شروح مُلْحَة الإعراب المطبوعة (دراسة موازنة)

ملخص الرسالة

شروح مُلْحَة الإعراب المطبوعة

(دراسة موازنة)

المقدمة:

أحمدُ الله تعالى حمد الشاكرين وأصلّي وأسلّم على نبينا محمد المصطفى المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه البررة الطيبين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.

إنّ اللغة هي سجل حضارة الأُمّة، ومبعث فخرها واعتزازها والمقوّم الأساس من مقومات وحدتها وبقائها، ومعلوم أنّ الحفاظ على اللغة وسلامتها واستمرارها حيّةً فاعلةً بين اللغات الأخرى يتمّ بالمحافظة على أصول قواعدها وعلوم نحوها وصرفها وعلوم بلاغتها وآدابها، فإذا كانت كل أمةٍ من الأمم، تسعى إلى صون لغتها، والمحافظة عليها، فمن باب أولى، أن توجّه أمتنا العربيّة عنايةً خاصةً إلى لغتها، لما تمتاز به هذه اللغة من غيرها من لغات الأمم قاطبةً، فهي لغة القرآن الكريم الخالد التي شرّفها الله (عز وجل) بأن أنزله فيها إذ قال جلَّ شأنه:﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، وما دام الله تعالى تكفّل بالحفاظ على قرآنه خالدًا بقوله:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فهذا يعني إنّه عزّ وجل متكفل بالمحافظة على هذه اللغة التي اختصها من بين بقية اللغات، لتكون مستودع أسراره، ولغة بيانه وهديه، ولهذا فعلى أبناء هذه الأمة أن يرعوا هذه اللغة رعاية حسنة ويخدموها خدمة عظيمة، ويشاركوا بكل ما يستطيعون، ليبقوها لغةً حضارية حية متجددة عبر العصور، ويكون ذلك، بأن يأخذ كل جيل عمّن تقدّمه خلاصة ما توّصل إليه من علوم اللغة وآدابها، ويضيف إليها، ويجدد فيها ما تقتضيه ضرورات التطور والحضارة، لأن بقاء اللغة فاعلة يكون بتجدّدها، ولولا ذلك التجدد لماتت أكثر ألفاظها. وهكذا يكون كل جيل صلة وصل بين الأجيال السابقة والأجيال اللاحقة.

فمن هنا جاء اختياري وبترشيح من الدكتور الأستاذ الفاضل حميد الفتلي لشروح مُلْحَة الإعراب لأبي محمد القاسم بن علي الحريري البصري المتوفى سنة (516هـ).

فهي منظومة نحوية مهمة جديرة بالدراسة؛ وذلك لما أودع فيها من العلم والآداب، فإنّها مع سهولة ألفاظها ووضوح عباراتها وسلاسة أسلوبها اشتملت على جمل جمة من مهمّات النحو والتصريف، ولأهميتها وقيمتها العلمية اهتم بها كثير من العلماء والباحثين على مرّ العصور فتجاوز عدد شروحها الخمسة والعشرين شرحًا، ولصعوبة الحصول عليها ودراستها كلها حصرت موضوع دراستي للشروح المطبوعة منها فقط، وكانت ثلاثة شروح، هي:

1- شرح مُلْحَة الإعراب لأبي محمد القاسم بن محمد بن علي الحريري (ت 516هـ) وهو صاحب الملحة.

2- تحفة الأحباب وطرفة الأصحاب للشيخ بحرق الحضرمي (ت 930هـ).

3- كشف النقاب عن مخدرات ملحة الإعراب لعبد الله بن أحمد بن علي الفاكهي (ت 972هـ).

وبعد إنجاز رسالتي علمت أن هناك شرح مطبوع وهو شرح حسين والي ابن ابراهيم الأزهري (ت 1306هـ) ولم أتمكن من الحصول عليه لحد الآن.

وكانت دراستي لهذه الشروح في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: يقع في ثلاثة مباحث، هي:

المبحث الأول: الملحة وقيمتها.

المبحث الثاني: شروحها.

المبحث الثالث: سيرة أصحاب الشروح المطبوعة.

أما الفصل الثاني: مناهج الشراح ومذهبهم النحوي ويقع في قسمين:

القسم الأول يتكون من ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: سمات عامة في المنهج.

المطلب الثاني: موقفهم من الشواهد.

المطلب الثالث: عرضهم للموضوعات.

والقسم الثاني: أذكر فيه مذهبهم النحوي والأدلة التي تدل على ذلك.

أما الفصل الثالث: فتناولت فيه المسائل الخلافية ويتكون من أربعة مباحث:

المبحث الأول: المسائل الخلافية في مقدمات النحو.

المبحث الثاني: المسائل الخلافية في الأسماء.

المبحث الثالث: المسائل الخلافية في الأفعال.

المبحث الرابع: المسائل الخلافية في الحروف والأدوات.

غير أن هناك صعوبات اعترضت سبيلي أثناء كتابتي لهذه الرسالة، وهي صعوبات لابد منها في كل عمل علميًا كان أم أدبيًا، ولاسيما في مجال الدراسة الموازنة لما تحتاجه من مصادر ومراجع جمة، لجعل الموازنة دقيقة ومفيدة ولبيان رأي كل طائفة وموازنتها ببعضها، ولما يحتاجه من المصادر والمراجع لتخريج الشواهد ولإيضاح المشكل منها، أو لبيان أوجه القراءات القرآنية للآيات التي لها غير وجه من القراءة، ولتخريج الشواهد من الأحاديث النّبوية الشّريفة وكلام العرب شعرًا كان أم نثرًا، وكل ذلك يحتاج إلى الوقت والتفرغ الكامل لبحثه، ولكوني أمًّا لثلاثة أطفال رزقني الله بهم والحمد لله خلال كتابتي، وجمعي للمصادر والمعلومات فأكبرهم طفلة لم تتعدّ السنتين من العمر، وتوأم ما زالا رضيعين حفظهم الله لي ورعاهم فأدى ذلك إلى تضييق الوقت عليّ، وحرماني من كثير من الوسائل والامتيازات التي تحظى بها مثيلاتي ممن لم يعشْن مثل هذه الظروف كالتفرغ التام وأجواء الهدوء وصفاء الذهن والتعايش مع البحث بعيدًا عن صخب العيش وهموم الحياة، حتى أني كنت اقتنص الوقت اقتناصًا للخروج لمراجعة المكتبات وقضاء الساعات الطوال بين كتبها ورفوفها، واجتهادًا مني للتعويض عن شيء من هذا الحرمان سعيت إلى شراء الكثير من الكتب لتكون في حيازتي وبين يدي دومًا، وهو أمر وإن أثقل كاهل عائلتي لكنه نفعني كثيرًا ولله الحمد.

ومع كل هذه الصعاب قررت التواصل فاتكلت على الله تعالى فضاعفت الجهود وثابرت على قدر ما مكنني الله عليه، فلم أدخر وسعًا، ولم أهمل طاقة حتى تمكنت من إتمام البحث على الصورة التي هو عليها الآن، ولكني لا أدعي أنني بلغت فيه كل ما كنت أصبو إليه من دقة عالية وصواب شامل فالكمال لله وحده، وهذا العمل جهد المقل، فأنا بشرٌ ضعيف يصيب مرّة، ويخطئ مرات، فإذا أصبت في عملي بشيء فبتوفيق من الله تعالى وفضله، ومن ثم بفضل أستاذي المشرف الدكتور عادل شحاذه الذي كان خير عون لي إذ أفادني بتوجيهاته القيمة وإرشاداته السديدة، حتى استوت الرسالة على هذا الشكل فجزاه الله خير الجزاء.

كما أتوجه ببالغ الشكر والعرفان إلى الأستاذ الدكتور حميد الفتلي، الذي أمدني باقتراحاته ونصائحه، ففتح لي عقله ومنحني عصارة فكره وأمدني من بحر علمه الزاخر وما اغترفت إلا النزر اليسير فجزاه الله خيرًا بما أوتي من حلم العالم وما عرف عنه من الأخلاق المثالية الرفيعة، كما أسدي شكري الجزيل لرئيس لجنة المناقشة وأعضائها لما تجشموهُ من عناء قراءة هذه الرسالة وسد ثغراتها قصدًا إلى تقويمها وإصلاح معوجها فلهم مني وافر الامتنان ومن الله التوفيق.

وأشكر كل من أسهم في إخراج هذه الرسالة أو أسدى إلي نصيحة، بقول، أو فعل، أو أعارني كتابًا أو بحثًا متضرعة إلى الله أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، إنه سميع مجيب.

الخاتمة:

بعد أن أنهيت رحلتي مع شروح ملحة الأعراب المطبوعة تكون نهاية رحلتي عرض ما تحصل لنا من نتائج تتمثل في النقاط الآتية:

الأولى: تعد ملحة الأعراب أول متن نحوي مختصر منظوم على وفق منهج، عُدَّ لغرض تعليم المبتدئين مهمات علمي النحو والصرف بأسلوب واضح ولغة سهلة مرسلة لا تعقيد فيها ليسهل عليهم حفظها والرغبة في تعلمها.

الثانية: لم يستهل الحريري شرحه بمقدمة يبين فيها الدافع الذي دفعه لشرح منظومته بخلاف شارحيها، فذكر بحرق أن سبب شرحه للملحة وتفسير غريبها وتوضيح المشكل في إعرابها والاختصار والإيجاز فيها وإضافة الفوائد والزوائد المهمة أحيانا أخرى؛ لتكون تبصرة للطالب المبتدئ وتذكرة للراغب المنتهي. أما السبب الذي دعا الفاكهي الى شرح الملحة هو إستجابة منه لطلب بعض الفقهاء الأصفياء الذين طلبوا منه القيام بهذا العمل.

الثالثة: سار الشرّاح على نهج الناظم في ترتيب الموضوعات، ولم يخرجوا عنه بعدّهم شُرّاحًا لهذا المتن، إلا أن بحرقًا والفاكهي قد حذفا بعض أبياتها واختصرا في أبوابها، وقد وضحت ذلك في الفقرة الثانية من المبحث الأول في الفصل الثاني.

الرابعة: لم يتبع الشّراح طريقة واحدة في شرحهم، فبحرق مثلًا كان يتوسع أحيانًا ويختصر أحيانا أخرى، أما الفاكهي فيضيف على شرحه وأحيانًا يكتفي بالإشارة إلى فوائد أخرى ذُكرت في كتب أخرى، ويطلب الرجوع اليها وربما لم يذكرها كي لا يثقل على الطالب فمن أراد زيادة في العلم يرجع إليها.

الخامسة: إنّ مذهب الشرّاح بصري، وهذا ما تؤكده الأدلة والبراهين التي ذكرناها سابقًا من خلال مصطلحاتهم وتعليلاتهم وحججهم واتفاقهم مع الرأي البصري، وقد وضحت ذلك في المبحث الثاني من الفصل الثاني.

السادسة: إنّ تمسك الحريري بمذهبه البصري يجعله يأخذ برأيهم حتى لو كان ضعيفًا وما يؤكد ذلك أخذه برأيهم في المسألة الخلافية حول تقديم خبر ليس عليها بخلاف شارحيها، (بحرق والفاكهي) فأخذ برأي الكوفيين أحيانًا كأخذهم في المسائل الخلافية حول تقديم خبر ليس عليها، وحول (مذ) و (منذ) أاسمان هما أم حرفان؟ والخلاف في عامل رفع الفعل المضارع.

السابعة: على الرغم من تمسك الحريري لمذهبه البصري في المسائل الخلافية إلا أنه استخدم بعض المصطلحات الكوفية وكذلك شارحا الملحة كـ(النعت والنسق، ومالم يسم فاعله، والتفسير) وهذا يدل على تحررهم من القيود واجتهادهم وبأخذهم بالخيارات اللغوية.

الثامنة: أعطى الشرّاح الشواهد حقّها في شروحهم، فقد استشهدوا بالقرآن الكريم والقراءات القرآنية والحديث النبويّ الشريف، وكلام العرب من شعر ونثر لتقعيد قاعدة، أو لتأصيل أصل، أو لتوضيح مسألة وقد وضحت ذلك في المطلب الثاني في الفصل الثاني.

فهرس المحتويات