الشعر المنثور عند أمين الريحاني

ملخص الرسالة

الشعر المنثور عند أمين الريحاني

قصيدة النثر نوع شعري جديد ظهر في مطلع القرن العشرين على ساحة الأدب العربي، وقد كان وراء ظهور هذا النوع الشعري عاملان أساسيان؛ الأول هو الرغبة في تجديد القصيدة القصيدة العربية شكلًا ومضمونًا، إذ حاول الشعراء من خلال هذا اللون الشعري وضع بصمة شعرية تميزهم في مجال الإبداع الشعري من جهة، وخلق نوع شعري يكون أكثر قدرة على الإعراب والتعبير عن روح العصر من جهة أخرى.

أما العامل الثاني فهو احتكاك الأدب العربي بالأدب الغربي فقصيدة النثر ظهرت أولًا في الأدب الغربي، ومن ثم في الأدب العربي إذ تأثر روادها الأوائل بالشعراء الغربيين، على أن لا يفهم من كلامنا هذا أن الشعراء العرب حاولوا استنساخ التجربة الغربية بحذافيرها، وإنما استفادوا من فكرتها الأساسية، وهي إمكانية كتابة الشعر خارج النظام العروضي، وانطلقوا لتأسيس تجربة عربية لها مميزاتها الخاصة.

ويعد أمين الريحاني أول من طرق هذا اللون الشعري في الأدب العربي مطلقًا عليه تسمية الشعر المنثور، ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة، فعلى حد علمنا لا توجد دراسة علمية أكاديمية لتجربة الريحاني، ثم إن الدراسات المتعلقة بقصيدة النثر عامة قليلة لا توازي المكانة التي احتلتها في ساحة الأدب العربي خرجت هذه الدراسة بعدد من النتائج لعل أبرزها ارتكاز الريحاني في شعره المنثور على أساس إيقاعي جديد، إذ استغنى عن النظام الإيقاعي الخارجي للقصيدة التقليدية والمعروف في (العروض الخليل)، واعتمد في تكوين إيقاع قصائده على النظام الداخلي أو ما يعرف بـ (الإيقاع النثري).

توزع توظيف بعدي الصورة الشعرية عنده (التشكيلي والديناميكي) على محورين أساسيين هما؛ المحور المباشر (التقريري)، المحور غير المباشر (الإيحائي).

اتسمت الاتجاهات الشعرية عنده بالتداخل، إذ يمكن أن يتخذ وصف الطبيعة طابعًا تأمليًا أو يتسع نطاق القصيدة القومية لتأخذ بعدًا إنسانيًا عامًا.

المقدمة

الحمد لله رب العاملين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين … وبعد.

لم تكن تجربة أمين الريحاني في شعره المنثور مجرد محاولة عابرة للتجديد الشعري في تاريخ الأدب العربي الحديث، بل كانت بداية انطلاق نمط شعري جديد، لم تعهده ساحة الأدب العربي من قبل، وعلى الرغم من أهمية هذه التجربة في الأدب العربي، لا نجد لها دراسة علمية أكاديمية شاملة، أو جزئية سوى بعض المقالات والأبحاث في الصحف والمجلات، أو بعض الإشارات لعدد من الكتب، ولا تخرج آراء الباحثين في معظم هذه الأبحاث والكتب عن مدار الرفض أو القبول لهذه التجربة، دون الوقوف عندها لدراستها وتحليلها تحليلًا علميًا دقيقًا، لذلك وقع اختيارنا على هذا الموضوع لدراسته في رسالتنا هذه الموسومة " الشعر المنثور عند أمين الريحاني ".

نهضت خطة البحث على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، بحثنا في التمهيد أهم الأنماط الشعرية التي برزت بها القصيدة العربية، وتتبع تاريخي للشعر المنثور، وإشكالياته، وأبرز خصائصه، وآراء النقاد فيه.

وعقدنا الفصل الأول (الإيقاع) في دراسة الأساس الإيقاعي الذي قام عليه هذا النمط الشعري، محددين ثلاث ظواهر إيقاعية برزت في شعر أمين الريحاني المنثور هي؛ التكرار، والتوازي، والقافية.

أما الفصل الثاني (الصورة الشعرية)، فقد تناولنا فيه (البعد التشكيلي) الذي ضم أبرز الجوانب التشكيلية للصورة الشعرية (اللون، والفضاء، والضوء والظل)، و(البعد الديناميكي) الذي رصد حضور الحركة وغيابها في الصورة، وعلاقة هذا الحضور والغياب بالدلالة المضمونية للصورة الشعرية.

وخصصنا الفصل الثالث (الاتجاهات الشعرية) لدراسة الاتجاهات الشعرية التي ظهرت في قصائد الريحاني المنثورة وهي؛ الاتجاه الإنساني، والاتجاه القومي، والاتجاه الوصفي، والاتجاه التأملي، وقد جسدت هذه الاتجاهات فلسفة الريحاني في الحياة من جهة، ورؤيته النقدية التي ترى ضرورة أن يكون للشعر دورًا في خدمة المجتمع من جهة أخرى.

وضمت الخاتمة أهم النتائج التي توصلت لها هذه الدراسة.

قام البحث في دراسته على منهج تحليلي يعتمد على مزاوجة تنظيرات الريحاني النقدية المتعلقة بالشعر المنثور مع الطروحات النقدية الحديثة في تحليل النص الشعري.

وقد واجه هذا البحث بعض الصعوبات منها تغير الأستاذ المشرف، وعدم توفر بعض المصادر والمراجع وخاصة الحديثة منها، إلا أن هذه الصعوبات - والحمد لله - لم تضعف عزيمتنا أو همتنا في مواصلة هذا العمل وإنجازه على أتم وجه.

وفي الختام أود أن أتقدم بشكري الجزيل إلى كل من الدكتور فائق مصطفى، والدكتور خزعل فتحي، والدكتور عبدالستار عبدالله لما أبدوه لي من نصح وإرشاد وتوجيه، جزاهم الله عني خير الجزاء.

ومن الله الفضل والعون والتوفيق.

الخاتمة

خرجت هذه الدراسة بمجموعة من النتائج يمكن أن نجملها بالنقاط الآتية:

• ارتكز الريحاني في شعره المنثور على أساس إيقاعي جديد لم تعهد القصيدة العربية من قبل، إذ استغنى عن النظام الإيقاعي الخارجي للقصيدة التقليدية والمعروف بـ (النظام الخليلي)، واعتمد في تكوين إيقاعه على النظام الداخلي، أو ما يُعرف بـ (الإيقاعي النثري).

• جاء استخدام التكرار في استخدام الريحاني على ثلاثة مستويات؛ تكرار المفرد، وتكرار التركيب، وتكرار اللازمة، وقد كان الهدف من هذا الاستخدام للتكرار بمستوياته الثلاثة إيقاعيًا ودلاليًا، إلا أن السمة الإيقاعية هي الغالبة على هذا الاستخدام، فقد أريد من هذه التكرارات تحقيق نوعٍ من التجانس الصوتي في النص، الذي ينتج عن طريق النغمة الموحدة المكررة فيه.

• برز التوازي في شعر الريحاني من خلال جانبين؛ الأول اتصل بالنواحي التركيبية المكوّنة للنص الشعري، والثاني تعلق بالدلالات والأفكار، وهو في كلا الجانبين قد أدى وظيفة إيقاعية، فمن الناحية التركيبية قامت الوحدات الصرفية المتوازية بخلق دفقات موسيقية في الأشطر، وعملت الوحدات النحوية المتوازية على توحيد المسافات الصوتية بين الأشطر، بل وأصبحت الجملة النحوية المتوازية في بعض الأحيان هي الوحدة الضابطة لإيقاع المقطع الشعري.

• عُني الريحاني بخلق إيقاع الفكرة إلى جانب الإيقاع الصوتي، ذلك من خلال ارتكازه على التوازي الدلالي بدرجة كبيرة، وقد برزت أنماط من هذا التوازي بصورة ملحوظة في متنه الشعري مثل؛ التوازي الترادفي، والتوازي الطباقي، والتوازي التأليفي.

• انقسمت قصائد الريحاني من حيث استخدام القافية على قسمين؛ جاء قسم خاليًا من التقفية، والآخر مقفى، وقد اتبع الريحاني في تقفية قصائد طريقتين؛ الأولى استند في تقفية القصيدة على نظام محدد جاء مشابهًا لنظام التقفية في الموشحات، والثانية اتخذ في تقفيتها شكلًا حرًا، إذ لم تخضع لأي نظام، وإنما كانت التجربة الشعرية غالبًا هي محددة لطريقة توزيع القافية فيها.

• استخدم الريحاني جميع أنماط القوافي في متنه الشعري، إلا أن الفارق في هذا الاستخدام جاء تبعًا للدور الإيقاعي الذي يمكن أن يؤديه نمط التقفية داخل القصيدة، لذلك برزت القوافي المتراسلة والمتتالية على حساب بقية الأنماط الأخرى في قصائده.

• عُني الريحاني بتحديد العناصر التشكيلية في صوره، مثل (اللون، والضوء والظل، والفضاء)، وقد توزع توظيف هذه العناصر على محورين؛ المباشر (التقريري)، وقد قصد الريحاني من خلال هذا التوظيف استكمال الصورة لملامحها في مخيلة المتلقي، أما المحور الثاني الرمزي (الإيحائي)، فقد قصد الريحاني من خلال هذا التوظيف شحن هذه العناصر بدلالات إضافية مستترة ترتبط بمضمون القصيدة.

• أدى حضور الحركة وغيابها دورًا مهمًا في صور الريحاني، إذ أسهم هذا الحضور والغياب للحركة في تعزيز دلالة الصورة، وأكسبها وضعها النهائي والواضح لدى المتلقي.

• شكل وصف الطبيعة ملمحًا بارزًا في شعر الريحاني المنثور، وقد اتبع الريحاني في هذا الوصف الطريقتين المعهودتين؛ الوصف الخارجي الذي يعتمد على وصف مظاهر الطبيعة كما هي في الواقع المعاين، والوصف الداخلي الذي يعتمد على مزاوجة مشاعر الشاعر الداخلية بمظاهر الطبيعة أثناء وصفها.

• اتسمت إنسانية الريحاني بأنها إنسانية مثالية ذات طابع رومانسي، إذ تدعو إلى العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، وتعمل على نشر المحبة والصدق والإخلاص بعيدًا عن الأحقاد والأضغان التي يمكن أن تكدرها.

• تميز الاتجاه القومي عند الريحاني بواقعيته، فقد اتخذ منحى عمليًا في شعره، ذلك من خلال تحديد الأمراض التي تنخر في جسد الأمة العربية مثل الشقاق والطائفية والتعصب، ومن ثم طرح العلاج الأمثل لها، وهو الوحدة العربية.

• انطلق الريحاني في تأملاته من فلسفات كثيرة مثل؛ الوجودية، والحلولية، والثنائية، وقد تناول في تأملاته هذه عددًا من المسائل توزع على محاولة اكتناه أسرار الحياة، والبحث في تناقضاتها، والكشف عن حقيقة الوجود.

فهرس المحتويات