• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مقالات
علامة باركود

رمضان.. واسجد واقترب

رمضان.. واسجد واقترب
د. هاني درغام

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/5/2016 ميلادي - 9/8/1437 هجري

الزيارات: 7241

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رمضان .. واسجد واقترب

 

إن مِفتاحَ فلاح المرء وسعادته في الدنيا والآخرة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتحقيق العبوديَّة لله تعالى وحدَه والقرب منه؛ ذلك أن عبوديَّة المرء لله تُحرِّرُه من كافَّة صور الذل والخضوع لغيره سبحانه من آلهةٍ زائفة تُشتِّت فكره، وتُمزِّق قلبَه، وتتركه فريسةً للمخاوف والأوهام، والعبوديَّة الحقَّة هي الخضوعُ التامُّ، والاستسلام الكامل لله عز وجل من قلبٍ تعلَّق بحبِّه سبحانه؛ لما وجد في خالقِه من صفات الكمال والجلال والجمال ... فيُسارع إلى تنفيذِ أوامره، واجتنابِ نواهيه، والتزام شرعِه، واتِّباع هَدْيه ... هذا الاستسلامُ يحتاج إلى محطَّات متجدِّدة، وزاد دائم يُزكِّي النفس، ويسمو بها عن جواذبِ الطين، ويعينُها على تجاوز عقبات الطريق ومنعطفاتِه، هذا الزَّادُ هو العبادات التي كلَّف الله عز وجل عبادَه بها من صلاة وصيام وزكاة وحجٍّ وغيرها من العبادات، والتي من خلالها يُحقِّق المرء عبوديتَه لخالقِه، ويعلن خضوعَه واستسلامه، وشهر رمضان مدرسةٌ تربويَّة، وواحة روحيَّة يتلقَّى المؤمن من خلالها دروسًا جامعة في تحقيق الاستسلام لله تعالى، ويتدرَّب على مقاومة أهواء النفس ومدافعةِ وساوس الشيطان، ويكتسب قوةَ الإرادة، وصلابة العزيمة، وعلوَّ الهمة، فيتخرَّج من هذه المدرسة وقد أصبح عبدًا ربانيًّا، يمتثل أوامرَ مولاه ويجتنب نواهيه، يسارع إلى الطاعاتِ ويُسابِقُ إلى الخيرات، يَجِد سعادتَه وراحتَه وأُنسَه في القرب من مولاه ومناجاته ومرضاته، ولعل شهرَ رمضان من النَّفحات العَطِرة التي تمنح المؤمنَ فرصةً ثمينة لتشييد بُنيان العبوديَّة، وترسيخ قواعدِه عبرَ أسسٍ متعدِّدة، نذكر منها ستة:

1- ثمرة التقوى: التقوى هي الغايةُ من جميع العباداتِ، وثمرتُها التي يقطفُها المؤمن، وهي الميزانُ الدَّقيق الذي يَزِن به العبدُ مدى استسلامِه لربِّه وخضوعه له ... إذًا فلا عجبَ أن تكون الغايةُ الرئيسيَّة من صوم رمضان هي التقوى كما أخبرنا الله تعالى في كتابه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

والتقوى يَقظَة قلبٍ سجد في محرابِ الخشية، وتذوَّق حلاوةَ المراقبة، فآثر محابَّ الله على محابِّه، وطاعته على شهواته؛ فانقادت الجوارح طاعةً وامتثالًا لله عز وجل؛ طمعًا في رضا مولاه، وخوفًا من عقابه.

 

ومن أجمل الأقوال وأوفاها في تعريف التقوى ما ذكرَه التابعيُّ طلقُ بنُ حبيبٍ رحمه الله؛ إذ سئل عن التقوى فقال: (أن تعمل بطاعةِ الله، على نورٍ من الله؛ ترجو ثوابَ الله، وأن تتركَ معصيةَ الله، على نور من اللهِ؛ تخاف عقاب الله)[1].

 

(إن مَن تأمَّل كلمةَ (التقوى) التي عبَّر بها القرآن في حكمة الصيام، يجدها منطويةً على شطرين: ففي شطرها الأول: كفٌّ وانتهاءٌ، وابتعادٌ واجتناب، وفي شطرها الثاني: إقبالٌ واقتراب، وإنشاءٌ وبناء، فليس الشأن في أن يغلقَ الصائم منافذَ حسِّه، ويُسكِت صوت الهوى في نفسِه؛ فذلك إنما يُمثِّل إغلاقَ منافذ النيران، ولكن الشأنَ الأعظم في أن يكون إغلاقُ منافذ الحس فتحًا لمسالكِ الروح، وأن يكون إسكاتُ صوت الهوى تمكينًا لكلمة الحقِّ والهدى في النفس؛ فتلك هي مفاتيحُ أبواب الجنان)[2].

 

2- تربية الإرادة: من أكثرِ الآفات التي تُضعِفُ سيرَ القلبِ إلى الله وتَعوقُه عن تحقيق عبوديَّته - ضعف الإرادة؛ فهي تجعلُ النفس ضعيفةً أمام إغراء الشهوات والمغريات، عاجزةً عن صدِّ هجمات الشيطان أو الصمود أمام الضرباتِ، لا تقوَى على طرق باب التوبةِ كلما شردت عن الصراط، أو سقطَتْ في مستنقع السيئات ... من هنا كان للصوم دورٌ عظيم في تقوية هذه الإرادةِ عبر فطام النفس عن الشهوات، والخروج عن المألوفات والعادات ... فالصائمُ يمتنع عن الطعام والشراب والشهوات فترةً معيَّنة، يتمرَّن فيها على ترك ما هو ضروريٌّ لوجوده، فيسهلُ عليه تركُ المعاصي والمنكرات، وهي ليست من ضروريات وجودِه؛ فيتخرَّج في مدرسة الصوم وقد امتلك إرادةً قوية تصمد أمام طوفانِ المُغريات، وتجاهد سيِّئ العادات، وتحاربُ الكسلَ والخمول، وتتخلَّص من السلبيات.

 

وهذا ما يُؤكِّده د. مصطفي زيد فيقول: (الصومُ إعدادٌ للإرادة، وتسليح لها؛ حتى تكون قادرةً على الانتصار في معاركِها المُستمرَّة مع البدن؛ فإن الجسمَ بحاجاته المتجدِّدة يحاول دائمًا أن يقهرَ الإرادة، وأن يخضعَها لقانونِه، والإرادةُ الإنسانية بنَزْعتِها إلى السموِّ حريصةٌ دائمًا على أن ترفع معها الجسمَ إلى عالمها، وأن تبدِّلَه بحيوانيَّته المادِّية إنسانيةً مشرقة، وبين حاجاتِ البدن الكثيفة ونَزْعة الإرادة الساميةِ، يجدُ الصيامُ مكانَه في نصر الإرادةِ على البدن، وفي السموِّ بإنسانيَّة الإنسان على حيوانية الغرائز)[3].

 

3- درع الصبر: لا أتخيَّل إنسانًا يستطيع أن يواجهَ فتن السرَّاء والضراء بدون الاحتماء بدرع الصبر؛ فـ(الصبرُ قوة خلقية من قوى الإرادة، تُمكِّن الإنسان من ضبط نفسه لتحمُّل المتاعب والمشقات والآلام، وضبطها من الاندفاع بعواملِ الضجر والجزع، والسأم والملل، والغضب والطَّيْشِ، والخوف والطمعِ، والأهواءِ والشهواتِ والغرائز)[4].

 

ورمضان شهر الصبرِ؛ لما فيه من حبس النفسِ عن المفطِّراتِ المادِّية والمعنوية؛ فحبس النفس عن شهواتها وملذَّاتها في أيام شهرٍ كاملٍ فيه تدريبٌ لها على اكتساب الصبر، فالمؤمن لا يستغني عن الصبرِ في جميع أحوال حياتِه؛ فهو إما في طاعةٍ يحتاج إلى الصبرِ على أدائها ومقاومة نوازع الكسل والفتور ... أو في معصيةٍ يُزيِّنها له الشيطان وتُغريه بها نفسُه الأمَّارة؛ فيحتاج إلى الصبر والصمود، أو في بَليَّة يُصابُ بها فيصبر على آلامِها، ويقاوم رغبةَ النفس في الشكوى والجَزَع والسخط ... أو في نعمة فيصبر على شكرِها، واستخدامها فيما يحبُّ الله ويرضى، وينجح في النجاة من السقوط في فخِّ البَطَر والاغترار بها، ويكفي في عِظَم جزاء الصبر ما ذكره الله تعالى في كتابه: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، فيا له من مقامٍ كريم ومنزلةٍ سامقة تتشوف إليها الأبصار والقلوب!

 

4- أسوار المراقبة: ما الذي يحمي المؤمنَ من الانزلاق في مستنقع الشهواتِ، والسقوط في حبائل الشيطان؟ ما الذي يدفعُ العبدَ لمحاسبة نفسه وتقويمها، وسدِّ الخَلل فيها وإصلاحها؟

إنها المراقبة، نعم شعورُ القلب اليَقِظ بدوام اطِّلاع ربِّه عليه في جميع أحواله ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]، مُطَّلع على خواطره وأفكاره، حركاته وسكناته، أقوالِه وأفعاله؛ مما يدفعه للحذر والتوقِّي من كلِّ ما يغضب مولاه ويسخطه.

 

وبين الصيام والمراقبةِ صلةٌ وثيقة؛ فالصوم في الحقيقة سرٌّ بينَ العبد وربِّه، لا يَطَّلِعُ على حقيقته إلا الله، فالصائمُ بوُسْعِه أن يَدَّعيَ الصيام أمامَ الناس، ثم هو يأكل ويشرب في الخفاءِ، ولا يعلمُ بأمرِه إلا اللهُ، ولكن لأنه يراقبُ اللهَ لا يفعلُ، ولا يزال الصومُ يُقوِّي من صفة المراقبةِ حتى تصيرَ مَلَكةً من المَلَكات النفسيَّة، وإذا صارت مَلَكةً راسخةً، تحكَّمت في سلوك الإنسان، ووجَّهته إلى المسارعة للخيرات، والإحجام عن المنكرات، فكلما أمرَتْه نفسُه الأمَّارة بالسوء بمنكر، تذكَّر رقابةَ الله تعالى واطِّلاعه عليه؛ فعاد إلى رشدِه، وآثَرَ رضا ربِّه.

 

ويَجدُرُ بنا أن نشيرَ إلى أمر هامٍّ، وهو أن كثيرًا من الصائمين يراقبون اللهَ تعالى في صيامهم من جهة الأكلِ والشرب وسائر المُفطِّرات الحسية، ويُشدِّدون على أنفسِهم في ذلك حتى تجدَهم يسألون عن قطرة العينِ والأنفِ والأذن، وعن الغُبار والدخان والطِّيبِ: هل هي من المُفطِّرات؟ ويجتنبونها؛ احتياطًا لصومِهم، ولكنهم لا يَتَّقون اللهَ تعالى ولا يراقبونه فيما يُخِلُّ بالصوم، أو يُذهِبُ أجرَه؛ كالغِيبة والنَّميمة، والزور والبهتان، والنظر إلى المحرَّمات وسماعِها، وهذا من أعظم الخَلَل في فهم حقيقة الصوم.

 

5- الانتصار على الشيطان: أحدَ عشرَ شهرًا لم يَسلم المؤمنُ من وساوس الشيطانِ وسهامِه المسمومة؛ فالحرب سِجالٌ، والمعركة حاميةُ الوطيسِ، والأيام دُوَل، فتارةً تكون الغَلبة للمؤمن، وتارةً أخرى تكون للشيطان، ورمضان فرصةٌ عظيمة للثَّأْرِ من الشيطان، واسترداد الإيمان المسلوب، أَوَتدري لماذا؟ لأن الشياطين مُصفَّدة في رمضان، كما أخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام: ((إذا دخل رمضانُ، فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقَتْ أبواب جهنم، وسُلْسِلَتِ الشياطينُ))[5]؛ فيا لها من نعمةٍ كبرى، ومِنَّة عظمى؛ أن أراح اللهُ عز وجل العبادَ من وساوس الشياطين وإغوائهم في هذا الشهر الكريم!

فكم زيَّن الشيطان من مُوبقات، وكم أوقعَكَ في حبائلِ الهوى والشهوات، وكم أغرَقَك في حَمْأةِ المعاصي والسيئات، وكم ثبَّطك عن فعل الخيرات، وكم خدَعَك بالوعودِ الكاذبةِ والأمنيات!

فتصفيدُ الشياطين ومَرَدةِ الجنِّ في شهر رمضان مساعدٌ للمؤمنين الصائمين على الطاعة، والابتعاد عن المعاصي، وليس قاطعًا لكل دوافعِ الإنسان إلى المعصية.

 

أخي، أمامك في رمضان فرصةٌ ثمينة للثأر من الشيطان والانتصار، وذلك عبر:

• توبة صادقة تمحو أثرَ الرَّانِ، وتعيدُ لقلبِك حيويَّة الإيمان، توبة طالما حرَمك الشيطانُ منها، ودعاك للتسويفِ تارة، وأغرَقَك في أمواج اليأس من رحمة مولاك تارةً أخرى.

• تشييد جسرٍ من الطاعات: (صلاة وقيام ليل - صلة رحم - إنفاق - طلب علم - دعوة إلى الله - ذكر واستغفار ودعاء و...)؛ يحميك من الانزلاق في أَتُّون المعاصي والسيئات، ويكون بمثابة حواجزَ ودروع أمام هجمات الشيطان المتوقَّعة بعد انقضاء رمضان.

• اكتساب مَلَكة الصبر وقوة الإرادة، وهما من أهمِّ الأسلحة المضادة في مقاومة غزوات الشيطان وصيانة النفس من الاستجابة لإغرائه.

• التدريب على الإخلاص سفينة النجاة وصمام الأمان للمؤمنِ؛ يُحرِّره من أهواء النفس وحظوظها، ويحميه من جراثيمِ الرياء وميكروبات العُجْب والغرور؛ فيا لها من فرصةٍ عظيمة لا يقدرها حقَّها إلا من اكتوى بنيران الشيطانِ، وعانى كثيرًا من جراحات الذنوب والآثام!

 

6- صحبة القرآن: خشوع واستسلام: القرآنُ هو دليلُ المؤمن في رحلته في هذه الحياة، يُعرِّفه بوظيفته وحكمةِ خلقه، ويكشفُ له إمكاناته وقدراتِه التي تعينُه على أداء وظيفته، ويُحذِّره من أعدائه الذين يتربَّصون به ليصرفوه عن وظيفته، ويرسمُ له معالمَ الطريق في هذه الرحلة، ويُحدِّد له المصيرَ بعد الموت، وشهر رمضان هو شهرُ نزول القرآن، كما قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].

 

وبين الصوم والقرآنِ ارتباطٌ وثيقٌ بيَّنه النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ((الصيامُ والقرآن يشفعان للعبد يومَالقيامة، يقولُ الصيام: أَيْ ربِّ، منعتُه الطعامَ والشهوات بالنهار؛ فشفِّعني فيه، ويقولالقرآن: ربِّ، منعتُه النومَ بالليل؛ فشفِّعني فيه؛ فيشفعان))[6]، فالمؤمن يُقبِلُ على كتابِ الله - تلاوةً وتدبُّرًا - ينهل من مَعِينه، ويهتدي بأنوارِه، ويبحث عن دواء وشفاء لآفات قلبِه، ويُفتِّش عن نسمات أُنسٍ وسكينة تَقِيه وَحْشةَ النفس، وخَواءَ الروح ... إن طول فترة مصاحبةِ القرآن في هذا الشهر(ثلاثين يومًا) يُعيد إلى النفس صفاءها، ويُزيلُ ما عَلِق بها من أدرانِ الشهوات، ويُطهِّرها من جنابة الغفلات، ولكن لكي تؤتي مجالسةُ القرآن هذه الثمارَ اليانعة لا بدَّ من التدبُّر[7]؛ ألم يَقُل الله عز وجل في كتابه: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]؟ يقول الشيخ السعدي رحمه الله: (يأمرُ تعالى بتدبُّر كتابه؛ وهو التأمُّل في معانيه، وتحديقُ الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبِه ولوازم ذلك؛ فإن تدبُّر كتابِ الله مفتاحٌ للعلوم والمعارف، وبه يُستنتَجُ كلُّ خير، وتستخرج منه جميعُ العلوم، وبه يَزداد الإيمانُ في القلب، وتَرسخُ شجرتُه؛ فإنه يعرِّف بالربِّ المعبود، وما له من صفات الكمال، وما يُنزَّهُ عنه من سمات النقص، ويعرِّف الطريقَ الموصلة إليه، وصفة أهلها، وما لهم عند القدومِ عليه، ويعرِّف العدوَّ الذي هو العدو على الحقيقة، والطريقَ الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وما لهم عند وجودِ أسباب العقاب)[8] وهكذا.

 

فالمؤمن يَتنزَّهُ في روضات القرآن، ويتنقَّل بين سوره؛ يتنسَّمُ عبيرَها، يقطف من ثمارها، يتنعَّم بمناجاة الله عز وجل، يَستشعِرُ أنه المُخاطَبُ بالآيات، وقد وُجِّهت إليه التكليفات، يَستحضر في خاصَّة نفسِه أن الله يأمرُه وينهاه، يُوجِّهه ويَزجُرُه، يُبشِّرُه ويُحذِّرُه، يستحضر في كلِّ ذلك أنه يراه وينظرُ إليه ويراقبُه، يَستحضرُ آياتِ القرآن وهو يواجِهُ تحدِّيات الحياة وهمومها ومشكلاتها التي لا تنتهي ولا تتوقَّفُ، فتُسكَبُ في قلبه حلاوةُ الإيمان، وبَردُ اليقين، وروعةُ الأنس بالله والثقة فيه، والتوكل عليه ...؛ فيدخل جنَّةَ العبوديةِ، ويتنعَّم في ظِلالها الوارفةِ، ويتلذَّذ بثمارها الشهيَّة، وعندها يُولَد المرء من جديد؛ تتغيَّر الأفكار والاهتمامات، وتتبدَّل الطموحاتُ والأمنيات، ويُصبِحُ رضا الملك عزَّ وجل والفوز بالجنة هي الغايةَ الكبرى، والهدفَ الأسمى ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ [الصافات: 61].

 

وهكذا يتخرج المسلم في مدرسة رمضانَ مُتشبِّعًا بالاستسلام والانقياد لله في كلِّ شؤون حياته، في الصغيرِ والكبير من أموره، رافعًا شعار: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]؛ فينضم إلى رَكْب المؤمنين الصادقين ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]، فيا لسعادةِ المؤمنين بفوزهم برضوانِ الله العظيم! ويا لقُرَّة أعينهم بما ينتظرُهم من نعيم وتكريمٍ!



[1] الرسالة التبوكية؛ لابن القيم.

[2] الصوم تربية وجهاد (ص: 54)؛ تحقيق: الشيخ أحمد فضلية.

[3] منهج الإسلام في تربية الإرادة.

[4] الأخلاق الإسلامية وأسسها (2/305)؛ الشيخ عبدالرحمن حبنَّكة الميداني.

[5] متفق عليه: البخاري (3277)، مسلم (1079)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[6] رواهأحمد في مسنده (6626)، والطبراني في الكبير (14672).

[7] من الكتب القيمة في هذا المجال: كتاب (تدبر القرآن)؛ سلمان بن عمر السنيدي - من إصدارات مجلة البيان.

[8] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (1 /330).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حال السلف في رمضان
  • رمضان بداية للحلال
  • رمضانُ وفرصةُ التغيير
  • رمضان يحاضر
  • خطبة رمضان
  • واسجد واقترب (خطبة)
  • هيا اقترب

مختارات من الشبكة

  • واسجد واقترب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علمني رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • إشراقة أمل (15)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • "رمضان ليس من أجل رمضان، رمضان من أجل بقية السنة"(مقالة - ملفات خاصة)
  • واقترب رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • حال السلف في رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فانوس رمضان ( قصة قصيرة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • هيا بنا نستقبل رمضان؟ (استعداد)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • انتصف رمضان فاحذر!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شهر رمضان شهر مبارك وشهر عظيم(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب