مخالفة المبرد (ت 285هـ) للبصريين في المقتضب

ملخص الرسالة

مخالفة المبرد (ت 285هـ) للبصريين في المقتضب

المقدمة:

الحمد لله القاضي بين العباد يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، والصلاة والسلام على النبي الحبيب الذي رأى من آيات ربه الكبرى، وعلى آله وأصحابه الأكرمين المجاهدين.

أما بعد:

فإن رغبتي في دراسة النحو اهتدتني إلى دراسة موضوع الخلاف المدرسي الواحد، وهو موضوع اقترحه علي المشرف الدكتور المحترم عبد الرزاق أحمد الحربي، وذلك لأن موضوع الخلاف في اللغة العربية من المواضيع المجددة لأركانها، فمجرد خلاف في رأي، أو وجهة نظر يؤدي إلى إغنائها وتطورها.

ويعد الموضوع الخلافي بين مدرستي البصرة والكوفة متعدد الدراسة، أما ما تحمله هذه الرسالة فهو موضوع خلافي مدرسي واحد، والمبرد من أهم مخالفيها، إذ عرف عنه بأنه شديد الخلاف مع مدرسته، وهو شيء وضحت عنه آثاره التي تعرض بها لسيبويه، لإعجابه بعلم هذا لرجل منها (شرح شواهد سيبويه، مسائل الغلط)، وما هذا إلا دليل على ترقب أغلاط سيبويه، وإنه يؤثر خلافه، وعلى الرغم من ذلك فكتابه (مسائل الغلط) ألفه في حداثة سنه، وتراجع عنه فيما بعد كما ذكرت ذلك المصادر، ولكن ما تحمله هذه الرسالة هو خلافه لكل المدرسة البصرية، وبعض علمائها متمثلًا بإحدى شخصيات هذه المدرسة وهذا ما بينه في المقتضب فقط، إذ هناك الكثير من الخلافات أدرجتها الكتب الأخرى، ولم يقل بها المبرد، وما فعلوا هذا إلا ظلمًا وافتراء بسبب شهرته للخلاف المذهبي الواحد.

وبينت هذا الخلاف بالموازنة مع كتب الأسبقين مثل (كتاب سيبويه، التصريف للمازني، معاني القرآن للأخفش) بالإضافة إلى استعانتي بالمصادر الأخرى القديمة أو المعاصرة له، والمتأخرة والحديثة.

وطريقة عرضي للخلاف، بدأ برأي المبرد، ومن ثم أذكر الرأي لمخالف له من البصريين في كتبهم، والاستعانة بالمصادر الأخرى، حتى انتهي بعد التحليل إلى إبداء (رأيًا ما، أو نصرة رأي ما. وبيان أن بعض هذه المسائل هي كوفية أحيانًا أو أنها بصرية بالرجوع إلى كتب الخلاف (كالأنصاف، والتبيين، وائتلاف النصرة).

وقد اقتضت طبيعة البحث في هذا الموضوع أن تنقسم الرسالة على تمهيد وأربعة فصول:

تناولت في التمهيد الشيء اليسير من حياته، لشهرة هذا العالم فقد كتبت دراسات عن حياته وعلمه سواء على مستوى الرسائل الجامعية، أو الكتب الثقافية الأخرى. وبينت في التمهيد مسألة الخلاف المدرسي، ومن سبقه من شيوخه، وشيوخ شيوخه، وبينت طبيعة منهجه المنطقي الذي أثار الخلاف بينه وبين ثعلب الكوفي.

أما الفصول:

فتناولت في الفصل الأول (منهج المبرد النحوي). وهو يحتوي على ثلاثة مباحث الأول منها ((التوجه العقلي)) الذي بينت فيه (التوجه لغة واصطلاحًا)، و(افتراض بعض المسائل العقلية وكيفية تحليلها، وتفضيل بعض الأوجه الإعرابية، والدليل في نظره على هذه الأوجه، والثاني منها ((التأويل وأدلة المخالف)) وبينت فيه (التأويل لغة واصطلاحًا، والتأويل اللغوي عند المبرد وتشعب معناه إلى (المعنى، والتفسير، والتقدير، والمجاز)، أما التأويل النحوي فدرست فيه (الخبر والمبتدأ، والمصدر، والتقدير الإعرابي، والحمل على المعنى)، أما الثالث من هذه المباحث هو ((الأصول النحوية)) وبينت فيه الأصول الأربعة من سماع، وقياس وإجماع، واستصحاب حال، يتقدمها معنى هذه الأصول لغة واصطلاح ومسائل خلافية فيه مدرجة تحت كل أصل.

وخصصت الفصل الثاني (للمخالفات النحوية) واحتوى الفصل على ثلاثة مباحث ((الأول مخالفته في الأسماء))، و((الثاني مخالفته في الأفعال))، ((والثالث مخالفته في الحروف)).

وبينت في الفصل الثالث (المخالفات الصرفية) وضم الفصل خمسة مباحث الأول (التصغير)، والثاني (النسب)، والثالث (الإعلال) والرابع (الممنوع من الصرف)، والخامس (بناء اسم الجمع).

وكان الفصل الرابع وهو الأخير ((للمخالفات الصوتية)) وهو مشتمل على أربعة مباحث الأول منها (نطق الحروف الهجائية)، والثاني (تحقيق الهمز وتخفيفه)، والثالث (الإدغام)، والرابع (وصل الضمير الغائب وحركته).

وبعد هذا الفصل كانت الخاتمة التي تبين أهم النتائج التي أظهرها هذا البحث، وبعدها قائمة الموارد، التي اعتمدت عليها في الدراسة مرتبة حسب حروف المعجم.

وبعد فلا يسعني إلا أن أقدم جزيل الشكر والتقدير لأستاذي المشرف الدكتور عبد الرزاق أحمد الحربي الذي أغدق علي من وقته الثمين الشيء الكثير، فقد كان متابعًا لأدق التفاصيل الخاصة بالرسالة، وكانت توجيهاته وملاحظاته القيمة الأثر العظيم في بيان هذه الرسالة على هذا الوجه، فجزاه الله عنا خير جزاء.

وبالختام: هذا عمل متواضع بذلت فيه أقصى الجهد، وعشت معه أطول الوقت وأتمنى أن يكون عملًا يرضى به من يقرأه، وإن كان غير ذلك فقد اجتهدت فيه وبذلت ما يمكن بذله.

وأسال الله العلي القدير الوهاب، أن يوفقني به وأكون عند حسن ظن الجميع، إنه السميع المجيب الرقيب.

الخاتمة ونتائج البحث:

أظهرت هذه الرسالة موضوع الخلاف المدرسي الواحد بين أشهر علمائها وهو المبرد مع مدرسته البصرية وأسفرت عن نتائج هي:

1. لا يعد المبرد من أصحاب مبدأ (خالف تعرف) كما نظر إليه بعض الباحثين، لأنه على قدر كبير من العلم، ولو كان من أصحاب هذا المبدأ، لاكتفى بكتابه لرد سيبويه وهو (مسائل الغلط) ولو كان كذلك لكان سيبويه أيضًا ينبغي فعل هذا كي يعرف، لوجود مخالفات في كتابه للخليل بن أحمد أي كتاب سيبويه.

2. ما المقتضب إلا انتخاب لكتاب سيبويه، أي أنه يبين فيه الكثير من الأمور التي تابع بها سيبويه، حتى إنه يستعمل العبارات نفسها.

3. اختصت هذه الرسالة بموضوع الخلافات الخاصة بالمبرد لكثرة مؤاخذاته على علماء هذه المدرسة الواحدة واختصت بالمقتضب، لأن هناك الكثير من الخلافات التي أطلقت إجحافًا بحقه، لسبب بسيط هو شهرته بخلاف مدرسته.

4. كثرت الخلافات في المقتضب، وذلك لاستقرار أبواب النحو ولكثرة الخلافات بين العلماء قبل المبرد، ولعدم أخذ المبرد من مناهل العلماء أخذًا مباشرًا بالرحلة وغيرها من طرق استقراء اللغة العربية.

5. من الخطأ القول أن كثرة هذه الخلافات تأتي على هدم الوحدة، فهي لا تأتي على هدم أساس المدرسة البصرية النحوية المعتد به في كل الأمصار سابقًا، ولاحقًا، لان نسبة الخلاف شيء يسير بالنسبة إلى الاتفاق.

6. إن طبيعة الموضوع الخلافي غير محدد، لأن هناك في كل وقت وجهات نظر مختلفة، لذا فخلاف المبرد هو امتداد للمخالفين قبله، وأساس يعتمد عليه في اللاحقين بعده.

7.أ. إن أكثر الخلافات في الفصل الاول كانت عقلية بسبب الطابع المنطقي للمبرد وذلك لدراسته على يد بعض شيوخ المذهب المعتزلي فظهر ذلك واضحًا في منهجه النحوي.

ب. إن أكثر تأويلاته اللغوية هي توضيح لبعض المسائل، لاستعانته بطرائق التعبير عن ذلك، وأحيانًا يعمل على تأويل آيات من القرآن الكريم. أما تأويله النحوي، فهو منصب على المبتدأ والخبر، والمصدر، والتقدير الإعرابي، وأحيانا الحمل على المعنى.

ج. أما مخالفته للأصول فهو ناتج إما عن توسعه في القياس في بعض منها، أو اعتداده ببعض الشاذ في السماع، وجرأته في رد القراءات القرآنية التي هي أوثق شاهد سماعي، وهو ناتج عن اتباعه للشيوخ الذين كانوا قبله، وأحيانًا يرى أن الإجماع وهو أمر طبيعي حجة شرعية فيعمل على رد أي رأي يخالفه، وقد يذكر آراء فردية ذاتية تخالف الأصول البصرية ولا سيما مع الأصل الرابع وهو استصحاب الحال، مقرونة بحجة دامغة.

8. أما مخالفاته النحوية فأكثرها انصب في الإخبار، والعامل النحوي، ومسألة التقديم التأخير في إعراب الكلمة، وكثرة الوجوه الإعرابية، وأخيرًا بحث في أعمال الحروف وعدمها، وتركيبها، وبساطتها.

9. أما مخالفاته الصرفية فهي مخالفات لا تعدو أن تكون لهجية. تعودت عليها بعض الألسنة العربية فأدى بهذا الشكل المتعارف عليه. عند كلا الخصمين.

10. وكذلك الحال للمخالفات الصوتية، فهي مخالفات لهجية محضة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين