نذر الطاعة

أولًا: نحمد الله تعالى على سلامتك، ونسأل الله أن يرزُقنا وإياك العفو والعافية، واعلم أن النذر لا يردُّ من قدر الله شيئًا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وقال: ((إنه لا يرد شيئًا، ولكنه يُستخرَج به منَ البخيل))[1]، وفي رواية: ((إنه لا يأتي بخير، وإنما يُستخرَج به من البخيل))[2].

ثانيًا: بالنسبة لقولك: "يا رب، إن أجريتُ الفحص وتبيَّن أني سليم معافًى، سأجعل جزءًا من راتبي صدقةً دائمة"، ثم تبيَّن بعد الفحص أن صاحب هذا القول صحيح معافًى - فالذي يظهر أن هذا نذرُ طاعةٍ يجب الوفاء به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من نَذَرَ أن يطيع الله فلْيُطِعْهُ، ومن نذر أن يعصيَ الله فلا يعصِه))[3].

ثالثًا: من لم يستطع الوفاء بالنَّذر، فيلزمه كفارةُ يمينٍ؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ومن نذر نذرًا لا يطيقه، فكفارته كفارة يمين)) [4]، قال ابن قدامة: "من نذر طاعةً لا يُطيقها أو كان قادرًا عليها، فعجز عنها، فعليه كفارة يمين"[5]، وسُئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: مَن نذرَ ولم يستطع الوفاء بنذره، فماذا يجب عليه؟

فأجاب: "هذا فيه تفصيل: إنْ نَذَرَ طاعةً فعليه أن يُوفِّيَ بها؛ كأن ينذر صلاة أو صومًا، أو نحو ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نذر أن يطيع الله فليُطعه))[6]، أما من نذر مكروهًا كأن يقول: لله أن يصوم سنة كاملة أو يصوم الأبد، هذا نذر مكروه لا ينبغي، فعليه كفارةُ يمينٍ عن هذا الشيء.

أما إن نذر نذرًا لا يطيقه بأن قال: لله عليه أن يتصدق بمليون ريال، وهو ما يستطيع مليونًا ولا ما يقارب مليونًا، فعليه أن يكفِّر كفارة يمين، هذا إذا كان لا يطيق ذلك ولا يظنُّ أنه يطيق ذلك، فإن كان يمكن أن يحصل ذلك، يكون دَيْنًا في ذمَّتِه، كأن يقول: لله عليه أن يتصدق بألف ريال وليس حاضرًا، فإن هذا دَيْنٌ في ذمته يسعى في تحصيله، فمتى حصَّله وتيسر له، تصدق به، أما إذا كان الشيء يعني في المستحيل عادة أن يقوم به أو يستطيعه، فهذا يكفيه كفارة يمين"[7].

رابعًا: هل لا بد من التلفظ بالنذر؟ قال النووي رحمه الله في شرحه: "وهل يصح النذر بالنيَّة من غير قول؟ الصحيح باتفاق الأصحاب: أنه لا يصح إلا بالقول، ولا تنفع النية وحدها"[8].

وبِناءً على ما سبق، فالذي يظهر أنه لا يجب عليك شيءٌ ما لم يغلب على ظنِّك أو تتيقَّن أنك تلفظتَ بالنذر أو العهد مع الله، أما إذا تيقَّنت أو غلب على ظنِّك تلفُّظُك به وكنتَ مستطيعًا، فيجب الوفاء به، وإن لم تستطع، فيَلزمك كفارة يمين، أسأل الله لنا ولك التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.