• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / الرسائل العلمية / رسائل دكتوراة
علامة باركود

التجديد في علوم البلاغة في العصر الحديث

منير محمد خليل ندا

نوع الدراسة: PHD
البلد: مصر
المشرف: الدكتور علي العماري

تاريخ الإضافة: 12/3/2011 ميلادي - 6/4/1432 هجري

الزيارات: 150350

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملخص الرسالة

المقدمة

بسم الله نبدأ، وبه نستعين، ونحمده - سبحانه وتعالى - أن هدانا لهذا، وما كنَّا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله.

ونصلِّي ونسلِّم على سيد الخَلق، وأشرف المرسلين، إمام الأنبياء، وسيد البُلغاء، آتاه الله جوامعَ الكَلِم وسحر البيان، وخصَّه من بين رُسله بمعجزة القرآن.

 

وبعدُ:

فإنَّ من المقاصد العالية التي يتطلَّع إليها الباحث، ما يكون الهدف الأسمى من معالجتها خِدمة اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، الذي أُنزِل بلسانٍ عربي مبين، فكان المعجزة الخالدة إلى يوم الدِّين.

 

ومن أهمِّ العلوم التي وُضِعت للبحث في المعجزة، وأسهَمتْ فيه بنصيبٍ موفور: علم البلاغة، علم الذوق والجمال، والفن الأدبي.

 

ولقد كان لعلم البلاغة فضلٌ كبير في بيان أساليب العرب، وتَراكيب لغتهم، وما تَمتاز به من قوَّةٍ وجمال؛ في اللفظ والمعنى، والعاطفة والخَيال؛ ممَّا أعان كثيرًا على فَهْم تُراثنا، وتقدير لُغتنا، وبَيان إعجاز كتابنا الكريم، بل إنَّ دراسة الإعجاز وإدراكه كان الهدف الأسمى الذي من أجْله وُضِعَ علم البلاغة؛ يقول ابن خلدون: "واعلم أنَّ ثمرة هذا الفن، إنما هي فَهْم الإعجاز من القرآن"[1].

 

فالبلاغة العربيَّة إذًا دينية النشأة، قرآنية المولد، درجتْ ونَمتْ في رحاب كتاب الله، تستهدي آياته، وتتشرَّب معانيه، قبل أنْ تتناولَ الأدب العربي بوجْه عام.

 

وعلى هذا، فالبلاغة علمٌ له قَدْره ومكانته، وعلينا نحن العرب والمسلمين أنْ نحلَّه المكانة اللائقة به من الاهتمام والتقدير.

 

لكنَّ البلاغة العربية - وإنْ كانت لَقِيت عناية كبيرة في عصورها الأولى - تخلَّفتْ عن رَكْب العلوم الحديثة، واعترَض طريقَها من الصعاب والعقبات ما وقَف بها عن بُلوغ الغاية، وحادَ بها عن مَسار الذوق والفن والجمال.

 

ذلك أنَّ البلاغة بعد أنْ أيْنَعتْ على يد الإمام عبدالقاهر، واستوَتْ على سُوقها تُعجب الزرَّاع، ما لَبِثت أن استقرَّت في يد عُلماء الكلام والفلسفة والمنطق، فحوَّلوها إلى تعاريفَ وتقاسيم تقومُ على جَدَلٍ عَقيم.

 

فمنذ ألَّف السكاكي في القرن السادس الهجري كتابه "المفتاح"، وجعَل القسم الثالث منه في علم البلاغة، وكُتبُ المؤلفين تدور حوله، وتُبنَى عليه، وتَنهج طريقته الكلاميَّة الجدليَّة، بل تزيد عليه تعقيدات وإغرابًا[2].

 

وجاء القزويني في القرن الثامن الهجري، فاتَّجه هو الآخَر إلى "مفتاح العلوم"، ولَخَّصَ قسمه الثالث، بعد أن رأى فيه حشوًا وتطويلاً وتعقيدًا، فهذَّبه ورتَّبه ترتيبًا أقربَ تناولاً، ولكن بنفس الطريقة والأسلوب، ثم رأى أنَّ هذا التلخيص غير وافٍ بالغَرَض، فوضَع شرْحًا على تلخيصه هو "الإيضاح"، وهذا الكتاب هو الذي وقَفتْ عنده البلاغة لا تَرِيم، ولَم يُكتَب لها بعده التطوُّر والتجديد.

 

وفي كتابَي القزويني "التلخيص" و"الإيضاح"، يجدُ الباحث الفلسفة وأساليب المناطِقة ومصطلحاتهم ماثلةً أمامه؛ ممَّا يعوق الانتِفاعَ من بلاغته في صَقْل الأذواق وتربيتها، وللأسف فإنَّ كتاب "التلخيص" هو الذي دارَتْ حوله وحول شروحه دراسة البلاغة حتى العصر الحديث.

 

وقد نقَد الدكتور أحمد مطلوب كتابَي القزويني نقْدًا جيِّدًا[3]، وأبرَزَ ما فيهما من عُيوب وإغراب عن مسائل البلاغة وفنِّها، ونقَل بعض عبارات القزويني عن الملكة والكيف، والصدق والكذب، والجامع والدلالات وغيرها، كأمثلةٍ تُؤيِّد وجهة نظره، ثم قال: لقد نقَلنا هذا كلَّه؛ لنُظهِر خُروجَهم عن البلاغة، وإلاَّ فما علاقة هذا الكلام بها؟ وكيف يستفيد منه الأديب في نقْد الأدب، وإظهار جماله؟[4]

 

وقال في موضعٍ آخرَ: وننتهي من هذا كلِّه إلى أنَّ النزعة الفلسفية والْجَدَلية تُسَيْطِر على بلاغة القزويني، وهذا واضحٌ في المنهج والتبويب، وبيان المعاني البلاغية، واستخدام الأساليب والمصطلحات الكلامية والفلسفية، ومن هنا نرى أنْ لا فائدة من العُكوف على بلاغة القزويني، وشُرَّاح تلخيصه[5].

 

والواقع أنَّ الشَّكوى من جَفاف علم البلاغة، وإقحام مسائل الفلسفة والمنطق فيه، شكوى عامَّة وردتْ في كثير من كُتب المُعاصِرين، الذين كتَبُوا في تاريخ البلاغة وعلومها، أو دعوا إلى تجديدها، كما وردتْ كذلك في كُتب المتقدِّمين والمتأخِّرين، من ذلك قولُ المغربي بعد أنْ تحدَّث عن اللذَّة والألَم، والأشكال والسمع والذوق: "وقد أطنبتُ فيما يتعلَّق بهذه الكيفيَّات، على حسب ما فسَّرها الشارح، ممَّا هو من تدقيقات الحكماء، بعد تفسير بعضها بما هو أقرب إلى الفَهم؛ قصدَ الإيضاح وزيادةً في الفائدة، وإنْ كان تفسيره - كما قيل - لا يناسب هذا الفن، ولا يَسهل على المتعلِّم، بل يزيده حَيْرة"[6].

 

من ذلك أيضًا قولُ عصام الدين بعد أنْ تكلَّم عن الحواس والكيفيات والحركات: "واعلم أنَّه لَم يفِ المصنِّف بما وعَد في ديباجة الكتاب؛ من حذف الحشو، والتطويل والتعقيد، وسَهَا عنه في هذا المقام؛ لأنَّ هذه التقسيمات ممَّا لا نفْع له في هذا الفن، بل يوجِب تحيُّر الأفهام، وإيقاع المبتدئين في الظلام"[7].

 

إذًا فالقدماء أنفسُهم أحسُّوا بما في هذه البُحوث من حشوٍ وإقحام على الدراسات البلاغيَّة، ولكنهم - فيما يبدو - فعلوا ذلك؛ ليثبتوا ثقافتهم الواسعة، واطِّلاعهم العميق على أساليب الفلاسفة والمتكلمين.

 

ولقد كنَّا ونحن طلاب في القسم الثانوي في معهد القاهرة الديني، نحسُّ بجفاف البلاغة وكُتبها، ونتساءَل: أهذه هي البلاغة حقًّا؟ وهل يجوز أنْ يتعلم طالب البلاغة أوَّل ما يتعلم التنافُرَ والتعقيد والغَرَابة، وأنْ يكون ذلك أوَّل ما ينطبع في ذِهْنه عن البلاغة؟ ثم هو لا يجد بعد ذلك - إذا ما أخَذ يتعمَّق في الدراسة - إلاَّ جِدالاً طويلاً، عَقِيمًا مُملاًّ، يخرُج منه في النهاية بأنَّ الخِلاف لفظيٌّ، أو أنَّ الجهد لا يُكافئ النتيجة، وتبحث عن البلاغة فتجدها ضائعةً مطمورةً تحت هذه الأمواج العارمة من المصطلحات والمحترزات والفرعيَّات التي لا حصْرَ لها.

 

وليس معنى ذلك أنَّنا كارهون لقديم البلاغة، نُرِيد أنْ نُلقِي به وبكُتبه في بحر الظلمات، كلاَّ؛ فإنَّ التراث القديم يَستحق منَّا التقدير والاحترام، ولكنِّي لا أعتقد أبدًا أنه يستحقُّ التقديسَ والعبادة.

 

والدعوة إلى التجديد في البلاغة ليستْ شيئًا حديثًا ابتدعناه، فمنذ القرن الثالث الهجري دعا ابن قتيبة إلى التجديد، وقال قولته المأثورة: "إنَّ الله لَم يَقصر العلم والشعر والبلاغة على زمنٍ دون زمنٍ، ولا خصَّ به قومًا دون قومٍ، بل جعَل ذلك مشتركًا مقسومًا بين عباده في كلِّ دهْر، وجعَل كلَّ قديمٍ حديثًا في عصره"[8].

 

وفي القرن السادس الهجري ثارَ ابن بسام في أقصى المغرب وشكا من الجمود وتقليد المشارِقة، فقال: "وليت شعري مَن قصَر العلم على بعض الزمان، وخصَّ أهل المشرق بالإحسان، والإحسان غير محصور، وليس الفضل على زمن بمقصور، وعزيز على الفضل أن يُنْكَر؛ تقدَّم به الزمان أو تأخَّر، ولَحَى الله قولَهم: الفضل للمتقدِّم؛ فكم دفَنَ من إحسان، وأخْمَل من فلان، ولو اقتصر المتأخِّرون على كُتب المتقدِّمين، لضاعَ علمٌ كثير، وذهَب أدب غزير"[9].

 

ولو أمعنَّا النظر فيما ترَكه لنا الإمام عبدالقاهر - طيِّب الله ثَراه - من تراثٍ بلاغي، لوجدناه قد أفسَحَ المجال للتجديد في البحث البلاغي، وترَك الباب مفتوحًا أمام كلِّ باحث مجدِّد مخلِص، وكان حريصًا على أن يذكر في أكثر من موضع أنَّ هذا الجهد الكبير الذي بذَله لا يعدُّ الكلمة الأخيرة، وأنَّه ليس في استطاعة أيِّ باحثٍ - مهما أُوتِي من حولٍ وطوْلٍ - أن يستقصِي مسائل الفن البلاغي، أو أنْ يدَّعي لنفسه العلم والإحاطة بذلك، أو أنْ يسدَّ بابَ الاجتهاد.

 

ومن ثَمَّ رأينا الأستاذ الإمام يختم بعضَ مباحثه البلاغيَّة بما يُؤكِّد هذا المعنى، فمثلاً نجدُه بعد حديثه عن أسرار حذف المفعول يقول: "وليس لنتائج هذا الحذف أعني - حذف المفعول - نهاية، فإنه طريق إلى ضروبٍ من الصنعة، وإلى لطائف لا تُحصَى"[10].

 

وفي نهاية بَحثِه للكناية والتعريض يقول: "وليس لشُعَبِ هذا الأصل وفُروعه، وأمثلته وصوره، وطرقه ومسالكه، حَدٌّ ونهاية"[11].

 

وفي حديثه عن العِبرة والتفصيل في دُروب التشبيه والتمثيل، يقول: "واعلَم أنَّ هذه القسمة في التفصيل موضوعةٌ على الأغلب الأعرف، وإلاَّ فدقائقُه لا تكاد تُضبَط"[12].

 

وهكذا نجدُ الإمام عبدالقاهر في بُحوثه البلاغيَّة كان من وقتٍ لآخَر يَمنحنا انطباعًا بأنَّ فرصة الكشف عن الجديد مهَيَّأة، بل مطلوبة.

 

إنَّ الزمان لَم يعقم، وإنَّ الحياة لا تَزال خِصبة مُثمرة، وإنَّ الطبيعة لَم ينقطع عَطاؤها بعدُ، وما يزال في أمة الإسلام خيرٌ كثير، وما زال بين عُلَمائها وأُدبائها مَن يستطيع التجديدَ والتطويرَ.

 

وقد وجدت عددًا غير قليل نادَى بتجديد البلاغة، ووضَع معالم لهذا التجديد، من هؤلاء الشيخ أمين الخولي، والشيخ عبدالعزيز البشري، والأساتذة: أحمد الشايب، وأحمد حسن الزيات، وأنيس المقدسي، والدكاترة: أحمد بدوي، وعلي العماري، وعبدالرزاق محيي الدين، وأحمد مطلوب، وعلى عبدالرزاق، وبدوي طبانة، وحفني شرف، ومحمد نايل، وكامل الخولي وغيرهم، كما وجدتُ في تقرير لجنة المعارف المصرية تخطيطًا كاملاً لمنهجٍ جديدٍ للبلاغة.

 

وقد عرضت كلَّ ذلك ناقِدًا ومفنِّدًا، كما عرضتُ لمعركة البلاغة التي قامَتْ على صفحات الرسالة، وبيَّنتُ ما لها من قيمةٍ وأثَر، وكيف أنها أثارَتْ قضيَّة التجديد من جديد.

 

ولأنَّ بلاغتنا الحبيبة تعرَّضت في العصر الحديث لهجومٍ ظالِمٍ خبيث باسم الإصلاح والتجديد، فقد عقدتُ بابًا عن البلاغة بين الدفاع والهجوم، وأوضحتُ وجْه الخطأ والصواب في كلٍّ.

 

ولأن إعجاز القرآن هو الهدف الأسمى من أهداف البلاغة وغاياتها، فقد عقدتُ الباب الأخير لبَيان ما جَدَّ من آراء في أوْجُه الإعجاز.

 

وإنِّي لآمُل أنْ أخرُج من هذه الدراسة بمنهج جديد صالح لبلاغتنا الحبيبة؛ يُبرِز جمالها، ويرضي عُشَّاقها، ويُسعِد دارسيها، ويُعيد إليها قُدرتها ومكانتها، وإنِّي لأعلَمُ أنَّ طريق البلاغة طريقٌ شائك مهجور، يسير فيه علماء البلاغة وحْدَهم بلا أضواء ولا جمهور، ومع ذلك فقد اختَرتُ هذا الطريق؛ لأنِّي منذ صِباي أحببتُ البلاغة، وأُعجِبت بأساليب البُلَغاء، وحَفِظتُ مختارات منها، وعندما أخذتُ في دراسة البلاغة صُدِمتُ - كما صُدِم الآخَرون - بكُتبها ومناهجها، ووجدنا فَرْقًا كبيرًا بين البلاغة التي نحبُّها ونحسُّها، وبين هذه الكُتب التي ندرسها، والتي إنْ صحَّ أنها صلحَتْ لعصرها، فهي بالتأكيد لا تَصلُح لعصرنا.

 

ولقد هاجَم بلاغتَنا مَن هاجَم، وأيَّدها مَن أيَّد، وأضاف إليها مَن أضاف، وانتقَص منها مَن انتقَص، فكان لا بُدَّ من وقفةٍ نُعِيد فيها النظَر، ونجيل الرأي، ونشخِّص الداء، ونستَقصِي الحقيقة، ونعرِض على بِساط البحث ما جَدَّ من آراء وبحوث ومناهج؛ علَّنا بذلك نستطيع أن نتبيَّن الرشد من الغَي في تجديد بلاغتنا، وما يحبُ أنْ تكون عليه في العصر الحديث.

 

من أجْل كلِّ ذلك كان هذا البحث: "التجديد في علوم البلاغة في العصر الحديث".


وإني لأتقدم بوافر الشكر، وجزيل التقدير، إلى أستاذي الفاضل الدكتور علي العماري، على ما بذَلَه معي من جُهدٍ مخلص في الإشراف على هذه الرسالة، وقد كان لتوجيهاته القيِّمة، وملاحظاته الدقيقة، ومناقشاته العميقة، وإرشاده إيَّاي إلى الكثير من المراجع، كان لكلِّ هذا الأثرُ الكبير في استواء هذا البحث، وأداء هذه الرسالة.

 

واللهَ أسأل أنْ يُوفِّقنا لخِدمة ديننا ولُغتنا وبلاغتنا؛ إنه سميع مجيب.

 

الخاتمة:

الصِّراع بين القديم والجديد هو قضيَّة الزمن، ودَيْدَنُ الحياة، وتجديد البلاغة العربية قضيَّة طالَ عليها الزمن دون أنْ نبتَّ فيها برأي، فعلى كثرة مَن تكلَّموا وكتبوا في تجديد البلاغة، نجدُها ما زالت تدورُ في فلك السكاكي ومدرسته، ولقد جَرَتْ محاولات في العصر الحديث للتخفيف من حِدَّة كُتب البلاغة القديمة، وصياغتها في أسلوب جديد يميلُ إلى البساطة والوضوح.

 

ونحن لا ننقص من قَدر هذه المحاولات ومَن حاوَلوها، ولكن نقول: إنَّ هذه المحاولات لَم تُثمِر ثمرتها المرجوَّة، فما زالت الكتب الحديثة في البلاغة تدورُ في فلك علم الكلام، ومنهج السكاكي.

 

وإذا كانت البلاغة العربيَّة من أجَلِّ العلوم قَدْرًا؛ لأنَّ ثمرتها - كما يقول ابن خلدون - فَهْم الإعجاز وإدراكه، وأيضًا لأنَّ دراستها تُفتِّق الذِّهن، وتربِّي الذوق، وتدرِّبه على الرقَّة والدقَّة؛ حتى يميز بين الجيِّد والرديء من الكلام، إذا كانت البلاغة بهذه الأهمية دينيًّا وتربويًّا، فإنَّ من واجبنا صيانة هذا التراث البلاغي، والعمل على تداوله وازدهاره، وبما أنَّه ليس تُحَفًا وأحجارًا كريمة؛ فيجب العمل على تجديده وتطويره بما يُرغِّب في الإقبال عليه وتداوله.

 

إنَّنا لسنا أعداءً للبلاغة القديمة، ولكنَّنا أعداءٌ لِجُمودها وتأخُّرها، ولا يُرضِينا أبدًا ما تعانيه بلاغتنا الحبيبة من زهدٍ فيها، وانصرافٍ عن درْسها، ورغبة الأدباء والنُّقاد عنها.

 

ونتيجة لإهمال تجديد البلاغة، وإخفاق تدريسها للأجيال القريبة الماضية، ظهَر كُتَّاب وشعراء هبطوا بالكتابة والشعر، ونزَلوا بالأدب العربي عن عَرشِه، فسمعنا وقرأْنا الشعر الحديث، تُقلِّبه فلا تدري إن كان شعرًا أو نثرًا، ثم هو بعد ذلك أعجمي الرُّوح، غربي الملامح، لا أثَر له، ولا بريق فيه، ولَم نَعُد نسمع في مجال الأدب والصحافة إلاَّ منكرًا من القول وزورًا، وأكاد أجزم بأنَّ كلَّ ذلك أثرٌ من آثار إهمال البلاغة، والقُعود عن تجديدها، بل إني لا أبالغ إذا قلت: إن افتقادَ الشخصية العربية، أو ضَعفها واهتزازها في أعين القوميَّات الأخرى، إنما هو أيضًا أَثَرٌ من آثار إهمال البلاغة، وعدم نجاح تدريسها لأجيالنا المتعاقبة، فعَظَمَة الإنسان العربي مرتبطةٌ إلى حدٍّ كبير بفصاحته وبلاغته، فالمرء بأصغريه، والإنسان - كما يقول علي بن أبي طالب - رضِي الله عنه -: المرء مخبوءٌ تحت لسانه، حتى إذا نطَق أفصَح عن عَظمته أو نُقصانه.

 

فاللسان هو الذي يُوضِّح عظمة الإنسان، وهو في الوقت نفسِه جزءٌ من هذه العظمة؛ لأنَّ البلاغة ليستْ في اللسان فقط، بل هي في الفِكر والعقل، قبل أنْ تكونَ في اللسان والبَيان، فسُموُّ التعبير جزءٌ من سموِّ التفكير، وسموُّ التفكير والتعبير سموٌّ للشخصيَّة، والبلاغة لها دخْل كبير في ذلك.

 

وليس من المجهول أنَّ هناك أياديَ خفيَّةً مجنَّدة من قِبَل الاستعمار الثقافي والغزو الفكري، تريد أنْ تَقضِي على الفُصحَى وآدابها وبلاغتها، لتقضي بالتالي على دينها وقرآنها، ولتمحو الشخصية العربية المسلمة من الوجود، فلا يبقى أمامَ استغلالها واستعمارها مجابهة ولا مقاومة.

 

من أجل كلِّ ذلك؛ فإنِّي أرى أنَّ تجديد البلاغة والنهوض بها أصبح واجبًا قوميًّا ودينيًّا في آنٍ واحد، وهو واجب الجامعات العربيَّة أولاً، ثم المجامع العلميَّة والهيئات الثقافية ثانيًا.

 

ومن أجل كلِّ ذلك أيضًا؛ كان إقدامي على هذا البحث في تجديد البلاغة، ولقد اقتَضَى هذا البحث أنْ نُقسِّمه إلى مقدمة، وتمهيد، وخمسة أبواب، وخاتمة، وفي المقدمة أوضحتُ موضوع هذا البحث، وظروفه ودواعيه، وبيَّنت في إجمالٍ حال البلاغة قديمًا وحديثًا.

 

وفي التمهيد تحدَّثتُ عن نشْأة البلاغة وتطوُّرها، وبيَّنت مدارسها وخَصائص كلِّ مدرسة، ثم تحدثتُ عن صِلة البلاغة بالعلوم العربيَّة الأخرى ومكانتها بين هذه العلوم، ثم تتبَّعت مسيرة البلاغة حتى مرحلة نُضوجها على يد الإمام عبدالقاهر، ثم استِقلالها على يد السكاكي، ثم جُمود البحث البلاغي بعدَه حتى العصر الحديث، وأوضحتُ كيف أنَّ البلاغة أصبحتْ في حالةٍ ماسَّةٍ إلى التجديد.

 

وهذا التمهيد في الواقع كان يستحق وحده أنْ يكون بحثًا مستقلاًّ، فهو مسيرة طويلة من البلاغة في عصورها المتعاقبة، منذ تكوَّنت جُذورها الأولى، حتى وصلتْ إلينا في العصر الحديث، وهو تمهيدٌ كان لا بُدَّ منه؛ لمعرفة القديم وتصوُّره، وعرْض آراء المتقدمين والمتأخِّرين فيه، قبل أن نُقدِم على دِراسة الجديد ونقلِّب فيه وجهات النظَر، فأوَّل التجديد قتْل القديم فَهمًا، وقد كنت أحاذِر في هذا التمهيد الإطناب الْمُمِل، والإيجاز المخِل، وهي مهمة ليست باليسيرة في مثل هذا البحث الدقيق[13].

 

ولقد كان للتجديد بوادِرُ ومقدِّمات، كما كان له مقاصد واتِّجاهات؛ ولذلك كان الباب الأول: "بوادر التجديد واتِّجاهاته في العصر الحديث"، وقسمتُ هذا الباب إلى فصلين: تحدَّثت في الفصل الأول عن التجديد ومفهومه وبوادره.

 

وقد كان لهذه البوادر والبدايات أصواتٌ تعلو حينًا، وتخفت أحيانًا، إلى أنْ كانت البادرة التي أشعلت الحماس، وأثارت الرأي، وتلك هي معركة البلاغة التي حَمِي وطيسُها على صفحات مجلة الرسالة بين الدكتور علي العماري، والأستاذ أمين الخولي، ثم انضمَّ إليهما آخرون[14]، وتَثُور قضيَّة التجديد البلاغي، فيعكف الأستاذ أمين الخولي على كتابه "فن القول"، ويُضمِّنه آراءَه وخطَّته في تجديد البلاغة[15]، ويصدر الأستاذ أحمد الشايب كتابه "الأسلوب"، ويضَعُ فيه منهجًا كاملاً لبلاغة جديدة[16]، ويُشارِك الأستاذ أحمد حسن الزيَّات في القضيَّة، فيدفع إلى الميدان بكتابه "دفاع عن البلاغة"[17]، وفي الجامعة الأمريكية يُلقِي البشري محاضرته: "ثورة على علوم البلاغة"[18]، وفي المجمع اللغوي يُلقي د. عبدالرازق محيي الدين بحثَه: "مفاهيم بلاغية"[19]، ويكتب الدكتور العماري بحثه: "البلاغة العربية وحاجتها إلى التجديد"[20]، وتُعقَد الندوات والمحاضرات بين المعنيِّين بالدِّراسات البلاغيَّة، وتُذاع على الهواء، كالندوة التي عُقِدت بين الدكاترة: غنيمي هلال، وبدوي طبانة، وأحمد بدوي[21].

 

وفي جامعة الأزهر ينشأ قسم خاص بالبلاغة والنقد في كلية اللغة العربية، ويقوم أساتذته بالدعوة إلى تجديد البلاغة وتطويرها، وفي آداب القاهرة والإسكندرية وعين شمس ودار العلوم، ترتفع الأصوات بضرورة إصلاح البلاغة وتجديدها.

 

كلُّ ذلك أثارَ قضيَّة البلاغة بعد رُكود، وأيقَظها بعد سُبات، وأخَذ العلماء والأدباء وأساتذة البلاغة يُدْلون بآرائهم، ويُعلِنون عن اتِّجاهاتهم في تَطوير البلاغة وتجديدها.

 

ولهذا كان الفصل الثاني من الباب الأول: "اتِّجاهات التجديد ومظاهره في العصر الحديث".

 

وباستِقراء آراء الدُّعاة إلى تجديد البلاغة، نجدُهم يتَّجِهون في شِبه إجماع إلى تَخليص البلاغة ممَّا شابَها من مسائل المنطق والفلسفة، ومباحث الأصوليين وما إليها.

 

ثم يختَلِفون بعد ذلك:

• فبعضهم يرى الاعتماد على تُراثنا في البلاغة، وجعْلَه أساسًا للتجديد، وأنَّ التجديد يجب أنْ يكون نابعًا من رُوحنا ومجتمعنا، وتكويننا وفِطْرتنا وذَوْقنا.

 

• وبعضٌ آخَر يرى أنَّ الكتب القديمة يجب أن تُلغَى، ويُلقَى بها في بحر الظُّلمات، ويحل محلَّها كُتب أخري مؤلَّفه على منهج حديث مستقل، مبني على أساسٍ من الدراسات الغربية الحديثة.

 

• وبعض ثالثٌ يرون مزجَ البلاغة العربية بأصول الدِّراسات البلاغية الحديثة في شتَّى اللغات الأوروبيَّة، وأنَّه من الخير الجمْع بين ما يصلح من تراثنا، وما يصلح من بلاغة الغرب، وأنَّ التعايُش بين القديم والحديث أفضلُ نتاجًا، وأقوى أثَرًا.

 

وبعد هذا العرض العام في الباب الأول لبَوادِر التجديد واتجاهاته، تناوَلتُ في الباب الثاني "دعوات التجديد البلاغيَّة"، وتحدَّثت عنها بالتفصيل، ودعوات التجديد في العصر الحديث إنما نَعنِي بها تلك التي بدَأتْ مع هذا القرن العشرين؛ حيث بدأت النهضة العربية في العلوم والآداب تأخذ سبيلَها، وتشقُّ طريقها بعد أن انفتَح العرب على النهضة الغربية الأوروبية، واطَّلعوا على كثيرٍ من علومها وآدابها.

 

وقد قسمت هذا الباب إلى ثلاثة فصول:

عرضتُ في الفصل الأول لبحوثٍ عديدة في تجديد البلاغة، للأساتذة: أمين الخولي، وعبدالعزيز البشري، وأنيس المقدسي، والدكاترة: أحمد بدوي، وعلي العماري، وعبدالرزاق محيي الدين، ثم عرضتُ لتقرير لجنة المعارف المصرية، وما تضمَّنه من تخطيطٍ جديدٍ للبلاغة.

 

وقد عقَّبت كلَّ بحث برأيي، ورأي غيري - إنْ وُجِدَ.

 

وفي الفصل الثاني: عرضت لآراء بعض المتخصِّصين من أساتذة البلاغة في الجامعات، ممَّن أدلوا بدَلْوهم في قضيَّة التجديد، فهُم الأقدر مِن سواهم على معرفة حال البلاغة، وتفهُّم مشكلاتها، وإذا كان الطبيب يستطيع بالكشْف على مريضه أنْ يُحدِّد الداء، ويصِفَ الدواء، فإنهم - لا شك - يعرفون داءَها، ويستطيعون أن يصِفوا دواءها؛ ولذلك رأينا ألاَّ نُهمل آراءهم مهما كان حجمها.

 

وهذا عدا بعض الآراء الأخرى التي عرضناها في أثناء البحوث السابقة، وهذه الباقة من الآراء في البلاغة وتجديدها حلقةٌ مكملة للبحوث السابقة في الفصل السابق، وتُلقي كثيرًا من الأضواء على قضيَّة التجديد في البلاغة.

 

وفي الفصل الثالث - من هذا الباب الثاني - تناولتُ حركة الرسالة، تلك المعركة البلاغية التي قامتْ على صفحات الرسالة في منتصف هذا القرن بين المحافِظين والمجدِّدين، وبيَّنت كم كان لها من أثَرٍ في إثارة قضية التجديد في البلاغة، وكنتُ هنا وهناك أطلُّ برأيي؛ أؤيِّد ما أراه صَوابًا، وأصوِّب ما أراه خطأً، وأوضِّح ما أراه غامضًا، وأضيف ما أرى إضافته، مستشهدًا في كل ذلك بما يُؤيِّد وجهة نظري، أو يُجِيزها على الأقل.

 

وإذا كانت البحوث والآراء التي عرَضتها في هذا الباب الثاني قد تضمَّن بعضها تخطيطًا صغيرًا، أو فكرة محدودة في تجديد البلاغة، فقد جعلتُ الباب الثالث "مناهج جديدة للبلاغة" خاصًّا بالمناهج الكبيرة المتكاملة التي وُضِعت لتجديد البلاغة، وقد قسمتُ هذا الباب إلى أربعة فصول:

 

تحدَّثت في الفصل الأول عن منهج الشايب وكتابه "الأسلوب"، ثم عرضتُه على ميزان النقْد، وبيَّنت ما له وما عليه.

 

وتحدثت في الفصل الثاني: عن منهج الخولي وكتابه "فن القول"، ثم عرضتُه هو الآخَر على ميزان النقد، وقارنتُ بينه وبين منهج الشايب.

 

وفي الفصل الثالث: عرضتُ للمنهج المدرسي الحديث، وتحدَّثت عن البلاغة في مدارسنا، مبيِّنًا أثَر المنهج، ومدى نجاحه وفشله، وأسباب ذلك.

 

وفي الفصل الرابع: عرضتُ رأيًا جديدًا في تدريس البلاغة، فقد لاحَ لي بعد كثرة ما قرأت واطَّلعت على بحوث ومناهجَ وآراء في تجديد البلاغة، أنَّ هناك رأيًا لَم يُطرَح بعدُ، وأنَّ درْسَ البلاغة اليوم في حاجةٍ إلى علاج سريع - ولو مؤقَّتًا - يخرج به من نِطاق السكاكي والقزويني، ويُساعِد الدارسين على استيعاب البلاغة فنًّا وعِلمًا.

 

ولقد أمعَنت النظر فيما يفعَلُون بدرْس البلاغة، فوجدتُهم يُعلِّمون الطالب - أوَّل ما يعلمونه - الفصاحة بأنها: خلوُّ اللفظ من تنافُر الحروف، والغَرابة، ومخالفة القياس، ويَضرِبون لذلك أمثلة ركيكة، تُصيب النفس بالضِّيق والكَدر.

 

وقُلتُ لنفسي: أهذا هو أوَّل ما ينطَبِع في ذِهن الطالب عن الفصاحة والبلاغة؟ وتساءلتُ: لماذا يعرف القدماء الفصاحة تعريفًا سلبيًّا، فيقولون: هي خلوُّ اللفظ أو خلوصه من التنافُر والغرابة...، ويَترُكون التعريف الإيجابي فلا يذكرون عنه شيئًا، أمَا كان التعريف الإيجابي للفصاحة أوْلَى وأجمل وأوْقَع في النفْس من التعريف السلبي؟!

 

إن التعريف السلبي للفصاحة قد أدَّى بالقدماء إلى استعمال أمثلة رديئة، يُفاجَأ بها الطالب في بِداية درس البلاغة، فتترُك في نفسه انطباعًا سيِّئًا، ما كان أغنانا عنه لو أنهم لجَؤُوا إلى التعريف الإيجابي، وعرَّفوا الفصاحة تعريفًا أدبيًّا، جميلاً مُشرِقًا، وقد أوضحتُ ذلك بالأمثلة والشواهد في مكانه من البحث، مبينًا كيف أنَّ القزويني بَعُدَ بنا عن الفصاحة إلى ضدِّها، وبدل أنْ يحدِّثنا في البداية حديثًا إيجابيًّا عن جمال الفصاحة وأثرها في النفس، ويضرب لها أمثلةً مُضِيئة مُشرِقة، يحدِّثنا عن أضداد الفصاحة من التنافر والغَرابة والتعقيد، ويَضرب لها - بالطبع - أمثلة مُعتمة موحِشَة.

 

ولقد عرضتُ - فيما عرضتُ - في هذا البحث لعناصر الأسلوب الثلاثة: الوضوح - القوة - الجمال، ذكرَها كتاب "البلاغة الواضحة" في إيجاز واقتضاب، وذكَرها كتاب "الأسلوب" في إسهاب وإطناب.

 

وهذه العناصر الثلاثة - الوضوح، والقوة، والجمال - أرى أنْ تكون الأساسَ الجديد في درْس البلاغة بوجهٍ عام، ونجعل كلَّ المباحث البلاغيَّة تُدرس في ضوْئها.

 

فمقتضى الحال يُمكن أنْ يدرس بطريقة جديدة في ضوء الوضوح والقوة والجمال، وكذلك الصور البيانية؛ من تشبيهٍ، واستعارة، وكناية، وأيضًا في الحذف والتقديم والقصر، وفي الإيجاز والإطناب والمساواة، إلى غير ذلك من مباحث البلاغة.

 

وقد أوضحتُ وجهةَ نظري، ووضَعتُ النقط فوق الحروف في الفصل الخاص بذلك في هذا البحث.

 

ولا أستَطِيع القول بأني وضعتُ للبلاغة خطَّة حديثة، أو منهجًا جديدًا، إنْ هي إلاَّ فكرة مبدئية، يمكن أنْ تنمو وتتطوَّر بالْمُدَارسة والممارسة، إذا لاقَت القَبول والاستحسان، وهي في رأيي علاجٌ سريع مُؤقَّت لدرْس البلاغة اليوم، حتى يستقر أولو الأمر على منهج جديدٍ للبلاغة العربية.

 

لقد تعرَّضتْ بلاغتُنا في هذا العصر لهجومٍ كبير، وتجنٍّ خطير، اتَّسَم بالدهاء والخبث، وتوشح بدعوى الإصلاح والتجديد؛ لذلك جعلتُ الباب الرابع "البلاغة بين الدفاع والهجوم"، وقسَّمته إلى فصلين:

 

تناوَلت في الفصل الأول آراء الذين دافَعوا عن البلاغة، مثل: الدكتور أحمد بدوي، والأستاذ العقاد، والدكتور عباس حسن، والأستاذ أحمد موسى، والدكتورة سهير القلماوي، ثم تحدَّثت عن الزيَّات، وأوضحتُ دفاعَه عن البلاغة وآراءَه في تجديدها، وما ينبغي أنْ تكون عليه في العصر الحديث.

 

وفي الفصل الثاني من هذا الباب الرابع تحدَّثت عن سلامة موسى، ومَن دارَ في فَلَكه، وعن كتاب "البلاغة العصرية"، وما تضمَّنَه من هجوم خبيثٍ على بلاغتنا ولُغتنا باسم الإصلاح والتجديد، ونقدتُ آراءَه وفنَّدتُها، وبيَّنت الأسباب والدواعي التي كانتْ وراء هذه الحملة المغرِضة، والتي تَفرِض علينا أن نسارِع إلى بلاغتنا الحبيبة، فننفُض عنها آثارَ الماضي، ونفتَح لها بابَ التجديد والتطوير؛ حتى لا يتهمها المغرِضون، ويتهمونا معها بالجمود والتأخُّر، وإنَّ فيما عرَضَه هذا البحث من بحوث ومناهج لَخير مُعينٍ على تطوير البلاغة وتجديدها.

 

ولَم يكن في الإمكان أن نختتِمَ هذا البحث دون أنْ نتناول قضية الإعجاز الكبرى وآراء المجددين فيها، فهي قضية تتَّصل بالبحث البلاغي اتصالاً وثيقًا، بل هي من أهم قضايا البلاغة على الإطلاق؛ لهذا كان الباب الخامس خاصًّا بقضيَّة الإعجاز، وما طرَأ عليها من دراسة جديدة في العصر الحديث.

 

وقد قسمت هذا الباب إلى أربعة فصول، تحدَّثت فيها عن أربعة أوجُه جديدة للإعجاز، هي على الترتيب: الإعجاز النفسي، الإعجاز العِلمي، والإعجاز العددي، والإعجاز الرُّوحي.

 

وفي الخاتمة: لَخَّصتُ هذا البحث، وأوضحتُ خُطَّته، وأبرزتُ أهمَّ معالِمه، كما أجملتُ رأْيي الجديد في تدريس البلاغة.

 

ولقد اقتضَتْ طبيعة هذا البحث أنْ أنهَجَ المنهج التاريخي، فأتتبَّع الفكرة البلاغيَّة منذ نُشُوئها، وأسير معها في تطوُّرها عبرَ العصور حتى العصر الحديث، ثم أتتبَّع ما طرَأ من أفكارٍ جديدة، ومناهج متطوِّرة؛ لتطوير البلاغة وتجديدها.

 

ولَم يكن المنهج التاريخي وحْدَه هو الذي فرَض نفسه على هذا البحث، بل إنَّ المنهج الفني - كذلك - فرَض نفسه، وسَيْطر على طول هذا البحث وعرْضه؛ ذلك أنَّ طبيعة هذه الدراسة اقتضَتْني أنْ أتناوَل أعلام البلاغة ومدارسها، وأبرز آثارها، بالنقْد والتحليل والموازنة، كما أتناول - كذلك - كلَّ رأي جديدٍ وفكرة مستحدثة في تجديد البلاغة، مبينًا ما فيها من ابتكار أو تقليد؛ ولذلك فإنَّ المنهجين التاريخي والفني يتعانقان في هذا البحث، ويُؤازِر كلٌّ منهما الآخَر.

 

وفي كلِّ ما عرضت في هذه الدراسة من آراء وبحوث ومناهج، كان رأيي يطلُّ هنا وهناك، يُقوِّمُ تلك الجهود وينقدُها، ويشيد بما يستحقُّ الإشادة منها، من غير تعصِّب أو هوى.

 

ويهمنا في ختام هذا البحث أن نستخلِصَ منه التوصيات الآتية:

1- يجب أن يراعى في تجديد البلاغة تسهيلُ دراستها، وتقليل ما يُبذَل فيها من جُهد ووقت، مع تحقيق المطلوب من دراستها تحقيقًا عمليًّا، يتمثَّل في:

أ- القُدرة على إدراك الجمال الأدبي.

ب - القدرة على التعبير الرائع.

 

2- استبعاد الأبحاث المقحمة في البلاغة، وما خالَطها من مقدمات منطقيَّة واستِطرادات فلسفية، مثل: الدلالات، والجامع الوهمي والخيالي والعقلي، كما نستغني عن أبحاث الأصوليين، وعن الإطالة في بعض التعاريف، ومُحترزات القيود والخلافات اللفظية، فإنَّه لا معنى لأنْ يبذُل الطالب وقتًا وجُهدًا في خصومة عنيفة، يُطالِع فيها حجج الفريقين، ويُتعب نفسه في تفهُّم جَدَلِ الخَصمين، ثم يُقال له أخيرًا: إن الخلاف لفظي، أو يجد النتيجة لا تُكافِئ الجهد.

 

3- إعادة تنظيم البلاغة على أُسس تتَّصِل بالذوق والفن، والجمال والتأثير.

 

4- وضْع مقدمة فنيَّة، يُدرك الدارس من خِلالها قيمة الفنون عامة، والفن القولي خاصة.

 

5- الاستعانة بما يناسب مباحث البلاغة من الدراسات النفسيَّة، ويساعد على توضيحها، وتقرير مسائلها.

 

6- أنْ تتجاوز دراسة البلاغة مجالَ البحث في الكلمة والجملة والجملتين، إلى البحث في الفقرة والقطعة الأدبية والأساليب المختلفة.

 

7- إدخال دِراسة الأسلوب وعناصره وأنواعه في البحث البلاغي.

 

8-الحرص على أنْ تتَّصل البلاغة اتصالاً وثيقًا بالنبع القرآني الفيَّاض الزاخر بشتَّى الصور البيانيَّة، وأن نخلق جوًّا من الجمال القرآني، يُهيمن على فنِّ البلاغة ودرْسها.

 

9- تجديد البلاغة قضية قومية دينية في آنٍ واحد، ويجب ألاَّ يخفتَ صوت هذه القضية؛ حتى يتمَّ وضْعُ خُطة جديدة متكاملة.

 

وإنَّ فيما ورَد في هذا البحث لخير مُعين على وضْع هذه الخطة.

 

10- منهاج الخولي في تجديد البلاغة أفضل منهاج حتى الآن، وهو على ضَخامته له أُسسٌ ومبرِّرات، وقام على مقارنات واقعيَّة بين القديم والجديد، ولكنَّه كما قال صاحبه: ليس الصورة الأخيرة للبلاغة أو فن القوْل، وإنما هو تخطيطٌ لمحاولةٍ يودُّ أنْ تظلَّ أبَدَ الدهر - لو أمكن - رهْن التغيير والتبديل، والإضافة والتحسين، ممَّن تهيَّأت لهم القُدرة على ذلك.

 

والواقع أنَّ هذه الخطة الخولية في تجديد البلاغة خُطة متطورة واعية، غير أنها تحتاج إلى لجنة متخصصة لتطبيقها والإفادة منها، فقد تنصَّل الأستاذ الخولي من مهمة التطبيق، وترَكها لِمَن يأتي بعدَه من المهتمين بشؤون البلاغة، ونحن - بفضل الله وقوته - سنحاول في المستقبل القريب - إن شاء الله - أن نُسهِم في تطبيق هذا المنهج، أو جزء منه حسبما يُتاح لنا، فإنَّ هذا المنهج - على قصوره واقتصاره على الناحية النظرية - جديرٌ بالعناية والتطبيق، وقد يظهر في المستقبل القريب أو البعيد مَن يستَطِيع تعديلَ هذه الخطَّة، أو يأتي بأفضل منها، ولكن حتى ذلك الحين يجبُ أنْ نهتمَّ بخطَّة الخولي، ونستفيد منها.

 

11- وجهة نظري الجديدة لتدريس البلاغة التي قدَّمتُها في هذا البحث، إنما هي بمثابة إسعافات أوليَّة ضروريَّة سريعة، حتى يتَّفق أولو الأمر، ويستقرُّوا على خُطَّة جديدة لتدريس البلاغة.

 

فالتعريفات السلبيَّة للفصاحة وغيرها يجب استبعادها مع أمثلتها، ووضْع الضروري منها في الهامش، ووضْع تعريفات إيجابية بدلاً منها، تكون أمثلتها مضيئة مشرِقة.

 

والوضوح والقوة والجمال ركائزُ ثلاثةٌ يجبُ أن يُبنى عليها الدرس البلاغي بوجهٍ عام، فما توافر فيه الوضوح فقط، فهو الكلام العادي ولغة التخاطب، وما توافر فيه الوضوح والقوة معًا، فهو الكلام الفصيح، أما ما توافر فيه الثلاثة: الوضوح والقوة والجمال، فهو الكلام البليغ.

 

ولكلٍّ من هذه المستويات الثلاثة درجات ورُتَب ومقامات، وقد أوضحتُ المراد بكلٍّ من الوضوح والقوة والجمال في مكانه من البحث.

 

وبعد، فإنَّ هذا البحث الذي بين أيديكم عصارة فِكرٍ، وثمرة جهود ومعاناة طويلة، أرجو بها مخلصًا أنْ أكون قدَّمت لبلاغتنا الحبيبة ما يُضِيء لها الطريقَ إلى غدٍ أفضل، ومستقبل أجمل - إن شاء الله.

 

ولقد قرأت رسالتي هذه على سبيل المراجعة عدَّة مرات، وفي كلِّ مرَّة كنتُ أغيِّر وأبدِّل، وأزيد وأنقص، وأقدِّم وأؤخِّر، أجبر نقْصًا هنا، وأضيف رأْيًا هناك، وهكذا لو قرأتُها مائة مرة، لفعلتُ ذلك في كلِّ مرة، فالنقص من صفات البشر، والكمال لله وحدَه، وفوق كلِّ ذي عِلْم عليم.

 

نسأل الله العلي العظيم أن ينفعنا بما علَّمنا، وأنْ يعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا عِلمًا؛ إنَّه سميع مجيب.

 

الفهرس


الموضوع

الصفحة

المقدمة:

1

التمهيد: نشأة البلاغة وتطورها - مدارسها وخصائصها، صلة البلاغة بالعلوم الأخرى - نضوج البلاغة على يد الإمام عبدالقاهر - استقلالها على يد السكاكي - جمود البحث البلاغي بعد السكاكي - حاجة البلاغة إلى التجديد

7

الباب الأول (بوادر التجديد واتجاهاته)

43 - 77

الفصل الأول: التجديد - مفهومه بوادره

44

الفصل الثاني: اتجاهات التجديد ومظاهره في العصر الحديث.

63

الباب الثاني: (دعوات التجديد البلاغية)

78 - 240

الفصل الأول: بحوث في البلاغة وتجديدها

79

الفصل الثاني: آراء في التجديد

168

الفصل الثالث: حركة الرسالة

190

الباب الثالث: (مناهج جديدة للبلاغة)

241-283

الفصل الأول: منهج الشايب

242

الفصل الثاني: منهج الخولي

345

الفصل الثالث: المنهج المدرسي الحديث

467

الفصل الرابع: رأي الباحث في تدريس البلاغة.

476


[1] مقدمة ابن خلدون، باب البيان، 521، ط الشعب.

[2] يُستثنى من ذلك النذر اليسير، مثل: كتابَي ابن الأثير وابن سنان.

[3] انظر: "مناهج بلاغية"، ص 378، 420.

[4] المرجع السابق، ص404.

[5] المرجع السابق، ص 410.

[6] مواهب الفتاح - شروح التلخيص، ج3، ص 343.

[7] الأطول، ج 2، ص 77.

[8] "الشعر والشعراء"، ص7، وانظر: "أبو هلال العسكري ومقاييسه النقدية"؛ للدكتور أحمد بدوي، ص 56 و57.

[9] "الذخيرة"، ج1، ص2، ط3.

[10] دلائل الإعجاز، ص125، ط دار المعارف - بيروت.

[11] المرجع السابق، ص241.

[12] أسرار البلاغة، ص146، ط 5 المنار.

[13] راجع: التمهيد في البحث، ص7.

[14] انظر: "حركة الرسالة"، ص 190 من البحث .

[15] راجع: خطة فن القول، ص 363 من البحث.

[16] راجع: "منهج الشايب"، ص 242 من البحث.

[17] انظر: ص484 من البحث.

[18] انظر: ص 114 من البحث.

[19] انظر: ص 151 من البحث.

[20] انظر: ص 143 من البحث.

[21] انظر: ص 127 من البحث.





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • حول المقال الثاني للأستاذ أحمد أمين (التجديد في الأدب (2)) [3](مقالة - حضارة الكلمة)
  • عوامل تساهم في تجديد الإشراف التربوي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إدارة المضمون في العمل الدعوي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قضايا متعلقة بالمرأة في العصر الحالي بين التجديد والتقليد(مقالة - ملفات خاصة)
  • مؤتمر: التجديد والاستجابة لروح العصر(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التجديد في الإذاعة المدرسية(مقالة - موقع الموسوعات الثقافية المدرسية)
  • التجديد في الإذاعة المدرسية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • التجديد اللغوي الشامل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كتب علوم القرآن والتفسير (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الخطاب العلماني وحديث التجديد(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
4- رائع
عصام - المغرب 11-03-2023 10:57 AM

بحث متميز متكامل..

3- بحث رائع
محمود سيد حسن - مصر 14-04-2018 11:34 PM

هذه الرساله رائعه جدا جزاك الله خيرا علي هذا المجهود ووفقك الله في الدنيا والاخرة

2- بخصوص الرسالة
احمد الشريفي - العراق 30-10-2017 06:01 PM

بحث ورساله رائعة ومرتبه جدا

1- إعجاب
mohamed - الجزائر 02-01-2013 01:45 PM

أجد صعوبة في قراءة البلاغة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب