التركيب النحوي في شعر زهير بن أبي سلمى

ملخص الرسالة

التّركيب النّحوي في شعر زهير بن أبي سلمى

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمّا بعد، فلقد احتلَّ الشعر الجاهلي حيزًا كبيرًا من اهتمامنا بمورثنا الشعري، بل إنه أثار اهتمام غير العرب من محبيه، ومتذوقيه فتناولوه بالبحث والدراسةِ والتمحيص سالكين إليه شتى الطرق واضعين أيديهم على أسرار تراث هذه الأمة المجيدة وإبداعها، ولقد سلكت فيه الدراسة النّحوية.

فهذه الرسالة موضوعها التّركيب النّحوي في شعر زهير بن أبي سُلمى، وقد اعتمدت فيها على شعر زهير صنعة الأعلم الشنتمري (476هـ) تحقيق د. فخر الدين قباوة، الطبعة الثالثة، ويضم هذا الشعر ثلاثًا وخمسين قصيدة أو مقطوعة وهي مقسمة على قسمين:

القسم الأول: هو شرح الأعلم الشنتمري برواية الأصمعي (216هـ) وتشمل القصائد المرقمة من (1) الى (18)، ويضم أيضًا القصيدتين المرقمتين (19-20) وهما لم يروهما الأصمعي.

القسم الثاني: هو ذيل شعر زهير، وهي القصائد التي رواها ثعلب (291هـ) وصعوداء وهي القصائد المرقمة من (21) الى (53).

يهدف هذا البحث الى دراسة الاستعمال اللغوي في شعر زهير فيتناول بناء الجملة، وتركيبها، وتوزيعها على أنماطها المختلفة وطبيعة هذه الأنماط من حيث أجزائها، وما يطرأ عليها من تقديم وتأخير، وإضمار وحذف، وتعريف وتنكير، ودلالة وكذلك يهدف البحث الى دراسة المعاني العامة وما تؤديه هذه المعاني حسب اختلاف أدوات التعبير كالشرط والنفي والتوكيد وغيرها من المعاني التي تمليها مناسبات الكلام، ومقتضيات البحث، ورصد هذه الظواهر جميعها في التراث لمعرفة مدى الالتقاء بين ما قرره النحاة من قواعدَ وأحكام والواقع النحوي للنص، لتحديد ما إذا كان في الامكان ان يسهم هذا البحث في دراسة متكاملة للغة الشعر الجاهلي، وفي وضع أحكام النحاة في مواضعها، وإلقاء الضوء على الجوانب الخلافية عندهم، للوصول أخيرًا الى أحكام وقواعد أكثر ملائمة لواقع اللغة قدر الإمكان. واعتبار ما جاء في شعر زهير هو الأساس.

أمّا المنهج الذي اتخذتهُ وسيلة الدراسة فهو المنهج الوصفي الذي يُعنى بوصف الظاهرة اللغوية وتطبيقها على النص المدروس، وقد اعتمدتُ في عملي هذا على ثلاثةِ أركان رئيسة تألف منها هي:

1- الجانب النظري: وتمثله القواعد النحوية وآراء النحاة.

2- الجانب التطبيقي: ويمثله شعر زهير.

3- مدى القدرة المتواضعة على الربط بين الجانب النظري والتطبيقي وما ينتج عن هذا الربط من إسناد للقاعدة أو نقضها.

وقد اقتضت طبيعة البحث أن أقسمه على تمهيدٍ وثلاثة فصول وخاتمة، فقد تحدثت في التمهيد عن الترّكيب لغةً واصطلاحًا، وعن الفرق بين الكلام والجملة والتركيب، وعن مكملات الترّكيب وعن الأساليب التركيبية.

أما الفصل الأول فقد جعلته بعنوان (التّركيب الإسنادي) وقسمته على أربعةِ مباحث، تكلمت في المبحث الأول عن الجملة الاسمية الأساسيةِ وأنماط تركيبها من تعريف وتنكير وتقديم وتأخير وحذف وذكر، وتحدثتُ في المبحث الثاني عن الجملة الاسمية المنسوخة بـ (لكنّ) و(كأنَّ) وأنماط اسمائها وأخبارها، وفي المبحث الثالث تكلمت عن الجملة الفعلية ذات الفعل التام ودرستها بحسب أنماط الفعل من حيث التعدي واللزوم، والبناء للمعلوم والمجهول وفي المبحث الرابع درست الجملة الفعلية ذات الفعل الناقص وهي الجملة المسبوقة بـ(كان) أو إحدى أخواتها وأنماط اسمها وخبرها من حيث التعريف والتنكير والتقديم والتأخير والحذف والذكر ونوع الخبر وكذلك درست معها أفعال المقاربة.

أما الفصل الثاني: فقد جعلته بعنوان (مكملات التّركيب) بحثت فيه مكملات الإسناد وأيضًا بحثتُ فيه الإسناد غير الأصلي وقد قسمته على أربعة مباحث، فدرستُ في المبحث الأول المنصوبات فتناولت المفعولات فتحدثت عن المفعول فيه بقسميه الزماني والمكاني وما ينوب عن الظرف. وعن المفعول المطلق من حيث تعريفه وتقسيمه على المصدر المؤكد لعامله والمبين للنوع والمبين للعدد والنائب عن المصدر. وعن المفعول له وأنماطه من حيث التعريف والتنكير، وعن المفعول معه. وأيضًا تناولت الحال والتمييز وأنماطهما فقد تحدثت عن الحال المفردة بأنواعها والحال جملة والحال شبه جملة وتعدد الحال.

وأما عن التمميز فقد تناولت تمييز المفرد والنسبة والتفضيل. وفي المبحث الثاني درست التوابع في شعر زهير فدرست النعت وأقسامه من مفرد وجملة وشبه جملة. وعطف النسق وحروفه الموجودة في شعر زهير وأنواع العطف، والبدل وقسمته على بدل كل من كل وبعض من كل وفي المبحث الثالث تناولت الإضافة في شعر زهير وقسمتها على إضافة مباشرة وغير مباشرة فتناولت الإضافة المحضة وغير المحضة وأسماء ملازمة الإضافة، وفي الإضافة غير المباشرة تناولت فيها حروف الجر من حيث جرِّها للظاهر والمضمر. وفي المبحث الرابع تناولت إعمال المصدر والمشتقات من حيث رفع فاعل ونصب مفعول به.

أما الفصل الثالث فكان بعنوان (الأساليب النَّحوية) وقد قسمته على خمسة مباحث درست في المبحث الأول أسلوب الشرط من حيث تعريفه وأنماط تركيب جملتي الشرط والجواب، وربط جملة الجواب بالفاء أو اللام والحذف في الشرط واجتماع القسم والشرط واجتماع الشرطين والعطف على فعل الشرط أو فعل الجواب، والجزم على جواب الطلب. وفي المبحث الثاني درست أسلوب النفي وقمت بجمع أدوات النفي الواردة في شعر زهير وقسمتها على ما ينفي الماضي، وما ينفي الحال وما ينفي المستقبل، والنفي المطلق.

وفي المبحث الثالث بحثت أسلوب التوكيد فجمعت أساليبه وقسمته على توكيد لفظي ومعنوي وما يؤكد الجملة الاسمية وأدواته (إنّ) و(أنّ) وفصلت القول من حيث نوع الاسم والخبر من تعريف وتنكير وتقديم وتأخير، وما يؤكد الجملة الفعلية فقد درست التوكيد بـ(قد) و(لقد) والتوكيد بنوني التوكيد (الخفيفة والثقيلة) وتحدثت عن المؤكدات المشتركة كالقسم والتوكيد بالحرف الزائد والتوكيد بضمير الفصل والتوكيد بالقصر.

وفي البحث الرابع درست أسلوب الاستثناء وأدواته الواردة في شعر زهير وهي (غير، وسوى، وخلا).

وخصصت المبحث الخامس للأساليب الإنشائية فقسمته على قسمين فالقسم الأول تناولت فيه الأساليب الإنشائية الطلبية كالاستفهام والأمر والنداء والنهي والعرض والتحضيض والتمني والترجي، أما القسم الثاني فبحثت فيه الأساليب الإنشائية غير الطلبية كأفعال المدح والذم والتعجب.

وقد لخصت في الخاتمة أهمَّ النتائج التي توصل إليها البحث.

من خلال هذا العرض الموجز لفصول الرسالة التي شملت أكثر أبواب النحو تبرز أولى الصعوبات التي واجهتني فكثرة الموضوعات وتنوعها كان لزامًا عليّ أنْ اطّلعَ على كثير من كتب النحو واللغة، وثاني الصعوبات هي الظروف التي يمر بها بلدنا العزيز وما واجهته مكتباتنا من إحراق الكتب أو نهبها بعد الغزو الأمريكي.

وقد اعتمدتُ على مصادر كثيرة أخص منها على سبيل المثال لا الحصر، كتاب سيبويه (180هـ) والمقتضب للمبّرد (285هـ) والأصول لابن السراج (316هـ) ومغني اللبيب لابن هشام (761هـ) وأيضًا أفدت من مصادر أخرى كشرح ديوان زهير لثعلب (291هـ) وشرح الأشعار الستة الجاهلية للوزير أبي بكر البطليوسي (494هـ) ومشكل إعراب الأشعار الستة الجاهلية للحضرمي (609هـ) وقد أفدت من مراجع حديثة منها الجملة الخبرية في ديوان جرير للدكتور عبد الجليل العاني والنحو الوافي للأستاذ عباس حسن.

ولإن عملي - هنا - قد اتخذ طابعًا وصفيًا فقد قمت بجرد إحصائي للصورة الواحد من صور التركيب خرجتُ منه بحصيلة من النتائج وقد أثبتُّ عدد مرات ورود الصورة المعنية بالدراسة في شعر زهير - بعد ذكرها - في متن البحث ذاكرًا بعض تلك المواضع نصوصًا للاستشهاد بها محيًلا ذكر باقي الشواهد بالأرقام فقط بالملحق - إذا كانت الصورة أكثر من خمسة مواضع، وإن كانت أقل من خمسة مواضع فقد أشرت في الهامش على مواضع الصور- وقد ذكرت رقم القصيدة أو المقطوعة ثم رقم البيت.

وبعد فلا ينبغي لي أن يفوتني تقديم الشكر والثناء للأستاذ المشرف الدكتور سحاب محمد الأسدي على قراءته الوافية المتأنية لمفردات البحث وملاحظاته التي أسهمت في تقويمه كما أشكر لكل من أسدى إليَّ يدًا أسهمت في إنجاز هذا البحث لاسيما أبي الذي كان لمعلوماته النحوية اليد الأولى في هذا البحث الذي ساعدني على تحليل القصائد وإعرابها كما أشكر الدكتور هشام الحداد الذي اقترح عليَّ عنوان البحث وكذلك أشكر لأساتذة اللغة العربية في الجامعة الإسلامية وأخصُّ منهم الدكتور رشيد العبيدي والدكتور محمد علي حمزة، جزى الله الجميع عني خير جزاء المحسنين.

وفي الأخير فإن هذه الرسالة هي جهد زمن بذلت فيه طاقتي ولم أدّخر منها شيئًا، فإن وفقتُ إلى الصواب فهو بفضل الله، ومنّه وكرمه، وإنْ كانت الأُخرى فحسبي أنَّني طالب علم يخطئ ويصيب، وليس الكمال إلاّ لله وحده فأسأل الله أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على نبيه محمد أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخاتمة:

خاتمة البحث وأهم نتائجه:

لقد حاولتُ في هذا البحث - قدر الجهد - أن أقدم دراسة تحليلية وصفية شاملة للتركيب النحوي في شعر زهير بين أبي سُلمى، وإنّ أكثر نتائج هذا البحث جاءت توثيقًا لظواهر نحوّية استشهد بها النحاة.

لكن هذا البحث يستطيع أن يعدل قدرًا من أحكام بعض النحاة حول قضايا نحوّية نصوا عليها، وجاءت الشواهد في شعر زهير تناقض هذه الشواهد، ومنها ترجيح رأي على رأي، وإن أهم هذه الأحكام التي يمكن أن تعدل هي:

• ورد خبر المبتدأ نكرة مقدمًا على المبتدأ لمعرفة خلافًا للكوفيين.

• ورد خبر (كان) جملة فعلية فعلها ماضٍ غير مسبوق بـ(قد)، واشترط الكوفيون أن يسبق بـ (قد).

• جاء اسم كان وخبرها نكرتين خلافًا لسيبويه.

• تقدم خبر (كان) على اسمها وقد منع الكوفيون هذا التقديم.

• وقعت الجملة الاسمية حالًا في خمسة مواضع وهي مقترنة بالضمير فقط خلافًا للفرّاء إذ عدَّ هذا النمط من الشاذ النادر.

• وقعت الحال جملة فعلية فعلها مضارع مقترنة بالواو، وقد منع معظم النحاة هذا التركيب.

• ضعّف الخليل وقوع (كل) مضافة الى النكرة مفعولًا به، وقد جاءت (كل) مضافة الى النكرة ووقعت مفعولًا به في شعر زهير.

• وردت (آل) مضافة إلى معرفة مؤنثة وقد منع بعضهم هذه الإضافة.

• وردت (إذا) وفيها معنى الشرط، وقد جاء بعدها الفعلُ مضارعًا، خلافًا للفرّاء فلقد ذهب إلى أنّ (إذا) إذا كان فيها معنى الشرط فلا يأتي بعدها إلاَ الماضي.

• عملت (إذا) الجزم في الفعل المضارع خلافًا لبعض النحاة.

• سقطت اللام في أربعة مواضع من الفعل الماضي المثبت في جواب (لو) وهو كثير إذ ما قورن بثبوتها فقد ثبتت في خمسة مواضع، وهذه النتيجة تخالف ما ذهب إليه ابن هشام فلقد ذهب الى أنَّ سقوط اللام في جواب لو قليل.

• إن حذف اللام من جواب (لولا) لا يمكن أن يعد ضرورة أو قليل - كما ذهب إليه بعض النحاة - لأنه قد ورد حذف اللام في شعر زهير بنسبة تزيد عن 33% وهي نسبة غير قليلة.

• إبقاء حرف العلة بعد الجازم في (لمّا).

• أظهر البحث أن أداة الاستفهام (هل) لا تخصص الفعل الواقع بعدها للاستقبال، إنما كما يأتي دالًا على الاستقبال يأتي دالًا على الحال.

• ورد الاستفهام بـ (مَنْ) عن النكرة في موضعين خلافًا للفرّاء إذ منع الاستفهام بـ (منْ) عن النكرة.

• جاء الاستفهام بـ (مَنْ) محذوفة، وقد ذكر النحاة إنه لا يحذف من أدوات الأستفهام إلاّ الهمزة.

• دخل حرف الجر على (ما) الاستفهامية، ولم تحذف ألف (ما) خلافًا لبعض النحاة.

• ورد ترخيم المضاف إليه خلافًا للبصريين.

• ورد فاعل (نِعمْ) منعوتًا قبل مجئ المخصوص بالمدح وقد منعه الجمهور.

• جاء فاعل (نِعمْ) مضافًا إلى ما لا فيه (أل) خلافًا للنحاة.

• تعد هذه الرسالة إعرابًا مفصلًا لشعر زهير بن أبي سُلمى ويمكن أن تعد دليلًا لمعرفة أبرز الشواهد النحوية في اللغة العربية وفي الشعر الجاهلي.

مسرد المحتويات