العلاقة بين التشيع والتصوف

ملخص الرسالة

العلاقة بين التشيع والتصوف

سبب اختيار الموضوع:

من أصول عقيدة أهل السنة الجماعة أنهم يشهدون لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قد بلغ رسالةَ ربه، وأدى أمانته، وأنه نصح للأمة، ومن كمال نصحِه لهم أنه ما ترك خيرًا إلا ودلهم عليه، ولا شرًا إلا وحذرهم منه، وإنَّ مما حذرهم منه: الغلو في جميع صوره وأشكاله، في عقائدهم، وعباداتهم، وحتى آدابهم وسلوكهم، ولعظيم أمر الغلو وشدة خطره على الأديان أنزل الله تعالى في شأنه آياتٍ تحذيرًا لهذه الأمة من ركوب هذه المطية، ومن السير في هذا المنزلق الخطر.

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [النساء: 171].

وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77].

يعاتب المولى تبارك وتعالى أهل الكتاب في غلوهم في دينهم، واتباعهم الأهواء، ويحذر أمة القرآن من اتباع سنن وأهواء من قبلهم.

ولقد أخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن الغلو ما حل في أمة إلا كان سببًا لهلاكها، وذلك أثناء بيانه مقدار ما يجب أن يكون قدر حصى رمي الجمرات، وتحذيره للصحابة من الغلو حتى في قدر حصيات الرمي، فروى ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: «أمثال هؤلاء فارموا يا أيها الناس! إياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»[1].

كما نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه عن إطرائه، والمبالغة في ذلك، خشية منه وقوعهم في الغلو، وحماية منه لاستقامتهم على المنهج الحق، وتحذيرًا لهم من مشابهة النصارى في غلوهم في نبيهم عيسى عليه السلام، فروى البخاري، رحمه الله، من حديث عمر، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، قولوا: عبد الله ورسوله».

ذلك لأن الغلو مطية الشرك بالله تعالى، وهو أعظم ما عُصي الله تعالى به، ولقد أهلك الله القرون الأولى، والأمم السابقة كقوم نوح، وغيرهم لغلوهم في صالحيهم حتى وقعوا في الشرك.

ويذكر التاريخ الإسلامي أن الغلو في هذه الأمة، رغم وضوح المنهج، وصراحة النصوص في التحذير منه، قد وقع مبكرًا في حياة هذه الأمة، يشوه صفاء دينها، وينخر في حنيفيتها، ويصرفها عن اعتدالها ذات اليمين، وذات الشمال، وعن استقامتها على منهج الله وصراطه العظيم، إلى تلك السبل المتعددة التي من حول ذلك الصراط.

ولقد رأيت أن أعظم ما حورب به المسلمون في دينهم، أن فتح لهم باب الغلو في قيمه وآدابه وحتى عقائده. وتبين كتب الفروق والعقائد أن معظم انحرافات الفرق الإسلامية والمنتسبين إليه إنما كان بسبب الغلو.

ورأيت أن فرقة الرافضة ما استطاعت أن تحقق شيئًا من أهدافها في حربها هذا الدين وأهله إلا بعد أن أحسنت استغلال هذا المبدأ الخبيث والتوسع في بثه بين الناس.

ورأيت أن التصوف والدعوة إلى التزهد والتنسك، من أهم المطايا التي امتطتها الرافضة في سبيل تحقيق مآربها، ففتحوا أعظم أبواب الغلو في هذا الدين وتعاليمه وعباداته وعقائده باسم التزهد والتنسك والتصوف، والتجرد إلى الله تعالى وحده، إلى غير ذلك من الشعارات الإسلامية التي فتكت بهذه الأمة من قرون، وما زالت، وما زال فئام عظيمة من الناس مخدوعين بهذه البدعة الخبيثة.

ورأيت أن من انخدع من أهل السنة والجماعة، بالتصوف، وانحرف عن الجادة القويمة بسببه، أعظم عددًا من انخدع بالتشيع وانحرف عن دينه بسببه، وذلك لأن التشيع قد باين مذهب أهل الحق مباينة لم تعد بعدها قادرة على إنفاذ حيلها ومكرها بين المسلمين، اللهم إلا من لم يزل غارقًا في ظلمات جهله، أو أولئك المنتفعين الذين باعوا دينهم بدنياهم، فيرددون بين الحين والآخر شعارات الرافضة في التقارب والوحدة الإسلامية، وعلم الله تعالى أنهم كاذبون.

وأما التصوف فقد نجح الأعداء في زرعه، شوكة عظيمة في جسد هذه الأمة، وداءً عضالًا في قلبها، حتى إن كثيرًا من أهل العلم والفضل قد انخدع بالتصوف والصوفية، فتراه يحسن الظن بهم، وبطقوسهم، وعباداتهم، وعقائدهم، وحتى شطحاتهم ومنكراتهم التي يسعى جاهدًا في تأويلها، وحملها على بعض وجوه الخير، وبحثًا عن وجوه من المعاذير لتلك الشطحات القولية والفعلية التي ترفضها الأديان والشرائع، وحتى الفطر والعقول.

وكم تألمت، وحز في نفسي مثل تلك الأقوال والتقريرات من أهل الفضل تجاه أولئك المتصوفة المنحرفين، لأنها من أعظم ما يتمسك به المنحرفون، شهادة يعتزون بها، ووسيلة تعينهم في إضلال الخلق عن منهج الحق إلى سبلهم التي قعدوا عليها دعاة إلى نار جهنم.

كان هذا من أهم الأسباب والدوافع وراء اختياري هذا الموضوع تبيانًا للحق وربطًا بين هذه البدعة، وبين أهم أصولها، أعني التشيع الذي كان حظيرة هذه البدعة، ومزرعتها، فساهموا في نشأتها، وتربيتها، وتغلغلها في صفوف أهل السنة والجماعة، ثم دفاعًا عن صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أولئك الأبطال وعمالقة التاريخ، الذين ما زالوا يتطاول إلى مقامهم هؤلاء الأقزام الأدعياء، أبناء المتعة وأحفاد المجوس، راجيًا أن أكون من الذابين عن دين الله، السالكين مسلك السلف الكرام في مسيرتهم العظيمة في الصراع بين الحق والباطل.

خطة البحث:

قسمت الرسالة إلى ثلاثة أبواب بعد هذه المقدمة، ثم خاتمة في آخرها.

جعلت الباب الأول في التشيع ورتبته كالآتي:

• الشيعة في اللغة.

• الشيعة في القرآن.

• الشيعة في السنة.

• الشيعة في الاصطلاح.

• نشأة التشيع وتطوره: وهو مبحث تاريخي يبحث في تاريخ التشيع وتطور أفكاره وعقائده، وميله وانحرافه عن جادة الحق والصواب على مر التاريخ.

والباب الثاني في التصوف، ورتبته كالآتي:

• التصوف في اللغة والاصطلاح.

• أصل كلمة التصوف واشتقاقه.

• تعريف التصوف.

• نشأة التصوف وتطوره.

• مراحل التصوف.

وبحثت في تاريخ الصوفية والتصوف، وتحديد مبدأ نشأتها، ثم تطور انحرافها وبعدها عن مذهب أهل الحق.

والباب الثالث في بيان العلاقة بين التشيع والتصوف، ورتبته كالآتي:

الفصل الأول: وحدة المنشأ.

المبحث الأول: أوائل الصوفية.

المبحث الثاني: ذكر الصوفية وعلاقتهم بالشيعة والتشيع.

المبحث الثالث: ذكر الشيعة وعلاقتهم بالتصوف.

الفصل الثاني: وحدة المناهج التعليمية والتربوية.

المبحث الأول: تقسيمهم الدين إلى ظاهر وباطن.

المبحث الثاني: العلم اللدني.

المبحث الثالث: موقفهم من القرآن والسنة.

المبحث الرابع: التقية.

المبحث الخامس: الإمامة والولاية.

المبحث السادس: تقديس القبور والأضرحة.

المبحث السابع: الحلول والاتحاد.

ثم خاتمة تشتمل على أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي في هاتين الفرقتين، وما بينهما من علاقة وصلة من خلال معرفة تاريخهما، والمباحث العلمية والتربوية التي تشتمل عليها الرسالة.

وقد بذلت جهدي في ذكر مذاهبهم وعقائدهم من مراجعهم المعتمدة، وأصولهم المعتبرة عندهم، وحاولت أن أربط أقوال المتأخرين منهم، وحتى المعاصرين، بأقوال المتقدمين من أئمتهم وشيوخهم الموثوق بهم وبدينهم عندهم، وعند أهل نحلتهم، ذلك لأبين أن متأخريهم صورة ونسخة عن متقدميهم، يعتقدون جميع معتقداتهم، ويتبنون كل ضلالاتهم وانحرافاتهم، ردًّا على المزاعم التي تحاول تخفيف حدة الكفر والنفاق، ومجاملة أهل البدع والأهواء على حساب ديننا ومذهبنا بحجة وحدة الصف المزعوم، فكلما أظهر الله تعالى من فضائح أئمتهم وأساطين مذهبهم على أيدي علماء أهل السنة والجماعة، زعموا بأن ذلك من مذاهب قدمائهم ومتطرفيهم وغلاتهم، ويقولون إنهم أمة قد خلت، متظاهرين بأن من بعدهم أقل شرًّا وغلوًّا، وإنهم لكاذبون.