مادة التخرج

عاد من جامعته منتشيًا بفرحةٍ ملأتْ كيانه وظهرتْ على محيَّاه، فهي آخِر مادَّة يقدمها، وهي مادَّة التخرّج، وقد كان امتِحانها جيِّدًا، إنَّها أكثر من مادَّة، وإنَّه أكثر من امتحان، فهي وإن كانت تعْني التخرُّج، تمثِّل بالنسبة إليه الانتقال من حياة إلى حياة، ومن أُفُق إلى آفاق جديدة.

العائلة كلّها تنتظر الحدث السَّعيد، العائلة كلّها تنتظر الفرْحة المزْدوجة المضاعفة، فرح بالتخرُّج وفرح بالقران، فقد خطَّط وأهله وذووه أن تكون الخطبة بعد إعلان النَّتائج، وبعْدها بأيَّام يكون الزَّواج.

جُهِّزت غرفة نومِه، وجُهّز الأساس اللازم، وأُعيد طلاء المنزل، وحدِّدَت العروس، وحصل الوفاق والاتِّفاق، وقوبل طلبه بالقبول.

وما هي إلاَّ أيَّام حتَّى تعلن النَّتائج، فيكون النجاح متبوعًا بالفرحة الكبرى.

تحدَّثت الأسرتانِ في التَّفاصيل، وتجاوزت الموافقة.

في الشَّهر التاسع تعلن نتائج الجامعة، بعدها بأسبوع تبدأ مراسم الخِطْبة والزَّواج، ويكون الحفل في الصالة الفلانية، بل خطَت أسرته أكثر من ذلك...

عاد ليصل إلى بيته وليجِد أباه بانتظاره: كيف كان الامتحان يا زياد؟
• جيّدًا يا أبي.
• الحمد لله، ومتى تصدر النَّتائج؟
• في آخِر الشَّهر على الأكثر.

أخرج الأب ورقة من جيْبه ثمَّ قال: زياد، أريدك أن تساعدني في أمر.
• حاضر يا أبي.
• أريد أن أدوِّن أسماء الضيوف.
• وهل ستقيم وليمة؟
• لا يا بني، ضيوف حفلة الزَّواج.
• ولكن هناك شهر على صدور النَّتائج.
• أعلم يا بني، ولكنّي لا أريد أن أنسى أحدًا، اكتب أسماء رفاقك هنا في هذا الحيِّز من الورقة.

كانت فرحته بفرحة أبيه أكثر من فرحته بالحدَث المنتظر، فانبثقتْ من عيونه دموع الفرَح، وبلَّلت الورقة التي قدَّمها إليْه والده مرفقة بقلم الوالد.

ولَمحت في ذهنه خاطرة: وماذا لو لَم أنجح في مادَّة من الموادّ؟!

وفي لمح البصر استبْعَدَها محدِّثًا نفسه: "هذه المادَّة كانت الأفضل، هي مادَّة من الفصل الأوَّل، وقد كان امتحانه فيها جيّدًا ورسب فيها، وماذا لو تكرَّر الرسوب؟ لا لا، لا يُعقل، فما تركتُ سؤالاً إلاَّ وأجبتُ عليه، غدًا تصدر النَّتائج، وإنَّ غدًا لِناظره قريب.

مرَّ أسبوع، مرَّ أسبوعان، مرَّت أسابيع.

بدأت النَّتائج تظهر تباعًا، صدرت نتائج المادَّة الفلانيَّة، اتَّصل به رفيقه: مبروك يا زياد، لم تبْقَ إلاَّ مادَّة واحدة، يقولون: إنَّها ستتأخَّر أيَّامًا.

علم أصحاب زياد بمشروعِه: "لَم تبق إلاَّ مادَّة يا عريس"؛ قال الأوَّل.
"صبرًا يا زياد، لَم تبق إلاَّ أيَّام وستعلن النَّتيجة، وتكون الفرحة"؛ قال الثَّاني.
وتمثَّل الثَّالث:
هبَّت الرياح بما لا تشتهي السفن، وقد كانت النتيجة الأخيرة للمادَّة الأخيرة قاصمةَ الظَّهر لزياد وأسرته ورفاقه، لقد رسب للمرَّة الثَّانية، لا بدَّ أنَّ خطأً حدث!

تقدَّم باعتِراض للامتحانات وكان يأمل بأن يُنْصَف، لكن نتيجة الطَّلَب جاءت: "العلامة صحيحة".

أحمد رسب أيضًا؟! ولكن أحمد الأوَّل على الدفعة هو الآخر رسب!
حتَّى عبد الله! إنَّه الثَّالث على الكلّيَّة في السنين السَّابقة، لقد رسب أيضًا!

ما قصَّة هذه المادَّة؟ للمادَّة سمعة طيّبة في هذا الفرع، لا يُمكن التنبُّؤ بنتيجتها، نسبة النَّجاح في المادَّة لا تتعدَّى سبعة في المائة.

علم عمُّه والد الزَّوجة بالخبر الشؤْم، ألم تكتب بشكْل جيّد؟
• الكتابة والإجابات ممتازة، الأوَّل والثَّالث رسبا والنّسبة لا تتجاوز السَّبعة بالمائة.
• هوِّن عليك يا فتى، في امتِحان الدَّورة التكميليَّة تدلُّني على دكتور المادَّة.

مضى الوقت بطيئًا على زياد تقدَّم للامتحان، كان عمُّه بانتظاره بعد الامتِحان أين مكتب دكتور المادَّة؟
• إنَّه هناك هو الجالس خلف المكتب.

• دخل العم المكتب، وقال: السَّلام عليكم.
• وعليكم، تفضَّل اجلس.

• لا لن أجلس، أنا أبو سبيع، عندي طالب عندك اسمه زياد، وأنا عمّه، تقدَّم مرَّتين للامتحان ولم ينجح، ما القصَّة يا دكتور؟
• يَجب أن يبذل جهدًا مضاعفًا وأن يشدَّ من عزيمتِه، يبْدو أنَّه لم يكتب في امتِحانه جيّدًا.

• لا يا دكتور، كتب جيدًا، اسمع يا دكتور أريده أن ينجح ولك ما تريد.
• حسنًا اجلس يا أبا سبيع.

• هناك دورة تكميليَّة وأريده أن ينجح، وأنا حاضر لأي رقم تريد، وأنت مدعوّ إلى حفل غذاء أقيمه لك.
- حسنًا، هذا رقم هاتفي، وكن معي على اتِّصال، أراك بعد الامتِحان.
• أين يا دكتور؟
• هنا في المكتب.

تقدَّم زياد للامتِحان، ومرَّ عمُّه على الدكتور، رحَّب به وأظهر له شروطَه، اتَّفقا على المبلغ دون مساومةٍ من أبي سبيع.
• أريد كذا.
أخرج أبو سبيع المبلغ ودفعَه إلى الدكتور.

• ولكن كيف سأعرف الورقة؟
• وما أدراني يا دكتور؟
• أريد علامة على الورقة، وفي أيّ قاعة كان الامتِحان؟ اتَّصل بي بعد أيَّام، واجلب لي المعلومات.

• السلام عليكم يا دكتور. 
• وعليكم.
• امتحان زياد كان في القاعة الثَّانية، بدأ الإجابات بالسُّؤال الرَّابع، فالثَّاني، فالثَّالث، فالأوَّل.
• حسنًا.
• وكتب في خانة السَّنة الرَّابعة بشكل مائل، ماذا تُريد أيضًا؟
• لا شيء، ولكن هناك مشكلة، المشكِلة أنَّني لست وحْدي في هذه المادَّة، وهناك دكتوران لكلّ منهما قسم، اتَّصل بي بعد أيَّام.

اتَّصل أبو سبيع بالدكتور بعد أيَّام، طلب منه الحضور فلم يكذب خبرًا.
دخل إليه.
• ماذا تريد؟
• الأمر صعب يا أبا سبيع؛ علامته في قسم الدكتور الثَّاني علامة متدنِّية.
أخرج أبو سبيع مبلغًا إضافيًّا من المال، دفعه إلى الدكتور.

• الدكتور: سأحاول، ولكن الأمر....
• لكن ماذا بعد يا دكتور؟

انتفض أبو سبيع كماردٍ، وقد ملأ الغيظُ وجهه ثمَّ قال:
اسمع يا دكتور، أبو سبيع لا يُخدع.

غادر مكتب الدكتور، ليعود بعد أسبوع إلى الجامعة ويرى نتيجة المادة، وكان ما أراد... النجاح، ولكن كم بلغت التكلفة؟!
أربعمائة دولار، دون كلفة دعوة للغداء!!