خطبة عن بدع رجب

خطبة عن بدع رجب

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ (النساء:1).

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.

إخواني:

نحن ولله الحمد في هذه البلاد نعيش في بيئة سلفية في الاعتقاد والعمل فنحن نتفيأ ظلال السنة المحمدية لكننا نعيش في عالم يدعو للبدعة ويروج لها فوسائل الإعلام لا سيما المرئية تقرب البعيد وتنقل في هذا الشهر أعني شهر رجب ما يقام من احتفالات وأعمال بدعية خاصة برجب وتساق نصوص شرعية فربما ألتبس الأمر على البعض لا سيما حينما يكون الأمر أمرا بالطاعات كالصيام والقيام فمحبة الخير قد تكون سبباً في التباس الأمر على البعض فلسان مقال البعض هل نمنع الناس من الصيام والقيام والذكر وليس هذا منعا للناس من الخير لأنه ليس بخير فالخير ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم فنمنعهم من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فلذا أردت التنبيه على أهم البدع الواقعة في شهر رجب مضمناً كلامي أقوال علماء هذه الأمة السابقين فقد انبرى أئمة الإسلام للتصدي للبدع الواقعة في شهر رجب وبيانها في كتبهم وخصها بعضهم بكتب خاصة منهم الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه تبيين العجب بما ورد في شهر رجب فقال في مقدمة كتابه لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي.

فليس لشهر رجب فضيلة خاصة إلا أنه من الأشهر الحرم فعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " رواه البخاري (3197) ومسلم (1679) فيحرم ابتدأ القتال فيه أما قتال الدفع فيجوز فيه.

ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحتفي بهذا الشهر دون سائر الشهور أو يدعو بالبركة فيه أما ما يروى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل شهر رجب قال اللهم بارك لنا في شهري رجب وشعبان وبلغنا رمضان" فقد رواه البزار بإسناد ضعيف جداً وضعفه الحفاظ منهم ابن رجب في لطائف المعارف ص: 143 وابن حجر في تبيين العجب ص: 38.

ومن بدع رجب صلاة الرغائب وهي ثنتا عشرة ركعة في ليلة أول جمعة من رجب تصلى ما بين المغرب والعشاء تكرر فيها سورتا القدر والإخلاص على صفة مخصوصة وحديثها موضوع وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تخص ليلة الجمعة بقيام ويومها بصيام فهي داخلة في عموم نهي النبي صلى اللهم عليه وسلم بقوله لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم " رواه مسلم (1144) وقد انحسر العمل بهذه البدعة ولله الحمد حتى أصبحت في بعض بلاد المسلمين مقصورة على المتصوفة.

ومن بدع رجب تخصيصه بالصيام حيث لم يخصه الشارع بالعبادة وقد كان تعظيمه بالصيام من فعل الجاهلية فعن خَرَشَةَ بْنِ الحر قال رأيت عمر رضي الله عنه يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية " رواه ابن أبي شيبة (9758) ورواته ثقات.

ولا يشرع أن يخص رجب بعمرة على أن لها فضيلة خاصة فالفضائل تدرك بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة العمرة في رجب ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب فعن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة < فقال له عروة كم اعتمر رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال أربعا إحداهن في رجب فكرهنا أن نرد عليه قال وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة فقال عروة يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن قالت ما يقول قال يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمَرَاتٍ إحداهن في رجب قالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط " رواه البخاري (1776) ومسلم (1255) فغلطت عائشة رضي الله عنها ابن عمر وهو شاهد ولم ينكر عليها ولم يراجعها بالكلام فظهر أنه كان على خطأ فرجع عن ذلك والله أعلم. فعمر النبي صلى الله عليه و سلم كلها في ذي الْقَعْدَةِ فعن قتادة سألت أنسا رضي الله عنه كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَعُمْرَةٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ وَعُمْرَةُ الْجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ أُرَاهُ حُنَيْنٍ قُلْتُ كَمْ حَجَّ قَالَ وَاحِدَةً " رواه البخاري (1778) ومسلم (1253) وعمرته مع حجته فاعتمر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العمر في ذي القعدة لمخالفة الجاهلية في ذلك فأنهم كانوا يرون العمرة في ذي الْقَعْدَةِ من أفجر الفجور فاعتمر صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر ليكون أبلغ في بيان جوازها فيه وأبلغ في إبطال ما كانت الجاهلية عليه والله أعلم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أنزل على نبيه في آخر حياته ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ والصلاة والسلام على من كان يفتتح خطبه بالنهي عن المحدثات في الدين.

وبعد:

من بدع رجب الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج على أنها ليلة سبع وعشرين من شهر رجب وهذا لا يصح. قال ابن رجب في لطائف المعارف ص: 143 روي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم في سابع وعشرين من رجب وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره. أ.هـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - زاد المعاد (1/57) -: عن ليلية الإسراء والمعراج لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ولا على عشرها ولا على عينها بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ليس فيها ما يقطع به ولا شُرِع للمسلمين تخصيصُ الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره أ هـ.

والخلاف في تعيين وقت ليلة الإسراء مشهور فقيل إن الإسراء في ربيع الأول وقيل في ربيع الآخر وقيل في رجب وقيل في رمضان وقيل في شوال وليس على تعيينها دليل صحيح ثم لو ثبت أنها في ليلة بعينها فلا يشرع التعبد لله بالاحتفال بها بصلاة أو ذكر أو اجتماع أو غير ذلك لأن هذا مما وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشرعه وكذلك أصحابه رضي الله عنهم من بعده و لو كان خيرا لسبقونا إليه.

فعلى هذا ليس لرجب فضيلة خاصة إلا إنه من الأشهر الحرم قال ابن رجب في لطائف المعارف ص: 140 لم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم.

وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية (7/433) الأحاديث المروية في فضل رجب بخصوصه أو فضل صيامه أو صيام شيء منه أو فضل صلاة مخصوصة فيه كالرغائب كلها كذب مختلق.

فلا يجوز أن يخص شهر رجب بعبادة من دون سائر الشهور ومن فعل ذلك بعد أن تبين له الحق فهو آثم وعمله مردود عليه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم قال من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم (1718).

إخواني من فقه السلف ما رواه البيهقي (2/466) بسند صحيح [إرواء الغليل (2/236)] عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود فنهاه فقال: يا أبا محمد! أيعذبني الله على الصلاة؟! قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة. وهذا من بديع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى وفيه رد على المبتدعة الذين يستحسنون كثيرا من البدع باسم أنها ذكر وصلاة ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم ويتهمونهم بأنهم ينهون الناس عن الذكر والصلاة وهم في الحقيقة إنما ينكرون وينهون عن خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك.