• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مسابقة كاتب الألوكة الثانية   مسابقة الألوكة الكبرى لتعزيز القيم والمبادئ والأخلاق   المسابقة الإلكترونية لجميع أفراد الأسرة   أنشطة دار الألوكة   مسابقة شبكة الألوكة (حياتنا توسط واعتدال)   أخبار الألوكة   إصدارات الألوكة   مسابقات الألوكة المستمرة   مسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في محراب العلم والأدب: تحية إكبار وتقدير لشبكة ...
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    بيان شبكة الألوكة إلى زوارها الفضلاء حول حقوق ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    كلمة شكر وعرفان لشبكة الألوكة من أبي محمد فواز ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تهنئة بعيد الأضحى ١٤٤٠هـ
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في ظلال الألوكة
    د. سعد مردف
  •  
    بطاقة تهنئة بعيد الأضحى
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    الألوكة وجامعة السويس ينظمان مؤتمرا دوليا بعنوان ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    نتائج مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    في حب الضاد شاركت الألوكة مجمع اللغة العربية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    شبكة الألوكة تشارك في فعاليات اليوم العالمي للغة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    إذاعات مدرسية مكتوبة - شبكة الألوكة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    دار الألوكة للنشر في معرض الرياض الدولي للكتاب ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    الألوكة.. لغة سماوية
    خالد يحيى محرق
  •  
    اللقاء الرمضاني السنوي لشبكة الألوكة في بلدة رغبة
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسابقة شبكة الألوكة: حياتنا توسط واعتدال
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    ترشيح د. خالد الجريسي لانتخابات الغرفة التجارية
    محمد بن سالم بن علي جابر
شبكة الألوكة / الإصدارات والمسابقات / مسابقة كاتب الألوكة الثانية / المشاركات المرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية / قسم المقالات / الأدب واللغة والنقد
علامة باركود

الخضرمة الفنية ودورها في توثيق الشعر العربي

الخضرمة الفنية ودورها في توثيق الشعر العربي
د. عبدالحميد محمد بدران

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/1/2012 ميلادي - 23/2/1433 هجري

الزيارات: 32011

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخضرمة الفنية

ودورها في توثيق الشعر العربي

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


لا نبالغ إذا قلنا: إنَّ أعظم أثرٍ للإسلام في الشِّعر يظهر جليًّا في ظاهرة الخضرَمة، بِما أنَّ الإسلام قد أحدثَ انتقالاً زمنيًّا بين مرحلة الجاهليَّة ومرحلة الدعوة الإسلاميَّة، وبما أنَّ الإسلام كان اختبارًا حقيقيًّا لقدرات الشَّاعر الذي يمتلك أدواته الفنِّية، ويستطيع تطويعَها مهما تغيَّر اعتقاده، ومن ثَمَّ فلا بدَّ أن نفرِّق "بين أن نقول: هذا رجل مخضرم، وأن نقول: شاعر مُخَضرم؛ فالأوَّل يُقصَد بخضرمَتِه أنه جمع بين الدِّينَيْن؛ دين الجاهليَّة، ودين الإسلام، بمعنى أنَّه كان يدين بدين الجاهليَّة، ثم جاء الإسلامُ فأسلم، أمَّا حين نتحدَّث عن شخص بوصفه شاعرًا فنقول: إنَّه مخضرم، فهذا يعني - أو ينبغي أن يَعني - أنَّ الخضرمة ليست منصبَّة على تديُّنِه، وإنَّما على شاعريَّته، بمعنى أنَّنا نقصد أنَّ شعره تناولَ العهدين؛ عهد الجاهليَّة، وعهد الإسلام؛ بمعنى أنَّه قال شعرًا في كلا الزَّمنَيْن"[1].

 

وبِوُسعنا أن نقف على معنى الخضرمة لغويًّا؛ لنقف من خلال هذا المعنى على إمكانيَّة استعمالها كوصفٍ فنِّي له خصوصيته وسِماتُه؛ فابن رَشيق ينقل عن بعض اللُّغويين قائلاً: "قال أبو الحسنِ الأخفشُ: يُقال: ماء خضرم إذا تناهى في الكثرة والسَّعة، فمنه سُمِّي الرَّجل الذي شهد الجاهليَّة والإسلام مخضرمًا، كأنه استوفَى الأمرين".

 

قال: "ويُقال: أذن مخضرمة إذا كانت مَقْطوعة، فكأنه انقطع عن الجاهليَّة إلى الإسلام، وحَكى ابنُ قتيبة عن عبدالرحمن عن عمِّه، قال: أسلم قومٌ في الجاهليَّة على إبِل قَطعوا آذانَها: فسُمِّي كلُّ مَن أدرك الجاهليَّة والإسلام مخضرمًا.

 

وأما عليُّ بن الحسين كراع فقد حكَى: شاعر محضرم - بحاء غير معجمة - مأخوذٌ من الحَضْرمة وهي الخَلْط؛ لأنه خلطَ الجاهليَّة بالإسلام"[2].

 

نحن إذًا أمام ثلاثة معانٍ للجمع بين الجاهليَّة والإسلام، وهي: السَّعة والقطع والخلط، وكلها وثيقةُ الصِّلة بمعنى الخضرمة الفنيَّة التي أشَرْتُ إليها، فالصِّلة "بين الماء المتناهي في الكثرة والسَّعة، وبين المعنى الذي نُريد، هو أن الرَّجل (الشاعر) قد استوفَى الأمرين؛ أمر الجاهلية، وأمر الإسلام، فكان واسِعَ العمر، كثيرَ المشاهد"[3]، والقطع دليلٌ على وجود سِمَة بارزة فيمن أدرك الجاهليَّة والإسلام، كما كان قَطْع الأذن سمةً بارزة في الإبل التي أُعِدَّت لذلك، والخلط دليلٌ على أنَّ الملَكة الشِّعرية، وإمكاناتها الفنيَّة واحدةٌ لدى الشاعر، مهما تغيَّر اعتقادُه، لدرجةٍ يُمكن معها أن نخلط بين ما قاله في الجاهليَّة، وما قاله في الإسلام.

 

ومن ثَمَّ نستطيع أن نقرِّر أن تمسُّك الشاعر ببعض تقاليده الفنيَّة التي كوَّنَت شاعريته في الجاهليَّة - يعدُّ دليلاً على تمكُّن الشاعر وخضرمته الفنية، وليس دليلاً على أنَّ الإسلام أثَّر في الشِّعر أو لم يؤثِّر؛ لأنَّه قد "أصبح على الشاعر المخضرمِ أن يجمع جمعًا هادئًا، وأن يوفِّق بشكل دقيق بين القدَاسة التي ما زال يَحملها - لا شعوريًّا - للقديم، وذلك الولاء لَمَّا أقرَّ بعجزه عن التنكُّر له، فقد اكتمل لكبار الشُّعراء نضجُهم الفنِّي في عصر الجاهليَّة، ومع هذا النُّضج رسخَت الصُّورة الكاملة للأداة في أذهانهم؛ حيث ملَكوا ناصيتَها، وبلغوا فيها شأوًا عظيمًا من التطويع للفنِّ، واستِخْراج الكثير من طاقاتها الإيحائيَّة حين تَدْخل في مجال الصِّياغة الجماليَّة، وهنا تبدو الأداة وقد تمكَّنَت بدورها من أن تُسيطر على كيان الشُّعراء، كما نشرت ظِلالهَا على العصر كلِّه، فكان الخروجُ عليها أو محاولة رفضها واحدًا من الأمور العسيرة التي لم تتهيَّأ، ولم تُتَح لِكبار شعراء العصر، فما بالنا ببقيَّة الشُّعراء ممن هم دونهم درجة؟"[4].

 

وغاية ما نُريده هنا هو أنَّنا نستطيع مع استقرار الثَّوابت الفنيَّة للشاعر - أن نستغلَّ هذه الخضرمة فنيًّا، في الفصل في بعض الخلط الذي يقع في نسبة بعض الأبيات الشعريَّة لأكثرَ مِن شاعرٍ من هؤلاء المخضرمين، بما أنَّ هذه الخضرمة تُشبِه الفحولة الشعريَّة المقنَّنة إلى حدٍّ بعيد، بِما أنَّها تستطيع أن تقرِّر للشاعر عديدًا من الثوابت التي يَصْدر عنها في شعره، على مستوى الألفاظ والمعاني والصُّور وربما الإيقاع أيضًا.

 

وإن كان تركيزُ القدماء على تعريف الخضرمة تعريفًا زمنيًّا - إنَّما يحمل في طيَّاته ذلك التغيُّر الفكريَّ الذي ينشأ عن الانتقال من الجاهليَّة إلى الإسلام، أو ذلك التغيُّر السياسي الذي ينشأ من الانتقال من العصر الأمويِّ إلى العصر العبَّاسي - إن كان كذلك فإنَّ الخضرمة إضافةً إلى كونها ظاهرةً فكريَّة - ينبغي أن يكون لها خصوصيَّة فنِّية تضمُّ القيم الفنيَّة للعصرين اللَّذين عاشَ فيهما الشاعر، بحيث لا يلقَّب بلقب (مخضرم) إلاَّ مَن يظهر في شعره مِثل هذا الدَّمج الفنِّي، وإلاَّ كان ذلك اللَّقب مجازفة واستهانة بقواعد الشِّعر الفنيَّة.

 

وليس من شكٍّ في أنَّ الزمانيَّة تعدُّ اختبارًا حقيقيًّا لقدرات الشَّاعر على القول، وبخاصة مع تغيُّر المعتقَد، هل يستطيع أو لا؟ ولكن ليس كلُّ من قال في الجاهليَّة والإسلام مخضرمًا، وإنَّما كلُّ مَن استقرَّ سَمْتُ شعرِه قبل الإسلام، وحافظَ عليه في الإسلام، وإلاَّ فما الداعي لأنْ يكون شعراءُ الإسلام في صدر الدَّعوة حسانًا وكعبًا وابنَ رواحة - علمًا بأنَّ صفوف المسلمين كانت تضمُّ غيرَهم؟ ذلك لأنَّ لكلٍّ منهم خصوصيةً في لون معيَّن من أساليب القول، يستطيع أن يقف عليها كلُّ من يقف على قول المصطفَى - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلمٌ عن عائشة - رضي الله عنها - "أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((اهجوا قريشًا؛ فإنه أشدُّ عليها من رَشْق بالنبل))، فأرسل إلى ابنِ رواحة قال: ((اهجُهم))، فهجاهم، فلم يَرْض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسَّان بن ثابت، فلمَّا دخل عليه حسَّانُ قال: قد آنَ أن تُرسلوا إلى هذا الأسد الضارب بِذنَبِه، ثم أدلعَ لسانه فجعل يحرِّكه، فقال: والذي بعثَك بالحقِّ لأَفْرينَّهم بلساني فَرْي الأديم، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تعجل؛ فإنَّ أبا بكرٍ أعلمُ قريشٍ بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نَسبًا، حتَّى ينجلي لك نسبي))، فأتاه حسَّان، ثم رجع، فقال: يا رسول الله، قد لخص لي نسبَك، والذي بعثك بالحقِّ، لأَسُلَّنَّك منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين"[5].

 

فهذه شهادةٌ حقيقيَّة بإجادة حسَّان في الهجاء، وهي إجادةٌ خَشِي منها المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - على نسَبِه، فأرسله إلى سيِّدنا أبي بكرٍ ليلخِّص له نسبه، ويؤكِّد ذلك ما جاء في رواية ابن وهبٍ عن أبي سلمة بن عبدالرحمن: "فكان كعبٌ لا يُحسِن إلاَّ في الحرب، فهَجاهم، فلم يَرْض رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم أرسل إلى حسَّان، وكان يكره أن يرسل إليه... الحديث"[6].

 

وفي هذا الحديث شهادةٌ أخرى لتفوُّق كعبٍ في مجال وصف الحرب وعدتها، بينما يظلُّ شِعر ابنِ رواحة دائرًا في فلك التَّعيير بالكفر؛ لأنه في نظره أعظمُ سُبَّةً في جبين المشركين.

 

ليس ترفًا إذًا أن يَستعين المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهؤلاء الثلاثة، طالَما أنَّ لكلٍّ منهم سَمْته وصوته الذي يميِّزه عن صوت الآخرين، فحسَّان بن ثابت كان مَعْنيًّا برصد المثالب النسبيَّة للمشركين حمايةً لأعراض المسلمين، وكعب بن مالكٍ كان معنيًّا برصد المثالب الحربيَّة للمشركين في مقابل التَّركيز على عدَّة المسلمين الحربيَّة، بينما ظلَّ شعر ابنِ رواحة شعرًا هادئًا، يُعنَى بالوصف التقريري، ويَكتفي بتعيير المشركين بالكفر، ويتنبَّأ بندمهم إن لم يتَّبِعوا دعوة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

من خلال هذه الصُّورة الواضحة لِشُعراء الدعوة الإسلاميَّة؛ نستطيع أن نرجِّح نسبة بعض النُّصوص التي تتردَّد نسبتُها بين هؤلاء الشُّعراء؛ فعبدالله بن رواحة هو الذي يقول في غزوة (بدر الآخرة):

وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ
لِمِيعَادِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا
فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتَنَا فَلَقِيتَنَا
لَأُبْتَ ذَمِيمًا وَافْتَقَدْتَ الْمَوَالِيَا
تَرَكْنَا بِهِ أَوْصَالَ عُتْبَةَ وَابْنِهِ
وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ تَرَكْنَاهُ ثَاِويَا
عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللهِ أُفٍّ لِدِينِكُمْ
وَأَمْرِكُمُ السَّيْءِ الَّذِي كَانَ غَاوِيَا
فَإِنِّي وَإِنْ عَنَّفْتُمُونِي لَقَائِلٌ
فِدًا لِرَسُولِ اللهِ أَهْلِي وَمَالِيَا
أَطَعْنَاهُ لَمْ نَعْدِلْهُ فِينَا بِغَيْرِهِ
شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ هَادِيَا[7]

 

فالقصيدة فيها من سمات أُسلوبه ما يَنْطق بنسبتها له؛ فالتَّعيير بعدم الوفاء، وعدم الطاعة لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والقسَم الذي يُرافقه في جلِّ قصائده، يؤكِّد أنَّها لعبدالله، وليست لكعبٍ كما أنشدَها أبو زيدٍ الأنصاريُّ ابن هشام[8].

 

كما أنَّنا نرجِّح أن يكون هو القائلَ لَمَّا علم بما أصاب زينبَ بنت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من قريش:

فَأَقْسَمْتُ لاَ تَنْفَكُّ مِنَّا كَتَائِبٌ
سَرَاةٌ خَمِيسٌ فِي لُهَامٍ مُسَوَّمِ[9]
نَزُوعُ قُرَيشَ الكُفْرَ حَتَّى نَعُلَّهَا
بِخَاطِمَةٍ فَوْقَ الأُنُوفِ بِمَيْسَمِ
نُنَزِّلُهُمْ أَكْنَافَ نَجْدٍ وَنَخْلَةٍ
وَإِنْ يُتْهِمُوا بِالْخَيْلِ وَالرَّجْلِ نُتْهِمِ
يَدَ الدَّهْرِ حَتَّى لاَ يُعَوَّجَ سِرْبُنَا
وَنُلْحِقَهُمْ آثَارَ عَادٍ وَجُرْهُمِ
وَيَنْدَمُ قَوْمٌ لَمْ يُطِيعُوا مُحَمَّدًا
عَلَى أَمْرِهِمْ وَأَيْنَ حِينَ تَنَدُّمِ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ إِمَّا لَقِيتَهُ
لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تُخْلِصْ سُجُودًا وَتُسْلِمِ
فَأَبْشِرْ بِخِزْيٍ فِي الْحَيَاةِ مُعَجَّلٍ
وَسِرْبَالِ قَارٍ خَالِدًا فِي جَهَنَّمِ

 

وعلى الرَّغم من أنَّ الأبيات تبدو عنيفةً في الوعيد بعد القسَم - فإنَّها لا تلبث أن تعود إلى الإيمانيَّة الصرفة، فيبدو شاعِرُها وكأنَّه يُخاطب مسلمًا عاصيًا، وعيده مؤجَّل إلى يوم الحساب، ومن ثَمَّ لا أجد مسوِّغًا لِجَزم ابن هشام أنَّها لأبي خيثمة أخي بني سالِمِ بن عوف، في حين تردَّد ابنُ إسحاق في نسبتِها له، أو لعبدالله بن رواحة[10]، وفيها مِن السَّمْت الخاصِّ ما يُرجِّح نسبتها لابن رواحة.

 

بقي أن أؤكِّد هنا على شيء هام، وهو أنَّ المخضرمَ لا يستطيع أن يغيِّر سَمْتَ شعره؛ طالما استقرَّ له سَمْت، وإلاَّ فلماذا لم يغيِّر ابنُ رواحة من طبيعة شعرِه لما علم أنَّه أهون على المشركين من شِعر صاحِبَيه؟

 

إنَّ الأمر ليس بِيَد الشاعر؛ لأنَّ ملكتَه الشِّعرية قد وَجَّهت طاقاتها الإبداعيَّة في اتِّجاهٍ بذاته، وقد وردَت إشاراتٌ نقديَّة تؤكِّد مثلَ هذا الصنيع؛ فالأصمعيُّ يقول: "ذهب أميَّة في شعره بعامَّةِ ذِكْرِ الآخرة، وعنترة بعامَّة ذِكْر الحرب"[11].

 

ليس ذلك لأنَّه لَم يَقُل شيئًا في غيرها، وإنَّما لأنَّ كلَّ شاعرٍ منهما تفنَّن في مجالٍ بحيث استقرَّ له سمتٌ فيه، يميِّزه ربَّما عن كلِّ مَن تحدَّث في هذا المَجال.

 

ومن خلال ما سبَق، نستطيع أن نقول: إنَّ القصيدة التي نُسِبت إلى حسَّان بن ثابت يَبكي حمزةَ يوم أحُد، والتي مطلعها:

يَا مَيُّ قُومِي فَانْدُبِي
بِسَحِيرَةٍ شَجْوَ النَّوَائِحْ
كَالْحَامِلاَتِ الوَقْرَ بِالثْ
ثَقْلِ الْمُلِحَّاتِ الدَّوَالِحْ
الْمُعْوِلاَتِ الْخَامِشَا
تِ وُجُوهَ حُرَّاتٍ صَحَائِحْ
وَكَأَنَّ سَيْلَ دُمُوعِهَا الْ
أَنْصَابِ تُخْضَبُ بِالذَّبَائِحْ
يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنْ
نَ هُنَاكَ بَادِيَة الْمَسَايِحْ
وَكَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْ
لٍ بِالضُّحَى شُمْسٌ رَوَامِحْ
مِنْ بَيْنِ مَشْذُورٍ وَمَجْ
زُورٍ يُذَعْذَعُ بِالبَوَارِحْ
يَبْكِينَ شَجْوَ مُسَلَّبَا
تٍ كَدَّحَتْهُنَّ الكَوَادِحْ
وَلَقَدْ أَصَابَ قُلُوبَهَا
مَجَلٌ لَهُ جَلَبٌ قَوَارِحْ
إِذْ أَقْصَدَ الْحَدَثَانُ مَنْ
كُنَّا نُرَجِّي إِذْ نُشَايِحْ [12]

 

هذه القصيدة ليست لحسَّان بن ثابت في ورد ولا صَدر، فهي ليست موجودةً في معظم نُسَخ الدِّيوان، وقد نصَّ ابنُ هشام على أنَّ أكثر أهل العلم يُنكِرها لحسَّان، كما أنَّ المُتابع لشعر حسَّان يرى أنَّ القصيدة بَعيدةٌ عن نسيج قصائده، وليس الطَّعنُ فيها نتيجةً لضعفها فنيًّا، وإلاَّ فالقصيدة فيها من مقوِّمات الفن ما يَشهد لصاحبها بالشاعريَّة؛ فمقدِّمتها - مثلاً - لا تطاولها مقدِّماتُ قصائد حسَّان بن ثابتٍ أوَّلاً، كما أنَّ طريقتها في حَشْد الصُّور البصريَّة تُخالف طريقته في حشد صُوَرِه، كما أنَّ الشاعر لم يستعرض فيها بعض أحداث الغزوة كعادتِه في شعر الغزوات، ثم إنَّ في القصيدة أيضًا ما يَقوم دليلاً على أنَّ المَرْثيَّ ليس حمزةَ بن عبدالمطلب، وإنما هو حمزة آخَر، فالشاعر يقول:

ذَكَّرْتَنِي أَسَدَ الرَّسُولِ
وَذَاكَ مِدْرَهُنَا الْمُنَافِحْ[13]

 

فمن أين يكون هو حمزة، وهو يذكِّر الشاعرَ بحمزة أسدِ الله ورسولِه؟ ومن ثَمَّ نرجِّح أن القصيدة ليست لحسَّان، وإنَّما هي مَنْحولة عليه، وأغلب الظَّن أنَّها قيلت في العصر الأمويِّ بعد فتنة عليٍّ ومعاوية.

 

المَراجع:

• "أشكال الصِّراع في القصيدة العربية": د/ عبدالله التطاوي - مكتبة الأنجلو المصرية - 1991/ 1992م.

• "خزَانة الأدب": عبدالقادر البغدادي - تحقيق: عبدالسلام هارون - الهيئة المصريَّة العامة للكتاب - 1979م.

• ديوان عبدالله بن رواحة - جمع وتحقيق: د/ حسن باجودة - دار التُّراث - 1972م.

• "سبل الهدى والرشاد" محمد بن يوسف الصالحي - المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

• "السيرة النبوية": أبو محمَّد عبدالملك بن هشام المعافري - دار المنار - الثانية - 1994م.

• "شعر المخضرَمين": د/ يحيى الجبوري - مكتبة النهضة - بغداد - الأولى 1964م.

• "الشعراء المخضرمون": د/ عبدالحليم حفني - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1983.

• "صحيح مسلم بشرح النووي" - تحقيق: عصام الصبابطي وآخرين - دار الحديث - الرابعة 2001م.

• "العمدة": ابن رشيق القيرواني - تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد - دار الجيل - الخامسة 1981م.



[1] الشعراء المخضرمون: د / عبد الحليم حفني – الهيئة المصرية العامة للكتاب1983- ﺻ 19، 20.

[2] العمدة 1 / 113، 114.

[3] شعر المخضرمين: د / يحيى الجبوري –مكتبة النهضة – بغداد – الأولى 1964م - ﺻ 54،55.

[4] أشكال الصراع في القصيدة العربية: د / عبد الله التطاوي –مكتبة الانجلو المصرية- 1991/1992م - ﺻ 357.

[5] صحيح مسلم 16 / 49 – برقم 157.

[6] سبل الهدى 9 / 475.

[7] ديوان عبد الله بن رواحة - ﺻ 109.

[8] السيرة النبوية: 3 / 124.

[9] الخميس: الجيش، اللهام: الكثير.

[10] ينظر: السيرة النبوية 2 / 571، وديوان عبد الله بن رواحة - ﺻ 105.

[11] خزانة الأدب: البغدادي 1 / 247.

[12] سبل الهدى 4 / 346، وشجو: حزن، والملحات: الثابتات، الدوالح: المثقلات، المعولات: الباكيات بصوت، الأنصاب: حجارة كان يذبح عليها، المسابح: مالم يمشط من الشعر، شمس: نوافر، روامح: تدفع بأرجلها، مجزور: مذبوح، يذعذع: يفرق، البوارح: الرياح، مسلبات: من لبسن ثياب الحزن، الكوادح: نوائب الدهر، مجل: جرح فيه ماء، جلب: قشر الجرح، قوارح: موجعات، أقصد: أصاب، الحدثان: حوادث الدهر، نشايح: نحذر.

[13] سبل الهدى 4 / 346.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وماذا عن الشعر الملحمي؟
  • معالم النهضة الأدبية في الجزيرة والخليج العربي
  • مستويات من الشعر
  • خواطر في الشعر العربي
  • الشعر العربي في تشاد.. إطلالة على جناح طائر

مختارات من الشبكة

  • الشعر الاجتماعي في العصر المملوكي (اتجاهاته وخواصه الفنية)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • السمات الفنية في شعر النابغة الجعدي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • استراتيجية التعليم التعاوني ودورها في تعليم اللغة الثانية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأخلاق ودورها في البناء الحضاري للأمم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القيم الوطنية في الفكر الإسلامي ودورها في تحصين المجتمع (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الزوايا ودورها الاجتماعي بالمغرب الأقصى في عصر بني مرين (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المبادرات المتفردة ودورها في تجويد العمليات الإبداعية: مؤسسة مقاربات أنموذجًا(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الترجمة ودورها في تقريب الثقافات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التزكية ودورها في تربية أفراد الأسرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب