• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    بين الحب والهيبة..
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (10) الحافز الداخلي: سر ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أثر التفكير الغربي في مراحل التعليم في العالم ...
    بشير شعيب
  •  
    التعليم المختلط ومآلات التعلق العاطفي: قراءة في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملامح تربية الأجداد للأحفاد
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    الاتجاه الضمني في تنمية التفكير بين الواقع ...
    د. خليل أسعد عوض
  •  
    الرياضة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    سلسلة دروب النجاح (9) الإبداع.. مهارة لا غنى عنها ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    وقفات تربوية مع سيد الأخلاق
    د. أحمد عبدالمجيد مكي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (8) التوازن بين الدراسة والحياة
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    قتل الرغبات
    ياسر جابر الجمال
  •  
    ماذا بعد الستين؟!
    أشرف شعبان أبو أحمد
  •  
    أبوك ليس باردا بل هو بحر عميق
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    سلسلة دروب النجاح (7) بناء شبكة العلاقات الداعمة
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    التوفيق من الله
    أسامة طبش
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

العلم بالله تعالى (9) الربوبية العامة.. والربوبية الخاصة

العلم بالله تعالى (9) الربوبية العامة.. والربوبية الخاصة
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/5/2024 ميلادي - 22/11/1445 هجري

الزيارات: 5681

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العلم بالله تعالى (9)

الربوبية العامة.. والربوبية الخاصة

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الْعِلْمُ بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى مَغْرُوسٌ فِي الْفِطَرِ، مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَالْوَحْيِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الرُّومِ: 30]، « وَالْفِطْرَةُ هِيَ: الْخِلْقَةُ وَالْهَيْئَةُ فِي نَفْسِ الطِّفْلِ الَّتِي هِيَ مُعَدَّةٌ مُهَيَّأَةٌ لِأَنْ يُمَيِّزَ بِهَا مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ». وَذَلِكَ «أَنَّ الْإِقْرَارَ وَالِاعْتِرَافَ بِالْخَالِقِ فِطْرِيٌّ ضَرُورِيٌّ فِي نُفُوسِ النَّاسِ». قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ﴾ [الْأَعْرَافِ: 172].

 

وَرُبُوبِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ رُبُوبِيَّةٌ عَامَّةٌ تَشْمَلُ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ، وَرُبُوبِيَّةٌ خَاصَّةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ.

 

فَالرُّبُوبِيَّةُ الْعَامَّةُ تَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ، وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهِ كَيْفَ يَشَاءُ سُبْحَانَهُ، وَمُدَبِّرُهُ عَلَى مَا يَشَاءُ عَزَّ وَجَلَّ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ وَمُلْكِهِ وَتَدْبِيرِهِ. وَقَدْ دَلَّتْ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ رَبُّ الْخَلْقِ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 23-24]، وَنَجِدُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ آيَةٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، تُعَرِّفُنَا بِرَبِّنَا سُبْحَانَهُ، وَتَدُلُّنَا عَلَى أَنَّهُ رَبُّ الْخَلْقِ جَمِيعًا ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْفَاتِحَةِ: 2]، وَالْعَالَمُ هُوَ كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَلَامَةِ؛ «لِأَنَّ وُجُودَ الْعَالَمِ عَلَامَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ، مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ» فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ رَبُّ الْأَرْبَابِ، يَمْلِكُ الْمَالِكَ وَالْمَمْلُوكَ، وَهُوَ خَالِقُ الْخَلْقِ؛ فَهُوَ رَبُّهُمْ وَلَوْ كَانُوا كُفَّارًا فُجَّارًا ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزُّمَرِ: 62]، ﴿ إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 4-5]، ﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 36].

 

وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ يُرَبِّي خَلْقَهُ بِنِعَمِهِ وَحِفْظِهِ وَإِحَاطَتِهِ وَرِعَايَتِهِ، وَيَرْزُقُهُمْ وَيُعْطِيهِمْ وَيُعَافِيهِمْ، مُؤْمِنَهُمْ وَكَافِرَهُمْ، بَرَّهُمْ وَفَاجِرَهُمْ. بَلْ حَتَّى الْمَلَاحِدَةُ مِنْهُمْ وَالْجَاحِدُونَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْمُشْرِكُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ؛ خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ وَعَافَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ رَبُّهُمْ ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هُودٍ: 6]، وَهَذَا يَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَحْيَاءِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، بِمَنْ فِيهِمُ الْمَلَاحِدَةُ وَالْمُشْرِكُونَ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الْوَاقِعَةِ: 82]، أَيْ: وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ لِلنِّعَمِ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ فَتَنْسُبُونَ رِزْقَهُ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَمِنْ دَلَائِلِ رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى الْعَامَّةِ لِكُلِّ الْخَلْقِ: إِجَابَةُ دَعَوَاتِهِمْ حَالَ اضْطِرَارِهِمْ، وَتَلْبِيَةُ حَاجَاتِهِمْ دُونَ النَّظَرِ إِلَى أَدْيَانِهِمْ وَمُعْتَقَدَاتِهِمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِعُبُودِيَّتِهِ: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النَّمْلِ: 62]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي إِجَابَةِ دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 65-66]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي إِجَابَةِ دُعَاءِ الْعُصَاةِ وَالْجَاحِدِينَ: ﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾ [لُقْمَانَ: 32].

 

وَكُلُّ مَلِكٍ وَمَالِكٍ لِشَيْءٍ فَاللَّهُ تَعَالَى مَلَّكَهُ إِيَّاهُ، وَهُوَ وَمَا مَلَكَ مُلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَفِي مُلْكِهِ كَيْفَ يَشَاءُ، وَكُلُّ مَرْزُوقٍ فَاللَّهُ تَعَالَى رَزَقَهُ، وَهُوَ وَرِزْقُهُ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَبْقَى لِلْعَبْدِ مَهْمَا بَلَغَتْ مَنْزِلَتُهُ شَيْءٌ مِمَّا مَلَكَ؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ عَنْهُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الرُّبُوبِيَّةِ الْعَامَّةِ كَافِرٌ مُعْرِضٌ، وَلَا مُلْحِدٌ مُسْتَكْبِرٌ، فَاللَّهُ تَعَالَى رَبُّهُ رَغْمَ أَنْفِهِ، وَلَوِ اسْتَنْكَفَ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ، أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ، أَوْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَالْجَاحِدُ الْمُسْتَكْبِرُ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا؛ فَهُوَ يَمْرَضُ بِلَا اخْتِيَارِهِ، وَيَفْتَقِرُ بِلَا اخْتِيَارِهِ، وَيَمُوتُ بِلَا اخْتِيَارِهِ، وَيُصَابُ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَأَحِبَّتِهِ بِلَا اخْتِيَارِهِ، وَيَرْكَبُهُ الْهَمُّ وَالْغَمُّ وَالْكَرْبُ بِلَا اخْتِيَارِهِ، فَيَمْنَعُهُ الطَّعَامَ وَالنَّوْمَ بِلَا اخْتِيَارِهِ، وَيُرِيدُ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا مَالًا أَوْ جَاهًا أَوْ لَذَّةً فَلَا يَنَالُهَا إِلَّا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، وَقَدْ يُسَخِّرُ كُلَّ مَنْ يَعْرِفُ مِنَ الْخَلْقِ لِحُصُولِهَا فَلَا تَحْصُلُ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَرَادَهَا لَهُ؛ ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 54]، ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 2]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

وَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الرُّبُوبِيَّةِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ كَائِنًا مَنْ كَانَ؛ فَكَانَ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِمْ هُوَ رَبُّهُمْ وَإِنْ جَحَدُوهُ وَأَنْكَرُوهُ؛ ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 26- 27].

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَنَا رُشْدَنَا، وَيَكْفِيَنَا شُرُورَ أَنْفُسِنَا، وَيُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَيَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 21].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عَلِمَ الْمُوَفَّقُونَ مِنَ الْبَشَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ رَبُّهُمْ وَخَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَمُدَبِّرُهُمْ وَمُحْيِيهِمْ وَمُمِيتُهُمْ، وَالْمُتَصَرِّفُ سُبْحَانَهُ فِيهِمْ بِمَا شَاءَ، كَيْفَ شَاءَ، مَتَى شَاءَ، وَأَنَّهُ لَا خُرُوجَ لَهُمْ عَنْ أَمْرِهِ وَقَدَرِهِ وَتَدْبِيرِهِ؛ فَأَذْعَنُوا لَهُ سُبْحَانَهُ، وَتَشَرَّفُوا بِرُبُوبِيَّتِهِ لَهُمْ، وَعُبُودِيَّتِهِمْ لَهُ سُبْحَانَهُ، فَلَمْ يَبْتَغُوا رَبًّا غَيْرَهُ ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 164]، فَحَظُوا بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى الْخَاصَّةِ؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَهْدِيهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ، وَيَزِيدُهُمْ مِنَ الْهُدَى، وَيُوَفِّقُهُمْ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَيَصْرِفُهُمْ عَنِ الْكَبَائِرِ وَالْمُوبِقَاتِ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ [يُونُسَ: 9]، « أَيْ: بِسَبَبِ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، يُثِيبُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَعْظَمَ الثَّوَابِ، وَهُوَ الْهِدَايَةُ، فَيُعَلِّمُهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ، وَيَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَعْمَالِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْهِدَايَةِ، وَيَهْدِيهِمْ لِلنَّظَرِ فِي آيَاتِهِ». وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مَرْيَمَ: 76]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 17]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [الْفَتْحِ: 4].

 

وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا عَنْ هَذِهِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ رَبًّا، أَوْ أَشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ؛ فَإِنَّهُمْ عُوقِبُوا بِصَرْفِهِمْ عَنِ الرُّبُوبِيَّةِ الْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَهَا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النَّحْلِ: 104]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [الْقَصَصِ: 56]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [النَّحْلِ: 37].

 

فَهَنِيئًا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى الْخَاصَّةِ لَهُمْ، حِينَ فَهِمُوا رُبُوبِيَّتَهُ الْعَامَّةَ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ؛ فَقَبِلُوهَا، وَأَذْعَنُوا لَهُ، وَعَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا، فَلَهُمُ السَّعَادَةُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزُ الْأَكْبَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَقُولُونَ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 43].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
  • العلم بالله تعالى (2) العلم بربوبيته سبحانه
  • العلم بالله تعالى (3) دلائل ربوبيته سبحانه
  • العلم بالله تعالى (4) من مظاهر ربوبية الله تعالى
  • العلم بالله تعالى (5) الأساليب القرآنية في إثبات الربوبية (خطبة)
  • العلم بالله تعالى (6) لوازم العلم بربوبية الله تعالى
  • العلم بالله تعالى (7) مواقف للأنبياء في تقرير الربوبية
  • العلم بالله تعالى (8) أقسام الناس في العلم بالربوبية
  • العلم بالله تعالى (10) من آثار العلم بربوبية الله تعالى

مختارات من الشبكة

  • من فوائد ابن عبدالبر رحمه الله في جامع بيان العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلم النافع: صفاته وعلاماته وآثاره (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلم الإلهي أو العلم بالله عند ابن تيمية (مقدمة)(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الموسوعة الندية في الآداب الإسلامية -آداب الجنائز - (حـ) الآداب الخاصة بالتعزية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الموسوعة الندية في الآداب الإسلامية - آداب الجنائز - (ج) الآداب الخاصة بتغسيل الميت (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لماذا نكرر العلم؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أسرار الكون بين العلم والقدرة الإلهية: رحلة في الغموض والدينامية البيئية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نصائح وعظات لطالب العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف أتعلم؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم المسجد المفتوح ببلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان
  • آلاف المسلمين يشاركون في إعادة افتتاح أقدم مسجد بمدينة جراداتشاتس
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/4/1447هـ - الساعة: 15:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب