• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / مقالات
علامة باركود

أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل تعظيم الأشهر الحرم (خطبة)

أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل تعظيم الأشهر الحرم
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/5/2025 ميلادي - 8/11/1446 هجري

الزيارات: 199

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أثرُ الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل تعظيم الأشهر الحرم

 

الخطبة الأولى

 

(إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونستعينُهُ، مَنْ يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأنَّ محمداً عبدُهُ ورَسُولُهُ) صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وأَحْسَنَ اللهُ عاقِبَتَنا في الأُمورِ كُلِّها، وأجارَنا ووالدينا وأهلينا مِن خِزيِّ الدُّنيا وعذابِ الآخرةِ، آمين.


أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ واستَعِدُّوا لليومِ الآخِرِ، واعلم عبدَ اللهِ أنَّ إيمانَكَ لا يَتِمُّ حتى تُؤمِن باليومِ الآخرِ وبالبَعْثِ، وما يكونُ في ذلكَ اليومِ مِن العَرْضِ والحِسابِ والجَزاءِ والعِقابِ والجنَّةِ والنارِ، وإيمانُكَ به إيِمانٌ بالغيبِ الذي مَدَحَ اللهُ المؤمنين بهِ وجَعَلَهُم مِن المُفلحين، فقالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، ‌وتَبَارَكَتْ ‌أَسْمَاؤُهُ: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 1 - 5]، وقال صلى الله عليه وسلم: (الإِيِمَانُ ‌أَنْ ‌تُؤْمِنَ ‌باللهِ ‌وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَلِقَائِهِ، وَتُؤْمِنَ بالْبَعْثِ الآخِرِ) رواه البخاريُّ ومُسلمٌ، وقال الله عن المشركينَ الْمُنكرِينَ للبعثِ والْحَشرِ: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ﴾ [النحل: 38]، فَرَدَّ اللهُ عليهمِ: ﴿ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 38].


ومِن ضِمْنِ إِيِمانِكَ بالغَيْبِ: أنْ تُؤْمِن بكتابِ أعمالِكَ، الذي وكَّلَ اللهُ لَكَ مَلَكَيْنِ كَرِيِمَيْنِ يَكْتُبانِ كُلَّ أَعْمَالِكَ، الحَسَنة والسيِّئة، قال عَزَّ وجَلَّ: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقال سُبْحانَهُ وبحمده: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12]، قال ابن كثير: (يعني: وإن عليكم لملائكةً ‌حَفَظةً ‌كرامًا فلا تُقابلوهم بالقبائحِ فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم) انتهى.


وأنْ تُؤْمِنَ عبدَ اللهِ بأنكَ ستجدُ كتابكَ يومَ القِيامةِ منشوراً، قال رَبُّنا تَعَالَى ‌وَتَقَدَّسَ: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13، 14].


عبدَ اللهِ: لقد ذكَرَ الله في القرآنِ العظيمِ كتابَكَ المنشور في السُّورِ التاليةِ حَسَبَ ترتيبِ النُّزولِ: في سورةِ التكويرِ ثمَّ (ق)، ثمَّ الإسراء، ثمَّ الزُّمَر، ثمَّ الجاثية، ثمَّ الكهف، ثمُّ الأنبياء، ثُمُّ المؤمنون، ثمَّ الحاقة، ثمَّ النبأ، ثمَّ الانفطار، ثمَّ الانشقاق، ثمَّ المطَّفِفين، والْمُرادُ بالْمَنشورِ: غير الْمَطْوِي الذي يظهر جميع ما فيه، قال ابنُ فارس: (نَشَرْتُ الكِتَابَ ‌خِلافَ ‌طَوَيْتُهُ) انتهى.


عبدَ اللهِ: لقد خلقَكَ اللهُ في أحسنِ تقويم، فَجَعَلَكَ سميعاً بصيراً، ليبتلِيَكَ أتختارُ الصراطَ المستقيم، أم تنحرفُ فلا تكون من الشاكرين، قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2]، وقال سبحانه وبحمده: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]، ومن المعلوم أن بعد الابتلاء جزاءٌ ومحاسبة، واللهُ تعالى علاَّمُ الغيوب، لا تخفى عليه خافية، ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، ومع ذلكَ خصَّصَ لَكَ ولكلِّ عَبْدٍ كِتاباً يُحصي فيه الكَتَبَةُ الكرامُ عليهم السلامُ أعمالَكَ كُلَّها، قال تعالى: ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [المؤمنون: 62]، قال الشوكانيُّ: (وفي هَذَا تَهْدِيدٌ لِلْعُصَاةِ ‌وتَأْنِيسٌ ‌لِلْمُطِيعِينَ مِنَ الْحَيْفِ والظُّلْمِ) انتهى.


والمرادُ بالكتاب: صحائف الأعمال التي سنقرئها عند الحساب، يَنْطِقُ بالحقِّ الْمُطابقِ للواقعِ على ما هو عليهِ، فيُظهِرُ جلائلَ الأعمالِ ودقائِقَها، ويترتب عليها الجزاء، إنْ خيراً فخير، وإن شرَّاً فشر، ونحنُ لا نُظلم، والله هو ذو الفضل العظيم، يُجازينا على أَتَمِّ وجهٍ بقدرِ أعمالِنا التي نَطَقَت بها صَحَائِفُنا بالحقِّ.


وقال عَزَّ وجلَّ في سورةِ الجاثيةِ: ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29]، قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: (إن الله خلَق النونَ وهي الدَّواةُ وخلَق القَلَمَ، فقال: اكتبْ، قال: ما أكتبُ؟ قال: اكتبْ ما هو كائنٌ إلى يوم القيامةِ مِن عَمَلٍ مَعْمُولٍ؛ بِرٍّ أو فُجورٍ، أو رِزْقٍ مقسومٍ؛ حلالٍ أو حرامٍ، ثمَّ ألزَم كلَّ شيءٍ من ذلك شأنَه: دخولَه في الدنيا، ومُقامَه فيها كَمْ؟ وخروجَه منها كيف؟ ثم جَعَل على العبادِ حَفَظَةً، وعلى الكِتَابِ خُزَّاناً، فالحفظةُ يَنْسَخون كلَّ يومٍ مِن الْخُزَّانِ عَمَلَ ذلك اليومِ، فإذا فَنِيَ الرِّزقُ وانقطَعَ الأثرُ وانقَضَى الأجلُ، أتَتِ الحفظةُ الخزنةَ يطلبون عَمَلَ ذلكَ اليومِ، فتقولُ لَهم الْخَزَنةُ: ما نَجدُ لصاحبِكم عندَنا شيئاً، فترجعُ الْحَفَظةُ فيجِدونهم قد ماتوا، قال: فقال ابنُ عباسٍ: ألستُم قوماً عَرَباً؟ تسمعون الحَفَظةَ يقولون: ﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29]، وهل يكونُ الاستِنساخُ إلاَّ مِن أصلٍ) رواه ابن جريرٍ بسند صحيح.


وقال تعالى: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ﴾ [النبأ: 29]، قال ابنُ جرير: (يقولُ تعالى ذكرُه: وكلُّ شيءٍ أَحْصَيْناه فكتَبْناه كِتابًا؛ كَتَبْنا عَدَدَهُ ومبلَغَه وقَدْرَه، فلا يَعْزُبُ عنَّا عِلْمُ شيءٍ منه) انتهى.


وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴾ [ق: 17]، فالْمَلكانِ مُتَرصِّدانِ لكلِّ ما تعملُه، يَكْتُبانه ولا يَترُكان كلمةً ولا حَرَكة، وقال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، قال ابنُ جرير: (ما يَلْفِظُ الإنسانُ من قولٍ، فيَتَكَلَّمُ به، إلا عندَ ما ‌يَلْفِظُ ‌به ‌من ‌قولٍ، ﴿ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾، يعني: حافظٌ يَحْفَظُه، عَتِيدٌ مُعَدٌّ) انتهى.


و(عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌إِنَّ ‌صَاحِبَ ‌الشِّمَالِ ‌لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلاَّ كُتِبَتْ وَاحِدَةً») رواه الطبرانيُّ في الكبير وحسَّنه الألباني، وقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (‌أَكْرِمُوا ‌الْكِرَامُ ‌الْكَاتِبِينَ الَّذِينَ لا يُفَارِقُونَكُمْ إِلا عِنْدَ إِحْدَى حَالَتَيْنِ: الْجَنَابَةِ وَالْغَائِطِ، فإذا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ بِجَرْمِ حائطٍ أو ببعيرِه، أو ليستره أخوه) رواه ابن أبي حاتم ورجالهُ ثقاتٌ إلا أنه مُرسل، قال ابنُ كثير: (وَمَعْنَى إِكْرَامِهِمْ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْهُمْ، فَلا يُمْلِي عَلَيْهِمُ الأَعْمَالَ الْقَبِيحَةَ الَّتِي يَكْتُبُونَهَا، فَإِنَّ اللهَ خَلَقَهُمْ كِرَامًا في خَلْقِهِمْ وأَخْلاقِهِمْ) انتهى.


عبدَ اللهِ: لقد أَخْبَرَنا ربُّنا تبارك وتعالى بمكانِ هذا الكتاب المنشورِ فقال: ﴿ إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴾ [المطففين: 18]، وقال: ﴿ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴾ [المطففين: 7]، والسِّجِّينُ كما قال اللهُ عزَّ وجلَّ: (اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ في الأَرْضِ السُّفْلَى) رواه الإمام أحمد وصححه محققو المسند.


عبدَ الله: وأمَّا عن زَمَانِ نشرِ هذا الكتابِ وتوزيعهِ؟ فقد قال ربُّنا تبارك وتعالى عند ذكر بعض علاماتِ القيامة: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾ [التكوير: 10]، لأنها تُطوى عند الموتِ وتُنشرُ عِندَ الحِساب، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ ﴾ [الإسراء: 13، 14]، فيقرأ كلُّ واحدٍ مِنَّا كتابَه مِن قارئٍ وأُمِّيٍّ، ويَعرفُ مصيرَهُ، ﴿ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 14]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ ﴾ [الزمر: 69]، أي وُضِعَ الكتابُ الذي فيه أعمالُ بني آدم للحِسابِ والْمُجازاةِ فآخذٌ بيمينهِ وآخذٌ بشمالِه، وحينما يأتي موعدُ الْمُجازاة نُدعى جميعاً إلى كُتُبِنا، قال عزَّ وتقدَّس: ﴿ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 28، 29]، فيستبشرُ المؤمن، ويُنادَى بفوزِ فُلان، ويُنادي حين يأخذ كتابه بيمينه ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19]، سروراً وابتهاجاً لِما يَرى في كتابهِ من الخيراتِ، ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 20] لأنه كان مُؤمناً بالبعث، وأمَّا الْمُجرِمُ فيقول مُتحسِّراً: ﴿ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ [الكهف: 49]، فيُنادي بالويلِ والهلاكِ ﴿ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ﴾ [الانشقاق: 11]، ويَتمنَّى ويُنادي: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 25]، ويَتمنَّى أن لو كان معدوماً، ﴿ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 26]، لأنَّ كتابه عليه لا له، ﴿ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴾ [الحاقة: 27]، أي الموتة التي ماتها في الدُّنيا ولم يُبعث للحِساب، وبعد ذلك ينقسم الخلائق إلى فئتين، ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ [الروم: 14]، ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [الأنفال: 37]، قال تعالى ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا ﴾ [الانشقاق: 7 - 12].


اللهُمَّ حاسبنا ووالدينا وأهلينا حِساباً يسيراً، آمين.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: فتذكَّر يا عبدَ اللهِ كتابَكَ الذي سيُنشر يوم القيامةِ، وراقِب نفْسَكَ كَما يُراقِبُكَ الكتبةُ الكرامُ الحافظين، وتُحاسِبَ نفْسَكَ قبلَ أن يَفْجَأكَ يومُ الْحِساب، واجعل كتابكَ المنشور أمام عينيكَ، كتابُكَ الذي أحصى كُلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ ليكون أوقعَ في نفسِكَ وأدْعَى لتذكُّرِكَ واعتبارِك، فابتعد عن الْمُعوِّقات، وتحرَّز مِن الوقوع في الْمَزالِقِ، وألا تستمع لهواتِفِ الشرِّ ومُزيِّني الرَّذيلةِ والانحراف، لتكون إن شاء اللهِ مِن الفريقِ الذي هدى الله، وتنجوا إن شاء الله مِن الفريق الذي حَقَّ عليهم الضلالة.


وتذكَّرُوا عبادَ اللهِ أنَّ جُمُعَتَنا هذه هيَ أوَّلُ جُمُعةٍ في الأشهُرِ الْحُرُمِ التي نصَّ القرآنُ عليها في الْجُمْلَةِ، وبيَّنها الرَّسُولُ الأمينُ عليه الصلاةُ والسلام، قال عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الزَّمانَ قدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يومَ خَلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأرضَ، السَّنَةُ اثنا عَشَرَ شَهْراً، منها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وذُو الْحِجَّةِ والْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الذي بينَ جُمَادَى وشَعْبَانَ) رواه البخاريُّ ومسلم، فحذَّر سُبحانَه مِن ظُلْم النُّفوسِ فيها، ومعلومٌ أنَّ ظُلْمَ النفوسِ أمرٌ مُحرَّمٌ مُطلقاً في جميعِ الأزمنةِ والأمكنةِ، ليسَ للمُؤمنِ وليسَ لأحدٍ أنْ يَظْلِمَ نفْسَهُ بالمعاصي والشُّرورِ، وليسَ لأحدٍ أنْ يظلمَ غيْرَهُ لا في الأشهر الْحُرُم ولا في غيرِها ولا في أيِّ مكانٍ، ولكنَّ اللهَ خَصَّ الأشهُرَ الْحُرُمَ بمزيدِ تأكيدٍ للتحريمِ، وأنَّ الظُّلْمَ فيها يكونُ أَشدَّ إثماً وأعظمَ جريمةً، ومِن تعظيمِكَ لربِّ العالمينَ سُبحانه وتعالى: أنْ تُعظِّم ما عظَّمه، بل ذلكَ مِن أماراتِ خيريَّتِكَ وتقواكَ، كما قال سُبحانه وبحمده: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]، ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، فمِن أعظم ما تُعظَّم به الأشهر الْحُرُم: الكفُّ فيها عن المعاصي، ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]، قال ابنُ جريرٍ: (معناهُ ‌فلا ‌تَعْصُوا ‌اللهَ ‌فيها، ولا تُحِلُّوا فيهنَّ ما حَرَّمَ اللهُ عليكم، فتُكْسِبُوا أنفسَكُم ما لا قِبَلَ لَها بهِ مِن سَخَطِ اللهِ وعقابهِ) انتهى.

 

والأزمنةُ الفاضلةُ تُعظَّمُ بالصيامِ، و(قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ‌أَفْضَلُ ‌الصِّيَامِ ‌بَعْدَ ‌رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم للباهلي: (‌صُمْ ‌مِنَ ‌الْحُرُمِ واتْرُكْ، ‌صُمْ ‌مِنَ ‌الْحُرُمِ واتْرُكْ، ‌صُمْ ‌مِنَ ‌الْحُرُمِ واتْرُكْ) رواه أبو داود وجوَّده الساعاتي، قال الشوكاني: (فيهِ دليلٌ على مَشرُوعِيَّةِ صَوْمِها.. ولكِنَّهُ يَنبغي أنْ لا يُسْتَكْمَلَ صَوْمُ شَهْرٍ مِنها ولا صَوْمُ جَمِيعِها) انتهى، و(عنْ سَالِمٍ أنَّ ابْنَ ‌عُمَرَ ‌كانَ ‌يَصُومُ ‌أَشْهُرَ الْحُرُمِ) رواه عبد الرزاق بإسنادٍ صحيح، قال ابنُ رَجَبٍ: (وقد كان بعضُ السلَفِ يصومُ الأشهرَ الْحُرُمَ كلّها، منهم ابن عمر، والحسنُ البصري، وأبو إسحاق السّبيعيّ) انتهى، قال النووي الشافعي: (قال أصحابُنا: ومِن الصومِ ‌الْمُستحبِّ ‌صومُ ‌الأشهُرِ ‌الْحُرُم) انتهى، وقال أيضاً: (فأما من لا يشق عليه ‌فصومُ ‌جميعها ‌فضيلة) انتهى، وقال أبو الطاهر التَّنوخي المالكي: (ومِن الْمُرغَّب فيهِ صوم الأشهر الْحُرُمِ) انتهى، وقال ابنُ الجوزي الحنبلي: (‌يُسْتَحَبُّ ‌صوْمُ ‌الأشْهُرِ الحُرُمِ) انتهى.

 

اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وأَنْ تَغْفِرَ لنا وتَرْحَمَنا، وإذا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فتَوَفَّنا غَيْرَ مَفْتُونين، ونسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلى حُبِّك، آمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأشهر الحرم وتعظيمها
  • الأشهر الحرم والإصلاح الشامل
  • تفسير: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)
  • الأشهر الحرم
  • تذكير الأنام بحرمة الأشهر الحرم
  • الأشهر الحرم: خصائصها وأحكامها (خطبة)
  • خطبة: الأشهر الحرم

مختارات من الشبكة

  • مفهوم الأثر عند المحدثين وبعض معاني الأثر في القرآن(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في توجيه السلوك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في تحقيق الأمن النفسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كتاب تهذيب الآثار: أثر من آثار الطبري في خدمة السنة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • اترك أثرا إيجابيا (10) حلقات مختصرة في أهمية ترك الأثر الإيجابي على الآخرين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • اترك أثرا إيجابيا: عشر حلقات مختصرة في أهمية ترك الأثر الإيجابي على الآخرين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أثر سلبي وأثر نافع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة العين والأثر في عقائد أهل الأثر (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب