أحكام العيدين وما يتعلق بهما

ملخص الرسالة

المقدمة:

الحمد لله الذي شرع الأعياد إبهاجًا للعباد، وإكرامًا وإسعادًا لهم؛ لتتعلَّق بالطاعات قلوبُهم، وتزكو بالعبادات نفوسُهم، فيقدمون عليها من غير سأم ولا ملل؛ ترويحًا عن النفوس فينةً بعد فينة، فسُبحانه من مُشرِّع حكيم، جعل المسرَّات والأعياد خاتمةَ العبادات، زيادات على الحسنات والمثوبات.

والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ الذي أتانا بشريعةٍ شاملة كاملة، شملَتْ بأحكامها ما تستَلزِمه حياة المسلمين، وبِمُرونتها ما يتحقَّق بها سعادتهم ويستَغنُون بها عن كلِّ نظام مُحدَث أو منهج وضعي، فوضحت السبيل للمؤمنين، وفصَّلت الأحكام لهم، وتركهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - بها على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فتَراها اهتمَّت بأيَّام جدِّهم وسعيهم في سائر أوقاتهم، كما اهتمَّت بأيَّام أعيادهم، فبيَّنت ما يحلُّ لهم من الأعمال في أيَّام الأعياد، وما يحرم وما يجب عليهم، وما يسنُّ وما يكره وما يندب فيها؛ ليُصبِحوا على بيِّنة من أمورهم، وبصيرة من تصرُّفاتهم؛ من أجل ألاَّ تلهيهم مباهج الأعياد، فتخرجهم عن حدود الطاعات، أو يسترسلوا في الغفلة فيقعوا في المخالفات والمنهيَّات؛ لذا فإنَّ أحكام أعيادهم في شريعتهم واضحة جليَّة ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ [الأنفال: 42].

ورضي الله عن الآل والأصحاب الذين عَلِموا وعَمِلوا، وسدَّدوا وقاربوا، فكانت عبادتهم أعيادًا لنفوسهم، وكانت أعمالهم في أعيادهم عبادات غيرهم، فأولئك الذين رضي الله عنهم وأرضاهم، وأولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده.

وبعدُ:

فلمَّا انتهَيْت من السنة المنهجيَّة لمرحلة الماجستير وقفتُ في حيرة لا ينفكُّ عنها الأغلبيَّة من أمثالي الدارسين، ألا وهي: اختيار الموضوع الذي سيكون المكمِّل لنيل شهادة الماجستير، وبينما أنا في فترة تداول الموضوعات التي تصلح للأمر الذي ذكرت، أشار عليَّ مَن أثق بمشورته أنْ أكتب في أحكام العيدين؛ لما لهذا الموضوع من أهميَّة في حياة المسلمين من جهةٍ، ولأنَّ أقلام الباحثين المحدثين لم تتناوله بشكلٍ مفصَّل.

فتأمَّلت مشورته، وأعدت النظر في مقترحه، فشرح الله صدري له، وعلمت أنَّه خيرٌ هداني الله إليه؛ لأنَّ الناس أحوج ما تكون إلى هذه الموضوعات ومعرفة أحكامها وتفصيلها وموقف الشارع الكريم منها، ولأنَّه في الآونة الأخيرة غابَ عن الناس ما ينبغي أن تكون عليه أحوال أعيادهم وتصرُّفاتهم فيها، فاختلط عليهم الحلال بالحرام، والمشروع بالمحظور، وما يحلُّ من الأعياد وما لا يحلُّ.

فرأيت أنْ أجمع مسائل أحكام العيدين وما يتعلق بهما، وأبسط أقوال الأئمَّة فيها، وأذكر أحكام الأعياد المحدَثة وموقف الشريعة منها؛ أداءً لما هو واجبٌ عليَّ، ومساهمة منِّي بتوعية المسلمين بأمرٍ مهمٍّ، وتذكيرهم بجانبٍ من جوانب شريعتهم طالما غفل عنها الناس وتناسوها في الآوِنة الأخيرة، فلم يبقَ من أحكامها إلا الشيء اليسير الظاهر.

فكتبتُ خطَّته، ووافق مجلس الكلية على اختياري لهذا الموضوع، وأنْ يكون هو رسالتي المكمِّلة لنيل شهادة الماجستير.

ولا أدَّعي أنَّني كنتُ الأوَّل ممَّن كتبَ في هذا الموضوع، بل سبقَنِي عُلَماء أجلاَّء وكُتَّاب فُضَلاء، ولكنْ ما كتبوه فإمَّا أنْ تكون كتابةً حديثيَّة فلا تُغنِي عن التفصيلات الفقهيَّة، وإمَّا كتابات فقهيَّة لكنَّها مختصرة موجزة لا تحصل الغنية ولا الرويَّة، فجاء بحثي جامعًا لمزايا مَن ذكرت، ومستكملاً لما فات في كتابة مَن ذكرت.

فأسأل الله أنْ يكتب لهم المثوبة ولي الأجر فيما قدمت وبذلت.

منهج البحث:

كانت دراستي في هذا البحث دراسة مقارنة بين المذاهب الأربعة، واتبعتُ في ذلك المنهج التالي:

• قمتُ أولاً بجمع المسائل المتعلِّقة بالموضوع، ثم رتَّبتها حسب وُرودها في كتب الفقه، فقدَّمت مثلاً مسائل العيدين، ثم أحكام عيد الفطر، ثم أحكام عيد الأضحى... وهكذا.

• خرَّجتُ هذه المسائل من كتب فقه المذاهب الأربعة المعتمَدَة، مُراعِيًا نسبة القول إلى قائله.

• قمت بنقل أدلَّة هذه المسائل من كتب أصحاب المذاهب إذا وجدت.

• قمتُ بتخريج أدلَّة المسائل ووجه الدلالة منها.

• قارنت بين المذاهب في المسائل، ورجَّحت المذهب الذي قَوِيَ دليلُه.

• عزوت الآيات إلى المصحف الشريف.

• خرجت الأحاديث، وذكرت حكمها من كتب التخريج.

• ترجمت بعضَ الإعلام الواردة في الرسالة بإيجاز، وذكرت مصادر ترجمتهم.

• قمت بوضع فهارس الآيات، والأحاديث، والأعلام، والموضوعات.

خطة البحث:

قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد، وخمسة فصول:

أمَّا المقدمة فجعلتها في أهمية الموضوع، ومنهج البحث، وخطة البحث.

وأمَّا التمهيد فجعلته، العيد: من حيث معناه ومشروعيَّته، وموقف الشرع من الأعياد التي كانت قبل الإسلام والأعياد المحدَثة بعده.

المبحث الأول: في معنى العيد لغةً وشرعًا ومشروعيَّة العيدين، والحكمة من مشروعيَّتهما، وحكم الاحتفال بهما.

المبحث الثاني: موقف الشرع من الأعياد التي كانت قبل الإسلام، والأعياد المحدَثة بعده.

الفصل الأول: في الأحكام المشتركة في صلاة العيدين، ويشتمل على خمسة مباحث:

المبحث الأول: في صلاة العيدين من حيث مشروعيَّتها، حكمها، ووقتها، وحكم الآذان والإقامة فيها.

المبحث الثاني: شروط صلاة العيدين.

المبحث الثالث: في كيفيَّة صلاة العيدين، ومكان أدائها، ومَن تجب عليه.

المبحث الرابع: حُكم الجماعة فيها، وقضاؤها إذا فات وقتها.

المبحث الخامس: سنن العيدين ومستحبَّاتهما ومكروهاتهما.

الفصل الثاني: فيما يخصُّ عيد الفطر من أحكام، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: فيما يتعلَّق بعيد الفطر من السنن والمستحبَّات.

المبحث الثاني: فيما يتعلق بعيد الفطر من المحرَّمات والمكروهات.

الفصل الثالث: في أحكام صدقة الفطر، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: في تعريف صدقة الفطر ودليلها، وحكمها، وحكمة مشروعيَّتها.

المبحث الثاني: وقت وجوبها وإخراجها، وعلى مَن تجب.

المبحث الثالث: مقدار الواجب، وبيان الأجناس التي تخرج منها.

المبحث الرابع: مصرف صدقة الفطر.

الفصل الرابع: فيما يخصُّ عيد الأضحى من أحكام، ويشتمل على أربعة مباحث:

المبحث الأول: في بيان سنن عيد الأضحى ومندوباته.

المبحث الثاني: في بيان أيام التشريق والتكبير فيها.

المبحث الثالث: في حكم صوم يوم عيد الأضحى وأيام التشريق.

المبحث الرابع: في عمرة الحاج في أيام التشريق.

الفصل الخامس: في أحكام الأضحية وما يتعلَّق بها، ويشتمل على أربعة مباحث:

المبحث الأول: في تعريفها، ومشروعيَّتها، وحكمتها، ودليلها.

المبحث الثاني: شرائط الوجوب والأداء وكيفيَّة القضاء.

المبحث الثالث: فيما يُجزِئ في الأضحية وما لا يُجزِئ من الحيوان.

المبحث الرابع: في بيان سنن الأضحية ومندوباتها.

هذه هي خطَّة بحثي ومنهجي فيه وسبيلي إليه، وقد بذلتُ ما وسعني من جهدٍ في جمع مادَّته واستقصاء معلوماته من المراجع المختلفة.

فإنْ وُفِّقتُ فيها فما توفيقي إلا بالله العلي العظيم، وله الحمد والشكر على توفيقه، وإنْ أكنْ قد قصَّرت، فأرجو من الله العلي القدير ألا يفوتني أجر المجتهد، وصلة الانتفاع بالعلم في الدنيا والآخرة، إنَّه سميع مجيب الدعوات.

وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.