منهج الجزيري في كتابه : الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة

ملخص الرسالة

منهج الجزيري (ت977هـ)

في كتابه الفرائد المنظمة في أخبار

الحاج وطريق مكة المعظمة

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الهادي الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. وبعد:

فإن هذه الدراسة تدخل في إطار الدراسات التي تعنى بالكشف عن مناهج المؤرخين المسلمين في التدوين التاريخي والتعرف على اتجاهاتهم، وتقوم الدراسة على أسس منهجية ركائزها التحليل والاستنتاج والمقارنة والنقد ثم التقييم.

وهذا الاتجاه في الدراسات له أهمية كبيرة والحاجة إليه ماسة؛ لأنه يتيح الفرصة لتقييم مصادر التأريخ الإسلامي ومؤلفيها تقييماً عادلاً بمعايير علمية دقيقة ووفق أسس منهجية متفق عليها، وهذا يؤدي بالتالي إلى كشف حقائق علمية مهمة عن أولئك المؤرخين ومؤلفاتهم، ويبين ميزات كل منهم وعيوبه، ودرجة الثقة به، والجوانب التي يمكن الاعتماد عليها، كل ذلك يضع كل مؤرخ وكل مصدر في مكانه الصحيح، ويكشف لكل من يريد أن يعتمد على هذا المؤرخ أو ذاك مدى موضوعيته وحياده العلمي، وطبيعة توجهاته الفكرية والسياسية، وبالتالي تحمي أي باحث من الانزلاق في إصدار أحكام تاريخية بعيدة عن الواقع انسياقاً وراء ما يرد في بعض المصادر غير الموثوقة.

ولا شك أن هذا الأمر في غاية الأهمية، والتاريخ الإسلامي في أمس الحاجة إليه؛ لأنه في واقع الأمر يمثل الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح لدراسة التاريخ الإسلامي، وما يطمح إليه كل مسلم، كما أن هذا النوع من الدراسات ينمي ملكة النقد عند الباحث ويصقلها ويكسبه خبرات واسعة في مجال التحليل والاستنتاج وإصدار الأحكام المبنية على أسس علمية، كما أن الحاجة ملحة لإعداد باحثين في التاريخ الإسلامي تتوفر فيهم مثل هذه الصفات والقدرات العلمية على هذا النمط.

وإذا كان كل ما سبق كفيلاً بأن يضفي على هذه الدراسة أهمية كبيرة فإن لهذه الدراسة بعداً آخر لا يقل أهمية، ذلك أن الجزيري وكتابه الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة لم يحظ بالدراسة العلمية التي تكشف عن شخصية هذا المؤرخ والعالم الفذ، وكتابه الفريد عن تاريخ الحج في الإسلام، وتقدمه للباحثين والدارسين بصورة جلية واضحة تساعدهم على الاستفادة منه، والتقاط درره الفريدة، وهذا ما شجعني على الإقدام على دراسة هذا الموضوع بتوجيه من قسم التاريخ والحضارة بكلية العلوم الاجتماعية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي تهتم مع زميلاتها من الجامعات السعودية والمؤسسات الثقافية المختصة في المملكة العربية السعودية بدراسة مصادر تاريخ الجزيرة العربية التي عانت من الإهمال كثيراً، ولم تحظ بالعناية والاهتمام اللذين حظيت به غيرها من مصادر التاريخ الإسلامي على العموم، ومصادر تاريخ بعض الأقطار على الخصوص.

الدراسات السابقة:

يحتل الجزيري مكانة عالية بين المؤرخين المسلمين عامة، وبين مؤرخي الجزيرة العربية خاصة، ومع ذلك لم يحظ الجزيري بما يستحقه من العناية والاهتمام من المؤرخين الذين جاؤوا من بعده خاصة من بعض مؤرخي التراجم الذين أهملوا ذكره، ولم يترجموا له الترجمة التي يستحقها مع المترجم لهم من رجال القرن العاشر، وقد يكون ذلك لأسباب سياسية أو مذهبية لا يتسع المجال لمناقشتها، حتى جاء ابن حميد المتوفى ١٢٩٥ هـ، فكتب له ترجمة موجزة معتمداً على الترجمة التي كتبها الجزيري عن نفسه في كتابه الدرر، وهي أيضاً ترجمة موجزة لم يفصل فيها المؤلف عن حياته كثيراً، وربما كان ذلك بدافع الورع وتجنب الحديث عن الذات.

وكما أهمل الجزيري من قبل بعض مؤرخي الدراسات الحديثة، حيث لم أعثر على دراسة وافية عنه وعن كتابه الدرر سوى الدراسة التي كتبها عنه وعن كتابه علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر في مقدمة تحقيقه لكتاب الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة، ثم لخصها وألقاها بمؤتمر بمجمع اللغة العربية بالقاهرة يوم الثلاثاء غرة رجب ١٤٠٦ هـ/ ١٠ مارس ١٩٨٦، وقد أشار حمد الجاسر إلى أهمية الكتاب وضرورة العناية به، ودعا الباحثين إلى دراسته واستخراج كنوزه ودرره، ومنذ ذلك الحين لم يتقدم أحد بدراسة علمية وافية عن الكتاب أو مؤلفه الجزيري على حد علمي.

وعلى أية حال فقد رأيت للأسباب السالفة وغيرها أن الجزيري وكتابه جديران بالبحث والدراسة.

فهرس الموضوعات