آراء الأخفش في كتاب همع الهوامع للسيوطي جمعا وتوثيقا ودراسة

ملخص الرسالة

آراء الأخفش في كتاب همع الهوامع للسيوطي

جمعا وتوثيقا ودراسة

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين الذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين بشيرًا ونذيرًا، والصلاة على من أرسله ربه داعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، ورضي الله عن صحابته وأتباعه الحاملين لواء الحق للعالمين إلى يوم الدين.

حمِدتُ اللهَ ربي إِذْ هدانِي *** إِلى الإِسلامِ والدينِ الحنِيفِ

أما بعد:

فلقد كرم الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية باللغة العربية التي شرفها القرآن الكريم، الذي هو ربيع قلوب المؤمنين، وكيف يكون ذلك كذلك ما لم نفهم تراكيبه ليتسنى لنا إدراك معانيه أوامره ونواهيه، وما تحمله هذه التراكيب من دلالات وإيحاءات، وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم التنزيل: ﴿ أَفَلَاَ يتَدَّبَرُوَن القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{ ﴾ [محمد: 47].

إن النحو من أعظم العلوم وأهمها بدليل عناية علمائنا به، منذ بداية تأصيله، ووضع قواعده، فكان هناك اهتمام كبير بدراسته؛ لأنَّه المفتاح لفهم الكتاب والسنة، والمصلح لما فسد من اللسان العربي.

ولقد أردتُ أن أنهلَ من معين هذا العلم، الذي أصله علماؤنا الأفاضل بدراسة علم العربية، فرغبتُ أن تكون الدراسة في كتاب "همع الهوامع"؛ إذ هو مجال واسع للاطلاع على آراء العلماء المختلفة ومذاهبهم، والغوص في أعماق المسائل النحوية.

سبب الاختيار:

يعد كتاب "همع الهوامع في شرح جمع الجوامع" من أهم الآثار النحوية للسيوطي، فهو من الكتب التي حظيت بمكانة عظيمة عند النحاة، حيث ذكر فيه أبواب النحو المعتادة، والمسائل النحوية المختلفة، واستدل لها بالشواهد العربية من القرآن الكريم والأشعار العربية، وبين فيه آراء النحويين، ومذاهبهم النحوية في المسائل المختلفة.

ومن أهم ما يثيره الكتاب هو منهجه الجامع بين النحو والصرف، وقضايا أخرى في اللغة دفعت العديد من علماء النحو إلى الاهتمام بآرائهم في مسائل النحو المختلفة، ومن هؤلاء العلماء الأخفش الذي حظيت آراؤه بمكانة عظيمة عند النحاة.

وتكمن أهمية هذه الرسالة في الدراسة التحليلية لآراء الأخفش التي وردت في كتاب "همع الهوامع"، ومذهبه النحوي ومصطلحاته وشواهده وإعراباته وإبراز قيمتها في التقعيد النحوي، ومدى موافقتها لآراء البصريين والكوفيين في مسائلهم النحوية، والوقوف على آرائه بين الموافقة والتفرد إلى جانب التعرف على موقف السيوطي من مسائله النحوية.

أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى:

• استعراض آراء الأخفش في المسائل النحوية المختلفة التي ذكرها السيوطي في كتابه الهمع.

• توثيق هذه الآراء من كتب النحو المختلفة ذات الصلة بآراء الأخفش لبيان مدى موافقة مسائله النحوية لعلماء البصرة والكوفة، وأهم الآراء التي تفرد بها.

• بيان مذهبه النحوي في شواهده ومصطلحاته النحوية التي وضعها في هذا العلم.

الصعوبات:

أهم الصعوبات والعوائق التي واجهتني في هذه الدراسة:

• نظرًا لتوفر الكثير من المراجع التي ساعدتني على التوثيق والتخريج للمسائل النحوية والكتب التي أمدني بها الأستاذ الدكتور: محمود العامودي إلا أن هناك صعوبة في الحصول على مراجع أخرى.

• بعد استخراج آراء الأخفش واجهتني صعوبة أخرى، وهي حصر المسائل الخلافية، وذلك أن آراء الأخفش كانت على ثلاثة أقسام:

أ. مسائل وافق فيها البصريين.

ب. مسائل وافق فيها الكوفيين.

ج. مسائل تفرد بها.

• ولتحقيق هذا الغرض رجعتُ إلى الكتب الخاصة بالمذاهب النحوية، وقد استعنت على ذلك بكتب الخلاف النحوي.

• تشعب موضوع الدراسة؛ وذلك أن آراء الأخفش، تدخل في كل أبواب النحو تقريبًا فاحتاج ذلك جهدًا عاليًا؛ إذ يتطلب البحث في كل أبواب النحو.

• صعوبة فهم بعض عبارات سيبويه في كتابه في بعض الأحيان، مما دعا إلى الرجوع إلى شروح الكتاب، والبحث في كتب النحو لكي نتأكد مما يراد من نص سيبويه.

الدراسات السابقة:

تناول الدكتور شوقي ضيف آراء الأخفش في كتاب المدارس النحوية، وتناولها الدكتور مصطفى عبد العزيز السنجرجي في كتاب "المذاهب النحوية في ضوء الدراسة اللغوية الحديثة"، كما تناول الدكتور عبد العال سالم مكرم في كتابه "المدرسة النحوية في مصر والشام" آراء النحاة ومنها الأخفش، وكتاب "ارتشاف الضرب" لأبي حيان الأندلسي، وكتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف" لابن الأنباري.

خطة البحث:

تعد آراء الأخفش في كتاب همع الهوامع هي الأساس الذي تركزت عليه هذه الدراسة، فقد تعددت آراؤه بين موافقته للبصريين والكوفيين تارةً، وخلافه معهم في فروع المسائل اللغوية تارةً أخرى.

بالإضافة إلى المسائل النحوية التي تفرد بها، من أجل ذلك اقتضت دراستنا تتبع آراء الأخفش المتناثرة في كتاب همع الهوامع وعلاقتها بنحاة البصرة والكوفة بين الموافقة والمخالفة، واستعراضها موثقة بتخريجها من كتبهم ما أمكن، وحال عجزنا عن ذلك بسبب صعوبة الحصول عليها وثقناها من كتب تناولتها، وأخص بالذكر ارتشاف الضرب من لسان العرب للعالم الجليل أبي حيان الأندلسي.

ونظرًا لتعدد آراء الأخفش الواردة في كتاب همع الهوامع، فقد اقتضت طبيعة البحث أن يكون في خمسة فصول مسبوقة بمقدمة وتمهيد، ومتلوة بخاتمة فيها نتائج البحث.

أما المقدمة فقد تناولتُ فيها سبب اختيار موضوع البحث، وأهدافه، والصعوبات والدراسات السابقة وخطة البحث ومنهجه.

وتناولت في التمهيد موضوعين، الأول: السيوطي وآثاره النحوية، والثاني: الأخفش وعصره، ثم خمسة فصول جاءت على النحو الآتي:

الفصل الأول: آراء الأخفش التي وافق فيها البصريين.

الفصل الثاني: آراء الأخفش التي وافق فيها الكوفيين.

الفصل الثالث: آراء الأخفش التي تفرد بها.

الفصل الرابع: مذهب الأخفش النحوي، ويشتمل على شواهده وأصوله ومصطلحاته النحوية وإعراباته في المسائل المختلفة وميوله النحوية.

الفصل الخامس: موقف السيوطي من الأخفش.

منهج البحث:

اقتضت طبيعة البحث أن أسير وفق المنهج الوصفي التحليلي في تعاملي مع الآراء النحوية للأخفش، وذلك بتوثيقها من كتب النحو، ودراستها وتحليلها، لمناسبته لموضوع الدراسة.

وتم ترتيب المسائل النحوية على الترتيب الذي سار عليه ابن مالك في ألفيته.

وأرجو الله أن يكون عملي هذا خالصًا لوجهه تعالى، فسبحانه بيده الخير ومنه العون، والله المستعان وعليه التكلان، وأملنا في الله أن يسدد خُطانا ويلهِمنا الرشاد وأن يجعل هذا الجهد المتواضع خالصًا لوجهه الكريم.

اللهم آمين.

الخاتمة:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وبعد:

فهذه خاتمة البحث الذي اشتمل على آراء الأخفش في كتاب "همع الهوامع" للسيوطي، فقد وافق البصريين في مسائل، ومن ثم الكوفيين، وله آراء تفرد بها.

وقمت بجمع هذه المسائل وتوثيقها من كتب النحو، وترتيب المسائل حسب ألفية ابن مالك وتخريج شواهدها.

وقد أدت طبيعة البحث إلى أن يكون في خمسة فصول تسبقها مقدمة وتمهيد، أما التمهيد فقد تناول موضوعين، الأول: السيوطي وآثاره النحوية، والثاني: الأخفش الأوسط وعصره.

ولعل أهم النتائج التي وصلت إليها ما يأتي:

1) مجموع ما وقفت عليه من آراء الأخفش في كتاب "همع الهوامع" مائتان وخمس وستون مسألة.

2) اختصت المسائل النحوية التي تفرد بها الأخفش بالكثرة، وهذا الأمر ليس غريبًا بالنسبة لمنهجه حيث كان يميل إلى الشاذ والنادر.

3) يعد الأخفش من أكبر أئمة النحو البصريين، وهو الذي فتح أبواب الخلاف بين النحاة وأعد لتنشأ مدرسة الكوفة ثم المدارس المتأخرة، ولم يكن متعصبًا لمنهجه البصري فقد أخذ عن الكوفيين وروى عنهم وكان يميل إلى آرائهم أحيانًا.

4) قلة استشهاده بالأحاديث النبوية.

5) كثرة استدلاله بالآيات القرآنية والأشعار.

6) كشف البحث عن الأصول النحوية عند الأخفش.

7) لم يلتزم الأخفش بالتحديد في سماعه عن العرب بل أعطى له مجالًا أوسع، واعتد بالمسموع عن العرب ولو كان غريبا، فكلام العرب يمثل أساسًا من أسس السماع عنده.

8) الأخفش يمثل تطورًا جديدًا في القياس وطريقة استخدامه حيث اختص بمنهجه الخاص المخالف لمنهج نحاة البصرة.

فقد كان يقيس على الشاذ والنادر، وغير المسموع عن العرب واهتم بالقراءات الشاذة فخرج عن مقاييس البصريين في القياس.

9) ميل الأخفش لمصطلحات البصريين النحوية.

10) كشف البحث عن ميول الأخفش النحوية.

11) تميز الأخفش بتعدد مذاهبه في المسألة الواحدة.

هذه جملة من نتائج البحث التي تم استنتاجها خلال الدراسة.

التوصيات:

إن النحو من أعظم العلوم وأهمها، فهو المفتاح لفهم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والمصلح لما فسد من اللسان العربي.

وعلماء العربية نذروا أنفسهم لخدمة هذا العلم، فقد كان مشواري في هذا البحث ممتعًا رغم الصعوبات التي واجهتني، فقد بحثت في جميع أبواب النحو واستفدت كثيرًا، وهذا بفضل الله.

لذا أوصي طلبة العلم بأن ينهلوا من معين هذا العلم الذي أصله علماؤنا الأفاضل بدراسة اللغة العربية، وفهم قواعدها كي نستطيع أن نواجه الأخطار التي تتهدد هذه اللغة، فهي لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.