• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / مكتبة المخطوطات / التعريف بالمخطوطات
علامة باركود

قراءة في مخطوطة بهجة الإخوان في ذكر الوزير سليمان

أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/11/2012 ميلادي - 10/1/1434 هجري

الزيارات: 20843

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قراءة في مخطوطة

(بهجة الإخوان في ذكر الوزير سليمان)

تأليف

محمود بن عثمان الرحبي

(كان حيًّا سنة 1162هـ/1749م)


موضوع هذا الكتاب

يمثِّل عهد سليمان باشا - المعروف بأبي ليلة - وسَلَفيه حسن باشا وابنه أحمد باشا بدايةً لمرحلة مهمة من تاريخ العراق في العصر العثماني، وهي ما عُرف بعهد حكومة المماليك.

 

وكان ظهور المماليك في العراق جزءًا من ظاهرة عامة انطبعتْ آثارُها على معظم أرجاء الدولة العثمانية؛ فقد أدَّى الفراغ الناجم عن ضعف السلطة المركزية، والانحسار الفعلي للوجود العثماني من أقاليمها العديدة، إلى ضرورة قيام سلطات محلية قوية تمكَّنت من ملء الفراغ الناشئ عن ذلك الانحسار، وهكذا نشأت في أقاليم مختلفة من الدولة حكوماتٌ محلية، واءمت - بدرجات متفاوتة - بين استقلالها الإداري والعسكري الفعلي، وبين وجودها ضمن السيادة العثمانية الرسمية، مثل المعنيين في لبنان، وآل العظم في دمشق، وآل القره مانلى في طرابلس الغرب، وحكومة علي بك الكبير في مصر.

 

أما العراق - الذي عانى من التدهور السياسي والعسكري، منذ الاحتلال المغولي في القرن السابع الهجري (الثالث عشر للميلاد) - فإن عدم وجود حكومة عثمانية مركزية قوية قادرة على ممارسة سلطتها فيه، وازدياد نفوذ القبائل البدوية والريفية وتسلُّطها على المدن - قد أدَّى إلى تعرضه إلى أخطار حقيقية، كان يمكن أن تغيِّر وضعه السياسي برمته.

 

ولم يكن في العراق - إبَّان القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة (السادس عشر والسابع عشر للميلاد)، وحتى قيام حكم المماليك في بغداد - أي نوع من الوحدة المركزية لأراضيه، فعلى الرغم من تقسيم السلطان سليمان القانوني للبلاد إلى عدد من الوحدات المستقلة المتوازنة؛ فإن هذه الوحدات نفسها فقدتْ - من الناحية الفعلية - وحدتها الداخلية؛ إذ تمتَّعت كل مدينة فيها بحكومتها الوراثية وباستقلالها المحلي، بل امتدَّتْ هذه الظاهرة لتشمل أصغر المدن والقرى، وكانت القبائل القوية العديدة في البوادي والأرياف تمثِّل عقبة كَأْدَاءَ إزاء المحاولات الرامية لفرض نوع من الوحدة المركزية؛ فلقد شكَّلتْ هذه القبائل اتحاداتٍ قَبَليةً استطاعت أن تفرض سيطرتها على المدن الواقعة في منطقة نفوذها، في حين كانت تمثل - بالنسبة للمدن الأخرى - خطرًا دائمًا، من شأنه قطعُ طرق اتصالاتها، وإنهاك قواها السياسية والعسكرية.

 

وكانتْ هذه الأوضاع تشكل مبررًا قويًّا لقيام نظام حُكم أكثرَ تماسكًا من الأنظمة المحلية السائدة، يعتمد على قواه الذاتية في رد الخطر الخارجي، وفي قمع الثورات القبَلية المتكررة، وفك قبضة القبائل عن المدن والأرياف، ولم تكن حكومة المماليك - في أول الأمر - إلا وريثة لإحدى حكومات المدن التي شهدها العراق في مطلع القرن الثاني عشر للهجرة (القرن الثامن عشر للميلاد)، بَيْدَ أن ثِقَلَ بغداد الحضاريَّ القديم، ومركزها المتوسط في البلاد؛ منح الحكومة المحلية سلطات مركزية غير عادية، فمدَّت نفوذها إلى ولاية شهرزور المجاورة لها، ثم أخضعت أمراء بهدينان في كردستان لها، وضمَّت ماردين في أقصى الشمال الغربي ضمًّا رسميًّا، فأصبحت (متسلمية) تدار من والي بغداد مباشرة، وشرعت تفرض تأثيرها السياسي على الموصل - آخر ولاية مستقلة من ولايات العراق - حتى غدتْ هذه الولاية - منذ القرن الثالث عشر (القرن التاسع عشر الميلادي) - دائرةً في فَلَك ولاية بغداد، وتابعة لها في أكثر الأمور العامة.

 

وقف المماليك[1] على رأس الهرم الاجتماعي في منطقة واسعة من العراق، في مقدمتها بغداد نفسها؛ ففي أيديهم القوة العسكرية، والإدارة والحُكم، وبمعنى آخر جهاز الحكومة كله، وبما أن هذا الجهاز مستندٌ في طبيعته إلى قاعدة اقتصادية، تتمثل فيها نشاطات مختلفة - زراعية وتجارية وحِرْفية - فإن وضْع أولئك المماليك الطبقي غيرُ محدد تمامًا، فهم أكبر من أن يُعَدُّوا فئة، وأقل من أن يكوِّنوا طبقةً بمفهومها الاقتصادي، منفصلة عن سائر طبقات المجتمعات في البلاد.

 

ويمكن القول: إن انفصال المماليك عن أهل البلاد، لم يكن - في أحيان كثيرة - انفصالاً طبقيًّا يرجع إلى أسس اقتصادية، وإنما كان انفصالاً تشترك في تكوينه عواملُ اجتماعية أخرى متعدِّدة، أهمها تحدُّرهم من عِرق واحد غريب عن أهل البلاد، وحتى هذا العامل لم يكن دائمًا حاجزًا يمنع امتزاجهم بجمهور السكان؛ فإنهم سرعان ما ارتبطوا بعدد من الأُسَر المحلية بعَلاقات المصاهرة، ومن ثَمَّ الإرث.

 

حقيقة إن عَلاقاتهم الجديدة لم يُفسَح لها المجالُ الكافي لإفقادهم صفتهم المشتركة؛ كجماعة متضامنة، لها عصبيتها العنصرية الخاصة، إلا أنها ذوَّبت كثيرًا من الفوارق التي كانتْ تفصلهم عن الطبقات العليا من المجتمع، وعلى هذا النحو أخذ مماليك العراق يتحوَّلون تدريجيًّا من كونهم فئة بيروقراطية بحتة منعزلة عن السكان إلى قسم من أبرز أقسام الأرستقراطية الإقطاعية في البلاد.

 

وينتمي المماليك عنصريًّا إلى منطقة تفليس التابعة لبلاد الكرج (جيورجيا)، فهم بذلك من الجنس القوقازي، الذي طالما كان مصدرًا لا يَنْضَب لتجارة الرقيق الأبيض، وقد عُرف المماليكُ القوقازيون في الأناضول منذ عهود قديمة، كما أنهم أسَّسوا في مصر السلالاتِ الشهيرة التي أزالها السلطان سليم الأول عن الحُكم سنة 1517م، واستعادتْ عزتها على عهد خلفائه من بعده، وقد ظهروا في مختلف الأزمنة في سرايا إستانبول وغيرها من المدن الأخرى، ويمكن إرجاع هذه الظاهرة إلى التساهل الملحوظ الذي تميَّزت به أحوال الرِّق في البلاد الإسلامية عن غيرها من بلاد العالم، وإذ لم يكنْ للنُّبْل والمنصب صفةٌ وراثية في فلسفة الحُكم العثماني؛ فإنه لم يكن مستغرَبًا أن يرقى الكثير من أحط دركات الخمول إلى أرفع المناصب، وكان جميع المسلمين - بما فيهم المماليك - متساوين بين يدي السلطان[2].

 

كان استخدام المماليك في حكم البلاد منسجمًا تمامًا مع روح الدولة العثمانية وفلسفتها؛ إذ لم يكن جهاز الدولة نفسه في عهد قوته وعزته إلا جهازًا كاملاً من المماليك، منهم يتم اختيار قوات الجيش النظامي (اليَنكجَريَّة = الانكشارية)، ومنهم مَن كان يتولى أخطر المناصب السياسية والعسكرية في الدولة[3]، وكانت فكرة إصلاح هذا النظام وإعادة الحيوية إليه، ما تزال تراود الكثير من المصلحين كوسيلةٍ وحيدة في تقوية ساعد الدولة، وإيقاف تدهورها العسكري المستمر.

 

ولا ريب في أن أفكارًا كهذه كانتْ تبحث عن تطبيق مناسب عندما تولى حسن باشا - من أشهر ولاة العراق العثمانيين - مقاليد الحكم في ولاية بغداد عام 1116هـ/ 1704م؛ ذلك أن قوات "الينكجرية" التقليدية كانتْ قد فسدتْ في ذلك العهد فسادًا خطيرًا أخذ يهدِّد البلاد بالسقوط عند أي غزو إيراني محتمل، فضلاً عن أن هذا النظام أصبح عبئًا ثقيلاً على كاهل الولاة المتعاقبين ببطئه وضعفه، فقد توقف إرسال جند ينكجرية جدد إلى الولايات إلا في حالات قليلة، وكثرت ثورات الجند في ثُكنات المدن، وزاد شغَبهم على الولاة أنفسهم، ومن ناحية أخرى فإن حالة الفرسان الإقطاعيين (السِّباهية) لم تكن أحسن من ذلك كثيرًا، فقد تهرَّب معظمُهم من تقديم ما يتوجب عليهم من جند ومال، وأخذ نظام (التيمار) - وهو الإقطاع العسكري العثماني - يتحوَّل إلى نظام للمِلكية الزراعية ليس إلا[4]، وفي سنة 1017هـ/ 1608م شهدتْ بغداد أول ثورة محلية يقودها رئيس كتيبة خيالة (بلوك باشي)[5]، ولم تمضِ إلا سنواتٌ معدودات حتى أعلن "أغا الانكشارية" فيها عصيانَه على الدولة، مؤديًا ذلك إلى سقوط المدينة بيد الإيرانيين المتربصين بها[6]، ثم زادتْ حوادث العصيان والثورات المحلية؛ فأطمع ذلك القبائلَ العربية وغيرها بالانقضاض على سيادة المدن، وشكلتْ أعمالُها العسكريةُ خطرًا يهدِّد المراكز المدنيَّة في العراق، ويقطع سُبل مواصلاتها[7].

 

وهكذا، فقد بدا واضحًا للدولة، أن وضعًا رِخوًا كهذا يمكن أن يؤدِّي في أي وقت إلى كارثة تُودِي بالبلاد برمَّتها، وكان على الولاة الذين يتولون منصبهم ببغداد أن يوجِدوا القوة التي يمكن بها السيطرة على الأوضاع المتأزمة، ومن هنا نشأت الحاجة إلى إيجاد فئة بيروقراطية عسكرية جديدة، تحل محل القوى التقليدية، من فرسان سباهية، ومشاة ينكجرية، وتخفِّف من اعتماد حكومة الولاية على قوى القبائل القوية المجاورة.

 

ولم يكن أمام حسن باشا من سبيل إلى تكوين جيش نظامي مخلص له، يحقق به أهدافه في إيران وفي العراق، سوى أن يتبع ما سبق للدولة العثمانية أن اتبعتْه في أول نشأتها، وهو أن يستخدم قوة مرتزقة من غير سكان البلاد تكون الإدارة المنفِّذة لأوامره، فيستطيع أن يستخدمها بحُريَّة، وفي الأزمات التي قد تمر بالبلاد، وخاصة في أثناء عصيان فرق الينكجرية، محاولاً من وراء ذلك وضع حدٍّ لتحكُّم تلك الفرق في الولاة والدولة[8].

 

وكانت حياة حسن باشا الأُولى - ونشأته في السراي العثماني بالعاصمة القسطنطينية[9] - قد مكَّنته من دراسة النظم العثمانية الخاصة بتدريب الجند والقُواد والموظفين، وملاحظة مراحل إعداد مماليك السلطان، وتهيئتهم لتولِّي أعلى مناصب الدولة، وعلى ضوء هذه الدراسة أنشأ حسن باشا في بغداد نظامًا على غرار النظام الداخلي لسراي السلطان؛ فاشترى عددًا كبيرًا من المماليك من تفليس وعشائر القوقاز كوَّن منهم فِرقًا وجماعات، وكانت كل جماعة تقيم في ثُكنة مخصصة لها، ولكل فِرقة اسم، مثل فرقة (الخاص)، ووكلاء الخزينة.

 

ولم يكن عمل حسن باشا هذا مرتَجلاً بأية حال؛ فقد أدرك أن تكوين مثل هذا النظام يستلزم أولاً إرساء قِيم خاصة، وتربية معينة، لم تكن البلاد عرفتْها من قبل؛ لذلك فإنه اتجه إلى إنشاء المدارس الخاصة في بغداد، وضمَّ إليها ما استطاع شراءه من الأطفال المماليك المشترَيْن من الخارج[10]، وتكشف سيرة سليمان باشا - من مماليك ابنه أحمد باشا - عن نوعِ ما كان يتلقاه ضباط المماليك من تربية وتعليم وتدريب في ذلك العهد.

 

قال محمد سعيد السويدي: "فربَّاه تربية حسنة، وأدَّبه تأديبًا مُستحسَنًا، ورَتَّب وعَيَّن له معلمًا لقراءة العربية وكتابتها، ومثل ذلك للفارسية والتركية، وكذلك عَمَله لكل مماليكه، فمَن لم يتعلم منهم فمن عدم التوفيق، فتعلم المترجَمُ الخطَّ؛ تُركيَّهُ وعَربيَّه على قدر الحاجة الضرورية، وقرأ القرآن وجَوَّده، وبعض رسائل الفقه، واعتنى كثيرًا بركوب الخيل، وتعلَّم صنائع الفروسية، فصار واحدَ زمانه، وفريد أوانه"[11].

 

وقال في ترجمة الوالي عمر باشا - وقد نشأ مملوكًا أيضًا -: إن أحمد باشا حينما اشتراه صغيرًا "علَّمه القرآن وتجويده، وقراءة الدلائل[12] والأوراد، وكتابة العربية والتركية على قدر الحاجة، وأنواع علوم الفروسية"[13].

 

ويبدو لنا أن "حسن باشا" لم يكن ينوي أن يخلق من أولئك الأرقاء طبقة حاكمة وحيدة في البلاد، تنفرد بشؤون السياسة والإدارة وحدها، وتعلو على النظام الاجتماعي السائد، كما حدث في تجارِبَ أخرى في مصر من قبل، وفي الدولة العثمانية ذاتها، وإنما كان يهدف - بالدرجة الأولى - إلى إيجاد عناصرَ عسكرية مثقَّفة، يمكنه الاعتماد عليها في أمور الحرب وفي أمور السلم معًا، دون أن تشكل تلك العناصرُ احتكارًا للحُكم نفسه، ويبدو أن إدراكه لمغبَّة الاحتمال الأخير وما ينجم عنه من نواحٍ سَلبية سبق أن عانت منها تجارب مماثلة سابقة، دفعه إلى اتخاذ خطوة جديدة هامة، هي فتح مدارس المماليك وثُكناتهم أمام عدد من أبناء الأُسَر الكبيرة من أهل البلاد؛ ليُدخِلوا فيها أبناءهم[14]، وليتلقوا فيها من التربية العسكرية والتدريب على شؤون الإدارة، ما يؤهِّلهم لتولي المناصب المهمة - كالمماليك سواءً بسواء - وبهذا فقد أدخل الوالي الحصيف - لأول مرة - تجرِبة جديدة لم يلتفت إلى أهميتها حاكمٌ سابق، ترتكز على محاولة إشراك العناصر العليا من أهل البلاد في الإدارة والحُكم[15].

 

وليست ثمة معلومات محددة عن تلك الأُسَر التي أدخلت أبناءها في مدارس المماليك، كما لا تقدم لنا المصادر شيئًا عن أصولها الاجتماعية والطبقات التي تمثلها، ويكتفي سليمان فائق بك - مؤرخ المماليك - بالإشارة إلى أنهم كانوا من "أولاد الكُبَراء"[16]، وهو وصف عام يشمل فئات عديدة من أهل البلاد، ولكنه يدل على أن أولئك المنضمِّين إلى نظامه الجديد لم يكونوا بأية حال من طبقة العامة، بما تشمله من حِرْفِيين وصنَّاع ومتكسبين وغيرهم من أصحاب الدرجات الدنيا والمتوسطة في السُّلَّم الاجتماعي، وهي الفئات التي طالما تمكنت من قبلُ من النَّفاذ إلى داخل النظام العسكري السابق الذي تمثله أورطات الينكجرية المقيمة في بغداد وسائر أنحاء المدن العراقية، وكانوا في أحيان كثيرة سببًا في فِقدانها ضبطها العسكري، وتحولها إلى شبه قوات غير نظامية[17].

 

ومن المرجح أن أولئك (الكُبراء) لم يكونوا إلا من الأُسَر المحلية المدنية، التي احتفظت بثرواتها على شكل ملكيات زراعية كبيرة، فإن إطلاق هذا التعبير كان يقصد به بوجه عام طبقة الأرستقراطية الإقطاعية، دون أن ينسحب ذلك إلى طبقة كبار التجار من سكان المدن، ومن المهم أن نذكر أن نفوذ هذه الطبقة الأخيرة ببغداد لم يكن قد نما في عهد تأسيس النظام في أوائل القرن الثاني عشر للهجرة (أوائل القرن الثامن عشر للميلاد) إلى الحد الذي يمكِّنها من فرض وجودها طبقة قوية بين طبقات المجتمع البغدادي، كما فعلت أختُها في الموصل حين تشكل نظام حكومة آل الجليلي في التاريخ نفسه.

 

وتشبه طرق إعداد المماليك، التي سنَّها حسن باشا واستمرت من بعده، ما كان متَّبعًا في مدارس البلاط العثماني إلى حد كبير؛ فأسماء الجماعات التي ينقسمون إليها مماثلةٌ لتلك التي أسسها السلاطين العثمانيون الأوائل في عاصمة الدولة، وكان المماليك الصغار من نصارى الكرج، فضلاً عن صبيان المسلمين، يرسَلون بعد وصولهم إلى سنٍّ معينة إلى مدارس خاصة أنشئت ضمن مباني سراي بغداد، أُعِدَّت لتدريبهم وتنشئتهم، ولم يكن عددهم في كل دفعة يقلُّ عن مائتي مملوك[18]، وكان لكل مجموعة منهم مؤدِّبون من المماليك السابقين، يعرفون باسم (لا لا)[19] وهو نفس الاسم الذي يطلق على أمثالهم في القسطنطينية[20]، وهم مُلزمون بتأديبهم وتعليمهم القراءةَ والكتابة، وركوب الخيل، والفنون الحربية، ويؤمرون بتحصيل آداب الخدمة[21]، وفضلاً عن ذلك فإنهم يتلقَّون دراسة دينية منتظمة على أيدي طائفة مختارة من علماء البلاد، فيلقَّنون الإسلام، ويتعلمون شيئًا من علومه، وقد يتاح لبعض المماليك الاستمرارُ في الدراسة وطلب العلم، فيدرس شيئًا من علوم القرآن، والتصوف، والعقائد، والفقه وأصوله، والنحو والصرف، والمناظرة، وغير ذلك[22]؛ فقد ظهر منهم مَن عُرف بسَعة ثقافته، وكان لأمثال هؤلاء دَور بارز في تشجيع الحركة الثقافية في البلاد.

 

وينضوي المماليك - بعد إتمامهم لدراستهم وتدريبهم - إلى صفوف أغوات الداخل (إيج آغاسي)؛ حيث يكونون تحت إمرة (الخَزْنَه دار) في حالة السِّلم، وتحت قيادة السلحدار (حامل السيف) في أثناء الحروب، وهو نظام يشبه مثيله في القسطنطينية بدرجة كبيرة[23].

 

ويؤلف المماليك الحرس الخاص بالباشا نفسه، وعددهم زهاء مائة كرجي[24]، فإذا خرج الباشا راكبًا ساروا خلفه على أجمل هيئة وأَفْرَهِ خيل، ولكل منهم سائس يسوس فرسه، ولا يُرسِل أغوات الداخل من المماليك لِحاهم، لكنهم إذا ما بلغوا الرتب العالية، فإنهم يسمون (صقاللي آغاسي)، ويستطيعون حينئذٍ أن يُرسِلوا لحاهم إلى أحناكهم[25].

 

وقد استمرت مدارس المماليك مفتوحةً لاستقبال دفعات جديدة من صبيان الكرج - على القواعد مارة الذكر - مدة حكم حسن باشا وابنه أحمد باشا[26]، أي زهاء نصف قرن تقريبًا، وليست لدينا معلومات بشأن عدد من تخرَّجوا في هذه المدارس، وعن وضعهم الاجتماعي عند توليهم مناصبهم[27]، كما أنه ليس ثمة ما يوضح عَلاقتهم بمماليكهم بعد ترقيتهم في وظائفهم الجديدة[28]، خاصة وأن من بينهم مَن لم يكن مملوكًا قط من أبناء الطبقة العليا في البلاد، وأغلب الظن أن أمر تملُّكهم لم يكن إلا أمرًا من الوجهة الفنية فقط[29]، وأنهم أقرب لأن يكونوا مِلْك النظام من أن يكونوا مِلكًا شخصيًّا لوالٍ بشخصه.

 

ورغم طول فترة حُكم الواليين المذكورين، فإن أولئك المماليكَ لبثوا عند حدود وضعهم الذي خطِّط له، بمعنى أنهم نجحوا في أن يكونوا الفئة الأكثر قوة وفعالية في حكومة ولاية بغداد وتوابعها وجيشها، دون أن يؤدي ذلك إلى استحواذهم على مقاليد الحكومة نفسها، ومن الواضح أن أحدًا منهم لم تكن له مواردُ خاصة، باستثناء ما كانوا يتسلَّمونه من رواتب من خزانة الولاية، ولم تعرف بينهم أسماء لامعة، رغم أنهم كانوا - في الواقع - يؤلِّفون نخبة جيش الولاية وأحسن عناصره، وقد بقوا على ولائهم التام بحيث لم يُسمع أنهم قاموا بأي تمرد أو عصيان خلال تلك المدة الطويلة من الزمن، التي حكم فيها حسن باشا وأحمد باشا[30].

 

وتكشف حروب حسن باشا الناجحة في إيران، وفتحه العديد من المدن والنواحي هناك، وخوضه لأكثر من معركة في ظروف قاسية، وفي أماكن نائية عن بلاده - عن مدى صلابة جهازه المملوكي الجديد، وعن صدق إخلاصه لقيادته[31].

 

وفي عهد أحمد باشا استطاع المماليك أن يبرهنوا لمولاهم أهميتهم أثناء محاولات السلطان عزْلَه من بغداد، ولا شك في أن وجودهم كان من العوامل القوية التي أحبطتْ تلك المحاولات.

 

ووصف محمود بن عثمان الرحبي - في هذا المخطوط الذي نقوم بنشره الآن - رجال جيشه بأنهم رجال "توزن آحادُهم بآلاف، وأفرادهم بأضعاف، يَرَون الملاحم ولائم، والوقائع نقائع، وصفوف الغراب عرائس، وصنوف الكماة فرائس، ربَّتهم الحروب في حجورها"[32].

 

تسلَّم أحمد باشا موقعه قائدًا عامًّا للجبهة الإيرانية الممتدة من نواحي قارص في شرق الأناضول حتى البصرة في جنوبي العراق، وعهدت إليه مهمة إكمال ما بدأ به أبوه في التوسع في إيران ليشمل مساحات واسعة من غربها، ثم التقدم لفتح هَمْدان، ومرة أخرى أثبت المماليك - فضلاً عن قوات عراقية أخرى - قدرتهم على خوض غمار معارك عديدة، وفي الظروف الصعبة، وعلى تحقيق انتصارات باهرة، واضطرار الشاه الصفوي إلى قبول فكرة الصلح.

 

وكان ظهور نادر القائد الطموح من صفوف جيش الشاه، ليرتقي المناصب العسكرية، حتى يصبح القائد الفعلي لِما تبقى من دولة الصفويين - مؤذنًا بتغيرات خطيرة في موازين القوى في المنطقة؛ فقد استطاع هذا القائد أن يُعِيد تحشيد القوات الإيرانية من جديد، وأن يشنَّ عددًا من التعرضات الناجحة ضد القوات العثمانية، فينتزع جميع ما جرى الاستيلاءُ عليه من هذه القوات، بل والدخول في الأراضي العراقية ومحاصرة المدن العراقية، وفي مقدمتها بغداد.

 

وعلى الرغم من إرسال الدولة العثمانية جيشًا لإسناد الجبهة، بقيادة أحد قادتها المُحنَّكين - هو طُوبال عثمان باشا - وتخليص بغداد من حصار إيراني قاسٍ، فإن نادرشاه تمكَّن من دحْره، والمضي في حصار بغداد وتدمير القرى التي حولها.

 

أعاد أحمد باشا تحشيد قواه العسكرية في بغداد، بعد أن جرى سحبها من مواقعها المتقدمة، واستعد لحصار طويل، وقد أظهر في ظل هذه الظروف الصعبة ميزات قيادية مهمة، أهمها قدرته الفائقة على تحقيق مبدأ الاقتصاد في القوى، وتأكيد دوره قائدًا في رفع الروح المعنوية للجيش، وإشاعة روح التفاؤل والأمل لدى الشعب، فضلاً عن جهد دبلوماسي هدفه كسب الوقت لحين وصول إمدادات جديدة، أو انتظار ما يمكن أن تأتي به الأحداث من إيران نفسها.

 

ولَمَّا لم تحقِّق هذه الأعمال العسكرية أيًّا من أهدافها، فقد فضَّل نادرشاه الانسحاب، بينما حقَّق أحمد باشا والقيادة البغدادية حوله مجدًا جديدًا، أُضِيف إلى ما حققه من انتصارات في مرحلة التعرض داخل إيران سابقًا.

 

وجاء حصار نادرشاه سنة 1156هـ/ 1743م للمدن العراقية الثلاث:

بغداد والموصل والبصرة ليُمثِّلَ ملاحم جديدة في الاستبسال في الدفاع عن البلاد، وقد أظهر أحمد باشا أنه الأقدر على المراوغة السياسية والدفاع العسكري في آنٍ واحد، كما أظهر الشعب المحاصَر قدرتَه على التحمل والتعاون ومساندة القيادة في الوقت نفسه، فإذا أضفنا إلى ذلك كله ما أظهرتْه الموصل والبصرة من صفحات الصمود الباهر؛ صار مفهومًا لِمَ فَشَل نادرشاه - رغم حشد قواته التي بلغت نحو ثلث مليون جندي وضابط - في اقتحام أي من هذه المدن؟! ومن ثَمَّ اضطراره مرة أخرى إلى الانسحاب إلى داخل إيران؛ حيث لقي حتفه اغتيالاً على يد بعض المتآمرين عليه.

 

لقد أظهرت انتصاراتُ أحمد باشا في إيران، وقدرتُه على ضرب القوى التي تعاونت مع نادرشاه في أثناء زحفه على العراق، وتحشيدُه القوى الشعبية في بغداد للدفاع عنها، ليس مزاياه القيادية فحسب، وإنما المزايا القتالية لقواته من المماليك الذينأحسن أبوه أحمد باشا - وأحسن هو - تدريبَها وإعدادها لمهام القتال والإدارة معًا، فزاد هذا من صعود منزلة المماليك، وبدتْ أنها هي المؤهَّلة للقيادة، ليس في بغداد فحسب، وإنما في توابعها أيضًا، في ولايتي شهرزور والبصرة، في الظروف المقبلة.

 

وسرعان ما نَمَت في سراي الولاية العَلاقاتُ المناسبة بين المماليك والأحرار منهم، وتولى نفرٌ منهم مناصب هامة تفُوق مناصب الأحرار أنفسهم، عدا منصب سيدهم القديم، فلم يكن مستبَعدًا أن يتزوَّجوا من بنات سادتهم، وأن يعيَّنوا حكامًا في مختلف أجزاء الولاية وتوابعها[33]، وهو ما حدث فعلاً لسليمان آغا المملوك الذي اشتراه حسن باشا وتعهَّده بالتربية حتى حصل على حريته بخدماته الجليلة لابن سيده أحمد باشا، وبشجاعته التي أظهرها أثناء حصار الإيرانيين بغداد سنة 1145هـ/ 1732م، فقد نال سليمان - وهو مَن ألَّف من أجله هذا الكتاب - أولاً منصبًا وسطًا، ثم ارتقى لأن يكون (خَزْنه دار)، وأخذ يترقى في المناصب من رتبة إلى أخرى حتى جاوز جميع المناصب السامية إلى وظيفة (الكتخدا)، وهو ثاني منصب في الولاية كلها، والمرشح لتولي الحكم بعد واليها[34].

 

وقد توَّج نجاحه الباهر بتزويج أحمد باشا إياه ابنته الكبرى (عادلة خاتون)، فكان بذلك أول مملوك ينال مثل هذا الشرف الكبير، واستطاع سليمان أن يتزعم طبقة المماليك الفتية؛ فنال حبهم وتقديرهم، حتى إنهم "أطبقوا على طاعته، وتراضَوا عن طِيب برياسته"[35]، كما أنه نجح في كسب ثقة الطبقة العليا في بغداد، و"توثقت بينه وبين البغداديين عُرَى الأُلفة، وتمكنت أسباب المحبة، واتخذ بغداد وطنًا مقدسًا؛ لأنه نشأ فيها من أول عمره، وغضاضة سِنِّه"، وصار "ملاذًا للخاصة والعامة في كل ما يعرض لهم من الأحوال"[36]، وفي هذا سجَّل كاتب معاصر له - هو سليمان بك الشاوي - شهادته، فقال: "ومما شاهدنا في زمننا من ذوي المروءة والبسالة والنجدة، والٍ في بغداد يُدْعى بالوزير سليمان باشا، ومن بعض مناقبه أنه جاءه رجل من الرقة، وعليه ديون كثيرة، وكان من ذوي البيوت، فأمر له بإيفاء ديونه، وأجزل له العطاء".


وقال أيضًا: "وخصاله جَمَّة لا تحصى، إلا أننا ذكرنا هذه إعلامًا بذَهاب المروءة، وكساد سُوقها، وعدم الاعتناء والرغبة بذوي الحسب والنسب"[37]؛ فرعاية ذوي البيوتات القديمة كان سببًا آخر لالتفاف فئات عليا لها وزنها الاجتماعي من حوله.


ووجد فيه النصارى - وكثير منهم من التجار - حاميًا لطائفتهم[38]، في وقت كان للبيوتات التجارية في ذلك العهد تأثيرٌ متعاظم بسبب عَلاقاتها الواسعة في المدن العثمانية، لا سيما في العاصمة إستانبول[39].

 

وكشف عهد الولاة الذين أعقبوا أحمد باشا عن أهمية هذه المؤسسة المملوكية وعدم جدوى تجاهلها؛ فقد حاول ثلاثة من الولاة النابهين أن يسيطروا على مقاليد الأمور ببغداد دونما فائدة[40]، وأثبتت الحوادثُ للولاة المتعاقبين أنه من العسير الاستمرارُ في الحُكم دون تأييد طبقة المماليك القوية ومساندتها، ولم تُفْلح حركة تغيير الولاة والمتسلِّمين بين ولايات العراق في إنقاذ الوضع المتأزم[41]، في الوقت الذي بدأ فيه المماليك يجمعون صفوفهم - بزعامة سليمان - بصورة شبه علنية[42]، ولم تنجح خطة "الباب العالي" في إبعاد سليمان المذكور عن حكومة بغداد بتعيينه متسلمًا للبصرة؛ فقد استطاع الزحف بجيشه المؤلَّف من مماليك سيده إلى الحلة؛ حيث دارت معركة غير متكافئة بين قواته وقوات والي بغداد أظهر فيها من الإقدام والشجاعة ما أبهر معاصريه[43]، ولبث في الحلة برهة؛ حيث استقبله المعجبون به، وامتدحه الشعراء، وفي تلك المدة ألَّف مؤلِّف كتابنا هذا كتابَه وأهداه إليه، ولما ظهر له "أن جميع أهل بغداد راغبون لأفندينا سليمان باشا"[44]؛ تقدم بقواته إلى بغداد حيث انضمَّتْ إليه قيادات المماليك.

 

وسرعان ما فشلت محاولات محمد باشا - والي بغداد الجديد - في الوقوف في وجه سليمان باشا؛ فاضطرَّ إلى الانسحاب من بغداد، ليدخلها من بعده المملوك المعتق، سليمان باشا زعيم المماليك[45]، فكان قدومه - على حد تعبير أحد المعاصرين - يومًا مشهودًا، أجرى فيه نوافذ أحكامه[46]؛ إذ أدرك الجميع أنه ليس ثمة رجل يتمكن من القضاء على الفوضى السائدة في هذه الولاية ويقوى على إدارتها غيره[47].

 

وكانت السنون التي حكم خلالها سليمان باشا من أحسن العهود التي توالت على العراق العثماني؛ فلقد أدرك - حتى قبل أن يصل إلى الحُكم - أن مشكلة العراق الأساسية تتمثَّل في (الفوضى) التي كانت تضرب كل شيء؛ فالصراع بين مراكز القوى في السراي، وتمرد القبائل المستمر، وكثرة قطَّاع الطرق في الريف، واضطراب حبل الأمن؛ كانت كلها تحديات حقيقية لأي نظام، صحيح أن عهد حسن باشا وأحمد باشا شهد بوادر تحسُّنٍ ملحوظ في ضبط الأمر، إلا أن الحروب المستمرة بين الدولة العثمانية وإيران، وغزوات نادرشاه المتكررة - أعاقت ذلك التحسن، وإذا كانت محاولات الولاة السابقين قد فشِلت في هذا المجال، فليس ذلك إلا لافتقاد الأدوات اللازمة لإنجاحها، وهكذا أثبت للجميع أهمية طبقة المماليك ومدى ضرورتها في استتباب الأمن والنظام في البلاد، فأعاد فتح مدارس المماليك القديمة التي أُلغِيت في عهد خلفاء أحمد باشا، واعتنى بتنظيم شؤونهم، وأكثر من شراء مماليك جُدد، فتدفق سَيل من الأرقاء البِيض ينحدر على بغداد من تفليس، ونَمَت بين أولئك المجلوبين من الأماكن النائية رُوح عصبية قوية لم تكن ملحوظة من قبل، ولَّدها شعورهم بأقليتهم في وسط المجموع العراقي الكبير، فضلاً عن تلك الحياة المشتركة التعاونية التي عاشوها في مدارسهم وثُكناتهم، "فاستحكمت قواعد المصافاة في قلوبهم، واشتدَّتْ عُرى عصبيتهم"[48].

 

وعمل سليمان باشا على جمع زملائه من المماليك الذين فرَّقتهم سياسة سابقيه من الولاة، ومنحهم المناصب والوظائف الإدارية والعسكرية، حتى احتكروا تقريبًا المراكز العليا في الولاية كافة، فكان منهم الموظَّفون المالِيُّون، والكتَّاب، وكبار ضباط الجيش[49]، فكان ذلك انعطافًا خطيرًا في وضع المؤسسة المملوكية، وبعد أن لبثت طوال نصف قرن تقريبًا أداة طيِّعة بيد حكومة الولاية، أصبحت الآن تؤلف هذه الحكومة نفسها، وبذلك فقد انتقل المماليك - في هذا الطور - من كونهم (فئة) إلى وضعهم الجديد باعتبارهم (طبقة) حاكمة فعلاً.

 

وفي هذه المدة، تمكن المماليك لأول مرة من النفاذ إلى قيادة المؤسسة العسكرية التقليدية (الينكجرية)، فتولى أحدهم منصب رئيس القوات النظامية في بغداد، وتولى آخرون منصب (ضابط البلدة)[50]، وهي مناصب عسكرية هامة كان يشغلها دومًا ضباط ينكجريون عثمانيون، وتوزَّعت قيادات المماليك في مدن الولاية الأخرى، كالبصرة والحلة والحَسَكة وكركوك[51]، فكان ضبطُهم العسكري الشديد، وخبرتُهم بفنون الحرب، ودرايتُهم بالأوضاع المحلية مثارًا لإعجاب فئات واسعة من سكان المدن، وهم الذين طالما عانَوا من قبلُ من ضعف الإدارة، وانعدام السيطرة على الطرق التجارية، ومن ناحية أخرى تمكن الولاة المماليك - بموجب صلاحياتهم الجديدة - من تجنيد أعداد متزايدة من الجنود المتطوِّعين، أو غير النظاميين، لتكون في خدمة النظام.

 

نجح سليمان باشا - وهو أول المماليك - في أن يحذو حذو سلفه ومربِّيه السابق في تقديم أنموذج الحاكم العادل والقوي في وقت واحد؛ إذ "حكم في العراق برًّا وبحرًا مدة من الدهر، مُطاعًا مِقدامًا لا تروعه الأعداء؛ كثرت أو قلت، ولم يعهد في مدة حكومته إفشال كتيبة من الكتائب التي يرسلها، فضلاً عن أن تكون مصاحبة له"[52].

 

وقال ياسين العمري "كان موفَّقًا بالحروب"[53]، وقال مؤرخ موصلي - ربما كان ياسين العمري نفسه -: إن العرب كانت تسميه "أبو ليلة؛ لأنه قصد يومًا قطَّاع الطريق، فقطع بيوم وليلة طريقَ سبعة أيام"[54].

 

أما عدله، فقد تمثَّل - كما قال الشاوي - "بأنه مدة حكومته في بغداد لم يسفك دمًا بغير وجه شرعي، ولم يأخذ من أحد درهمًا واحدًا إلا قرضًا، وعاشتْ في أيامه أناس كثيرة على إنعامه وإكرامه، وعمرت بيوت غزيرة على عطاياه حيث كانت كثيرة، ولم يبقَ في بغداد صوفي أو طالب علم إلا وقد شمله ألطافه، وعَمَّه إسعافه".


وكان مع ذلك متواضعًا دَيِّنًا، فإنه - "مع ما له من الهيبة والجلالة - صغير النفس جدًّا، كثير التواضع، وكانت له عبادات حسنة لا يشك أحد في أنها مقبولة، وكانت له مع نفسه محاسبات ومعاتبات".


ورثاه أحد معاصريه - وهو عبدالرحمن السويدي - برثاءٍ مؤثِّر، جمع فيه مزاياه السياسية، والاجتماعية، والعسكرية، فقال:

فمَن للأراملِ من بعده
ومَن للضيوف، ومَن للقِرا
ومَن للوفود، ومَن للنقود
ومَن للغنِيِّ إذا أعسرا
ومَن للسيوفِ ورغْم الأنوف
ومَن يورد الأمرَ إن أصدرا
ومَن لصروفٍ تحل العنا
ومن لمَخُوفٍ يحل العُرَى
ومَن لانتظامِ أمورِ العراق
ورفعِ الشقاق ونفعِ الورى
ومَن ذا يُقِيم لسد الثغور
وحفظِ البلاد وحصن القُرَى
ومَن يبسط العدل بين الأنام
ومَن يقبض الجَوْر والمنكرا[55]

 

كانت شخصيته - كما يذكر رسول حاوي الكركوكلي - مُفْعَمة بالحيوية في إدارة شؤون الحكم، فلم يفتُرْ في خلال مدة حُكمه عن قيادة الحملات العسكرية بنفسه؛ لقمع قطَّاع الطرق، حتى "ترك الناس يعيشون بطمأنينة وأمان، في الوقت الذي عجز قبله عن ضبط النظام ثلاثةُ وزراء جاؤوا بعد المرحوم أحمد باشا"[56].

 

وضرب المثل في سرعة ضربه لحركات التمرد، حتى إنه تجاوز - غير مرة - حدود الولايات العراقية، ليفرض النظامَ في الولايات الأخرى، فحينما نهب بَدْوٌ تابعون لباشا دمشق قافلةً من بغداد، لم يتردد في الانطلاق بسرعة، ليجتاز الصحراء في تسعة أيام "لينتقم لتلك الإهانة"[57].

 

ونقطة الضعف الوحيدة في شخصيته - كما رآها بعض معاصريه - هو ضعفه تجاه زوجته "عادلة خاتون" بنت سيده السابق أحمد باشا، تلك السيدة القوية التي فرضتْ كلمتها ليس على سراي الحكم فحسب، وإنما على كل المناطق التابعة لإدارة بغداد، لا سيما أنه لم يكن مألوفًا في ذلك العصر أن تتدخل سيدةٌ فيما هو خارج شؤون (الحَرَم)، لتتدخل في تعيين مسؤول، وعزل آخر، وإنفاذ حملة، ومعاقبة متمرد، على أن أمر تدخلها كان إيجابيًّا؛ لأنها تمكَّنت بحِكمتها أن تجمع حول زوجها جميع القوى المؤثرة في إسناد حُكمه، فضلاً عن قيامها بمشاريع إصلاحية عديدة مفيدة للمجتمع[58].

 

توفِّي سليمان باشا في سنة 1175هـ/1762م بعد مرض عضال عاناه لمدة ستة أشهر، فترك فراغًا كبيرًا وراءه أحسَّ به كثيرون، وقد رثاه شعراء بقصائد مؤثرة، كما أثارت وفاتُه حزن الشعب عامة؛ إذ يقول رحالة أوربي معاصر: "كان الشعب يحبه لدرجة أنهم غنَّوا مرثيات عديدة له؛ ترَحُّمًا على وفاته، وما زالت تلك المراثي يرددها المغنون في مقاهي بغداد إلى اليوم"[59].

 

مؤلف الكتاب:

مؤلف هذا الكتاب هو "محمود بن عثمان بن محمد بن علي بن عبدالرحمن الرحبي"، وغاية ما ذكره عن نفسه في هذا الكتاب اسمه، واسم أبيه، وأسرته، والمنصب الذي كان يشغله في أثناء تأليفه إياه؛ حيث قال: "يقول أحوجُ الخَلق إلى رضاء الحق، محمود بن الشيخ عثمان الرحبي المفتي في الحلة"، ونحن نعلم أن ممن تولى الإفتاء في هذه المدينة مَن يدعى محمد الرحبي، فلعله أخوه، أو أبوه، أو من أفراد أسرته، وعلى أية حال، فإن آل الرحبي أسرة علمية قديمة، أصلها من رحبة الشام[60]، نزحت إلى بغداد "من زمان قديم"، واستوطنت محلتي (باب الشيخ)، و(السِّنك) من محالها القديمة، وكان لها في محلة باب الشيخ مجلس أدبي وعلمي حافل "بالعلم والفضل والأدب"، وباتت دورهم تؤلف محلة قائمة بذاتها، عرفت بمحلة آل الرحبي، وأشير إليها بهذا الاسم في وثائق القرن الثالث عشر للهجرة[61]، منهم مَن اختار السكنى في قرية بُهْرُز من أعمال مدينة بعقوبا[62]، وتولى علماء الأسرة مناصبَ الإفتاء في بغداد عدة أجيال، ومنهم من تولى الإفتاء في الحلة، وغيرهم ممن عاش في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة (18 و19م) "وكلهم علماء أعلام"[63]، قال السيد إبراهيم فصيح الحيدري - (المتوفى سنة 1300هـ/1882م) -: "هو بيت علم، وقد نشأ فيهم رجال أجلاء"[64].

 

وليس من المحدد تاريخ وفاة المؤلف، وقد ذكرت مراجع ترجمته[65] - وكلها غير معاصرة له - أنها جرت سنة 1150هـ/1737م، مع أنه كان حيًّا سنة 1162هـ/1748م، فهذا هو تاريخ إهدائه كتابه إلى سليمان باشا، في أثناء إقامته في الحلة، في ذلك التاريخ.

 

منهج الكتاب:

ألَّف كتابه هذا - كما أعلن في مقدمته - ليؤرخ فيه سيرة سليمان باشا والي بغداد، المعروف بأبي ليلة، وهو أول ولاة المماليك في بغداد وتوابعها، ونوَّه بطريقة تبويبه إياه؛ إذ ذكر أنه بدأ أولاً بذكر مناقب هذا الوالي وبعض سيرته، ثم عرج إلى ذكر سيده ومولاه والي بغداد أحمد باشا، ثم تناول مناقب أبي الأخير والي بغداد حسن باشا، ثم إنه توصَّل بعد ذلك إلى ذكر نُبَذ من تاريخ الدول السابقة، كل ذلك على سبيل الاختصار، ولا تتفق هذه الطريقةُ مع ما اتبعه في الكتاب فعلاً، فإنه قسَّم كتابه إلى أربعة أبواب تناول في البابين الأولين منها تاريخ الدول السالفة، قبل الإسلام وبعده، وخصص الباب الثالث للسيرة النبوية، ولم يخصِّص لسيرة سليمان باشا وسلفيه إلا الباب الرابع - وهو الأخير - فحسب، وحتى هذا الباب لم تحتلَّ منه تلك السيرةُ غير الفصل الأخير، بينما خصص الفصلين الأولين للحديث عن سَلفيه المذكورين، وهو ما يخرج عن شرط العنوان (ذكر الوزير سليمان).

 

ما الذي أراد به الرَّحبي إذًا حينما قدم لسيرة مترجَمه بنُبَذ عن تاريخ دول العالم، منذ الخليقة حتى عهد سلاطين الدولة العثمانية، التي كان يعيش في ظلها؟

الذي نراه أنه أراد تقديم (خلفية تاريخية) لتولي سليمان باشا الحكم، شعورًا منه أن مجيئه إلى بغداد واليًا كان يمثِّل بدايةً لتأسيس حكومة جديدة، تضاف إلى الحكومات السالفة التي تحدَّث عنها، ونرى أن هذا الشعور كان صحيحًا إلى حد كبير؛ فسليمان باشا لم يكن مجرد والٍ عثماني كغيره من الولاة الذين توالَوْا على حكم بغداد منذ أكثر من قرنين، وإنما كان أول ولاة المماليك، تلك الفئة من المماليك الكرج الذين قدِّر لهم أن يمتد حكمهم منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من الإطار العثماني لحكمهم فإنهم باتوا يشكِّلون حكومةً حقيقية شبه مستقلة عن الدولة العثمانية، إلا في الشؤون الخارجية؛ فهي (حكومة) لها مقوماتها الإدارية والاجتماعية المحلية، ومن ثَمَّ فهي تستحق في نظره أن تصطف مع الحكومات المتعاقبة الأخرى[66].

 

ومن ناحية أخرى، فقد كان من المعتاد أن يقدم المؤلِّفون إلى ولاة عصرهم مؤلَّفاتهم التي تتحدث عن تاريخ الحِقَب السابقة، حتى كان هذا التقديم أحد أسباب النهوض بكتابة التاريخ، أو أن يترجمَ بعضُهم لوالٍ بذاته، مضيفًا إلى هذه الترجمة عددًا كبيرًا من تراجم مَن شارك مَن ألِّف من أجله الكِتَابُ اسمَه، نظير ما فعله ياسين بن خير الله الخطيب العمري الموصلي - (توفي بعد 1232هـ/1816م) - في مؤلفاته: (السيف المُهنَّد فيمن اسمه أحمد)، و(غاية البيان في مناقب سليمان)، و(قُرَّة العينين في تراجم الحسن والحسين)، فيجد الوالي المذكور نفسه بين عظماء التاريخ، الذين يحملون اسمه، وهو ما من شأنه أن (يدغدغ) إحساسه بالعظمة التي عنده، ولا يبعد أن يكون هذا النوع من المؤلفات تعبيرًا عن الرغبة في تقديم الثقافة التاريخية اللازمة لأولئك الحاكمين، لا سيما وأن التاريخ لم يكن مما يُدرَّس في ذلك العصر بوصفه علمًا من العلوم التي يجري تدريسها في المدارس وفي حلقات الشيوخ، وتؤخذ فيها (الإجازات العلمية) مثلاً.

 

أشار المؤلف أحيانًا إلى مصادر متنوعة لِما أورده من موادَّ تاريخية، إلا أنه - فيما توضَّح لنا - لم يعتمدْها مباشرة، وإنما من خلال تلخيصه لكتاب واحد هو (أخبار الدول وآثار الأُوَل) لأحمد بن يوسف الدمشقي القَرَماني[67]، ومنهج هذا الكتاب شبيهٌ بمنهجه، فهو يقدِّم فصولاً عديدة يتناول كلٌّ منها تاريخ واحدة من الدول، وفي ضمنها السيرة النبوية ودول الخلفاء التالية، وقد اقتبس المؤلِّف من هذا الكتاب مادته، إلا أنه خالفه في ترتيبه لها، فبينما عرض القرماني التاريخ على وَفْق سِنِي الأنبياء، وصولاً إلى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم آل بيته، والخلفاء الأُمَويين، فالعباسيين، فالدول التالية، وفي ضمنها الدولة العثمانية حتى عهده، وبعض الدول التالية، وذلك قبل انتقاله لذكر الدول القديمة التي سبقت الإسلام؛ نجد المؤلِّف يبدأ بذكر الدول الفارسية، ثم تنقَّل بين الدول التالية من غير ترتيب زمني محدد، فهو قد تحدث عن دولة اليونانيين بعد حديثه عن دولة الغَزْنَوِيين وهكذا، وقد صرَّح هو بأنه اختصر ما نقله، وفي الواقع فإنه اختصر فصولاً بكاملها إلى نُبَذ قصيرة، ربما لأنه لم يشأ أن يثقل على قارئه الأول - وهو سليمان باشا - قراءة ما يزيد على ذلك، أو لأنه لم يملِكِ الوقتَ اللازم للتوسع فيما أورده من معلومات.

 

أما السيرة النبوية التي تشغل الباب الثالث من الكتاب، فإنه لم يشأ أن يعتمد على القرماني، وإنما لخص مادتها من كتاب لم يسمِّه، أو كتب تبحث في هذه السيرة المشرفة.

 

مخطوطة الكتاب:

من الكتاب نسخة فريدة بخط مؤلفها، في مكتبة المتحف البريطاني تحت العدد Add.7336P.6523))، ومنها نسخة مصورة في مكتبة المجمع العلمي العراقي ببغداد، برقم 49م، بحسب الترقيم القديم، وبرقم (9/ تراجم وسير) بحسب الترقيم الجديد، ونسخة مصورة أخرى في المركز الوطني للمخطوطات تحت العدد (9453)، وتقع النسخة في 45 ورقة، في كل منها 19 سطرًا، وهي بخط المؤلف، وهو خط نسخ جيد، ضبطت حروفه بالشكل[68].

 

ذكر المؤلف سبب تأليفه كتابه هذا صراحة بأنه كان بمبادرة منه، لا بطلبِ مَنْ ألَّفه من أجله - وهو والي بغداد والبصرة سليمان باشا - فقال إنه لم يؤلِّفه إلا بعد أن "نازعتْني نفسي، وأقلقني يومي وأمسي، من أن أجمع أوصافه الجميلة، ومناقبه الجليلة، في تاريخ يُنشر على صفحات الزمان"، ولم ينوِّه في تضاعيف كتابه عن مدى عَلاقته بهذا الوالي ليقوم بهذا العمل، إلا أننا نعلم أن قريبًا له - من أسرته الرحبية - كان مفتيًا في البصرة حيث تولى سليمان باشا ولايتها قبل أن توجه إليه ولاية بغداد، وأنه حينما قصد بغداد مَرَّ بالحلة؛ حيث أقام بها بعض الوقت؛ فمن المحتمل أنه أهدى الكتاب إليه في أثناء تلك الإقامة.

 

أما أسلوب المؤلف، فهو في معظم الكتاب رهينٌ بأساليب المصادر التي نقل منها، ما عدا مقدمته والباب الأخير - وهو الرابع - فإنه كتبهما بأسلوبه الخاص، وهذا الأسلوب يعتمد على العبارات المسجوعة المتلاحقة، والألفاظ المفخمة، والإطناب في المدح والثناء، مثله في ذلك مثل أكثر مؤلفات عصر المماليك، على أنه لم يشأ أن يعزِّز نثره بنماذج مما قيل من شعر فيمن ألِّف من أجله هذا الكتاب، أو في سَلَفه أحمد باشا، على الرغم من وفرة الشعراء الذين نظموا في هذا الغرض القصائدَ البليغة، والظاهر أنه رأى في ذلك تطويلاً يخرج به عن منهجه في أن يكون "في درجة الاختصار؛ ليكون أقرب إلى التناوش وأبعدَ عن الملل".

 

ولا شك في أن أهمَّ أبواب المخطوط البابُ الرابع منه؛ لأنه تضمن شهادة معاصرٍ لحوادث مهمة جرت في العراق؛ ولهذا السبب فقد رأينا أن ننشر نص هذا الباب على النحو الآتي:[69]

الباب الرابع

يتعلق في ذكر الوزير الجليل سليمان باشا والي البصرة

وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول:

يتعلق في ذكر الوزير المرحوم أحمد باشا بن حسن باشا والي بغداد

قد كان أحمد باشا[70]، الوزير المعظم، والضرغام الأفخم، والشمس على القمر، شريفَ النفس والهمَم، كريمَ الأخلاق والشِّيَم، وطئ الكَنَف، نزع الطرف، خصب الرحال، نفد الآمال، له صدرٌ يضيق عند الدَّهناء، ويفزع إليه الدَّهماء، وله في كل مكرمة غُرَّة الأوضاح، ومن كل فضيلة قادمة الجناح، وله صورة تستنطق الأفواه بالتسبيح، وتجل عن وصف [و40أ] الترشيح، ثم هو من بين أقرانه وزراء آل عثمان - ذوي المجد والشأن - بيت القصيدة، وأول الجريدة، وعين الكتبة وواسطة القلادة، ودُرَّة التاج، ونقش الفص، ومِلح الأرض، ودِرع الملَّة ولسان الشريعة، ماله للعُفاة[71] مُباح، وفعله في ظلمة الدهر مصباح.

وقد أدَّعي أن ليسَ فِي النَّاسِ مِثْلُهُ
فَلا تُنْكِرُوا أو كَذِّبُونِيبِوَاحِدِ

 

حميد الفعال، فريد الأحوال، ذو همَّة لو نزرت لم تَسَعها الأرض مضطرَبًا، وسجية لو برزت لم تحْوِها الأقلام كتبًا، فلا جَرَم أنه لما نَزَع بُرْد الحداثة، ولبس خَدَّاه طوق الشهامة، رأى السلطان أن يجذب بصنيعه إلى حيث اقتضته الفراسة، واستدعته الرعاية به، والعناية له، فاسترجحه تاج الاستخلاف مكان والده حسن باشا على عراق العرب.

 

وكانت وفاة والده في بلاد العجم، وهو إذ ذاك والي قيادة العساكر العثمانية، غازيًا على العجم، وكان ذلك لسنة ألف ومائة وستة وثلاثين[72]، وفوَّض إليه الوزارة على مَيْعة شبابه[73]، فقام بها قيام الحَدب الشفيق، وكفلها بمناصحته كفالة المؤيَّد بالنصر والتوفيق، فاشتدت مسيرته، وجدت في العدل بصيرته، وعمَّ رفقه، وشمل لطفه، حتى انطلقت لشكره ألسنة الأنام، الخاص والعام، ثم أربحهالسلطان أيضًا سياسة العسكر رتبة والده المرحوم، مع حداثة سِنِّه؛ إذ لم يكن من الوزراء أوقرُ منه حَصاة، وأوفى منه أناة، وأصلب قناة، وأصدق تقاة، وأرضى سيرة، وأذكر بصرًا وبصيرة، [و40ب] وأزكى علمًا وسريرة، وأتم جلالة وجزالة، وأعم سياسة وحراسة، نعم! ولا أقوى منه جنانًا، وأندى نباتًا، وأجرى لسانًا، وأعدل عقابًا وإحسانًا، وحدا عليه ببني الآمال[74] من أطراف البلاد، فوَسِعهم جَدًا برَغمهم نَداه، وكتبت لهم أمانًا من الفقر يداه، فأطبقوا على طاعته، وتراضوا عن طيبٍ برياسته، وتناهبوا شكرًا لله - تعالى - على ما أتاحه من بركات سيادته، ثقة بما اشتهر في الآفاق من مناقبه الغُر، وضرايبه الزهر، وأفضاله المسطورة على صفحات الدهر، فدبَّر الأمور بصرامته، ونظم المنثور بفَرْط حزامته، وتألف الجمهور برفق سياسته وزعامته.

 

ونهض بما قلد من طوق الإيناس نحو العجم[75]، كالسهم صادرًا عن وَتَرِه، والسيل ماثلاً إلى منحدره، وسار في هيئة راقت العيون، وهيبةٍ راعت القلوب، برجال تُوزن آحادهم بآلاف، وأفرادهم بأضعاف، يَرَون المَلاحم ولائم، والوقائع نقائع[76]، وصفوف الغراب عرائس، وصنوف الكُماة فرائس، ربَّتهم الحروب في حجورها، وأرهفتهم التجارب من شطورها، جنس الطواويس من وميض الحديد، ولمعان الحمر والبيض.

 

ولقد بلغ ملك العجم الشاه طهماز[77] خبرُه، فضاق عليه الحال، وانسد دونَ رائه المجال، ففكر ودبَّر، ثم عزم وقرَّر، ونادى فحشر، وثار على استقباله، عازمًا على قتاله، بعسكر كالنمل منثورًا، وكالجراد مبثوثًا محشورًا، لم يزل يزحف الفريقان بعضهم إلى بعض حتَّى إذا تراءى الجمعان، واصطف الفريقان، حثَّ الوزير أولياء الله المؤمنين [و41أ] على الفَجَرة المتمردين، فأجابوه سراعًا بقلوب محشوة بالدين، مملوءة من صدق اليقين، فما لبث الحرب هنيئة إلا وقد انقضوا عليهم انقضاض الصقور، على بغاث[78] الطيور، وفرَّقوهم بددًا، وجعلوهم طرائق قِددًا، ضربًا بالسيوف البواتك، وطعنًا بالرماح الفواتك، ورضًا للهامِ من تحت الترائك، لم يضعوا نبالهم إلا في منافِس الأشداق، ومواضع الثغر والأحداق، وافشق[79] العور، والقتل والحور[80]، وانفعل الشاه عنهم هزيمًا، وحث مركب النجاء حرصًا هشيمًا، حتى فرشت البيداءُ بجثث القتلى بين جريح بحَدَّي الحسام، وطريح من هَوْل ذلك المقام[81]: ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 62]، وضبط عدة من بلادهم أقام فيها شعار المسلمين، وأماط عنها كفر المُلْحِدين[82]، ثم عاد إلى دار السلام خافقًا بالنصر لواؤه[83]، وشارقًا بالنجم ضياؤه، وذلك فضل الله الذي أعزَّ به الدين، وأذلَّ الإلحاد والملحدين، والحمد لله رب العالمين[84].

 

الفصل الثاني:

يتعلق في ذكر حصار بغداد الكائن في سنة 1145[85]، وفي ذكر تاريخ وفاة الوزير أحمد باشا ومدة والده قد كان نادرشاه من أعيان وزراء الشاه طهماز المتقدم ذكره، أَوْلاه سياسة جيوشه وعساكره، وتدبير نظام مملكته وأموره، ولقد لقَّبه باسمه لنجابة صدرت عنه[86]، فبعد ما رجع الوزير أحمد باشا - رحمه الله تعالى - حرَّكتْه الأنَفة طلبًا للثأر، ودفعًا للعار، وتشجيعًا للأنصار، فجمع الخيول إلى الخيول، من الجبال والسهول، تاركًا المهزول والمعلول، [و41ب] آمرًا بضم الأطراف وكفْت الذيول[87]، وثار بهم نحو العراق قاصدًا دار السلام.

 

ولقد كان بلغ الوزير أحمد خبرُه في خُبث نِحلته، ودخل دخلة ودخس[88] اعتقاده، وقبح إلحاده، فضاق صدره خوفًا على المسلمين من بأسه الشديد، ومكره المكيد، فتمسك بحبل الله المتين: ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64]؛ إذ جيوشه قد تفرَّقت، وعساكره قد عتقت، وسار إلى نزل الجانب الشرقي من بغداد، وذلك في شهر شعبان لسنة ألف ومائة وخمسة وأربعين[89]، فوقع القوم في ضَنك البلاء، وخيفة اللأْوَاء[90]، فوقتئذٍ أبتْ مروءة الوزير إلا عن مبارزته، وأقسمتْ سجيتُه إلا عن مطارحته، فبارزه بخاصَّته مليًّا، ولم يكونوا إلا نُبْذة من خيوله، فتناوشا الحرب بينهما طراحًا، وأنشبا الضرب رؤوسًا وصفاحًا، ووقع الرَّضُّ والطعن، والهض[91] والطحن.

 

ووقع من الفريقين قُتَلاء غير يسير، فرأى الوزير الإصلاح أن يُغلق الأبواب، وأن يناوشهم الحرب من وراء حجاب، فانبرى مستحفظًا بها بقلب جريء، وأنف حمي، وعزم ذكي، ورأي بالصواب وديّ[92]، إلى أن ضاق الحال بالخَلق، فجعلوا يتتبعون رمام العظام على رؤوس الكُنَاسات، تعللاً بها، ومهما ذبح قصاب ذبيحة من الخيل أو البغال أو الحمير اجتمع عليه الفَوْج بعد الفوج، يتقاسمون نجيعها[93]؛ تسكينًا لحرَّة الجوع، واجتزاءً به عن القوت، ولم ينَلْ منه أحد إلا سقط لجنبه، وجاد عن كثب بنفسه، ووصلت قيمة [و42أ] وزنة بغداد[94]هنالك إلى مائتين وخمسين غرشًا، وترى الناس بين غلام وشاب وكهل وشيخ وفتاة وعجوز يتداهنون الخبز، أو يذوون على أنفسهم، حتى تغورَ عيونهم، وتجب للموت جنوبهم، واستحكم اليأس عن حَلِّ عقالهم، وانقطعت الأطماع عن قرع باب خلاصهم[95].

 

وكان الوزير لم يزل يستطير بالأخبار عن كيفية حالهم إلى الدولة العلية العثمانية، يستمد العسكر لدفع هذه الغمة عن هذه الأمة، إلى أن أدركهم فرج الله بالعساكر المنصورة العثمانية، وكان والي قيادتها إذًا طوبال عثمان باشا[96]، فلما أشرف على نادرشاه طارحه الحرب، وأرهقه الكفاح، أجفل إجفال الظلم، واقتسمت الهزيمة أصحابه بين القتل والتنكيل، والأَسْر والتذليل، وولي بلاده منهزمًا، ومن مرامه خاويًا، وذلك في أوائل صفر لسنة ألف ومائة وستة وأربعين[97]، فلم يلبث إلا قليلاً حتى نشأ نشأة ثانية أعاد فيها الإعادة، وأثنى الإثارة، بعد أن ألوى[98] عسكر الروم[99] عنان العَوْد والرجوع، وتفرَّقوا شعبًا[100]، فاشتد الحال على أهل الزوراء، واستفزهم الرعب والوجل، وألوى أحلامهم الخوف والوهل، فإذ لم يسع الوزير - رحمه الله - إلا أن يجذب مصافاته، ويشذب مكايدقومه، فإنه صونٌ للمُلك والدين، وحفظٌ لأعراض المسلمين، وجبرٌ لضعف الفقراء والمساكين، فأرسل بتحفميار[101] موفودة على صدق الإخلاص، وصفو الإمخاض، مقصورة بطلب صلحه، فأجابه مطاوَعةً لِما أمر[102]، ومتابعة لِما رسم وحرَّر، وسار عن ذلك قريبًا بعد أن وصل زائرًا رابع الخلفاء، وولده الشهيد بكربلاء - رضي الله عنهما.

 

ولم يَزَل على ذلك يُهاديه ويُحابيه ويصافيه، ويردِّد السفراء على ربابة هذه الحال، وتوكيد عقدة الوصال، مستكفًّا شرَّه، مستدفِعًا بؤسه وضُرَّه إلى أن قتل، وذلك لسنة وفاة الوزير المرحوم أحمد باشا، وكانت وفاته على شاطئ ديالة في الساعة الثامنة من يوم الخميس من اليوم الرابع عشر من شهر شوال لسنة ألف ومائة وستين[103]، وكنت أرخت وفاته في لفظة (غسق) من قولي:

تميت غسق الكون لانعدام ضياه
أحمد الخلق أرخا غسق[104]

 

 

وكانت مدة ولائه ببغداد اثنين وعشرين سنة[105]، ومدة ولاء والده حسن باشا إحدى وعشرون سنة[106]، رحمهما الله - تعالى - رحمة الأبرار، وأسكنهما الجنة دار القرار، وحشرهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقًا، آمين.

 

الفصل الثالث:

يتعلق في ذكر صفات الوزير المعظم تاج الوزراء سليمان باشا عظَّم الله شأنه، وأعلى سلطانه، وبلغه ما تمناه[107] الراجح في موازين العقل، السابق في ميادين الفضل، المُسترضع ثَدْي المجد، المُفترِش حجر الفضل، الواسع الحلم، الجميل السِّلم، الذي لم تستهوِ في الحداثة ولا قصرت به همةٌ عن السمُّو إلى كل منزلة للدولة العلية العثمانية، غُرة تلك الدولة، وإنسان [و43أ] تلك المقلة، وطراز تلك الحلة[108]، لما رزقه الله من محاسن الشيم، والفوز بمعالي الهِمَم، والسخاء بمعاظم الجود والكرم، قد جمع الله له من الميل إلى خصائص الأدب، والبعد عن مكامن الرِّيَب، ما دلَّ على أنه واحد زمانه، وشرف أقرانه، وفخر سلطانه، هو الذي تحيا القلوبُ بلقائه، قبل أن تأمن الفقر بعطائه، وهو البحر ابن السحاب، والبدر ابن الشهاب، والضرغام الذي لا يشوبه الطراح[109] جفاءً، والنار التي لا يخمدها الماء ذكاءً[110]، والسيف الذي لا يألف القراب مضاءً، والسعد[111] الذي يلي وَتَد السماء نكاءً ونماءً، فعطارد تلميذ شهامته، والمشترى مشترى من سعادته، وثاقب النجم عبد دهائه، وشارق الشمس خادم رائه ورُوائه، ففي نموِّ الظلم شبا[112] شبوب النار فوق العَلَم، وصفا صفاءَ الماء مرشومًا[113] على الفدم[114]، إن له همة على هام الجوزاء مرفوعة، ونية على صدق الولاء مطبوعة، وشجاعة على أفراس الضَّيَاغم منزوعة، وسعادة الخافقين مسموعة، على أن من تقدمه من الوزراء، ومن كان في زمانه لو نشروا في صفحات المدح، ونكتات النجم بالضم والطرح، لكان كطراز الفجر للظلام، وكالإضاءة للقيام، وله من سماحة الكف ما لم يبلغه الأوائل والأواخر، بل ومن النظر في مرآة الدفاتر، شعر:

يَفْنَى الكلامُ ولا يُحِيط بوصفِه
أيُحيطُ ما يَفنَى بما لا يَنْفدُ

 

[له بالزهرة الغرَّاء[115]، من نجوم ولده[116]، وأي نجم كان فلك المعالي مَدده، لم تبعد داره إلى مدار النجوم والأفلاك، وأزواج الملكات الأملاك، وجرى من الاستبشار باتحاد النفوس، وصب الميار[117] الغرار، كالغيوث الغرار[118]، ما أرخ به كتاب الدهر، ورسم بذكره سالفة العصر.

 

ثم ولاه على ما في تحت كفالته من عراق العرب لتدبير عشائر العُربان، وأصناف أهل البلدان، فنهض بذلك رشيد السيرة، حميد السريرة، عادل الطريقة، فاضل الخليقة، خليقًا بالوكالة على الحقيقة، وعمَّ به الأمن والسكون، وشمل به العدل والهدون[119]، ومهما أظهرت من العشائر فئة الفساد، ركب عليهم ركوب العاصف أكتاف الجهام والفارغ يطوي الأرض طي المهارق[120]، حتى يكشف صفوفهم، ويرغم بالذل أنوفهم، بسيوف تلغ في الدماء، وترتشف أحساء الأحشاء[121]، ومن هيبته استحالت قواهم هباء، وطارت قلوبهم هواء، وترى وردهم دائمًا: ﴿ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 18]؛ وذلك لصميم قلوبهم لازم.

 

وبعد انتقال الوزير أحمد باشا إلى جوار ربه، نشطت همته، عند مُكابَدات الأعداء، وعلا سَعدُه على فلك السماء، ولا جَرَم أن الله حماه [و44أ] وصانه، وأرأف به سلطانه، وعمَّر بالعز مكانه، ووصم مَن شان شأنه، مَتعنا الله بولائه بدار السلام وطول حياته، وأرغم أنوف حُسَّاده وعداته، وجعله من الفائزين يوم الدين آمين، والحمد لله رب العالمين.



[1] يُعرَف المماليك في التاريخ العثماني باسم (كُوله مَنْد)، وهي كلمة تركية تعني الأرقاء، لا سيما البيض منهم.

[2]- جب وبوون: المجتمع الإسلامي والغرب، ترجمة أحمد عبدالرحيم مصطفى، القاهرة 1971 ج1 ص120.

[3] محمد جميل بيهم: فلسفة التاريخ العثماني، بيروت 1925 ص150 - 151، ومحمد أنيس: الدولة العثمانية والشرق العربي، القاهرة ص 76 - 77.

[4] جب وبوون: المجتمع الإسلامي والغرب، ج1 ص266- 268.

[5] مرتضى نظمي زاده: كلشن خلفا، النجف 1971 ص212، وأحمد بن عبدالله الغرابي: عيون أخبار الأعيان: ورقة 91 (نسخة باريس)، وياسين العمري: الدر المكنون: ص464 (نسخة المتحف البريطاني).

[6] كلشن خلفا ص212 - 222، وكاتب جلبي: تقويم التواريخ ص 138 - 144.

[7] سليمان فائق بك: تاريخ المماليك الكوله مند، ترجمة نجيب أرمنازي، بغداد 1961 ص 14.

[8] عباس العزاوي: تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، بغداد 1955، ص 4.

[9] كان أبوه سباهيًّا (فارسًا إقطاعيًّا) في (قترين) من (الروم ايلي)، ونشأ هو في سراي السلطان بالعاصمة، وتولى عدة مناصب؛ أولها كان تعينيه بمنصب (جيفرجي باشى)، فلبث يشغله ست سنين، ثم ضم إليه منصب (إمارة العلم)، ثم جعله السلطان مصطفى الثاني رئيسًا للبوَّابين (وهو منصب رفيع)، وتولَّى بعد ذلك ولاية قونيه، فحلب، ثم الرها وآمد، ثم بغداد؛ انظر: عبدالرحمن السويدي: حديقة الزوراء في سيرة الوزراء، بتحقيقنا، بغداد 2003، ص43 - 66.

[10] تاريخ جودت ج 1 ص 377، ترجمة عبدالقادر الدنا، بيروت، وسليمان فائق: تاريخ المماليك الكوله مند ص 24 - 25.

[11] ورود حديقة الوزراء؛ الورقة 2.

[12] دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار، للشيخ محمد بن سليمان الجزولي، المتوفى سنة 854هـ/1450م.

[13] ورود حديقة الوزراء؛ الورقة 20.

[14] تاريخ المماليك الكوله مند ص25.

[15] ويلاحظ في هذا الصدد أن المماليك في مصر حكموا البلاد دائمًا بوصفهم طبقة عسكرية ممتازة، استأثروا بالحكم وبشؤون الحرب، ونظروا إلى الأهالي على أنهم أقل منهم درجة أو درجات، وكانت تربيتهم تعتمد على فصلهم التام عن سائر طبقات المجتمع، بل وفصل كل طائفة منهم عن غيرها من طوائف المملوكين، وكان لكل منها موضع خاص تقيم فيه وتنسب إليه؛ كالمماليك البحرية، والمماليك البرجية، وقد دأبت حكومة المماليك دائمًا على تحذير الناس من انتقال مملوك من المماليك عن طريق البيع إلى أحد من غيرهم، وبذلك لم يكن لأهل البلاد أي نصيب في إدارة شؤون بلادهم، مما أحدث فجوة كبيرة بين طبقة المماليك من جهة، وسائر طبقات المجتمع المصري من جهة أخرى، وهذا ما حاول حسن باشا تلافيه في تجربته المذكورة في العراق؛ انظر للمقارنة بين نشأة النظامين: دكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: العصر المماليكي في مصر والشام، ص 308 - 311.

[16] تاريخ المماليك الكوله مند في بغداد ص25.

[17] جب وبوون: المجتمع الإسلامي والغرب ج1 ص275.

[18] سليمان فائق، تاريخ المماليك الكوله مند ص65.

[19] نيبور، كارستن: رحلة نيبور إلى العراق في القرن الثامن عشر، ترجمة محمود الأمين، بغداد 1965، ص 68.

[20] جب وبوون: المجتمع الإسلامي والغرب ج 1 ص117.

[21] تاريخ المماليك الكوله مند ص25.

[22] من الذين أتيحت لهم هذه المعرفة الواسعة: داود باشا، آخر المماليك في العراق؛ انظر قائمة العلوم التي درسها، ومشايخه العديدين فيها، عثمان بن سند البصري: مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود، بتحقيقنا، ط2، بيروت 2010، ص 535 -570.

[23] جب وبوون: المجتمع الإسلامي والغرب ج 1 ص 117.

[24] Fraser, J.B.: Travels in Koordistan, Mesopotamia. London 1840 Vol. 1, p. 245..

[25] رحلة نيبور ص 115.

[26] فائق: تاريخ المماليك الكولة مند ص25 وIslam Ansiklopedisi, Istanbul 1945 Baghdad, by M. Cavid Baysun, Vol. 2, p. 208..

[27] يثير لونكريك عدة تساؤلات بشأن عدد هذه المدارس، ومدى اختصاصها بالمماليك، انظر: أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ط4، بغداد 1968 ص198-199.

[28] يقدم آيفز بعض الإيضاحات بشأن هذه النقطة، فهو يشير إلى ضرورة تمسك المملوك باحترام سيده، والوقوف بحضرته، حتى ولو بلغ منصبًا أرقى من منصب سيده؛ (إذ لا يمكن مطلقًا أن يصبح غافلاً عن وضعه الأصلي)، ويذكر أن مملوكًا لرجل كان يشتغل بصناعة الأزر في البصرة، أصبح حاكمًا لهذه المدينة، لكنه بقِي حريصًا على احترام سيده القديم الذي كان لا يزال يمارس هذه الحرفة.

Ives, E.: A Voyage from England to India, London 1760 p. 57.

[29] جب وبوون: المجتمع الإسلامي والغرب ج1 ص119.

[30] Dupre, A.: Voyage en Perse, Paris 1819, Op. Cit., 11, p. 142.

[31] مرتضى نظمي زاده: كلشن خلفا ص330، ورسول الكركوكلي: دوحة الوزراء ص26، والسويدي: حديقة الزوراء ص282-251.

[32] الورقة 40 .

[33] Ives, E.: Op. Cit., p. 258.

[34] لونكريك ص201.

[35] المخطوط، الورقة 40.

[36] المصدر نفسه ص21.

[37] سكب الأدب على لامية العرب، تحقيق مهند مجيد برع العبيدي، رسالة ماجستير، مقدمة إلى كلية التربية بجامعة تكريت 2005، 139.

[38] Ives, E.: Op. Cit., p. 282.

[39] ينظر بحثنا: طبقة التجار في العراق في عهد المماليك؛ مجلة ميزوو، أربيل، العدد 15، 2010.

[40] دوحة الوزراء ص103 - 106، وياسين العمري: غاية المرام ص183.

[41] تاريخ شمعداني زاده الورقة (77، و141، و158، و168)، ويذكر مؤرخ موصلي معاصر أنه لَمَّا ولي أحمد باشا على بغداد عقب وفاة سَمِيِّه أحمد باشا بن حسن باشا "خرج من بغداد سليمان باشا ومعه أتباع مخدومه ومماليكه، وتوجَّه إلى البصرة وأقام، إلى أن وَلِي بغداد سنة اثنين وستين، فقدم إلى بغداد ودخلها؛ (مجهول: روضة الأخبار في ذكر أفراد الأخبار، بتحقيقنا، ص23)، لا ندري ما إذا كان سليمان قد اصطحب معه معظم مماليك الواليين السابقين، حسن باشا وأحمد باشا، أم أنه اقتصر على أتباعه من أولئك المماليك، ومن المرجح أن أغلب أتباعه كانوا من مماليك أحمد باشا فقط، الذي هو صِهره.

[42] رحلة نيبور ص 57.

[43] وصف محمد سعيد السويدي هذه المعركة تفصيلاً في كتابه: ورود حديقة الوزراء بورود وزارة مواليهم في الزوراء، بتحقيقنا، دمشق 2012 ص 44 - 52.

[44] المصدر نفسه، الورقة 5.

[45] دوحة الوزراء ص 106، وقد أورد أحمد واصف نص فرمان تعيينه (محاسن الآثار، إستانبول 1219 ج 1 ص 137)، وذكره أيضًا عبدالله الفخري: تاريخ نشاطي، الورقة 55 (نسخة المركز الوطني للمخطوطات في بغداد). و

Baysun, C.: Baghdad (Is. Ans., 2, p. 209).

[46] ويقدِّم المؤرخ الرسمي شمعداني زاده تفصيلات مهمة بشأن ظروف تولية سليمان باشا، فيذكر أن المماليك نجحوا في إثارة فتنة بين الينكجرية وسائر العسكر، بحجة تأخر العلوفات (المرتبات)، مما أدى إلى حدوث قتال بين الطرفين، عزل على أثره الوالي العثماني المعين حديثًا؛ (مرأى التواريخ، الورقة 229، نسخة مكتبة جامعة القاهرة)، ويلاحظ أن هذا الأسلوب في إحراج السلطة المركزية، هو الذي كان يتبعه الجليليون في الموصل، عند تعيين والٍ غريب فيها؛ انظر لانزا، دومنيكو: الموصل في الجيل الثامن عشر حسب مذكرات دومنيكو لانزا ص17 - 18.

[47] رحلة نيبور ص 58.

[48] تاريخ المماليك الكوله مند ص25.

[49] أحمد جودت: تاريخ جودت، إستانبول 1302 ج 1 ص 27، ولونكريك ص 204.

[50] سليمان فائق: مرآة الزوراء في أخبار الوزراء، نشر بعنوان تاريخ بغداد، ترجمة موسى كاظم نورس، بغداد 1962 ص79.

[51] رحلة نيبور ص 69.

[52] سكب الأدب، ص 145.

[53] الدر المكنون في المآثر الخالية من القرون، الورقة 305.

[54] روضة الأخبار في ذكر أفراد الأخيار ص24.

[55] ديوان عبدالرحمن السويدي، بتحقيقنا ووليد الأعظمي، بغداد 1998، ص82.

[56] دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء، ترجمة موسى كاظم نورس، بيروت بلا تاريخ، ص132.

[57] ورود حديقة الوزراء، الورقة 4.

[58] كتابنا: عادلة خاتون، صفحة من تاريخ العراق، بغداد 1997.

[59] هويد: رحلة من ساحل مالابار إلى القسطنطينية، ترجمة سعاد محمد خضر، السليمانية 2011، ص135.

[60] تقع الرَّحبة على بعد 5 كم جنوب مدينة الميادين التابعة لمحافظة دير الزور.

[61] جاء في وقفية الحاج إسماعيل بن محمود أفندي الرحبي - المؤرخة في 20 جمادى الآخرة من سنة 1225هـ - أنه وقف دارَين "في محلة آل رحبي زاده، وباغجة (حديقة) ملحقة بالدارين المذكورين"؛ كتابنا: معالم بغداد في القرون المتأخرة، بغداد 2000، ص 39.

[62] إبراهيم الدروبي: البغداديون أخبارهم ومجالسهم، بغداد 1958، ص136.

[63] الدروبي ص136.

[64] إبراهيم فصيح الحيدري: عنوان المجد في أحوال بغداد والبصرة ونجد، بغداد بلا تاريخ، ص92.

[65] جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، بيروت 1967، ص323، وعمر رضا كحالة: معجم المؤلفين ج 12 ص 179 وBrock.,II,373,374.

[66] التاريخ والمؤرخون ص 39.

[67] طبع ببغداد على الحجر، مطبعة كامل التبريزي، سنة 1282هـ.

[68] التاريخ والمؤرخون ص 149.

[69] حققنا الكتاب كاملاً وهو في سبيله إلى النشر إن شاء الله.

[70] مؤسس نظام المماليك في بغداد وتوابعها، تنظر المقدمة، وكتب عبدالرحمن السويدي سيرته في كتابه (حديقة الزوراء في سيرة الوزراء)، وترددت أخباره في ضمن حوادث عصره، وأهمها كتاب (كلشن خلفا) لمؤلفه مرتضى نظمي زاده، ومؤلفات ياسين العمري، ومنها (الدر المكنون)، و(الآثار الجلية في الحوادث الأرضية)، و(عمدة البيان في تصاريف البيان)، و(قرة العين في تراجم الحسن والحسين)، و(غاية المرام في تاريخ محاسن بغداد دار السلام).

[71] العفاة: الأضياف وطلاب المعروف.

[72] توفي تحت أسوار همدان، محاصرًا لها، في غرة جمادى الآخرة من هذه السنة، ونقل جثمانه إلى بغداد؛ حيث دفن قرب مرقد الإمام الأعظم؛ تاريخ كوجك جلبي زاده ص180، ودوحة الوزراء وحديقة الزوراء.

[73] وجهت إليه الوزارة مع القيادة العامة في 23 جمادى الآخرة من السنة نفسها.

[74] كذا في الأصل.

[75] التحق بالجبهة في همدان في 7 شوال من سنة 1136هـ.

[76] النقيع: الماء والشراب.

[77] هو (طهماسب ميرزا) آخر سلاطين الدولة الصفوية، تولى العرش سنة 1142هـ/1727م، وقتله نادرشاه سنة 1145هـ/1732م.

[78] طائر صغير لونه لون الغُبار، بطيء الطَّيران، طويل العنق.

[79] فشق: كسر.

[80] كذا في الأصل، ونقول: عاصر عبدالرحمن السويدي هذه الحوادث، ومنها تقدم جيش أحمد باشا في إيران، ونقل ممن شارك في هذه الحملة معلوماته، فقال في حديقة الزوراء ص314: "وعلى رأس الأربعين - [يريد 1140هـ] - أمر بالمسير إلى الجهاد، واغتنام الأجر الكبير، وتخليص هاتيك البلاد، فسار بذلك الخميس يفري الصحاصح الطامسة الأعلام، ويمتطي الوهاد والآكام، ولما أشرف بليوث العَرِين الفرسان، ودخل خانقين حمى كرمان شاهان، أطاعه أهلها فرحًا وسرورًا؛ إذ لم يحلَّ بهم سابقًا ضررًا وشرورًا، وسلَّموه مفاتيح البلدة، ولم يستحسنوا كفه ورده، علمًا منهم أن نير سعده مطالع فلك الإقبال، وكوكب مجده ساجم طالع الغلبة على كل حال، فلما دخل كرمان شاهان جلس فينة للاستراحة من وَعَثاء السفر، وأمر بالنزول جميع العسكر، ثم قفل بأشباله وكماته وأبطاله، وأمَّ همذان إذ حل قريبًا منها شاه أصفهان - [يريد: الشاه طهماسب الصفوي] - فلما قاربها رآها متأهبة للحصار، متحصنة للرجال والنار، وإن الشاه قادم من ناحية أصفهان، وأنه لم يصل بعد إلى همذان إلا أن بينها وبينه مقدار ثلاثة أيام، فحينئذٍ جمع الدستور وجوه الأمراء ورؤساء الجند العقلاء، فأحدقوا به وقوفًا، وصفوا حوله مئات وألوفًا، فقال: إني قد جمعتكم لأمر أستشيركم في تدبيره؛ إذ ما ندم من استشار، وأستخيركم في حصوله وتيسيره، إذ ما خاب مَن استخبر واستخار، هذه همذان قد ملئت رجالاً وأبطالاً، وإنها قد تحصَّنت أشد من تحصنها بالأمس، وتأهَّبت أكثر من تأهبها الأول بالعدة والنفس، وهذا الشاه قد أقبلت طليعته، وقربت عصابته وكتيبته، فأي الأمرين نبادره، أحصار همذان وشن الغارة عليها، أم قتال الشاه، فما رأيكم؟ فسكت الجميع عن الجواب، إلا شيخًا منهم بادره بالخِطاب، فقال: الرأي أن نحارب الشاه أولاً، فإن نحن غلبنا استولينا على همذان وجميع ما في إيران من البلدان، وإن غلبنا لن نقدر على فتح قرية فضلاً عن أمصار أصفهان.. فقال الوزير: هذا الذي حاك في صدري، وانطوى عليه سجف سري، فسار بالجنود المنصورة، والعساكر المجبورة المحبورة".

[81] وصف السويدي خسائر الإيرانيين في حديقة الزوراء ص317.

[82] حديقة الزوراء ص314، ورسول حاوي الكركوكلي: دوحة الوزراء ص 26، ويذكر المؤرخ العثماني شمعداني زاده أن تاريخ المعركة هو في 13 ربيع الأول سنة 1144هـ/ 23 أيلول 1731م، مرأى التواريخ، مخطوط في مكتبة جامعة القاهرة، الورقة 148.

[83] وصف السويدي دخول أحمد باشا بغداد، وسجل ما قاله الشعراء بتلك المناسبة؛ حديقة الزوراء ص 318 -329.

[84] في الأمر الموجه إلى أحمد باشا بتاريخ الأول من ربيع الأول سنة 1143 - (الأرشيف العثماني، دفتر مهمة 136 ص221) - أن الشاه الإيراني بعث رسوله إلى إستانبول برسالة فيها عقد اتفاقية الصلح والمسالمة بين الطرفين، وقد زوده السلطان ببعض الشروط، "وحتى الآن لم يرد أي رد من الشاه الإيراني عليها".

[85] في الأصل: 45.

[86] وهو (طهماسب قولي خان)؛ أي: عبد طهماسب.

[87] كفت: ضم بعضها إلى بعض.

[88] الدخس: الورم في الحافر.

[89] ويوافق أوله 17 كانون الثاني 1733م، وذكر عبدالرحمن السويدي أن نادرشاه "نزل فحاصر بغداد في الخامس والعشرين من رجب هذه السنة"؛ أي: سنة 1145هـ، ويوافق 10 كانون الثاني 1723م؛ حديقة الزوراء ص 341.

[90] اللأْواء: شدة الحرب.

[91] الهض: الكسر والدَّقُّ.

[92] الوَرِيُّ هنا: السَّمينُ.

[93] النجيع: دم الجوف.

[94] كانت وزنة بغداد في مفتتح القرن التاسع عشر تعدل أربعة أمنان، ويعدل المن 3,275 كغم، فتكون الوزنة 13،100 كغم؛ هنتس: المكاييل والأوزان الإسلامية، ترجمة كامل العسلي، عمان 1970 ص 46.

[95] أجاد المؤلف في وصف حالة الضيق والجوع الشديد الذي أصاب أهل بغداد في أثناء هذا الحصار الخانق، الذي فرضه على مدينتهم نادرشاه، وقال عبدالرحمن السويدي: "ومع هذا الجوع العظيم، والهلاك العميم، أهل بغداد لم يُطَأْطئوا للملعون رأسًا، ولم يُظهِروا له حزنًا وبأسًا، بل يظهرون الغنى، وينفُون العناء، محافظون السُّور، مانعون العدو من الدخول والعبور"؛ حديقة الزوراء ص353.

[96] طوبال: لفظ تركي بمعنى الأعرج، قائد عثماني كبير، ولد في سنة 1104هـ/1692م، وتقلب في المناصب الإدارية في الروميلي؛ أي: الممتلكات العثمانية في أوربا، ثم نال رتبة الوزراء، وتقلد الصدارة العظمى، لكنه عزل وولي تبريز، في أثناء سيطرة العثمانيين عليها، ثم أرضروم وتفليس، وولي قيادة الجيش الذي أرسل لفك حصار نادرشاه عن بغداد، وقد استطاع أن يدحر جيش نادرشاه في معركة شرسة عند شاطئ نهر العظيم، في أدنى مدينة كركوك، وأن يدمر معسكره، وأن يفك الأسرى ومنهم نساء هناك، ويمضي إلى بغداد ليدخلها بعد سبعة أشهر من الحصار؛ حديقة الزوراء ص364، ودوحة الوزراء ص 34 - 35، وشمس الدين سامي: قاموس الأعلام ص 3127، ومحمد ثريا: سجل عثماني، إستانبول 1308، ص 28.

[97] وصل خبر هزيمة نادرشاه ونهب معسكره إلى بغداد في 7 صفر سنة 1146هـ/29 تموز 1733م؛ حديقة الزوراء ص 364.

[98] ألوى بهم: أهلكهم.

[99] الروم مصطلح أريد به في هذا العصر: الترك.

[100] وكان طوبال باشا قد قدر الموقف على أساس أن الجيش الإيراني لن يستطيع مواصلة القتال مرة أخرى، فعاد معظم الجيش العثماني إلى مقراته في المدن المتباعدة التي جمع منها، على أن نادرشاه نجح في تجميع قواه، وباغت ما تبقى من هذا الجيش، في معركة سريعة جَرَتْ في أطراف كركوك من سهل العظيم، فقتل طوبال في المعركة، ويذكر المؤرخون العثمانيون - (شمس الدين سامي: قاموس الأعلام ص 3127، ومحمد ثريا: سجل عثماني، إستانبول 1308، ص 28) - أنه دفن في شهرزور، حيث لقي مصرعه؛ وشمس الدين سامي: قاموس الأعلام ص3127، ومحمد ثريا: سجل عثماني، إستانبول 1308، ص28.

بينما ذكر لونكريك أن نادرشاه أمر بإرسال جثته إلى بغداد برفقة أحد الأسرى؛ (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ترجمة جعفر خياط، ص179).

[101] الميار: جامع المِيرة؛ أي: المؤن.

[102] طلب نادرشاه الصلح بسبب ما وصل إلى علمه من اضطراب الأحوال في بلاده، نتيجة تمرد بلوج خان ومحاولته الاستيلاء على الحكم؛ دوحة الوزراء ص35.

[103] الموافق 18 تشرين الأول سنة 1747م.

[104] غ=1000، س:60، ق: 100، فالمجموع 1160.

[105] تولى بغداد مرتين، الأولى من 1136هـ إلى 1147هـ/1724 - 1734م، والأخرى من 1149هـ إلى 1160هـ/1736 - 1747م.

[106] تولى بغداد من 13 صفر سنة 1116هـ/1704م إلى 1136هـ/1704-1724م.

[107] تنظر مقدمتنا لهذا الكتاب، وأخباره في مصادر عصره، وأهمها: رسول حاوي الكركوكلي "دوحة الوزراء ص 106 – 132"، وياسين العمري "زبدة الآثار الجلية ص 108 - 110، 119 - 120، 138، 167، 228 - 229"، والدر المكنون، الورقة 303 - 306، وغاية المرام ص 183 - 184، ومجهول "روضة الأخبار ص 21 -25"، وسليمان فائق "تاريخ المماليك الكوله مند في بغداد"، ترجمة محمد نجيب أرمنازي، بغداد 1961، ص 16 -35، فائق: مرآة الزوراء في سيرة الوزراء، ترجمة موسى كاظم نورس، نشر بعنوان (تاريخ بغداد) بغداد 1962، ص17، 29، 163، 164، غير ذلك.

[108] الحلة: الثوب الجديد الجيد.

[109] الطراح: المكان البعيد.

[110] الذكاء هنا: الجمر الملتهب.

[111] السعود، واحدها سعد: كواكب.

[112] شبا النار: أشعلها.

[113] رشم: وسم وكتب.

[114] الفدم: القربة والدن.

[115] هي عادلة خاتون، ابنة أحمد باشا، نوَّه بها عبدالرحمن السويدي، فقال: "صالحة وقتها وزمانها، وزاهدة عصرها وأوانها، كريمة الشمائل، جميلة الخصائل، ذات الجمال الباهر، والكمال الظاهر، والحِلم الوافر، والعقل المتكاثر، والحسب الذي أربَى على غمدان، وناف على الخورنق وشهلان، العفيفة، ذات الأخلاق الحسنة، عادلة خاتون"؛ حديقة الوزراء ص329.

وأثنَى عليها أيضًا أخوه محمد سعيد السويدي، فقال: "العالِمة العارفة، العليمة الكاتبة، أم الخيرات، وصاحبة المَبَرَّات، الدُرَّة المصونة، والفريدة المكنونة، عادلة خانم بنت الوزير أحمد باشا المذكور؛ ضوعفت له الأجور - فعَقد نِكاحها عليه، وعمل لها أفراحًا وزينة ما عهد مثلها إلا لبنات السلاطين، فحظي بها المترجَم، وحَظي عند سيده الوزير المذكور [بـ]مكانة رفيعة"؛ ورود حديقة الوزراء، ص 37.

ووصفها مؤرخ غير معروف - لا نظنه إلا ياسين العمري الموصلي - بقوله: "أم الخيرات، زبيدة العصر"؛ روضة الأخبار ص25.

قلنا: تمتعت عادلة خاتون بشخصية قوية أثَّرت في حكم زوجها سليمان باشا المذكور، فأدت أدورًا سياسية مهمة، وكان لها أتباعها المؤثرون في الحياة العامة، ومن مآثرها الخيرية الكثيرة إنشاؤها جامعين كبيرين في بغداد في السنوات 1163 - 1168هـ/1749 - 1754م، نُسِبا إليها، أحدهما ضم مدرسة وخزانة كتب، فضلاً عن ثلاثة خانات تجارية، ودار لإقامة قضاة بغداد قرب المحكمة الشرعية، وسقاية للماء تأخذ من بئر عميقة تقع عند شاطئ النهر، بواسطة دولاب، كما أنشأت خانًا في منطقة قوش تبة على الطريق بين كركوك وأربيل، صار سببًا لنهوض قرية بهذا الاسم - (والآن هي بلدة زاهرة) - وقد وقفت على منشآتها الخيرية هذه أراضي واسعة ومستغلات نافعة، رصدتْها في وقفياتها الحافلة بالعقارات والبساتين والأرضين، وكنا قد ألفنا كتابًا في سيرتها بعنوان (عادلة خاتون صفحة من تاريخ العراق)، طبع ببغداد سنة 1997، 86 ونعد طبعة موسعة منه الآن.

[116] لم يكن لأحمد باشا من الولد عدا عادلة المذكورة غير أختها الصغرى عائشة خاتون.

[117] الميار: جمع الميرة، وهي المؤونة.

[118] الأمطار التي تنهال بسرعة.

[119] الهدون: الهدوء.

[120] الصحراء الملساء.

[121] عرف سليمان باشا بـ"أبوليلة، وأبو سمرة"، ودواس الليل؛ لقيامه بشن حملات ليلية ناجحة على بعض العشائر التي كان تعلن (تمردها) على سلطة الدولة، أو تقطع طرق المواصلات؛ دوحة الوزراء ص 132، وذكر الرحَّالة هويد في هذا الصدد: "أظهر سليمان قسوة وحزمًا كبيرينِ تجاه العرب، وكان دومًا يهاجمهم فجأة لدرجة لا يكادون يجدون الوقت للفرار إلى الصحراء"؛ رحلة من ساحل مالابار إلى القسطنطينية، ترجمة سعاد محمد خضر، السليمانية 2011، ص 136.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • جولة مع مؤلفات الآلوسي رحمه الله المطبوعة والمخطوطة
  • استدراكات على بحث مخطوطة ترجمة العلامة السيوطي
  • مخطوطة إرشاد الغاوي بل إسعاد الطالب والراوي للإعلام بترجمة السخاوي ( دراسة نقدية لنسختي آيا صوفية ولايدن )
  • 170 ألف كتاب و11 ألف وثيقة تخدم 60 ألف باحث سنويا
  • استعادة مخطوط يمني نادر يعود للقرن السادس الهجري كان في إيران
  • أما آن للمغرب المطالبة بمخطوطاته في "الإسكوريال"..؟
  • الكويت تساهم في " تحقيق النص التراثي " وحفظه
  • قراءة في مخطوطة نزهة الأدباء للسهروردي

مختارات من الشبكة

  • قراءة موجزة حول كتاب: قراءة القراءة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أهمية القراءة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ملخص مفاهيم القراءة بقلب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة تحفة الإخوان في قراءة الميعاد في رجب وشعبان ورمضان (نسخة رابعة)(مخطوط - ملفات خاصة)
  • مخطوطة تحفة الإخوان في قراءة الميعاد في رجب وشعبان ورمضان (نسخة ثالثة)(مخطوط - ملفات خاصة)
  • مخطوطة تحفة الإخوان في قراءة الميعاد في رجب وشعبان ورمضان (نسخة ثانية)(مخطوط - ملفات خاصة)
  • القراءة المقبولة والمردودة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقل رب زدني علما(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • قياس وتدريبات القراءة بقلب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • منهج الزمخشري في الاستشهاد بالقراءات القرآنية(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- توضيح
محمد امين الرحبي - العراق 28-02-2018 11:13 PM

إن محمود الرحبي مفتي الحلة هو بن عثمان الرحبي مفتي الحلة أيضا بن محمدمفتي الشافعية في بغداد بن عبد الرحمن بن علي الرحبي وان محمد الرحبي مفتي الحلة هو ابن عم محمود مفتي الحلة وهو محمد بن عبد الغفور مؤلف كتاب نزهة المشتاق في علماء العراق

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب