تسويق قيم العمل الخيري في ضوء نظرية التسويق الاجتماعي

ملخص الرسالة

تسويق قيم العمل الخيري في ضوء نظرية التسويق الاجتماعي

دراسة تحليلية تقويمية للجهود الاتصالية في المؤسسات الخيرية في المملكة العربية السعودية

ملخص الدراسة

برزت نظرية التسويق الاجتماعي بين نظريات الاتصال المعاصرة، لتجمع وتؤلف بين نتائج بحوث الإقناع وانتشار المعلومات، في إطار حركة النظم الاجتماعية والاتجاهات النفسية، بما يسمح بانسياب المعلومات وتأثيرها، من خلال وسائل الاتصال وأساليبه، وتنظيم استراتيجياتٍ من خلال هذه النظم المعقدة، لاستغلال قوة وسائل وأساليب الاتصال.

ولأن "العمل الخيري" يمثل بقيمه ومفاهيمه وقضاياه المتعددة مجالاً مهماً تتزايد الحاجة إلى تسويقه؛ فقد جاءت هذه الدراسة بهدف تحليل وتقويم تطبيقات نظرية التسويق الاجتماعي في المملكة العربية السعودية من خلال دراسة التطبيقات الاتصالية، لتسويق قيم العمل الخيري، والعوامل المؤثرة في فاعليتها.

واكتسبت هذه الدراسة أهميتها من الأهمية العلمية لها؛ إذ إنها تسعى إلى تقديم نظرية التسويق الاجتماعي، وعلاقتها بالنظرية التكاملية للعملية الاتصالية، وأثر ذلك في الرسائل والأساليب الاتصالية، وفي فاعلية العملية الاتصالية. وكذلك الأهمية العملية للتسويق الاجتماعي على مستوى الأفكار والقيم، والمفاهيم والأنشطة التي تقدمها مختلف القطاعات والمؤسسات في المجتمع، وفي مقدمتها المؤسسات المعنية بالعمل الخيري؛ مما يتطلب دراسة قضاياه، لتفعيله في المجتمع كقيمة إسلامية حث عليها الشارع الكريم. كما تستمد أهميتها من موضوع القيم، خاصة أن القيم في عصر الانفتاح الاتصالي - غير المحدود - هي العامل الحاسم في حفظ الذاتية الثقافية للشعوب العربية والإسلامية.

وقد راجع الباحث الدراسات السابقة في هذا المجال وتبين له أن التطورات التقنية في مجال الاتصال والإعلام عززت من التوجه نحو البعد التكاملي والتفاعلي للعملية الاتصالية، وانعكس ذلك على بحوث الاتصال، حيث لقي الاتصال التسويقي اهتماماً بالغاً من قبل باحثي الاتصال والإعلام مع بداية التسعينيات الميلادية، ونتيجة لتلك التطورات التقنية، برزت التطورات الوظيفية للاتصال في المجتمعات الحديثة، بما في ذلك التسويق الاجتماعي.

وعلى ذلك فقد سعت الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية:

١. التعرف على أسس ومنطلقات نظرية التسويق الاجتماعي.

٢. التعرف على مدى سلامة تطبيقات نظرية التسويق الاجتماعي في الجهود الاتصالية لتسويق قيم العمل الخيري.

٣. تحليل العوامل الاتصالية المؤثرة على نتائج البرامج الاتصالية للمؤسسات الخيرية، سلباً وإيجاباً.

٤. استخلاص العوامل التي تحقق زيادة فعالية حملات التسويق الاجتماعي، وتسهم في تطور العمل الإعلامي في هذا المجال.

٥. تقديم تصور عملي لنظرية التسويق الاجتماعي يمكن تطبيقه في المجتمع السعودي.

واستخدمت لذلك المنهجين الكيفي والكمي، حيث استخدم المنهج الكيفي في الجانب النظري للوصول إلى أدبيات النظرية وتحليلها من المصادر الأساسية. أما المنهج الكمي فقد استخدم لوضع قياسات محددة للمتغيرات ذات العلاقة بالجهو د الاتصالية في المؤسسات الخيرية.

واستخدم لذلك دليل المقابلة المتعمقة، واستبيان التحكيم كأداتين لجمع المعلومات، من خلال مقابلات مع العاملين في إدارات الاتصال وجهاته بالمؤسسات ذات الصلة، والتقارير الإحصائية التي ترصد البرامج الاتصالية، ومن خلال تحكيم النموذج المقترح لحملات تسويق قيم العمل الخيري.

واشتمل مجتمع البحث على المؤسسات الخيرية في المملكة العربية السعودية التي تم تسجيلها في وزارة الشؤون الاجتماعية حتى عام ١٤٢٧ هـ، حيث تم اختيار عينة عمدية من مجتمع المؤسسات السعودية، والمؤسسات الخيرية الدولية العاملة في المملكة، بنسبة ١٠ % من إجمالي مفردات مجتمع الدراسة حسب حجم إيراداتها السنوية. كما تم اختيار عينة الخبراء وفقا لأسلوب مجموعة التركيز، التي يتراوح عددها ما بين ٦-١٢ خبيراً في التخصصات التالية: العمل الخيري، الإعلام والاتصال، الإدارة والتسويق.

واستخدم الباحث الحزمة الإحصائية SPSS لتلخيص البيانات وتحليلها، واستخراج نتائج الدراسة التحليلية وفقاً للخطوات العلمية لذلك، وبإجراء مجموعة من الاختبارات الإحصائية الوصفية ومجموعة الاختبارات الإحصائية الاستدلالية المناسبة ومنها: (اختبار (T) واختبار مربع كاي X واختبار العلاقات الارتباطية (معامل بيرسون) و(معامل سبيرمان).

وقد توصلت هذه الدراسة في إطارها النظري، وكذلك الميداني إلى مجموعة من النتائج المهمة، ناقشها الباحث في فصل مستقل، ومنها:

أولاً: خلصت هذه الدراسة، بعد تتبع جذور نظرية التسويق الاجتماعي، إلى أن تطور الاتصال في المنظمات الاجتماعية نابع من تطور النظرة التكاملية للعملية الاتصالية في نماذج الاتصال، ومداخله ونظرياته، وتطور النظر إلى جمهور المؤسسة غير الربحية وجمهور العملية الاتصالية، باعتباره نشط من خلال إجراء عملية تكاملية بين الرسالة الاتصالية التي يتلقاها لتتوافق مع الصور والمواقف والاتجاهات التي يتبناها، ويمثل التسويق الاجتماعي في ضوء هذه النظرة رؤية حديثة لتطبيقات الاتصال في المؤسسات الاجتماعية، عبر مستوياته الإدارية والاتصالية والتسويقية.

وقد استطاعت هذه الدراسة في إطارها النظري أن تكشف عن أصالة مفهوم التسويق الاجتماعي في الظاهرة الاتصالية البشرية بمختلف أبعادها ومستوياتها، لارتباطها بحاجات الإنسان ورغباته، ولكونه الطرف الذي يضمن للعملية الاتصالية اتصافها بالدائرية والتكاملية، سواء كان مصدرا للرسالة، أو متلقيا لها.

ثانياً: من خلال القراءة المتعمقة لما تضمنه الإطار النظري لهذه الدراسة والدراسات السابقة، ونتائج الدراسة الميدانية، خلص الباحث إلى أن نظرية التسويق الاجتماعي ليست قوانين محددة، ولا نظرية واضحة الحدود والمعالم، لعدم قدرتها على توصيف القيمة الحقيقية لكل نشاط اتصالي تمارسه المؤسسة الاجتماعية، أو تأطير كيفية التعامل مع متغيرات البيئة الاتصالية، أو توصيف الصيغة التي يحتاجها كل مجال أو موضوع اجتماعي، ولذا فإن الباحث يرى أنها تمثل معالم عامة وأطراً واسعة قابلة لمزيد من الجهود العقلانية لمعرفة المزيد من التفاصيل التي تحويها هذه الأطر.

ثالثاً: أكدت نتائج الدراسة الميدانية أن تبني هذه النظرية - عمليًا وتطبيقيًا - ينطلق من تبني المفهوم الذي تنطوي عليه النظرية، وكشفت النتائج أن الاتصال في المؤسسات والجمعيات الخيرية يتطور تطوراً ملحوظاً نحو مفاهيم الاتصال في المنظمات والمؤسسات الاجتماعية الحديثة، وإن كان يبدو ضعيفًا إلا أنه مؤشر على الاتجاه نحو الأخذ بهذه المفاهيم مستقبلًا، ويعزز من هذا التوجه:

١. وجود مؤسسات وجمعيات تسعى من خلال أهدافها الاتصالية الاستراتيجية إلى كسب رِضا جمهور المؤسسة، وتحسين صورتها، وهو ما يؤكد تبني المفهوم الذي يستهدف إشباع حاجات المجتمع، ورغبات أفراده المرتبطة بقيم العمل الخيري.

٢. وجود (١٥.٧ %) من مؤسسات العينة يوجد بها وحدات إدارية مختصة بالتسويق و( ٤٨.٩ %) لديها وحدات مختصة بالإعلان و( ٩٥.٦ %) لديها إدارات للعلاقات العامة.

٣. تبيَّن أن جميع مؤسسات وجمعيات العينة تستخدم أنشطة الاتصال التسويقي (العلاقات العامة، الإعلان، الاتصال الشخصي، تنشيط تبني القيم) بمتوسطات مرتفعة بلغت في أقل أحوالها (٣.٠٩) من (٥) بالنسبة لتنشيط تبني القيم، في حين أن متوسط استخدام أنشطة العلاقات العامة بلغ (٤.٠٤) وبالرغم من وجود هذا الاتجاه الإيجابي إلا أن النتائج تشير إلى ضعفٍ في التطبيق الفعلي لمفهوم التسويق الاجتماعي في مؤسسات وجمعيات العينة، حيث إن نسبة العمل بالمفاهيم الحديثة للاتصال في المؤسسات الاجتماعية لم تتجاوز (٢٦.٦%).

رابعاً: أشارت نتائج الدراسة الميدانية إلى أن الواقع الإداري ومركزية القرار في مؤسسات وجمعيات العينة لا تدعم التوجه نحو الاتصال التسويقي بمفاهيمه وآلياته الحديثة، ويشير هذا الأمر إلى صعوبة الوصول إلى تكامل تنظيمي، يقوم على أساس فرز أنشطة الاتصال التسويقي كمرحلة أولى، ثم دمجها أو توحيد ارتباطها الإداري في إدارة واحدة في المرحلة التالية، ليتحقق للمؤسسات والجمعيات الخيرية إنتاج صيغ جديدة لتسويق قيم العمل الخيري، ويتحقق لها الأخذ بالثقافة الإدارية العصرية التي يتكامل فيها الأداء الإداري والاتصالي.

ومن النتائج التي تعزز هذا الحكم:

١. ضعف القدرات الذاتية، ونقص الكوادر ا لمؤهلة في مجالات الاتصال التسويقي. وكشفت المقابلة مع بعضهم أن معظمهم من غير المتخصصين.

٢. ضعف الإنفاق وضعف التوجه نحو التدريب، وتطوير المهارات على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الإداري.

خامساً: كشفت الدراسة أن هناك مجموعة من العوامل التي تدعم الوصول إلى مرحلة البدء الفعلي في الأخذ بنظرية التسويق الاجتماعي، من خلال أبرز تطبيقاتها، المتمثلة في مفهوم الاتصال، وكذلك متوسط استخدام أنشطة الاتصال التسويقي، وهي:

• عدد العاملين في المؤسسة الذي يمثل مؤشراً على حجم نشاطها الخيري، وحجم أعمالها وخدماتها الاجتماعية.

• عدد العاملين في وحدات الاتصال التسويقي الذي يعد مؤشرًا على حجم النشاط الاتصالي وتنوعه، وتعدد وسائله.

• إيرادات المؤسسة الذي يمثل مؤشرا للعائد من الأنشطة الاتصالية التسويقية.

وهذه العوامل تعزز ما أشار إليه الباحث من أهمية تكامل الفعل الإداري والاتصالي في المؤسسات والجمعيات الخيرية، لتحقيق الفاعلية للنشاط الاتصالي.

أما ما يتعلق بالعوامل المؤثرة في تقدم المؤسسات والجمعيات الخيرية نحو آليات التسويق الاجتماعي، فقد أظهرت نتائج الاختبارات أن أربعة عواملَ جديدة قد ظهرت، هي:

• درجة كثافة الأنشطة التي تمارسها المؤسسة أو الجمعية، وهذا مؤشر على أن هذا العامل يختزل العوامل المؤثرة في مفهوم الاتصال لدى المؤسسة أو الجمعية، باعتبار كثافة النشاط مرتبطة بعدد العاملين في المؤسسة، وعدد العاملين في وحدات الاتصال، وحجم الإيرادات التي تمكِّن المؤسسة من توسيع نشاطها وزيادة حجمه.

• ويضاف إلى هذا العامل ثلاثة عوامل أخرى تتعلق جميعها بالتنظيم الإداري هي: وجود إدارة علاقات عامة في المؤسسة، ووجود إدارة إعلان مستقلة، ووجود مهمة مكتوبة ومعلنة للعاملين.

سادساً: كشفت الدراسة عن مجموعة العوامل المؤثرة في تحقق زيادة فعالية الاتصال في المؤسسات والجمعيات الخيرية حيث تبين أن المعوقات الإدارية والمهنية التي تقف عائقا أمام تبني هذه النظرية، تتمثل في ثلاثة جوانب رئيسة: (التنظيم الإداري، المعلومات، التمويل) وتشير النتائج إلى العلاقة بين وجود وحدات إدارية مختصة بأنشطة الاتصال التسويقي، ومدى تنوع استخدام أنشطة الاتصال التسويقي.

وقد اتضح من مناقشة نتائج الدراسة أن توجه المؤسسات والجمعيات الخيرية - الأكثر إيرادات - في المملكة العربية السعودية نحو تطبيق مفاهيم وآليات التسويق الاجتماعي يبدو بشكل عام دون المستوى المقبول، وإن كانت هناك مجموعة من المؤشرات الإيجابية بالنسبة لتبني المفهوم وتنويع أنشطة الاتصال التسويقي، إلا أن المؤسسات والجمعيات التي تمتلك ما يؤهلها لتطبيقات أكثر تبدو قليلة جداً، في ظل غياب التنظيم الإداري المناسب، والمؤهل بالكوادر المتخصصة، وفي ظل ضعف المعلوماتية والإنفاق على الأنشطة الاتصالية.

كما أشارت نتائج الدراسة إلى تراتبية ومرحلية عملية التوجه نحو تطبيق التسويق الاجتماعي في المؤسسات والجمعيات الخيرية عينة الدراسة، التي يرى الباحث أنها:

١. مرحلة تبني مفهوم التسويق الاجتماعي.

٢. مرحلة تنويع الأنشطة الاتصالية والتسويقية المستخدمة.

٣. مرحلة تنسيق الجهود التسويقية وتوحيد الصوت.

٤. مرحلة التخطيط الدقيق والتجريب القبلي لمحتوى الاتصال.

ونظرا لجدة الدراسة في مجالها فقد أوصى الباحث بعدد من التوصيات أملاً في أن يسهم في تطوير واقع الاتصال التسويقي في المؤسسات والجمعيات الخيرية، وصنفها إلى نوعين منها ما يتعلق بالجانب العلمي ومنها ما يتعلق بالجانب العملي.

فهرس المحتوى