ملخص الرسالة

مشكل إعراب القرآن

لمكي بن أبي طالب القيسي ( ت 437 هـ )

- دراسة نحوية -

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد.

فان شرف العلم من شرف المعلوم، ولأنَّ العلوم تتمايز بتمايز موضوعاتها فالعلم: درجات، ومنازل وأعلى هذه الدرجات وأسماها ما كان متصلًا بعلوم الدين.

ولا يخفى على أي متخصص في اللغة العربية، أن هذه اللغة مرتبطة بالقرآن الكريم ارتباط وجود كارتباط الروح بالجسد وأن أغلب الأبحاث اللغوية إنما جاءت لخدمة القرآن وعلومه، وأن هذه الأبحاث بدأت أول ما بدأت عندما عمَّ اللحن والفساد في الألسنة التي تتلو القرآن فقدّموا إلى القرآن ما قدموا من العلوم المختلفة خدمةً وحفظًا له وفي مقدمتها النحو.

وقد دخل قلبي حب هذه اللغة المباركة منذ دراستي الأولية، والذي كان له الدافع والحافز في اختياري لقسم اللغة العربية، ولما منََّ الله عليّ في القبول بدراسة الماجستير، وعزمت على أن أبحث في موضوع نحوي له علاقة وطيدة بالقرآن الكريم، جاء موضوع بحثنا الموسوم " مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي- دراسة تحليلية " مطابقًا لغايتي التي حققها لي استاذي الفاضل الدكتور رافع عبد الله مالو عندما أشار عليَّ بالموضوع ومن ثم اختاره لي بعد أن استخرت الله في ذلك.

وبعد الرجوع إلى كتب معاني القرآن وإعرابه وكتب النحو فضلًا عن قراءة كتاب ( مشكل إعراب القرآن ) اتضحت معالم البحث وخطته التي تكمن في الدراسة الوصفية التحليلية. للكتاب والتي هي تحليل لموضوعات الكتاب النحوية الموجودة بين طياته، وبتوفيق من الله قامت الدراسة على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة.

أما التمهيد فقد عني بقضيتين، الأولى في عنوان الكتاب الذي يتضمن دلالة المشكل لغةً واصطلاحًا وأسباب نشوئه ودلالته عند علماء اللغة وعلوم القرآن والأصول. والثانية في منهج الكتاب وطريقة عرض المؤلف لمادته.

أما الفصل الأول الذي جاء بعنوان ( موراده وأصوله النحوية )، فكان على مبحثين، المبحث الأول استقل بالكلام على مصادر مكي في كتابه، فخص أهم الكتب التي اعتمدها والأعلام الذين وردت اسماؤهم في المشكل ثم عرض طريقته في النقل من الكتب. والمبحث الثاني فقد حمل عنوان ( أصوله النحوية )، فقد ضمنا من خلاله أصول النحو العربي من ذلك السماع الذي عرضنا من خلال شواهد مكي من القرآن وقراءاته والحديث والشعر وكلام العرب. والقياس وعلله كالخفة والثقل وأمن اللبس والشبه والعرض والضرورة الشعرية. والإجماع بنوعيه، إجماع النحاة وإجماع القراء، واستصحاب الحال.

وتصدر الفصل الثاني الموسوم بعنوان ( وجوه الإعراب والعوامل والتعليل ) مجالًا واسعًا من البحث، إذ جاء على ثلاثة مباحث، الأول: ( وجوه الإعراب ) تضمن توجيهه للأداة والأسم والجملة، والإعراب والمعنى. أما المبحث الثاني فقد تناولنا فيه العوامل بنوعيها المعنوية واللفظية وسمات العامل عند مكي. أما المبحث الثالث فقد تضمن ( التعليل النحوي ) حيث تناولنا فيه تعليلات مكي للظواهر النحوية.

أمّا الفصل الثالث فجاء بعنوان ( التأويل النحوي )، فقد تصدرته توطئة قدمنا فيها ملخصًا عن مفهوم التأويل، والتقويم، والرابط بينهما، وتوزعت الدراسة في هذا الفصل على مبحثين، المبحث الأول ( تأويله النحوي ) الذي تناولنا فيه التضمين والحذف، والتقدير، والزيادة، والتقديم والتأخير، والحمل على المعنى والموضع. أمّا المبحث الثاني ( تقويمه النحوي ) فقد عرضنا فيه التقويم لعدد من المسائل النحوية من تحسين وتضعيف ورد، ثم اعقبنا هذه الفصول بخاتمة تشتمل على نتائج البحث.

وقد تنوعت مصادر البحث، إذ اعتمدنا على كتب إعراب القرآن ومعانيه، وبخاصة ( مشكل إعراب القرآن ) لأنه مدار البحث، فضلًا عن مصـادر أخرى تبعًا لتعدد موضوعات البحث كالمعاجم مثل معجم ( العين ) و( الصحاح ) و( تهذيب اللغة ) و( معجم مقاييس اللغة )، وكتب التراجم كـ ( أخبار النحويين البصريين ) و( وبغية الوعاة ) و( إنباه الرواة )، وكتب النحو مثل ( الكتاب ) و( المقتضب )، وأفاد البحث من كتب أصول النحو كـ ( لمع الأدلة ) و( الإقتراح ) و( ارتقاء السيادة )، وكان لكتب تفسير القرآن الدور المهم في إغناء البحث، كـ ( جامع البيان ) و( الجامع لأحكام القرآن ) و( المحرر الوجيز ) و( البحر المحيط ) وغيرها من التفاسير، وعوّل البحث أيضًا على كتاب أصول الدين والفلسفة.

ومن الجدير بالذكر أنّي لم أتعرض لسيرة مكي، فقد أشبعت دراسةً وتوثيقًا مما أعفاني عن هذه الدراسة.

والوفاء يلزمني أنْ أقدم خالص شكري وفائق ثنائي إلى أستاذي الكريم الدكتور رافع عبد الله مالو الذي كان له الفضل في الإشراف على رسالتي ومرافقته لي منذ بداية عملي حتى انتهائه وما قدمه من رعاية واهتمام كبيرين طوال كتابة الرسالة، فقد كان نعم الموجه الذي لا يكّل ولا يمّل من النصح والإرشاد.

كما أتقدم بالشكر الوافر لمن فتح لي صدره بكل رحابة لكي يسمع أسئلتي واستفساراتي ويتفضل بالإجابة والتوجيه، وأخص منهم الدكتور طلال يحيى إبراهيم، والدكتور علي فاضل الشمري، اعترافًا بفضلهما وتقديرًا لما قدمّاه لي من مصادر نفعتني كثيرًا في إعداد هذا البحث، كما أشكر لكلّ من ساعدني وقدّم لي يد العون ولم يبخل عليَّ بمشورة أو كتاب من الأساتذة والزملاء، كما أشكر من كان له الدور في توجهي وحثي على تكملة دراستي للماجستير.

فجزاهم الله عني خير الجزاء، والله أسأل أن يوفقنا بالعمل على كتابه وسنة رسوله.

الخاتمة:

بعد جولة علمية مع كتاب مشكل إعراب القرآن، لمكي بن أبي طالب القيسي، نوجز فيما يأتي أهم النتائج التي توصل إليها البحث.

1- إنّ مصطلح المشكل من المصطلحات التي أصابها التطور الدلالي، إذ دلّت اللفظة في الأصل على الإشكال الذي ينتج عن طريق المشابهة والمماثلة مما يوقع الإختلاط والتداخل، ثم تطور معناه ليشمل كل ما غمض من المعاني والتراكيب على المتلقي.

وقد ظهر مصطلح المشكل في أكثر من حقل معرفي، فقد تداوله أهل اللغة، ودارسو علوم القرآن، وعلماء الحديث، والأصوليون، وغيرهم، وقد التزم مكي- غالبًا- بعنوان مصنفه التزامًا دقيقًا، فابتعد عن إعراب واضحات الألفاظ ما استطاع، وتوجه لبيان مشكل الإعراب وذكر علله وصعبه ونادره.

2- لقد تعددت المنابع التي استقى منها مكي مادته، وكان تعامله معها تعامل الناقد البصير فهو لا يُسلم بما قيل، ولا ينقلا النصوص في الغالب من غير تصرف بإيجاز أو تقديم أو حذف وذلك اقتصارًا على لباب النصوص، سواء أكانت مقتبسة من مصادر سابقة أم كانت آراء وتوجيهات احتجنتها المصادر لأعلام اللغة المرموقين.

3- لم يكن مكي بدعًا من الدارسين في الاحتجاج بأصول النحو، فقد عضد الكثير من آرائه بالسماع، الذي استغرق روافد السماع المعروفة فكان القرآن الكريم في مقدمة روافده، إذ استشهد به في مئة وخمسة وتسعين موضعًا، وكانت القراءات القرآنية متواترها ومشهورها وآحادها الرافد الثاني الذي نهل منه مكي، ولا غرو في ذلك فإن هذه القراءات تمثل اللغات العربية أصدق تمثيل، فلا يكاد يستغني عنها دارس لغة.

أما الحديث الشريف فقد اقتضى فيه مكي خطى سابقيه من البصريين، من حيث عدم الإكثار من الإستشهاد به، إذا لم تتجاوز شواهده منه الثلاثة أحاديث فقط.

أما كلام العرب شعرًا ونثرًا فهو رافد ثرٌّ أيضًا استمد منه مكي لعضد توجيهاته أو التأسيس لها، إذ بلغت شواهده الشعرية واحدًا وثلاثين شاهدًا موزعة على الطبقات الثلاث: الجاهليين، والمخضرمين، والإسلاميين، وبالمثل سجلت الشواهد النثرية حضورًا في احتجاجات مكي.

ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى عناية مكي بلغات العرب، إذ ذكر طائفة منها معزوّة إلى قبائلها، كلغة أهل الحجاز، وبلحارث بن كعب، وبني تميم، وبني العنبر، وهذيل، وبني اليربوع، من دون أن يفضل لغة على أخرى، فهي حجة عنده جميعًا.

4- وعني مكي بالقياس عناية بارزة، بوصفه الأصل الثاني من أصول اللغة والنحو، فكثيرًا ما نجده يردد عبارة: والأصل في القياس، أو: قد كان القياس، أو: ويجوز على القياس، أو يقول: وقياسه، أو: قياسًا، وما إلى ذلك، فضلًا عن عنايته بعلل القياس، كالخفة والثقل، وكثرة الإستعمال، واجتماع المثلين، وعلة الشبه، والعوض، والضرورة الشعرية.

ولا يعدم الدارس أن يجد أصولًا أخرى عند مكي، إذ عوّل على الإجماع وكذلك استصحاب الحال في توجيهه لطائفة من المسائل.

5- اهتم مكي بالتوجيه الإعرابي الذي هو الهدف الأساس الذي أقام كتابه من أجله، متوجيه الأداة والأسم والجملة، مراعيًا في ذلك العلاقة الحميمة بين الإعراب والمعنى، فالوجه الإعرابي يتحكم فيه المعنى العام الذي يحدده السياق مع الاستعانة بالوظائف النحوية وموقعية الوحدات اللغوية.

6- عني مكي بالعامل النحوي بوصفه عمود النظرية النحوية العربية، إذ تناول في كلامه العامل اللفظي والمعنوي، وكمان يستطرد أحيانًا لبيان طائفة من سمات العامل.

وبالمثل عني بالعلة النحوية، إذ كان كثيرًا ما يعلل الأحكام النحوية، وقد تنوعت تعليلاته يتنوع المسائل التي عالجها.

7- لم يكن مكي متعصبًا لمذهبه البصري، بل كان يأخذ بما يعضده الدليل اللغوي، لذا نراه ينتخب أحيانًا آراء وتوجيهات غير بصرية، كما في تجويزه إضافة الشيء إلى نفسه متابعًا في ذلك أهل الكوفة من النحاة.

8- قد يلجأ مكي إلى التأويل، حينما يتطلب النص ذلك، احترامًا للنص أولًا وحفظًا للقاعدة النحوية ثانيًا، فكان التضمين، والتقديم والتأخير، والحذف والذكر، والحمل على المعنى والموضع، من أبرز وسائله في التأويل النحوي.

9- عني مكي بالتقويم النحوي، فقد عقّب على آراء النحاة وتوجيهاتهم، فكان يستحسن أو يرد أو يغلط الآراء، فكثيرًا ما نصادف في كتابه أقوالًا مثل: ( هذا بعيد، أو وهذا لا يجوز، أو وهذا قبيح )، وغير ذلك، مما يدل على مقدرة لغوية وحس نقدي في التعامل مع المادة النحوية.

فهرست المحتويات