فضائل شهر رمضان (1)

فضائل شهر رمضان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وجميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد عني العلماء بشهر رمضان بالتصنيف والتأليف، ومن جملتها ما يتعلق بفضائل هذا الشهر الكريم فصنفوا فيها[1] - قديمًا وحديثًا - وقد جمعت شيئًا مما يتعلق بفضائل شهر رمضان الكريم في هذه الوريقات ومنها:

♦ شهر أنزل فيه القرآن:

قال الله عز وجل : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة:185].

فبين الله عز وجل في هذه الآية بيان شافيًا أنه أنزل هذه النعمة المباركة نعمة القرآن في هذا الشهر المبارك شهر رمضان، فميزه عن الشهور بجملة من الأمور كان منها بل من أعظمها أنه أنزل فيه القرآن الكريم.

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية: " يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم ".

♦ شهر فرض فيه الصيام:

وهذه فضيلة أخرى ومنة ثانية امتن الله عز وجل بها علينا في الآية عينها، وهي: أن فرض الصيام كان - أيضًا - في هذا الشهر المبارك - وسيأتي معنا – حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبشر أصحابه -: (( قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه...)).

قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره عند الآية السابقة: "يخبر تعالى بما منَّ به على عباده، بأنه فرض عليهم الصيام، كما فرضه على الأمم السابقة؛ لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان.

وفيه: تنشيط لهذه الأمة، بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال، والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة، التي اختصيتم بها".

♦ شهر المغفرة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة)). أخرجه الترمذي رقم: (3545). صححه الألباني، وهو في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين لشيخنا مقبل - رحمه الله.

وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد المنبر فقال: (( آمين آمين آمين )). قيل: يا رسول الله! إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين. قال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين. ((فقلت: آمين )). ومن أدرك أبوية أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين. ((فقلت: آمين )). ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين. ((فقلت: آمين )).

وقال شيخنا مقبل رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين: "هذا حديث حسن".

وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رقى المنبر فقال: ((آمين آمين آمين)). قيل له: يا رسول الله! ما كنت تصنع هذا؟! فقال: قال لي جبريل: رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما لم يدخله الجنة. ((قلت: آمين)). ثم قال: رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له. ((فقلت: آمين)) ثم قال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك. ((فقلت آمين)). وصححه الألباني - رحمه الله.

♦ شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين)). أخرجه البخاري (1/ 474) و(2/ 321)، ومسلم رقم: (1079) واللفظ له.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((صفدت الشياطين)): أي: أوثقت وشدت بالأصفاد وهي الأغلال وفي بعض الروايات - كما ستأتي معنا -: ((وتغل فيه الشياطين)) وهو بمعنى سلسلت. فضعفت " قوتهم وعملهم بتصفيدهم فلم يستطيعوا أن يفعلوا في شهر رمضان ما كانوا يفعلونه في غيره ولم يقل: إنهم قتلوا ولا ماتوا، بل قال: ((صفدت)): والمصفد من الشياطين قد يؤذي لكن هذا أقل وأضعف مما يكون في غير رمضان فهو بحسب كمال الصوم ونقصه فمن كان صومه كاملًا دفع الشيطان دفعًا لا يدفعه دفع الصوم الناقص ". قاله شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (5/ 246).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)). أخرجه الترمذي رقم: (682)، وابن ماجه رقم: (1642) وصححه الألباني - رحمه الله.

♦ سيد الشهور:

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : "سيد الشهور رمضان". أخرجه البيهقي في الشعب رقم: (3638)، وابن أبي شيبة في المصنف رقم: (5509) وغيرهما وهو حسن لشواهده، وقد روي مرفوعًا ولا تصح وقد ضعفه البيهقي في الشعب وغيره. والله أعلم.

قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 80): " وخص بعض الأزمنة على بعض وبعض الأمكنة على بعض بخصائص مع تساويها فجعل ليلة القدر خيرًا من ألف شهر وجعل شهر رمضان سيد الشهور..".

♦ شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر:

قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1-5].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبشر أصحابه -: (( قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه يفتح فيه أبواب الجنة ويغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم)). أخرجه أحمد (2/ 385)، قال شعيب الأرناؤوط: "صحيح وهذا سند رجاله ثقات". وقال الألباني: "صحيح لغيره".

♦ أنزلت فيه الكتب:

عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع و عشرين خلت من رمضان)). أخرجه أحمد (4/ 107) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم: (1575).

♦ يعتق فيه أناس من النار:

تقدم معنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وفيه: ((..ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)).

وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( إن لله عز وجل عند كل فطر عتقاء )). أخرجه أحمد (5/ 256) وقال شيخنا مقبل رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (2/ 374): "الحديث حسن".

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن لله عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة)). أخرجه ابن ماجه رقم: (1643) وصححه الألباني رحمه الله.

♦ يكفر الذنوب:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر )). أخرجه مسلم رقم: (233).

♦ صيامه سبب للمغفرة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه )). أخرجه البخاري رقم: (38)، ومسلم رقم: (759).

ومعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إيمانًا واحتسابًا)) أي: تصديقًا بفرضيته، ورغبة في ثوابه، غير كاره ولا مستثقل، كما قال بعض أهل العلم. والله أعلم.

♦ قيامه سبب للمغفرة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه )).  أخرجه البخاري رقم: (37)، ومسلم رقم: (759).

♦ قيام ليلة القدر سبب للمغفرة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه )). أخرجه البخاري رقم: (1802).

♦ صيامه سبب لدخول الجنة:

عن سليم بن عامر قال سمعت أبا أمامة رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب الناس في حجة الوداع وهو على الجدعاء واضع رجله في غراز الرحل يتطاول يقول: (( ألا تسمعون)). فقال رجل من آخر القوم: ما تقول قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم؛ تدخلوا جنة ربكم )). قلت له: - سليم بن عامر -: فمذ كم سمعت هذا الحديث يا أبا أمامة؟! قال: وأنا بن ثلاثين سنة. أخرجه أحمد (5/ 251) وقال شيخنا مقبل رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (2/ 356): "هذا حديث حسن". وذكر حديث الترمذي بنحوه وحسنه. وبوب لهما: باب: وجوب صوم شهر رمضان.

♦ تتضاعف فيه الأعمال:

عن سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: ((.. من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه..)). أخرجه ابن خزيمة (1887) في صحيحه، وقال الألباني: " قلت: وهذا سند ضعيف من أجل علي بن زيد بن جدعان، فإنه ضعيف كما قال أحمد وغيره، وبين السبب الإمام ابن خزيمة فقال: " لا أحتج به لسوء حفظه ". ولذلك لما روى هذا الحديث في صحيحه قرنه بقوله: " إن صح الخبر ". وأقره المنذري في الترغيب (2/ 67) ". سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم: (871).

تنبيه:

ومن المتقرر عند العلماء المحققين أنه كما تعظم وتتضاعف الطاعات في الأيام المباركة والأمكنة المفضلة فكذلك المعاصي؛ فإنها تغلظ وتعظم عقوبتها بقدر فضيلة ذلك الزمان أو المكان. وانظر: على سبيل المثال: مجموع الفتاوى (34/ 180) والفتاوى الكبرى (3/ 412) لشيخ الإسلام. والله أعلم.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم