الرسائل الشعرية في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي - دراسة موضوعية فنية

ملخص الرسالة

الرسائل الشعرية في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي

دراسة موضوعية فنية

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين؛ وبعد:

فيعد أدب الرسائل فنًا راقيًا من فنون الأدب، فهو تصوير لواقع الحياة الاجتماعية والسياسية، حيث إن الرسائل النثرية قد كتبت عنها الكثير من الدراسات والبحوث إلا أن الرسائل الشعرية لم تلق مثل تلك الأهمية، وإن الشعر أرقى في النفس وأولج فيها من النثر وأكثر تأثيرًا.

ومن الحقائق الواضحة إن الكتابة لم تكن واسعة الانتشار [1] في عصر ما قبل الإسلام وذلك بسبب الترحال والتنقل من مكان لآخر مما جعل الرسائل الشعرية شفهية وغير مكتوبة وقد ساعد ذلك على ظهورها لأنها سهلة الحفظ على عكس الرسائل النثرية.

وقد حث القرآن الكريم على تعلم الكتابة واقسم الخالق عزّ وجل بالكتابة وأدواتها حين قال {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [2] وغيرها، وقد شجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تعلم الكتابة وذلك من خلال الاعتناء بالكُتاب ولهذا عمد عليه الصلاة والسلام إلى إطلاق سراح الأسرى الذين يعلمون المسلمين القراءة والكتابة في معركة بدر الكبرى وجعل فداء الأسير الواحد أن يعلم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة.

وكذلك الرسائل الشعرية فأنها قد بدأت شفهية إلى أن ترسخت معالم الكتابة فبدؤوا يكتبون رسائل من الشعر وقد تكون من الشعر والنثر.

أما موضوع دراستنا فهو الرسائل الشعرية، لذا فإن هذه الدراسة تتناول موضوع الرسائل الشعرية في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي. وتكمن أهمية هذه الدراسة في تلمس إبعاد هذه الظاهرة الشعرية ومعرفة اتجاهاتها وأغراضها والوقوف على خصائصها وسماتها الفنية.

لقد قامت دراستي على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، فكان التمهيد استعراضًا للمعنى اللغوي والاصطلاحي للفظة رسالة، وافتتاح الرسائل، والموروث الشعري للرسائل.

وتناولت الدراسة في الفصل الأول موضوعات الرسائل الشعرية في عصر صدر الإسلام وتوزع هذا الفصل على خمسة مباحث، تناول المبحث الأول الرسائل الشعرية الاجتماعية التي بث فيها أصحابها ما يدور في خلجاتهم من الموافقة (المديح) أو عدم الموافقة (الهجاء) وغيرها وانصرف المبحث الثاني إلى الرسائل الشعرية الدينية والتي عبر فيها أصحابها عن شعورهم تجاه الدين الإسلامي الحنيف ومحاولة بث أفكارهم لنشره بين أرجاء المعمورة.

أما المبحث الثالث رسائل الجيش والحبس فكانت تُعد ضرورية في ذلك الوقت نظرًا لكثرة الفتوحات والتي كانت تتطلب إبداء رأي الفاتحين وما يدور في ساحات الوغى وتناول المبحث الرابع الرسائل الشعرية السياسية والتي كانت تصور ما يدور في ذلك العصر من تطورات والذي كان بعضه تأييدًا ومساندة وبعضه الآخر معارضة وتفنيدًا. واتجه المبحث الخامس إلى دراسة الرسائل الشعرية القبلية والتي كانت قليلة بالنسبة إلى باقي الرسائل في ذلك العصر وقد يعود سبب ذلك إلى تأثير الدين الإسلامي في نفس المسلم فضلًا عن تطور الحياة.

أما الفصل الثاني (موضوعات الرسائل الشعرية في العصر الأموي) فقد جاء في أربعة مباحث، تناول المبحث الأول الرسائل الشعرية والتطور الاجتماعي التي عبرت عن تطور الحياة الاجتماعية في ذلك العصر فقد ظهر الغزل العفيف الذي يُعد تطورًا كبيرًا بالنسبة إلى الغزل في عصر ما قبل الإسلام والنصح الاجتماعي وغيرها من الموضوعات الاجتماعية التي عالجتها واختص المبحث الثاني بالرسائل الشعرية والتحول السياسي حيث بدأ هذا التحول واضحًا في حياة العرب وظهور أحزاب عديدة فهناك من مساند ومؤيد ومعارض لذلك النهج مما أدى إلى بعث رسائل تصور ذلك الموقف وبالتالي فانه أدى إلى تطور الرسائل. أما المبحث الثالث فهو الرسائل الشعرية القبلية فقد تناول الرسائل التي بعث فيها مرسلوها مدحهم أو سخطهم إلى أقوام محددة وأحيانا الفخر بقبائلهم أمام القبائل الأخرى وهذا من الموضوعات المهمة والأساسية في شعر القبائل، أما المبحث الرابع فقد كان تحت عنوان موضوعات أخرى، وتناول شعر الحبس أو الأسر والعسكر.

أما الفصل الثالث فكان منصبًا على الدراسة الفنية للرسائل الشعرية وقد جاء في ثلاثة مباحث. تناول الأول بنية النص وتحدث الثاني عن الصورة في الرسائل الشعرية أما المبحث الثالث فقد تناول الألفاظ والأساليب.

وانتهى البحث إلى خاتمة تضمنت أهم النتائج التي توصلت هذه الدراسة إليها في فصولها ومباحثها.

أما المنهج الذي اعتمدته في هذه الدراسة، فهو المنهج التاريخي الوصفي الذي يعتمد التحليل الفني، ودراسة النص على حسب قدمه أو قدم صاحبه. وكان عوني على ذلك كله هو كثرة النصوص واختيار الملائم منها للدراسة، فضلًا عن مجموعة من المراجع والبحوث.

وبعد:

إن حق العرفان بالفضل يحملني على أن أتوجه بأسمى آيات الشكر والتقدير مصحوبة بأسمى آيات الحب والوفاء لأستاذي الدكتور خالد عبد حربي الذي أشرف على هذه الأطروحة، والذي غمرني برعايته الكريمة بدءًا باختيار موضوع الأطروحة، والإشراف عليه حتى نضجه واستوائه بحثًا قائمًا بين أيديكم فحق علي الاعتراف بفضله فكان لي بمثابة الأخ الكبير في سمو أخلاقه وطيبة تعامله فجزاه الله عني خير الجزاء.

ويدعو المقام أن أشكر أستاذي الدكتور عبد اللطيف حمودي الطائي لما أمدني به من خبرة في البحث.

كما أشكر أستاذي الدكتور أيهم القيسي، والدكتور أحمد حمد الجبوري.

وشكري وتقديري إلى كل من أعانني في عملي من الأساتذة الأفاضل في قسم اللغة العربية. كما أقدم شكري وتقديري إلى أخي الكبير حسن الذي غمرني برعايته الكريمة طيلة مدة كتابة الأطروحة.

وختامًا، فأني لا أدعي في بحثي هذا الكمال، لأن الكمال لله سبحانه وتعالى ولكني أطمح في أن أكون قد ساهمت في غرس نبت طيب في تراث المكتبة العربية، من أجل خدمة تراث أشرف لغة لأكرم كتاب وخير أمة أخرجت للناس.

وأسأل الباري عز وجل أن يعين كل باحث يسعى إلى خدمة لغة القرآن الكريم، والبحث في جانب من جوانب الأدب في مرحلة تشكل حلقة مهمة في تاريخ امتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخاتمة

وبعد أن شاء الله سبحانه وتعالى لهذا البحث أن ينتهي إلى تنفيذ الخطة التي رسمت له لا بد لي أن أوجز القول واقف على أهم النتائج التي توصلت إليها.

• إن معنى لفظة رسالة تطور كثيرًا في مدلوله الاصطلاحي.

• كان للإسلام الأثر الواضح في كثير من الرسائل الشعرية حيث غذاها بالمفردات التي تدل على عمق الشعر الديني ورسوخه حتى أن هذا الجانب استوعب مبحثًا كاملًا حيث كان العربي قبل الإسلام يمدح قبيلته أو المآثر التي تنم عن بطولاتها، ولكننا نلحظ قد حدث تطور كبير حيث أصبح الولاء للدين الإسلامي والدفاع عنه، وقد كان للشعر الدور الكبير في نشر الدعوة الإسلامية، فقد دعا الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - الشعراء من الصحابة - رضي الله عنهم - للرد على المشركين.

• إن للشعر دورًا كبيرًا في تأجيج العواطف والمشاعر، كما أنه سلاح فعال في سوح الوغى ولذلك فقد لبى العديد من الشعراء نداء الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أجل تأكيد أسس الدين الحنيف ونشر تعاليمه بين الناس فكان الجهاد والتوحيد ودعوة الناس لإخلاص الطاعة لله ورسوله هي سمات الرسائل الدينية، وبذلك فقد استطاعت الرسائل الشعرية توظيف الشعر في خدمة الدعوة ونجاحها.

• لاحظنا في العصر الأموي أن الجانب الديني قد جاء من خلال الأغراض الأخرى وتغذيته بالمفردات ذات الروح الإسلامية في مختلف الموضوعات الشعرية.

• عدم بروز رسائل الغزل في عصر صدر الإسلام في الجانب الاجتماعي بالقياس إلى عصر ما قبل الإسلام ومرد ذلك يرجع إلى تطور الحياة الجديدة حيث ظهور الدين الإسلامي الحنيف وما يحمله من تهذيب وصقل للشخصية الإنسانية ومع ذلك فأنه لم يحرم الغزل العذري.

• أما في العصر الأموي فإننا نلحظ ظهور رسائل الغزل بصورة واسعة وذلك يعود إلى تطور الحياة وتفهم الدين وقد ظهر الغزل العذري بعيدًا عن الفحش والبذاءة وقد كان له حظ وافر في هذه الفترة، فضلًا عن التطور الاجتماعي الذي حدث في هذا العصر.

• برزت في العصر الأموي رسائل رثاء الذات حيث يصور الشاعر نفسه وهو ميت وكيفية دفنه.

• كان لرسائل الشعر السياسي حضور في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي إلا إنها شهدت تطورًا كبيرًا في العصر الأموي مع بروز الأحزاب والتكتلات السياسية التي كانت غير موجودة في عصر صدر الإسلام.

• نلحظ في فن المديح السياسي إضفاء صفات دينية على الممدوح تليق به مما يصبح أكثر شرعية وقبولًا لدى عامة الناس، فضلًا عن المقومات والصفات الموروثة من عصر ما قبل الإسلام.

• أما الرسائل القبلية فقد كانت هي الأخرى لها حضور دائم في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي وذلك لأنهم كانوا قريـبي العهد بعصر ما قبل الإسلام الذي كان يمجد القبيلة والذي يعدها الدعامة الأساسية في بناء المجتمع بل لها الحكم والرأي في مداولة الأوضاع التي يمرون بها فهي تُعد بمثابة النظام أو القانون في الدولة.

• تطور شعر الأسر والجيش حيث وصف الشعراء القيود التي كانت توثق أيديهم.

• إن الرسائل الشعرية كانت أكثر تطورًا وتنوعًا في العصر الأموي وقد يعود ذلك إلى تطور الحياة وتعقدها.

• تمثل الرسائل الشعرية حالة من التطور لأنها تعكس التطورات التي تطرأ في المجتمع سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو قبلية وغيرها من الأحداث التاريخية. ولذلك فقد تنوعت في مضمونها.

• انمازت بعض الرسائل بالإيجاز وخاصة رسائل الجيش.

• تنوعت الرسائل الشعرية بين المقطوعة والقصيدة التي تضم بين جوانحها مقدمة من طلل ورحلة وغزل... عناصر المقدمة التقليدية، فضلًا عن مقدمات ثانوية، وقد حافظ بعض الشعراء على لغة المقدمة التقليدية وأسلوبها مسايرة إلى لغة ذلك العصر وأسلوبه، وبعضهم الآخر قد خرج عن ذلك.

• تلون الرسائل الشعرية بأفانين القول من الصور البيانية والبديعية، مما يؤكد فاعلية الرسائل وقدرت استيعابها للظواهر الفنية.

• لكل غرض من أغراض الرسائل الشعرية ما يلائمه من الألفاظ التي تلائم الرسالة وتبعًا للحالة النفسية التي تنتاب الشاعر أثناء نظم الرسالة.

• أكدت الرسائل الشعرية قوة امتلاك الألفاظ الجزلة والفخمة التي تدل على قوة ملكتهم اللغوية ومعايشتهم للعصر.

• ومما زاد في وضوح المعاني وقوة تأثيرها في ذهن المتلقي الاهتمام بجرس الألفاظ وذلك من خلال التكرار سواء كان في الحروف أو الكلمات.

* عبر مرسلو الرسائل الشعرية بأبدع الأساليب البلاغية، لإيصال صورة ما يرومون إليه إلى ذهن المتلقي بأروع ما يمكن أن تكون عليه.

• في بعض الرسائل نجد ظاهرة السرد القصصي القائم على سرد الحوار.

فهرس المحتويات