الأحكام الشرعية المستنبطة من سورة الحجرات

ملخص الرسالة

الأحكام الشرعية المستنبطة

من سورة الحجرات

مقدمة البحث:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.

وبعد: فإنَّ خير الكلام كلامُ الله، وخير الهدي هدي سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبهذين الأصلين اهتدت الأمة قديمًا، وهما سبيل نجاتها في سائر الأزمان والأحوال. من تمسك بهما رشَد واستقام، ومن ضل عنهما غوى وهوى. وإنه لا خلاص لهذه الأمة من هذا الواقع الذي تعيشه والبؤس الذي تحياه لتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس إلا بأن تجعل القرآن الكريم سبيل نجاتها، وحبل خلاصها وهاديها من حيرتها، ومنقذها من رقدتها، به تحيا وفي ضوئه تسير وعلى منهاجه تموت.

وانسجامًا مع هذه القناعة وتفاعلًا مع هذا اليقين طفقتُ أعيش مع كتاب الله تعالى؛ ذلك أنني وقفت مع سورة الحجرات أتأملها عندما أقرأها وأبحث في مقاصدها؛ ذلك أن سورة الحجرات مدرسة متكاملة تربى في ضوئها أصحاب سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنها مع قصرها وقلة عدد آياتها جاءت شاملةً لأحكام وآداب وأوامر ونواهٍ لا تجدها مجتمعة في سورة سواها.

إن سورة الحجرات مدرسةٌ متكاملة، جاءت لتربي الأمة على سمو الأخلاق وفضائل الأعمال وعلو الهمم. إنها مدرسة عقدية تشريعية وتربوية، ولذلك فلا عجب أن نرى أخلاق الجيل الأول هي أخلاق القرآن التي هي أخلاق إمامنا وإمام ذلك الجيل وكلّ جيل سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان خلقه القرآن، ولذلك قادوا الدنيا بأسرها؛ لا بسيوفهم ولا بأموالهم ولكن بأخلاقهم المستمدة من دينهم ومثلهم المأخوذة من كتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام.

وأمتنا اليوم أحوج ما تكون إلى منقذٍ لها مما هي فيه، فهي جائعة والزاد بين يديها، عطشى والماء فوق ظهورها محمول، ولن يَصْلحَ آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها: إلا بالكتاب والسنة، وكما قال الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله وسنتي».

وهذه السورة سورة الحجرات تعالج قضايا وأمور تسهم في حلِّ كثير من المعضلات التي تواجهها الأمة اليوم. ولكل ما سبق عزمت على المضي قدمًا في إخراج بعض كنوز هذه السورة علاوة على ذلك مشورة مشايخي عليّ بهذا الموضوع. فاستخرت الله تعالى وقدَّمت هذا الموضوع إلى مجلس الكلية الموقرة – "الأحكام الشرعية في سورة الحجرات" - فتمت الموافقة عليه والحمد لله.

وقد اقتضت خطة البحث أن تكون في مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة.

أما الفصل الأول: فقد جاء بعنوان: طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والأدب معه. ويتضمن مبحثين:

المبحث الأول: الآيات القرآنية ذات العلاقة بالأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبيان سبب نزولها والمعنى الإجمالي لها.

المبحث الثاني: الأحكام الفقهية المستنبطة منها وهي:

1) خصائص النبي، صلى الله عليه وسلم.

2) حكم الصلاة والسلام عليه.

3) طاعته، صلى الله عليه وسلم.

4) الأدب معه، صلى الله عليه وسلم.

5) إحباط العمل لمن لم يتأدب معه، صلى الله عليه وسلم.

6) حرمة إيذائه، صلى الله عليه وسلم.

7) عدم جواز ذبح الأضحية قبل صلاة العيد.

8) حكم تقديم الطاعة على وقتها.

أما الفصل الثاني: فقد جاء بعنوان: الجهاد ومسائل فيه، ويتضمن مبحثين:

المبحث الأول: سبب نزول الآيات والمعنى الإجمالي لها.

المبحث الثاني: الأحكام الفقهية المستنبطة منها وهي:

1) الجهاد بالنفس.

2) الجهاد بالمال.

3) الصلح بين المؤمنين وقتال الفئة الباغية.

أما الفصل الثالث: فقد جاء بعنوان: العلاقات العامة بين الناس، ويتضمن مبحثين:

المبحث الأول: الآيات القرآنية ذات العلاقة بالعلاقات العامة بين الناس، وسبب نزولها، والمعنى الإجمالي لها.

المبحث الثاني: الأحكام الفقهية المستنبطة من الآيات القرآنية ذات العلاقة بالعنوان، وهي:

1) خبر الفاسق وحكمه.

2) النهي عن الظن.

3) التجسس.

4) الغيبة.

5) السلام.

6) صلة الأرحام.

هذه هي خطة البحث، أما منهجيته: فهي قائمة على بيان سبب نزول الآية، ومن ثم شرحها، وإعطاء المعنى الإجمالي لها، ومن ثم استنباط الحكم الفقهي ودراسته دراسة مقارنة.

وأحاول جاهدًا ترجيح ما أراه رأيًا صائبًا؛ مستعينًا في ذلك بأُمّهات كتب التفسير والفقه والحديث.

وقد خرَّجت الأحاديث الواردة في ثنايا الرسالة، وترجمت الأعلام غير المعروفين، وشرحت في الحاشية الألفاظ الغريبة.

وقد كان معي في رحلتي هذه شيخي وأستاذي الدكتور عبد الوهاب الشيخ حمد- حفظه الله- وجزاه الله عنَّا خيرًا.

وختامًا أقول بأنني لم أدَّخر جهدًا ما استطعت من أجل الوصول إلى إتمام بحثي ومع هذا فإن هذا الجهد هو إسهام بشري، وقد كُتب في ظل الأحداث الساخنة التي مرَّ بها بلدنا الحبيب، وأثرت هذه الأحداث تأثيرًا سلبيًّا على طلبة العلم ومسيرتهم العلمية. فما كان في هذا الجهد من صواب فهو من الله تعالى وما كان فيه من زلل وخطأٍ فحسبي أنني بذلت ما استطعت من جهدٍ. وجزى الله خيرًا من سددني وأرشدني، واللهَ أسأل أن يوفقنا لخدمة ديننا إنه سميع مجيب.

الخاتمة

لم يبق علينا بعد أن انتهينا بعون الله تعالى وحمده، من أعداد مباحث الرسالة إلا أن نجمع شتاتها ونؤلف بين موضوعاتها في خاتمة موجزة نورد فيها أهم النتائج التي توصلنا إليها، وأفضل المقترحات التي تدعونا الأمانة العلمية إلى تأكيدها.

أولًا: النتائج التي توصل إليها الباحث:

1) سورة الحجرات مدنية بإجماع العلماء، نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، بعد سورة المجادلة، وعدد آياتها ثمانيَ عشرة، وعدد كلماتها (343) ثلاثمائة وثلاث وأربعون، وعدد حروفها (1476) ألف وأربعمائة وستة وسبعون، وسميت بسورة الحجرات نسبة إلى الحجرات وهي بيوت النبي، صلى الله عليه وسلم.

2) يتبين أن هذه السورة الجليلة، تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة، ومن حقائق الوجود والإنسانية، حقائق تفتح للقلب وللعقل آفاقًا عالية وآمادًا بعيدة، تثير في النفس والذهن خواطر عميقة ومعاني كبيرة، وتشمل من مناهج التكوين والتعظيم وقواعد التربية والتهذيب ما يتجاوز حجمها مئات المرات.

3) خطورة التقدم بين يدي الله ورسوله، وأن صور هذا التقدم ليست محصورة في معنى دون غيره، بل هي شاملة لكل ما يمكن أن نطلق عليه تقدمًا، حسًّا أو معنى، وهذا يتطلب وجود الطاعة والانقياد لأوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعدم التقدم عليه برأي أو قول، ويتطلب احترامه - صلى الله عليه وسلم - وتعظيم شأنه وعدم رفع الصوت في حضرته.

4) وجوب التثبت من صحة الأخبار، وعدم الاعتماد على أقوال الفسقة المفسدين.

5) النهي عن السخرية والتجسس والغيبة وسوء الظن وعن سائر الأخلاق الذميمة، فهذه السورة جمعت من الفضائل والآداب ما جعلها تسمى سورة الآداب أو سورة الأخلاق.

6) وجوب الإصلاح بين طوائف المؤمنين عند حصول النزاع خشية تصدع الصف وتفرق الكلمة، وإذا بغتْ إحدى الطوائف على الأخرى ولم يمكن الإصلاح، وجب قبر الفتنة بحدِّ السيف.

7) المؤمنون إخوة ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10] جمعتهم رابطة العقيدة والإيمان، وهذه الرابطة أقوى من رابطة النسب والدم. إن الأخوة الإيمانية منهج رباني متى ما وعاه المسلمون فقد صلحوا وأفلحوا، ما أعظمها من رابطة، إنها البلسم الشافعي وسط عالم يموج بالتقاطع والتدابر، ويمسي ويصبح على القتال والتناحر. وحفاظًا على الأخوة من أجل بقاء وحدة الأمة الإسلامية وجب على المؤمنين مقاومة أهل البغي والفساد.

8) لا يمكن أن تستقيم الحياة وتصفو من أكدارها إلا بالتقوى، ولن يحقق المرء مراد ربه، إلا إذا تعاهد قلبه وأخلصه لله، وقد رأينا عناية هذه السورة المباركة بالقلوب وإصلاحها، تصريحًا وإيماءً ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ﴾ [الحجرات: 3].

ثانيًا: المقترحات والتوصيات:

تلك إشارة إلى بعض ما توصلت إليه في هذه الدراسة المتواضعة من نتائج، والآن يبدو لي من المناسب الإيحاء بما يأتي:

1) ضرورة العمل على نشر تعاليم القرآن الكريم بين المسلمين.

2) الدعوة إلى تقوية الصلة بين المسلم وكتاب الله تعالى.

3) ضرورة الربط بين الدراسات الشرعية والعلمية وبين القرآن الكريم في إطار الضوابط الأصولية التي اعتمدها العلماء.

4) تحصين الأجيال من مخاطر العدوان على كتاب الله تعالى، وذلك بالكشف عن مقاصد الكاتبين وعن حقيقة انتماءاتهم الفكرية.

5) ضرورة تمحيص كتب التفسير وتدقيق ما فيها من أخبار، وذلك خدمةً لكتاب الله تعالى وتخليصه من الإسرائيليات، والأحاديث الموضوعة.

6) القرآن الكريم مصدر الأحكام، وهو الذي لا تنقضي عجائبه، فينبغي توجيه طلبة الدراسات العليا إلى عينة في رياضه تفسيرًا واستنباطًا للأحكام الفقهية.

7) ضرورة تفسير القرآن الكريم بأسلوب عصري وواضح ورصين وفق الضوابط الشرعية، لاستجلاء ما في هذا الكتاب من خير وهداية ونور.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والصلاة والسلام على حبيبنا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس المحتويات