ملخص الرسالة

الزمن النحوي في قصص القرآن

المقدمة

الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على رسول الهدى وإمام المتقين سيدّنا محمد وآله الطاهرين وصحابته عماد الدين، وبعد:

فإن علوم القرآن كثيرة لا تُحصى وبناؤه محكم متلاحم الأجزاء وأسلوبه معجز بأفصح الألفاظ، مثّل فيه القصص جانبًا هامًا من جوانب إعجازه سواء أكان باستعمال اللغة وتوظيفها توظيفًا أبهر فحول البلاغة أم بأخباره عن المغيبات وإظهار الحقائق التي طواها الزمن.

وبالرغم من دراسات القصة في القرآن الكثيرة إلا أنها دارت حول جوانب تاريخية ودينية تارة، وفنية أدبية تارة أخرى، وبقيت جوانبه اللغوية والنحوية تدرس في مجال الدراسات التي تهتم بالقرآن الكريم أو بعض سوره لذلك كان موضوع دراستي - الذي يرجع الفضل في اختياره لأستاذتي المشرفة - يهتم بجانب اللغة في القصص القرآني، وكان النحو المجال الأرحب لهذه الدراسة.

ولما كانت الدراسة النحوية تهتم بجوانب عدة، آليت أن يكون الزمن النحوي الموضوع المحَدّد لها، لأن الزمن في القصص القرآني حوادث حقيقية يرتبط بمحورين:

القصة كحادثة حقيقية حصلت في الزمن الماضي، والقصة كنص مقروء أو مسموع مُبَلَغَ للانسانية. وهذا الثاني تطلب توظيفًا نحويًا للصيغ والقرائن مرتبطة بسياقها وأغراضها لعلاقتها بالزمن المتواصل - المعاش لدى المتلقي في كل زمان ومكان -.

فالقصة وإن كانت تنقل حادثة من زمن ماض ألاّ أنها صيغة بأسلوب وظفت فيه كل أدواتها توظيفًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالزمن المستمر لأن القرآن الكريم كتاب هداية للانسانية جمعًا في كل العصور.

هذا الترابط الزمني في القصص القرآني والموضوعات التي يعالجها لم يتصد أحد له - على حدّ علمي - بالبحث والتحليل من جوانبه اللغوية لا سيما النحوية. لذا فإن هذه الدراسة وإن تعلقت بموضوع يكاد يختلف عن الدراسات السابقة إلا أنها اعتمدت على دراسات تخص الزمن وإفادة منها منهجًا ومضمونًا مثل الزمن في القرآن الكريم والزمن واللغة والزمن في النحو العربي.

وكما أفادت من دراسات الزمن النحوي لكثير من المحدثين، ومن كتب القصة الأدبية لا سيما الحديثة منها فضلًا عن دراسات حديثة في القصة القرآنية منها:

1- دراسة نصية أدبية في القصة القرآنية للدكتور سليمان الطراونه.

2- أدب القصة في القرآن الكريم دراسة تحليلية كاشفة عن معالم الإعجاز للدكتور عبد الجواد محمد المحص.

وبعد الآراء السديدة والمتابعة المستمرة التي أنا مَدين لها في صفحات هذه الأطروحة من قبل أستاذتي الفاضلة الدكتورة عواطف كنوش التميمي، استقر المنهج على تمهيد وبابين.

بحثت في التمهيد مصطلح الزمن في المعجمات العربية ونظرة الإنسان إلى الزمن والزمن في منظور النحاة العرب. أما الباب الأول فدرس الحدث والزمن وكان في فصلين درست في الفصل الأول: الزمن النحوي للصيغ الفعلية وأوضحت زمنها في سياق القصة القرآنية ومثلت لذلك بآيات من القصص مرتبط بالسياق الذي وردت فيه واعتمدت جانب التحليل وانتقاء الأمثلة لا الجمع والاستقراء.

أما الفصل الثاني فجاء تحت عنوان القرائن: وبحثت فيه القرائن المرتبط بالصيغ الفعلية ونواسخ الجملة.

وجاء الباب الثاني في فصلين وقد غلب عليه جانب التحليل.

ففي الفصل الأول منه درست أشكال السرد القصصي ووظيفة الزمن النحوي فيها والعلاقة بينهما والدلالات المختلفة المتولدة من ذلك.

أما الفصل الثاني فقد بحثت فيه (تغاير النظم) وما يتبعه من تغاير في الزمن النحوي مرتبط بغرض وسياق القصة وارتباطها بسياق السورة الواردة فيها.

وقد عرضت لجوانب عدة في هذا الباب معتمدًا في بعضها على كتب القصّة الأدبية - لا سيما الحديثة منها - ولا بدّ أن أذكر أن هذا البحث قد ولد في أوقات صعبة عاشها الباحث كان أولها اضطراب الحالة الصحية وآخرها فقدان الكتاب بعد أن اشرف البحث على نهايته، بددتها الاستعانة بالله والتوكل عليه والجهود الكبيرة سواء لأستاذتي المشرفة أو لأساتذتي في قسم اللغة العربية ولا أنسى جهود وتوجيهات أساتذتي الآخرين ومنهم الدكتور فاخر هاشم الياسري والدكتور حسين علي عبود من كلية التربية وأخيرًا فإني دلوت بدلولي في هذا الجانب المهم وأرجو أن أكون قد وفقت لما يرضى الله تعالى وينال قبول الآخرين.

وأقول إن كانت فيه من حسنة تذكر فبمن الله وتوفيقه والجهود التي كانت من وراء هذا البحث وما كان فيه من نقص فما الكمال إلا لله وحده وعذرًا من هفواته والعذر عند كرام الناس مقبول.

والله مـن وراء القصـد...

الخاتمة

بعد الاستعانة بالله تعالى والاتكال عليه أنهيت هذه الدراسة المتواضعة التي عُنيت بدراسة الزمن النحوي في قصص القرآن الكريم، وقد حاولت الكشف فيها عن الصلة بين توظيف الصيغ والأدوات النحوية وبين ما تنطوي عليه مواضع القصة في القرآن من تغيرات دلالية وجمالية. هكذا الكشف تطلب من الباحث الوقوف عند تفحص الصيغ وما يجري فيه من صهر لأدوات اللغة يتناسب مع أهمية القصة ودورها في الدعوة الإسلامية وتهذيب النفس المؤمنة، ويثق صلاتها في سياق السورة وما ينتج من انزياح للصيغ والتراكيب عن دلالاتها التي أقرها النحويون القدماء في كتبهم. لأن كل كلمة وكل حرف في القرآن الكريم كائن حي يتكيف مع الوسط الذي يوجد فيه ليشكل شبكة من العلاقات الجديدة.

وقد خلص الباحث الى جملة من النتائج، لا بد من الأشارة اليها وهي:

(1) إن ما أشار اليه قدماء علماء العربية الأفاضل جاء متصفًا بالعموم الذي أهمل فيه أثر السياق في كثير من المواضع ولا يبدو أن ذلك عيب ينسب إليهم وإنما يعزى إلى السمة التعليمية التي من أجلها ظهرت علوم النحو، إلا أن طغيان عنصر الجدل والمناظرات فيما بعد جعل نظرية العمل الأساس في البحث عن مكنونات الجمل التي اختزلت من نصوصها الواردة فيها.

(2) القصص القرآني ارتبط في الغالب بمحاور زمنية ثلاث (موت - حياة - بعث / أو / دعوة - تكذيب - هلاك) ولما كان الزمن النحوي يرتبط بسياق القصة وغرضها تطلب تبادلًا في الصيغ والتراكيب، يُصوّر أو يخبر أو يؤكد وما يصاحبه من انزياح دلالي يناسب السياق ويوظف أدواته لذلك الغرض.

(3) وظفت الصيغ الفعلية بما يناسب رصد الأحداث أو استحضارها أو في إظهار الثبات الزمني إذ نجد مثلًا صيغة (فعل) عندما تأتي في سياق المستقبل فهي تخبر وتصور وتؤكد كما مرّ في قوله تعالى: ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ ﴾ [هود: 98].

ولم يكن المكان الذي شغلته هو مكان (سيورد) بل الأخير لا يصلح لكل هذه الأغراض.

كما أن صيغة (يفعل) تصور الماضي حاضرًا، والمشتقات يظهر معها امتداد زمني يناسب سياق القصة كما في قصة الكهف.

(4) صيغة (أفعل) صيغة فعلية توظف في السياق لأزمنة مختلفة يناسب سياق القصة، وقد غلبت فيها الدلالة على زمن المستقبل في القصص القرآني.

(5) مثلما تبرز صيغة (يفعل) في استحضار الزمن الماضي فإن صيغة (فعل) - فضلًا عن دلالتها على التأكيد - تستحضر الزمن المستقبل وتجعل المتلقي يحيى أحداثه ويشاهدها.

(6) الزمن الماضي المنقطع قليل في قصص القرآن، وغلب الزمن الماضي المستمر (كان يفعل) الذي يناسب مقام القصة إذ ينقل طبائع القوم وعاداتهم فهي تصوير لحياة مليئة بالحركة.

(7) ترد الأدوات النحوية كثيرًا للتأكيد أما الزمن فرهن بالسياق ولا يمكن ربط أداة بزمن معين فـ (لم مع يفعل) تدل على المستقبل أحيانًا كما تدل على الماضي أحيانًا آخر.

كما تناسب الأداة السياق الذي ترد فيه كما في (لا، لن) ومجيء كل منهما في السياق المناسب دنيوي أو أخروي.

أما ما نسبه النحويون إلى الصيغ والأدوات إنما هو الغالب في السياقات التي ترد فيها.

(8) الأفعال المسندة إلى الله تعالى مجردة من الزمن، وكلما خرجنا من المفهوم المادي المحسوس انعدم التخصص الزمني وصار المستقبل حاضرًا.

(9) التأويل والقراءة مؤثران في دلالة الزمن النحوي لأنهما يحملان معاني تظهر في السياق.

(10) الزمن الذي نزلت فيه القصة ذو أثر في توظيف الصيغ والتراكيب بما يناسب ذلك فقصص العهد المكي امتازت بالحذف الزمني وأكدت على الحدث وذكرّت بالماضي فبرزت صيغة (فعل) التي شكلت مرورًا سريعًا على الأحداث.

أما قصص العهد المدني فاتسمت فيها الصيغ بطابع زمني أكثر تخصصًا وتنوعت كثيرًا بشكل ناسب الجدل والحوار والوصف.

(11) تتسم المقاطع التي تخرج عن السرد القصصي بالدلالة على الزمن المطلق كما في ذكر العبرة من القصة أو التعاليم التي تذكر في ثنايا سرد الأحداث.

(12) يوظف الزمن النحوي في كل قصة بما يتناسب مع دورها، ويشكل في مجموعة - كما في قصة موسى - عليه السلام - وحدة زمنية متكاملة لا اختلاف ولا تناقض بين سياقاتها المختلفة.

(13) تتناسب الصيغ النحوية مع الشكل القصصي الذي ترد فيه كما في الاسترجاع والاستباق.

(14) يشكل التلخيص في مقدمة القصة مرورًا سريعًا على الأحداث ويطوي أزمنة متباعدة مما استدعى التكثيف الزمني الذي ناسبته صيغة (فعل).

(15) تغاير النظم في القصة الواحدة يرتبط بسياق السورة التي ترد فيها ويتلائم نحويًا معه في توظيف الصيغ وتناسق الأحداث.

ABSTRACT

Quranic Tales have special importance in showing the miracles of the Holy Quran and in realizing its most accurate expressions and its most magnificent styles. Besides, the Holy Quran takes the fact s of the past and exhibits them to the human kind at every time and every where so that they consider the advice and the lessons implied in them to correct their ways in life. These are not mere religious and historical tales-as is the case with the scriptures of the religious prior to Islam. They are rather facts where language was exploited in a way that fascinated the most eloquent of Arabs.

Both classical and modern writers tackle the subject of the Quranic tales from different perspectives. In spite of the large number of such studies, they were either concerned with historical-religious or with artistic –stylistic aspects. Linguistic and syntactic aspects of these tales were very narrowly tackled and in some verses of the Holy Quran.Studies that clearly link the language and the styles of narrations appeared here and there in some sections of some studies. Hence, the researcher in this study tries to reveal these links by studying the role of the tenses in the text-context of the tales and the resulting semantic transfer of the verbal patterns or time associations that are different from those assigned by the grammarians i.e. every verbal pattern represents a certain tense (e.g.: faqala for the past tense and yafqala for the present or future tenses).

This study falls into an introduction and two parts. In the introduction, the researcher tackles the view to time in the human philosophical and linguistic heritage. Part one is a study of the event and time. It includes two chapters. Chapter one is devoted to explaining the tenses of the verbal patterns in the narrative context where the patterns were exploited to suit the narrative context and the narrative styles….. Chapter two discusses the context of the verbal patterns.

Part two also consists of two chapters and it is mostly analytic. Chapter one deals with the kinds of narrative and the function of tense in it. Chapter two studies variation in the structure of verses and the semantic variation that result from it and that are connected to the context.

The researcher arrived at some findings; among which is that tense in Arabic is contextual and cannot be related to a certain pattern or a special structure. The classical studies, which tried to relate every pattern to a certain pattern, were only applying the educational role, which depended on the frequent, and the familiar of the facts.

The other finding is that the styles and kinds of narration require an appropriateness between the context of the tale and the verse where it is mentioned and what that entails of employing the linguistic tools to reveal the religious aim behind that. The past continuous tense is the dominant one in the Quranic tales because it suits the function of picturing that makes the characters of the tale move and talk alive in front of the hearer /reader.

فهرس المحتويات