مقدمة كتاب توضيح قطر الندى

مقدمة كتاب توضيح قطر الندى

مقدمة المؤلف:

الحـمد لله، وصلواتـه وسلامـه وبركاتـه على سيدنا محمـد، وعلى آله وصحبـه أجمعين، أما بعـد:

فإنَّ الإمام عبدالله بن هشام الأنصاري (المتوفى سنة 761هـ) كان من أكابر علماء اللغة العربية، له مصنفات كثيرة، وبعض كتبه النحوية من كتب (الجادَّة)؛ أي المقررة في المعاهد الدينية منذ زمن بعيد، ومن تلك الكتب: قطرُ الندى وشرحه، وشذور الذهب وشرحُه، وأوضَحُ المسالك، ومغني اللبيب.

قرأتُ شرحَ القَطر على أحد مشايخي، وكان ذلك في أوائل سنة 1348هـ، وكنتُ أقرأ معه مقدمةً في الصرف، وأخرى في المنطق، وموجزًا في البلاغة، ولا أزال أذكر أني كنتُ لا أرتاح لذكر الاختلافات والإطالة في الرد عليها، ولا للاستشهاد بالشواهد الشعرية التي لا يخلو أكثرها من غموضٍ في المعنى وعُسْرٍ في الإعراب لمن كان في هذا المستوى، فإنَّ هذا الكتاب إنَّما يدرسه ذوو المستوى المتوسط في هذا العلم، وهؤلاء يريدون فهم القواعد بشرحها والتمثيل لها بأمثلة واضحة، أمَّا ذكر الشواهد فإنَّما هو للبرهنة على صحة القاعدة، وهذا ينبغي أن يذكر في كتب هي أعلى من هذا المستوى.

في بداية الكتاب نجد ابن هشام يُعَرِّف الكلمة بأنها قول مفرد، ويذكر الجنس القريب والبعيد، وهذا يفهمُهُ مَن درَس شيئًا من المنطق، ونجِدُه يُطيل الكلام في بعض الكلمات هل هي أسماء أو أفعال أو حروف، ويذكر في بعضها أنَّ الحجازيَّين يقولون كذا، وأن بَني تميم افترقوا فرقتين: فرقة تقول كذا، وفرقة تقول كذا، ويذكر شواهد شعرية لتلك الأقوال، ويذكر أشياءَ كثيرة لا يحتاجها الطالب وهو في هذا المستوى، وعلى سبيل المثال يذكر في بحث (لا) النافية للجنس أنَّ تابعَ اسمِها إذا تكررت (لا) جاز في اسمها الفتح والرفع، فإن فتحته فَلَكَ في تابعه ثلاثة أوجه، وإن رفعتَه فلك في تابعه وجهان، وإن لم تتكرر (لا) فلك في اسمها كذا وفي تابعه كذا .

وأنا لا أشك في أن كل الذي ذكره مفيدٌ، ولكنَّ التدرج في التعليم أمر ضروري، والطالب لا بدَّ أن يدرس مع هذا أو قبله شيئًا من علم الصرف، والذين كانوا يدرسونه كانوا يفعلون ذلك؛ ليتمكنوا أن يدرسوا - فيما بعد - أمثال الألفية وشروحها.

ونرى أصحاب الكتب المدرسية الحديثة يَمزجون بين القواعد النحوية والصرفية، ويتدرجون في ذلك حسب المراحل الدراسية.

وقد قمت بتدريس شرح قطر الندى لكثير من إخواني الطلبة، فوجدتُ أنَّ بعض ما تقدَّم يُربكهم ويستعصي عليهم فهمُه، لذلك كنتُ في كثير من الأحيان أُملي عليهم القاعدة بعبارة مبسَّطة مع أمثلة واضحة، وما أكثر ما طلبوا مني أن أكتب الكتاب المذكور بالطريقة التي أشرحُها أثناء الدرس، وقد كنت أُفكرُ في ذلك من قبلُ؛ لأني كنتُ أشعر بالفرق الكبير بين كتب النحو القديمة والحديثة، أقول هذا لأني قمتُ بتدريس اللغة العربية في المدارس المتوسطة والإعدادية مدة تزيد على ثلث قرنٍ من الزمان، (وبالتحديد من سنة 1938 إلى سنة 1973م)، وكنتُ أدرِّس وفقَ مناهج محددةٍ وفي كتب حديثة مقررة لكل سنة دراسية، ويتلو كل موضوع تمارين متنوعة تدفع الطالبَ إلى تفهُّم الموضوع ليحل تلك التمارين، ومن ورائه امتحانات عليه أن ينجح فيها.

وعلى كُلٍّ فإني كتبتُ هذا الكتاب بالطريقة التي أتوخَّى أن تكون نافعة بإذن الله، وبعد الانتهاء من ذلك كتبتُ هذه المقدمة.

وكتابي هذا إذا قال عنه قارئ: هو موجَزٌ لشرح القطر، فقوله صحيح؛ لأني أوجزتُ بعضَ ما أطال فيه المصنف، وإذا قال قارئ آخر: هو شرح لشرح القطر، فقوله صحيح كذلك؛ لأني أوضحت ذلك الشرح وأضفتُ اليه كثيرًا مما رأيته نافعًا ومناسبًا لهذا المستوى.

أسأل الله تعالى أن ينفع به، ويجعله خالصًا لوجهه الكريم، وله الحمدُ أولًا وآخرًا، وباطنًا وظاهرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ومَن تَبِعَهم من المؤمنين.[1]

المصدر كتاب: توضيح قطر الندى

تأليف: الشيخ عبدالكريم الدبان التكريتي، بعناية: الدكتور عبدالحكيم الأنيس