

هذا، ويبدأ وقت ذبحها بعد صلاة العيد إلى أخر أيام التشريق، فعلى المضحي أن يأكل من أضحيته، ويتصدق، ويهدي [10]، قال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾[11].

فهذا عيدنا الأكبر يا مسلمين، يفيض فرحا وزينة و طمأنينة، و يشرق تألقا سعادة، فيا له من عيد للذكر والشكر والعبادة.

فالله الله في شعائر الله يا عبـاد الله!

فافهموا معناها، واعملوا بمقتضاها، فليس العيد لمن لبس الجديد وإنما العيد لمن طاعته تزيـد.

إخواني:

اعلموا أن عيد الأضحى يرسم صورة من محاسن الإسلام الذي يجمع بين حظي الجسم بالراحة والغذاء والروح بالذكر والنقاء.

فعيدوا أيها المسلمون، وتنبهوا إلى ما في عيدكم من إيحاء وعلامة، وسوف تظفرون – بإذن ربكم - بكل سؤدد وكرامة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.