• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / مقالات
علامة باركود

مظاهر هجر السنة

مظاهر هجر السنة
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/1/2022 ميلادي - 28/5/1443 هجري

الزيارات: 9599

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مظاهر هجر السُّنة

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

اتَّخذ هجر السُّنة مظاهرَ وأشكالاً مُتعدِّدة، وهي تختلف وتتفاوت في درجة جُرْمِها وعِظَمِ أثرها حسب الهاجر نفسِه من جهة، وحسب الفِعل ذاته من جهة أخرى.

 

فمَنْ هجَرَ السنة النبوية أو بعضَها تكاسُلاً، وهو مؤمن بها غير شاك، فهذا لا نشكُّ في دينه، وإنما ندعو لنا وله بالهداية والثبات على دين الله تعالى، وأحياناً يُصيب المسلمَ فتورٌ في تطبيق بعض السُّنن أو الازدياد منها، وله نصيب من قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ[1]، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ[2]، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي[3]، فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ[4])[5]. وجه الدلالة: أنَّ مَنْ كانت فترتُه إلى سُنَّةٍ فقد هُدِي، ومَنْ كانت فترتُه إلى بدعةٍ أو ضلالةٍ فقد ضَلَّ وهلك[6].

 

ولكن العَتْب[7] كلُّ العَتْب على مَنْ هجر السُّنةَ جحوداً ونُكراناً أو استهزاءً، وبدَّل وحرَّف وأوَّل وابتدع فيها ما ليس منها؛ بل وحاربها عامداً متعمِّداً، فهذا أظهر عداءه للسنة، وبانت محاربته للدين، فهذا الصِّنف على خطرٍ شديد، وهذا الصِّنف هو الذي يَفُتُّ في عَضُدِ الدين، ومن خلاله يؤتى الدين، ومن بابه يَنقَضُّ أعداء الدين.

 

وفي هذه الوريقات نُبيِّن هذه المظاهر ونُشير أصنافٍ من الناس يقومون بها، وقد رُتِّبَتْ من الأدنى إلى الأعلى، إذ يُلاحظ أنها مُترتِّبةٌ بعضها على بعض، فالحلقة الأُولى تُسَلِّم إلى الحلقة الثانية وهكذا، وذلك كما يلي[8]:

المظهر الأول: عدم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

المظهر الثاني: ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

المظهر الثالث: الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم.

المظهر الرابع: رفض الأحاديث الثابتة.

المظهر الخامس: الاستهانة بالأحاديث النبوية.

المظهر السادس: الاستهزاء بأهل الحديث والسنة.

 

وبناءً على ذلك؛ أصبحت السنة النبوية عند كثير من الناس - إلاَّ من رحم ربك - كالفضلة، ولا يستقيم قلب العبد حتى يُعظِّم السنة، ويُحبها ويعمل بها، ويحب أهلها، وإنَّ كلَّ بدعةٍ تظهر تؤدِّي إلى اختفاء سُنَّة، وعند ذلك يتعاهد الناسُ البدعة ويهجرون السُنَّة، ومع مرور الزمان وتتابع الأجيال على ذلك تحيا البدعُ وتموتُ السُّنن؛ كما قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (مَا أَتَى عَلَى النَّاسِ عَامٌ إِلاَّ أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً؛ حَتَّى تَحْيَا الْبِدَعُ، وَتَمُوتَ السُّنَنُ)[9]، وتفصيل مظاهر هجر السنة على النحو الآتي:


المظهر الأول: عدم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم:

ومن أعظم مظاهر هجر السُّنة النبوية ترك الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في سيرته وسنته وهديه وواقعه وأعماله، والاقتداء بالرموز التافهة، وبعضهم يُقارن أقوال هؤلاء وأفعالهم بأقوال صاحب الوحي والنور صلى الله عليه وسلم وأحواله، ومن ثم تُعرض على الناس؛ وتلك مصيبة المصائب إذ تُزهِّد عوام الناس وتُهوِّن عليهم التَّجنِّي على سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وسنَّته، وتُثير الشكوك في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله التشريعية، التي هي محض وحيٍّ من عند الله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].

 

ولأنَّ بعض الناس لا تتعلَّق إلاَّ بالواقع المشاهد، واللحظة المعاصرة؛ فينبهرون بهؤلاء الذين تسوَّدوا بغير سيادة، وقادوا بغير قيادة، وينسون أعظم الخلق صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين الأحياء منهم والأموات؛ من خلال سنَّته صلى الله عليه وسلم وهديه ومنهجه في الحياة الذي هو أَولى بالاتباع، وأحق بالتَّمسُّك وأجدر بالتَّطبيق دون غيره من مناهج زائفة، وسنن متهافتة، وفلسفات غير متناسقة، وأفكار غير متناغمة، صدرت عن عقولٍ بشريةٍ قاصرة، مُتناحرة فيما بينها، يعتريها النقص، ويشوبها الضلال، ويحكمها الهوى؛ فإذا حققت مصلحةً فقد فوَّتت مصالح، وإذا نفعت قوماً فقد أضرَّت بأقوام.

 

والنبيُّ صلى الله عليه وسلم مُعلِّمه ومؤدِّبه ربُّ العالمين؛ لذا اتَّصف بكلِّ كمالٍ بشري، بلغ فيه الذروة، ووصل فيه القمة حتى نال تزكيةً ربانية لم ينلها أحد غيره صلى الله عليه وسلم، فأصبح النموذجَ والقدوةَ الجديرة بالتَّأسِّي بها، والمتابعة لها، بشهادة ربِّ العالمين؛ كما قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ﴾ [الأحزاب: 21]، فهو أُسوة العالمين في كلِّ مجالٍ، ودربٍ، وعلمٍ؛ فهو أسوة للقادة في وقت السِّلم والحرب والرَّخاء والأزمات، وأُسوة للشاب، وأُسوة للشيخ الكبير، وأُسوة للزوج، وأُسوة للأب، وأُسوة للعلماء وأُسوة للدعاة وأُسوة للأغنياء، وأُسوة للفقراء، ولن تجد موقفاً لعموم البشر وجموعِهم على اختلافهم وتنوُّعهم بحاجة إلى أُسوةٍ ومثالٍ إلاَّ وتجده في سنة نبيِّنا وسيرته صلى الله عليه وسلم؛ ليتحقق بذلك ما ورد في الآية السالفة الذِّكر، وليكون جديراً بتلك المنزلة التي اختارها له ربُّه سبحانه وتعالى؛ منزلة الأسوة والقدوة للبشرية جمعاء.

 

وتَرْكُ الاقتداءِ بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الخطوة الأُولى في هجر سُنَّتِه الشريفة سواء بشكل جزئي أو كلِّي، إذ إنَّ المسلم الحق لو استقر في داخله حبُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتعظيمُه والاقتداء به في جميع أفعاله وأقواله وتقريراته، ومن ثَمَّ طبَّق سُنَّتَه وأحيَا هديَه وطريقتَه، أمَّا أنْ يُتَّخذ من توافه البشر وضُلاَّلهم قدوة لهم من دونه صلى الله عليه وسلم، فهذا يُذهب مهابة السُّنة وجلالها من نفوس أصحابها.

 

المظهر الثاني: ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

من مظاهر هجر السُّنة النبوية؛ بل من أعظم الجفاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة عليه لفظاً أو خطًّا؛ إذا مرَّ ذِكْرُه صلى الله عليه وسلم في المجالس أو المنتديات أو الكتب؛ فضلاً عن الخطب والمحاضرات ومجالس الذِّكر، فترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في هذه المواضع وغيرها عند ذِكرِه من أعظم الجفاء وأبلغ الغفلة؛ بل هو من البخل البغيض الذي حذَّر منه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وكم يفوت الإنسان من خير في الدنيا والآخرة بترك الصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي صلَّى عليه ربُّه تبارك وتعالى وصلَّت عليه الملائكة الكرام، وأمر اللهُ عبادَه المؤمنين بالصلاة والسلام عليه في القرآن؛ بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

مساوئ ترك الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ومن أعظم مساوئ وسلبيات ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

1- دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ بقوله: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ[10] ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ)[11].

 

2- وصفه بالبخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (الْبَخِيلُ؛ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ؛ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ)[12].

 

3- فوات الأجر المضاعف، والصلاة المضاعفة من الله تعالى عليه؛ إذا لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عليه عَشْرًا)[13]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ كَتَبَ اللهُ عز وجل لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ)[14].

 

4- فوات الصلاة من الله تعالى والملائكة؛ لتركه الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43، 44]. (أي: من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم؛ أنْ جعل من صلاته عليهم، وثنائه، وصلاة ملائكته ودعائهم، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل، إلى نور الإيمان، والتوفيق، والعلم، والعمل، فهذه أعظمُ نعمةٍ، أنعم بها على العباد الطائعين، تستدعي منهم شكرها، والإكثار من ذكر الله، الذي لَطَف بهم ورَحِمَهم، وجعل حملةَ عرشه، أفضلَ الملائكة، ومَنْ حوله، يُسبِّحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا فيقولون: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [غافر: 7-9]. فهذه رحمته ونعمته عليهم في الدنيا.

 

وأما رحمته بهم في الآخرة؛ فأجَلُّ رحمة، وأفضلُ ثواب، وهو الفوز برضا ربِّهم، وتحيَّتُه، واستماعُ كلامه الجليل، ورؤيةُ وجهِه الجميل، وحصولُ الأجرِ الكبير، الذي لا يدري به ولا يعرف كنهه، إلاَّ مَنْ أعطاهم إيَّاه، ولهذا قال: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾)[15].

 

(فهذه الصلاة منه - تبارك وتعالى - ومن ملائكته؛ إنما هي سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور، فأيُّ خيرٍ لم يحصل لهم؟ وأيُّ شرٍ لم يندفع عنهم؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم! ماذا حُرِمُوا من خيره وفضله؟ وبالله التوفيق)[16].

 

5- فوات أثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على مَنْ لم يصلِّ عليه؛ ومنها عشر كرامات: (إحداهن: صلاة المَلِك الجبار، والثانية: شفاعة النبي المختار، والثالثة: الاقتداء بالملائكة الأبرار، والرابعة: مخالفة المنافقين والكفار، والخامسة: محو الخطايا والأوزار، والسادسة: قضاء الحوائج والأوطار، والسابعة: تنوير الظواهر والأسرار، والثامنة: النجاة من عذاب دار البوار، والتاسعة: دخول دار الراحة والقرار، والعاشرة: سلام المَلِك الغفار)[17].

 

6- ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أقل أحواله الكراهة؛ كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: (يُكرَه للرجل أنْ يقول: "قال الرسول"، ولكن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم)[18].

 

اللهُ فضَّل خيرَ الخَلْقِ بالكَرَم
وأفْضَل الناسِ من عُرْبٍ ومن عَجَمِ
هو النبيُّ الذي فاقَتْ فضائِلُه
وخَصَّه اللهُ بالتَّنزيلِ والحِكَمِ
اخْتَصَّه بكتابٍ بيِّنٍ عَلَمٍ
هدى العِباد به مِنْ غُمَّةِ الظُّلَمِ
اللهُ فضَّلَه، اللهُ أكْرَمَه
اللهُ أرسله مِنْ جُملة الأُمَمِ
صلوا عليه عِبادَ اللهِ كُلُّكُمُوا
إنَّ الصلاةَ له تُنْجِي من النِّقَمِ[19]

 

المظهر الثالث: الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم:

إذا كان تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره ومعرفة فضلِه ومكانته من أبواب إحياء السُّنة وأنه ضرورة شرعية؛ فإنه يلزم علينا أنْ نُبيِّن أيضاً أنَّ الغلو فيه صلى الله عليه وسلم زيادة على ما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم عن هديه وطريقته، لهو باب من أبواب الهجر المذموم للسنة النبوية، فالإسلام دين الوسطية، بلا إفراط ولا تفريط، وبلا غلوٍ أو تقصير، وانجذاب الناس إلى طرفي النقيض أو أحدِهما لهو خطأ كبير مذموم من صاحب الشريعة العصماء.

 

فمن مظاهر هجر السنة النبوية الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم؛ سواء كان هذا الغلو في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم أو في هديه ودعوته، أو في الدين الذي أرسله الله به؛ وهو التوحيد ومن الغلو فيه صلى الله عليه وسلم رفعه فوق منزلة النبوة، وادِّعاء أنه يعلم الغيب، أو سؤاله من دون الله تعالى، أو الحلف والإقسام به، أو دعاؤه من دون الله تعالى، أو صرف العبادة له من دون الله، أو اتِّخاذ قبره عيداً ومزاراً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك كله، وحذَّر من المدح الباطل المؤدِّي إلى الغلوِّ في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم، بقوله: (لاَ تُطْرُونِي كما أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ)[20].

 

ولمَّا همَّت طائفة من الناس بالغلو فيه؛ فقالوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا. فَقَالَ: (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى). قُلْنَا وَأَفْضَلُنَا فَضْلاً، وَأَعْظَمُنَا طَوْلاً[21]. فَقَالَ: (قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلاَ يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ)[22]. ولمَّا قال له رجلٌ: يَا مُحَمَّدُ! يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا! وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا! فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ! عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ، وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي التِّي أَنْزَلَنِي اللهُ عز وجل)[23].

 

ومن تحذيره صلى الله عليه وسلم قوله: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ)[24]، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. وقَالَ صلى الله عليه وسلم أيضاً: (لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا[25]، وَصَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ)[26].

 

المظهر الرابع: رفض الأحاديث الثابتة:

من أعظم مظاهر هجر السُّنة النبوية أنْ تُرفَضَ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتُردَّ بحُججٍ تافهةٍ ساقطة؛ كمخالفة العقل، أو عدم إمكانية العمل بها، أو أنها لا تتماشى مع الواقع المعاش، أو أنها أحاديث آحاد، أو تُأوَّل الأحاديث بتأويلات منحرفة وتُصرف عن ظاهرها وتُحرَّف المعاني إلى أمورٍ باطلة، أو أن الذي يُقبل هو القرآن وحده، أو يتم عرض السُّنة على القرآن ويُشترط عدم مخالفة الأحاديث للآيات، وبعضهم يدَّعي بأنَّ ذلك يؤدِّي إلى وحدة المسلمين على القرآن وحده دون سواه، ونسي أو تناسى بأنَّ الله تعالى أوجبَ في القرآن أنْ نأخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم كلَّ ما أتى به جملةً وتفصيلاً فقال سبحانه: ﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]؛ بل قد جاء التأكيد -في القرآن الكريم - على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثٍ وثلاثين موضعاً، ويكفي في هذا الشأن قوله صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ[27]، أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ! فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ! وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ!) [28].

 

وهكذا تُرد الأحاديث وتُرفض بسبب هوًى في النفوس، أو شبهةٍ في العقول، أو زيغٍ في القلوب نسأل الله الثبات على دينه؛ وهو عين ما حذَّر منه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في غيرِ ما حديثٍ، وفي أكثر من مناسبة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي؛ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لاَ نَدْرِي! مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ!)[29].

 

قَالَ الإمامُ مَالِكٌ رحمه الله: (سَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وولاةُ الأمرِ بعدَه سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله عز وجل، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله. مَنْ عمل بها مهتد، ومَن استنصر بها منصور، ومَنْ خالفها اتَّبع غيرَ سبيلِ المؤمنين، وولاَّه اللهُ ما تولَّى)[30].

 

وقال الحميدي رحمه الله: (ذَكَرَ رجلٌ للشافعي حديثاً؛ وقال: أتقول به؟ فقال: أرأيتَ في وسطي زُنَّاراً؟! أتراني خرجتُ من كنيسةٍ حتى تقولَ لي هذا؟!)[31].

 

وقَالَ الإمامُ مَالِكٌ رحمه الله: (أَكُلَّمَا جَاءنَا رَجُلٌ أَجْدَلُ مِنْ رَجُلٍ، تَرَكنَا مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيْلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لِجَدَلِهِ؟!)[32].

 

وفي معرض حديث ابن القيم رحمه الله - عن الأدب الواجب مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم: ألاَّ يُستشكَلَ قولُه؛ بل تُستشكلُ الآراءُ لقوله، ولا يُعارَضَ نصُّه بقياس؛ بل تُهدَرُ الأقيسةُ وتُلقى لنصوصه، ولا يُحرَّف كلامُه عن حقيقته لخيالٍ يُسمِّيه أصحابُه معقولاً – نعم! هو مجهول، وعن الصواب معزول – ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد، فكلُّ هذا من قَلَّة الأدب معه صلى الله عليه وسلم، وهو عين الجرأة)[33].

 

المظهر الخامس: الاستهانة بالأحاديث النبوية:

من مظاهر هجر السُّنة النبوية الاستهانة بالأحاديث النبوية وعدم التأدب معها، وتقديم أقوال الناس وأفعالهم على أقوال النبي وأفعاله وسنته.

 

والله تعالى نهى المؤمنين عن ذلك في قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1-3].

 

هذا الآيات الكريمات متضمنة للأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعظيم له، واحترامه، وإجلال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بشريعته، فأمر الله تعالى عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان، بالله وبرسوله؛ أن يكونوا ماشين، خلف أوامر الله، متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أمورهم، وألاَّ يتقدَّموا بين يدي الله ورسوله، ولا يقولوا؛ حتى يقول، ولا يأمروا؛ حتى يأمر، فإن هذا، حقيقة الأدب الواجب، مع الله ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه، وبفواته، تفوته السعادة الأبدية، والنعيم السرمدي.

 

وقد تضمن هذا النهي الشديد؛ عدم تقديم قول غير الرسول صلى الله عليه وسلم على قوله وفعله وسنَّته بعد وفاته؛ فإنه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وجب اتباعها، وتقديمها على غيرها مهما كان.

 

ومن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخطاب؛ ألاَّ يرفع المخاطِبُ صوته فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يُميِّزوه في خطابهم، كما تَميَّز عن غيره؛ في وجوب حقِّه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحبِّ الذي لا يتم الإيمان إلاَّ به، فإن في عدم القيام بذلك، محذورًا، وخشيةً أن يحبط عملُ العبد وهو لا يشعر، كما أنَّ الأدب معه صلى الله عليه وسلم من أسباب حصول الثواب وقبول الأعمال.

 

والله تبارك وتعالى مدح مَنْ غضَّ صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بأنَّ الله سبحانه امتحن قلوبهم للتقوى، أي: ابتلاها واختبرها، فظهرت نتيجة ذلك؛ بأن صلحت قلوبهم للتقوى، ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم، المتضمنة لزوال الشر والمكروه، والأجر العظيم، الذي لا يعلم وصفه إلاَّ اللهُ تعالى، وفي الأجر العظيم حصولُ كلِّ محبوبٍ، وفي هذا دليلٌ على أنَّ الله يمتحن القلوب؛ بالأمر والنهي والمِحَن، فمَنْ لازَمَ أمرَ الله، واتَّبع رضاه، وسارع إلى ذلك، وقدَّمَه على هواه؛ تمحَّض وتمحَّص للتقوى، وصار قلبه صالحًا لها، ومَنْ لم يكن كذلك؛ علم أنه لا يصلح للتقوى[34].

 

نماذج من تعظيم السلف للأحاديث النبوية: امتحن الله تعالى وابتلى قلوبَ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم للتقوى؛ فكانوا أحقَّ بها وأهلَها، وسيرتُهم العطرة تُنبِئُك بذلك؛ إذْ كانوا معظمين للنبي صلى الله عليه وسلم ولأقواله وأفعاله، ومعظمين للحديث النبوي الشريف الصادر من مشكاة النبوة:

1- قال عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: (اخْتَلَفْتُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ سَنَةً؛ فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِلاَّ أَنَّهُ حَدَّثَ يَوْمًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ عَلاَهُ كَرْبٌ، حَتَّى رَأَيْتُ الْعَرَقَ يَتَحَدَّرُ عَنْ جَبْهَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ فَوْقَ ذَا، أَوْ مَا دُونَ ذَا، أَوْ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ ذَا، فَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ، وتَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ)[35].

 

2- و(كان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحاضرين بالسكوت؛ فلا يتحدث أحد، ولا يُبرى قلم، ولا يتبسم أحد، ولا يقوم أحد قائماً، كأنَّ على رؤوسهم الطير، أو كأنهم في صلاة؛ فإذا رأى أحداً منهم تبسَّم أو تحدَّث، لبس نعله، وخرج)[36].

 

3- وقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: (كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، وَتَهَيَّأَ، وَلَبِسَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ يُحَدِّثُ. قَالَ مُصْعَبٌ: فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

 

وقَالَ مُطَرِّفٌ: كَانَ إِذَا أَتَى النَّاسَ مَالِكًا خَرَجَتْ إِلَيْهِمُ الْجَارِيَةُ فَتَقُولُ لَهُمْ: يَقُولُ لَكُمُ الشَّيْخُ: تُرِيدُونَ الْحَدِيثَ أَوِ الْمَسَائِلَ؟ فَإِنْ قَالُوا: الْمَسَائِلَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ قَالُوا: الْحَدِيثَ دَخَلَ مُغْتَسَلَهُ، وَاغْتَسَلَ، وَتَطَيَّبَ، وَلَبِسَ ثِيَابًا جُدُدًا، وَلَبِسَ سَاجَهُ[37]، وَتَعَمَّمَ، وَوَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ رِدَاءً، وَتُلْقَى لَهُ مِنَصَّةٌ[38]، فَيَخْرُجُ فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ الْخُشُوعُ، وَلاَ يَزَالُ يُبَخَّرُ بِالْعُودِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ أُحَدِّثُ بِهِ إِلاَّ عَنْ طَهَارَةٍ مُتَمَكِّنًا)[39].

 

4- وقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: (كُنْتُ أَرَى جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ - وَكَانَ كَثِيرَ الدُّعَابَةِ، وَالتَّبَسُّمِ - فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اصْفَرَّ لَونُهُ، وَمَا رَأَيْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ عَلَى طَهَارَةٍ.

 

وَقَدِ اخْتَلَفَتْ إِلَيْهِ زَمَانًا فَمَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلاَّ عَلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ: إِمَّا مُصَلِّيًا، وَإِمَّا صَامِتًا، وَإِمَّا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ فِيمَا لاَ يَعْنِيهِ، وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْعُبَّادِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ)[40].

 

لقد قام في قلوب السلف الصالح من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما نقل إلينا في الكتب؛ فأين نحن من سيرتهم؟ وأين حالنا من حالهم؟ وما أثر الحب فينا؟ وما أثره فيهم؟ فأين حقيقة ما ندَّعي؟ وما دلائل المحبة عندنا؟

 

والمتأمل في مجالسنا ومنتدياتنا يرى العجب العجاب في تعاملنا مع سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ حيث نزعت هيبة الأحاديث النبوية من قلوب كثير من الناس إلاَّ مَنْ رحم ربك؛ وكأنَّها حديث عابر، أو سير شاعر، أو قصة سائر، فلا أدب في الكلام، ولا توقير للحديث، ولا استشعار لهيبة الجلال النبوي، ولا مبالاة، ولا اهتمام، ولا توقير، ولا احترام، وقد اشتغل الكثيرون بحطام الدنيا الزائل، وغاب عنهم تعظيم النبي وسنَّته، وتناسوا الواجبات الشرعية فأصبحت من أحاديث الذكريات، نسأل الله تعالى أن يردنا إلى دينه ردًّا جميلاً[41].

 

المظهر السادس: الاستهزاء بأهل الحديث والسنة:

من مظاهر هجر السُّنة النبوية الاستهزاء بأهل الحديث والأثر الذين خدموا السنة وعظَّموها ودعوا الناس إليها؛ متمثِّلاً ذلك في انتقاصهم ولمزهم والاستهزاء بهم وانتقاص أقدارهم؛ لأنهم طبَّقوا السنة ظاهراً وباطناً واقتدوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فكم من مستهزئ بهم في الإعلام والمجالس والمنتديات، وهم لا يزالون على السنة ثابتين، وعلى الحق ظاهرين ومنصورين، ويكفيهم شرفاً وسؤدداً؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عدَّلهم، وامتدحهم، وأثنى على منهجهم، ووصفهم بقوله: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ؛ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ)[42]؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ[43]على الْحَقِّ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)[44].

 

قال يزيد بن هارون رحمه الله - في التعليق على هذا الحديث: (إْن لم يكونوا أصحابَ الحديث؛ فلا أدري مَنْ هم؟!)[45]. وقال القاضي عياض رحمه الله: (إنما أراد أهلَ السنة والجماعة، ومَنْ يعتقد مذهبَ أهلِ الحديث)[46].

 

وقال النووي رحمه الله: (هذه الطائفة مُفرَّقة بين أنواع المؤمنين؛ منهم شُجعان مُقاتِلون، ومنهم فقهاء، ومنهم مُحدِّثون، ومنهم زُهَّاد، وآمِرُون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهلُ أنواعٍ أخرى من الخير، ولا يلزم أنْ يكونوا مُجتمعين، بل قد يكونون مُتفَرِّقين في أقطار الأرض، وفي هذا الحديث مُعجزةٌ ظاهرة؛ فإنَّ هذا الوصف ما زال - بحمد الله تعالى - من زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى الآن، ولا يزال حتى يأتيَ أمرُ اللهِ المذكورِ في الحديث)[47].

 

وأهل الحديث اليوم بهذا الإطلاق؛ يكون منهجهم على خطى سلفهم الصالح المعظِّمين سنة النبي صلى الله عليه وسلم والمتَّبعين لها إلى قيام الساعة؛ بل يصح الانتساب إليهم متى الْتُزِمَت شروطُ هذا المنهج وقواعدُه؛ على حدِّ قول الجنيد:

(الطرق كلُّها مسدودة على الخلق إلاَّ مَن اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، واتَّبع سُنَّتَه، ولَزِمَ طريقتَه؛ فإنَّ طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه)[48].

 

قال ابن القيم رحمه الله في نونيته[49]:

قد أقسَمَ اللهُ العظيمُ بنفسه
قَسَمًا يُبِينُ حقيقةَ الإيمانِ
أنْ ليس يؤمن مَنْ يكون مُحْكِّمًا
غير الرَّسول الواضح البرهانِ
بل ليس يؤمن غير مَنْ قد حكَّم
الوحيين حسب فذاك ذو إيمانِ
هذا وليس بمؤمن حتى يُسَلِّم
للذي يقضي به الوَحْيانِ


[1] (لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ): أي: نشاطٌ وقوةٌ ورغبة.

[2] (وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ): أي: كسلٌ وضعفٌ وفتور.

[3] (فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي): أي: إلى طريقتي التي شرعتها (فَقَدْ أَفْلَحَ): أي سار سيرة مرضية حسنة.

[4] (وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ): أي: هلك هلاكاً أبديًّا وشقي شقاء سرمديًّا. انظر: فيض القدير، (2/ 651).

[5] رواه أحمد في (المسند)، (11/ 375)؛ (ح6764). وصححه الألباني في (صحيح)، (صحيح الجامع)، (1/ 390)، (ح3915).

[6] انظر: شرح مشكل الآثار، (3/ 161).

[7] العَتْب: المَوْجِدة. تقول: عَتَبتُ على فلانٍ عَتْباً ومَعْتَبَة، أي: وَجَدْتُ عليه. انظر: معجم مقاييس اللغة، (4/ 184).

[8] انظر: حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال، (ص20)؛ الاهتمام بالسنن النبوية، د. عبد السلام برجس (ص123)؛ السنن المهجورة والبدع المنشورة، أحمد بن عبد الملك الزغبي (ص9)؛ الوصية ببعض السنن شبه المنسية، هيفاء بنت عبد الله الرشيد (ص29)؛ العمل بالسنة من جميع وجوهها، فؤاد الشلهوب (ص18).

[9] رواه الطبراني في (المعجم الكبير)، (10/ 262)، (رقم10610)؛ وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد)، (1/ 447)، (رقم894): (رجاله مُوثَّقون).

[10] (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ): أي لصق أنفه بالتراب، كناية عن حصول الذل. انظر: تحفة الأحوذي، (9/ 372).

[11] رواه الترمذي، (2/ 908)، (ح3890). وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2/ 457)، (ح3545): (حسن صحيح).

[12] رواه الترمذي، (2/ 909)، (ح 3891) وقال: (حسن صحيح). وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، (3/ 458)، (ح 3546).

[13] رواه مسلم، (1/ 306)، (ح 408).

[14] رواه أحمد في (المسند)، (2/ 262)، (ح 7551). وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة)، (7/ 1080)، (3359).

[15] تفسير السعدي، (ص667).

[16] الوابل الصيب، (ص100).

[17] بستان الواعظين ورياض السامعين، عبد الرحمن بن أبي الحسن البغدادي (ص297).

[18] رواه الهروي في (ذم الكلام وأهله)، (5/ 169).

[19] بستان الواعظين ورياض السامعين، (ص 293).

[20] رواه البخاري، (3/ 1271)، (ح 3261).

[21] أَعْظَمُنَا طَوْلاً: أي: عطاءً وإحساناً وجوداً وكرماً. انظر: عون المعبود، (13/ 111).

[22] رواه أبو داود، (2/ 809)، (ح 4808). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (3/ 181)، (ح 4806).

[23] رواه أحمد في (المسند)، (3/ 153)، (ح 12573). وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة)، (3/ 88)، (ح 1097).

[24] رواه البخاري، (1/ 90)، (ح 436).

[25] العيد: اسم ما يعود من الاجتماع العام على وجهٍ معتادٍ، عائداً ما يعود السَّنة، أو يعود   الأسبوعَ، أو الشهر ونحو ذلك. انظر: عون المعبود، (6/ 23).

[26] رواه أبو داود، (1/ 346)، (ح 2044). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (1/ 571)، (ح 2042).

[27] (وَمِثْلَهُ مَعَهُ): أراد بذلك السُّنة التي أُوتي. انظر: (صحيح البخاري، لابن بطال (10/ 358).

[28] رواه أحمد في (المسند)، (4/ 130)، (ح 17213)؛ وأبو داود، (4/ 200)، (ح4604).   وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (3/ 117)، (ح4604).

[29] رواه أبو داود، (4/ 200)، (ح 4605)؛ والترمذي، (5/ 37)، (ح2663) وقال: (حسن صحيح). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (3/ 118)، (ح4605).

[30] شرف أصحاب الحديث، (ص 7).

[31] طبقات الشافعية الكبرى، (2/ 141). وانظر: سير أعلام النبلاء، (10/ 34).

[32] شرف أصحاب الحديث، (ص5)؛ حلية الأولياء، (6/ 324)؛ سير أعلام النبلاء، (8/ 99).

[33] مدارج السالكين، (2/ 390).

[34] انظر: تفسير السعدي، (ص799).

[35] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، (2/ 44) بتصرف يسير.

[36] سير أعلام النبلاء، (9/ 202).

[37] السَّاج: هو الطيلسان، وقيل: هو الطيلسان الأخضر والأسود. انظر: الصحاح في اللغة، (1/ 346).

[38] المِنَصَّة: هي سرير العروس، يقال: انتصت العروس على المِنصَّة؛ لِتُرى من بين النساء، أي: ارتفعت. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (5/ 144)؛ شرح شافية ابن الحاجب، (4/ 22) محمد بن الحسن الاستراباذي.

[39] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، (2/ 45).

[40] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، (2/ 42).

[41] انظر: حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال، (ص20).

[42] رواه مسلم، (3/ 1524)، (ح 1037).

[43] (ظَاهِرِين) أي: غالبين على سائر الناس بالبرهان أو به وبالسنان. انظر: عمدة القاري، (25/ 141).

[44] رواه البخاري، (6/ 2667)، (ح6882)؛ ومسلم، واللفظ له، (3/ 1523)، (ح1920).

[45] المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، (1/ 177).

[46] شرح النووي على صحيح مسلم، (13/ 67).

[47] شرح النووي على صحيح مسلم، (13/ 67).

[48] حلية الأولياء، (10/ 257)؛ تلبيس إبليس، (ص12).

[49] الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، (ص417).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التحذير من هجر السنن
  • الآثار السيئة لهجر العقلانيين للسنة (1)

مختارات من الشبكة

  • مظاهر العيد في بلاد المسلمين(مقالة - ملفات خاصة)
  • مظاهر وسطية أهل السنة والجماعة في العقيدة(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • مظاهر اليسر في الصوم (4) النهي عن صوم الأبد(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من مظاهر حب الله للعبد(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مظاهر التوفيق في رحلة الإسراء والمعراج (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مظاهر اختلال الموازين بين يدي الساعة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مظاهر الاعتصام بغير الله تعالى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مظاهر اليسر في الصوم (3) تعجيل الفطور وتأخير السحور(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مظاهر وأسباب رحمة الله تعالى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مظاهر العنف الأسري: العنف الجسدي(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب