ملخص بحث: سبل النهوض بإعلام الطفل الإلكتروني في الوطن العربي

ملخص بحث:

سبل النهوض بإعلام الطفل الإلكتروني في الوطن العربي

الأطفال أمل المستقبل، وعماد نهضة الأمم، والثروة التي لا تقدَّر بثمن، هم الجيل الواعد الذي على أكتافه ينمو التطور والازدهار، وإن العناية بهم دليلٌ على مدى الوعي الحضاري، وسَعة الإدراك التربوي، فالبراءة والبساطة من أبرز خصائصهم ومميزاتهم؛ إذ إنهم سَرْعان ما يتأثَّرونبكلِّ ما يتلقونه من حولهم، يأخذون الغث والسمين فلا يميِّزون بينهما، ولا يتفحصون عمَّن يأخذون وماذا يأخذون!

إن الاهتمام بالأطفال في الوطن العربي يجب أن يستحوذَ على اهتمام جميع مكونات المجتمع، والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية؛ لأن هؤلاء الأطفال هم الجيل الصاعد الذي سيتحمَّل المسؤولية في المستقبل، ومن الضروري تطويرهم والنهوض بهم في كل المجالات الثقافية والفكرية والدينية والعلمية، ولعل أفضل ما يمكن الولوج من خلاله إلى بوابة الأطفال هي وسائل الإعلام، التي يجب عليها إيلاء هذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع أهمية خاصة.

وتذكر بعض دراسات الأمم المتحدة حول الطفولة أن الإنفاق على الأطفال العرب لا يتجاوز (0.03%)، وذلك على الرغم من أن نسبة الأطفال في الوطن العربي كما تشير إلى ذلك التقديرات تصل إلى نحو (43 %)[1].

ولا شك أن الإعلام منذ أمدٍ بعيد يلعب دورًا فاعلاً في صياغة المجتمعات وتشكيلها، والتأثير على مكوناتها كافة، إلا أن دوره ازداد أهمية وبروزًا في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإنترنت؛ إذ إنه استطاع أن يوظِّف آخر التقنيات لتطوير وسائله المرئية والمسموعة والمكتوبة، ومن ثَم ظهرت وسائل الإعلام الإلكترونية، والتي تعدُّ مواقع الإنترنت أبرز أشكالها.

لقد أدركت المجتمعات المتقدِّمة أهمية الإعلام الحديث والدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه في شتى المجالات، ولذلك فإننا نراها حريصةً كلَّ الحرص على تطويره بشكل دائم، واستغلال أحدث تقنياته بما يتلاءَم واحتياجات أفرادها على اختلاف طبقاتهم، لكن بالمقابل فإن الواقع الإعلامي العربي على هذا الصعيد لا زال وللأسف الشديد يرقدُ في سبات عميق؛ إذ إنه لم يستطع مواكبة آخر ما أفرزته التكنولوجيا من ابتكارات وتقنيات كثيرة لا تُعَد ولا تُحَصى.

إن الدراسة الحالية رصدت واقع إعلام الطفل الإلكتروني في الوطن العربي، وأبرز خطوات النهوض به لتطويره نحو الأفضل، واستعرضت من أجل هذا الغرض الكثيرَ من الموضوعات، التي جاءت في ستة فصول؛ حيث تضمن الفصل الأول مقدمة الدراسة، والإشكالية، والفرضية، والأسئلة، والأهمية، والأهداف، وحدود الدراسة، ومنهجيتها.

وأهمية الدراسة تنبع من أن المكتبة العربية تمتلئ بالكثير من الدراسات والكتب التي تتناول العَلاقة السائدة ما بين الأطفال ووسائل إعلام محددة مثل التلفاز والإذاعة والمجلات، لكن هذه الدراسة تسلط الضوء على موضوع لم يُبحث جيدًا في بطون الكتب العربية نظرًا لحداثته، أو عدم إدراك أهميته؛ إذ إن الدراسات التي تتناول واقع إعلام الطفل الإلكتروني وأهميته ووظائفه وتأثيره وسبل النهوض به، هي قليلة جدًّا، وتكاد تكون مفقودة، ولذا فقد حاولت الدراسة الحالية الإلمام قدر الإمكان بهذا الموضوع المهم، وتقديم أبرز الحلول المقترحة على صعيد تطوير هذا النوع من الإعلام؛ كي يحقق الأهداف المرجوَّة.

وقد اشتمل الفصل الثاني من الدراسة على قسمين رئيسيين:

الأول: تناول مفهوم الطفولة، وأبرز مراحلها وخصائصها واحتياجاتها، ومكانة الطفل في الإسلام.

فيما تناول القسم الثاني مقدمة عن الإعلام بشكل عام، ومفهومه ومراحل تطوره من خلال ثورة التكنولوجيا، وقوة تأثيره على مختلف شرائح المجتمع بشكل عام، والأطفال بشكل خاص لكونهم يتأثَّرون بسهولة بما يُعرض لهم، ويترجمون ما يشاهدونه ويسمعونه من حولهم إلى أفعال وسلوك تجاه الآخرين وذلك بغضِّ النظر إن كان إيجابيًّا أو سلبيًّا.

ويتَّفِق العديد من الباحثين على أنه ومن أجل تقديم مضمون صالح وجيد للأطفال، فإن هناك حاجة ماسَّة وضرورية للغوصِ في عالم الطفولة الواسع والمليء بالمشاعر والأحاسيس والرغبات، والتعرُّف عن قربٍ - وبصورة معمقة - على مراحل نشأة الأطفال، واحتياجاتهم النفسية والفسيولوجية التي ينبغي إشباعها عن طريق الأسرة والمدرسة وكافة مكونات المجتمع؛ إذ إن دراسة مراحل نمو الإنسان - وبالأخص سنوات طفولته - تزيد من القدرة على توجيه الأطفال والمراهقين إلى ما فيه الخير لهم ولمجتمعهم، ويستطيع المختصُّون النفسيون وكذلك الإعلاميون، - بناءً على ذلك - تحديد أسس الإرشاد النفسي والتربوي والمهني والإعلامي، ويتعرَّف أولياء الأمور على خصائص أطفالهم واحتياجاتهم بصورة أدق على نحوٍ يساعدهم في عملية التربية والتنشئة، ويسهِّل تشخيص المشكلات الاجتماعية المرتبطة بنمو الفرد، وبالتالي الوقاية منها أو علاجها حين وقوعها، ويساعد هذا العلم أيضًا على التنبؤ الدقيق للمستقبل من أجل وضع الخطط والبرامج التي تُنَاسِب كل مرحلة عمرية وَفْق خصائصها واحتياجاتها.

وأما الفصل الثالث، فقد ركَّز على مفهوم الإنترنت وأهميته، ومراحل نشأته، ومزاياه وعيوبه، ومن ثَم ظهور الإعلام الإلكتروني وأبرز خصائصه، ومدى أهميته بالنسبة للأطفال، ووظائفه، وآثاره الإيجابية والسلبية عليهم، وماهية مواقع الإنترنت التي يتصفَّحونها، والمخاطر التي قد تلحق بهم من وراء استخدامها، وأبرز وسائل وخطوات الحماية التي يمكن توفيرها لهم من أجل تحصينهم من الوقوع في براثن شِباكها وشهواتها والشبهات التي تَعْتَريها.

واستعرضت الدراسة في الفصل الرابع واقع إعلام الطفل بشكل عام والإلكتروني بشكل خاص في الوطن العربي، وأبرز التحديات التي تواجهه؛ والتي منها:

• ندرة المواقع الإلكترونية الخاصة بالطفل.

• وعدم استغلالها لتوظيفها في الجانب التربوي.

• وضعف شكل ومضمون النشر الإلكتروني الموجَّه للطفل.

• وخطر الألعاب الإلكترونية التي تستهدفه.

• وأبرز المعوِّقات المادية التي تَحُول دون إنشاء المزيد من المواقع الإلكترونية الخاصة بالأطفال أو تطوير القائم منها.

ثم أسهب الباحث في الجزء الأخير من هذا الفصل في الحديث عن الغزوِ الإعلامي الغربي، وأبرز مخاطره، وتداعياته وتأثيراته على الشرائح الاجتماعية بشكل عام والأطفال بشكل خاص؛ إذ لا يمكن أبدًا إغفال الخطورة الكبيرة التي تعترض أطفالنا جرَّاء الخطط المدروسة من أعداء الأمة العربية والإسلامية، هذه الخطط التي يسعى من خلالها مدبِّروها - ليلاً ونهارًا - إلى نشر الجهل والرذيلة بين الكبار والصغار، والرجال والنساء، وذلك عن طريق استغلال الثورة التكنولوجية الهائلة ووسائل الإعلام بمختلف أشكالها المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية.

وتناولت الدراسة في الفصل الخامس الرؤية الإسلامية لإعلام الطفل، وأبرز المقترحات والخطوات التي من شأنها أن تنهض بواقعه في الوطن العربي، وفيما يلي أهمها:

التخطيط الجيد، وتحديد الأهداف بدقة، وتوفير الإمكانيات المادية، وإدراك أهمية الأطفال، وتأهيل الإعلاميين، والارتقاء بالمضمون الإعلامي، وتطوير الجانب الترفيهي، وإنتاج برامج عربية تخص الأطفال، وتوظيف التكنولوجيا، واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتطوير المواقع الإلكترونية الخاصة بالأطفال.

واحتوت خاتمة الدراسة - التي جاءت في الفصل السادس - على أبرز النتائج، وبعض التوصيات التي وجد الباحث أن تطبيقها من شأنه أن يرتقي بواقع إعلام الطفل في الوطن العربي، ويمكن إجمالها على النحو الآتي:

• إنشاء مؤسسة إعلامية عربية مخصصة للأطفال فقط، ويكون من أبرز مهامها، إنتاج برامج إعلامية هادفة وجذَّابة تستهدف الأطفال بجميع مراحلهم العمرية، وتعتمد على آخر ما توصلت له الابتكارات التقنية والتكنولوجية.

وكذلك إنشاء صندوق مالي مخصَّص لإعلام الأطفال في الوطن العربي، ويمكن إنشاء هذا الصندوق عن طريق جامعة الدول العربية مثلاً، والعمل على إدخال تخصص "إعلام الطفل" بجميع أنواعه إلى الجامعات العربية التي تفتقد أغلبها مثل هذا التخصص؛ وذلك بهدف إعداد وتأهيل كوادر إعلامية متخصصة على صعيد إعلام الأطفال.

والعمل بسرعة على إدخال أجهزة الحاسوب وشبكة الإنترنت إلى المدارس العربية كافة، وإعداد برامج تعليمية ممنهجة لتعليم الأطفال كيفية الانتفاع من الإنترنت وتجنُّب مضاره، وتنظيم مؤتمرات وورش عمل تشارك فيها الدول العربية كافة بشكل دوري (سنوي أو نص سنوي مثلاً)، لمناقشة واقع إعلام الأطفال، وتبادل الاقتراحات والخطط، وإجراء تقييمات بين الحين والآخر عن أبرز النجاحات والإخفاقات، وزيادة عدد المواقع الإلكترونية العربية التي تستهدف شريحة الأطفال، والحرص على أن تراعي هذه المواقع كل العناصر الجذابة في الشكل والمضمون والأسلوب.