ملخص بحث: الصراع القيمي في القنوات الفضائية للأطفال

ملخص بحث

الصراع القيمي في القنوات الفضائية للأطفال

أفلام الكرتون بين الترفيه والاستلاب

في ظلِّ عصرٍ تتلاشى فيه الحدودُ الثقافية بين الدول، أصبحت وسائلُ الإعلام تلعبُ دورًا كبيرًا في بناء الطفل: عقائديًّا، وثقافيًّا، واجتماعيًّا، وتربويًّا، وجسديًّا... بل إنها أصبحت خبزًا يوميًّا يتناوله الأطفال مع وجبات الطعام، وآخر ما تلتقطه عيونُهم قبل النوم؛ حيث يتشرَّبون منها سلوكياتهم وأفعالَهم اليومية، محاولين تقليدَ كلِّ ما يصدر عنها دون وعيٍ.

ومن الملاحَظ أن الأسرة حين تترك ابنَها فريسةً لهذا الجهاز، فإنها تضعه أمام تأثيره القوي بالصوت والصورة، بكل ما يحتوي على مشاهدَ عنيفة ومُخلَّة بالأخلاق؛ لذا وجب أن يحدَّد ما يقدَّم للطفل من ثقافات عبر هذه الوسائل، فالطفل يسعَى دائمًا إلى الاكتساب والتأثر، وينعكس ما يُعرَض في الإعلام على تفكيره وعواطفه وسلوكه وجميع تصرفاته، وبناءً عليه ينبغي أن تكون كلٌّ من وسيلة الإعلام، وحياة الناس، وسياسة الدولة، كلُّها تسير على قاعدة فكرية وسلوكية واحدة، تعمل بانسجام تام، وتتعاون فيما بينها بشكل منسَّق ودقيق من أجل بناء الطفل وتربيته وتقويم سلوكه وعقيدته.

هدفت الدراسة "الصراع القيمي في قنوات الأطفال - أفلام الكرتون بين الترفيه والاستلاب" إلى تسليط الضوء على الخبايا التي تُخفِيها برامج الأطفال، والتي قد تُزعزِع النمو السليم للمنظومة القيمية للطفل العربي المسلم، ولتحقيق هذا الهدف تم تحديد ثلاث عيِّنات للدراسة:

• عينة الأطفال: 100 طفل من المرحلة الابتدائية بالمملكة المغربية.

• عينة أولياء الأمور: 100 فرد من الآباء والأمهات ممن لديهم أبناء في عمر أطفال العيِّنة الأولى.

• عينة برامج الأطفال: 10 حلقات من مسلسلات كرتونية وبرامج أطفال على قنوات الأطفال العربية الأكثر مشاهدة من قِبَل أطفال عينة الدراسة.

كما استخدمت المنهجَ الوصفي التحليلي، من خلال تحليل منظومة القِيم التي تضمَّنتها مجموعةٌ من برامج الأطفال الأكثر متابَعة على قنوات (MBC3, Spacetoon،Spacetoon power, CN بالعربية، طيور الجنة)، ومن خلال استخدام منهج المسح بالعيِّنة، كما لجأت لاستخدام استمارتي بحث؛ الأولى: خاصة بعينة الأطفال، والثانية: خاصة بعينة أولياء الأمور.

وقد عَمِلتُ على تقسيم البحث إلى مقدِّمة، ذكرتُ فيها بعضًا من الأسباب التي دفعتْني لإنجاز هذه الدراسة، ثم يليها باب أول، مقسَّم بدوره لفصلين: فصل خصص لمدخل الدراسة، ويشمل أهمية البحث وأهدافه ومشكلته، ثم أسئلته والدراسات السابقة والتعليق عليها، أما الفصل الثاني، فخصِّص للإطار النظري للدراسة، وفيه فصَّلتُ الحديث عن أهمية القنوات الفضائية وتطوُّرها عبر التاريخ، ثم عرَّجت لأسلِّط بعض الضوء على دور التلفزيون في عملية التنشئة الاجتماعية، وكذا مدى تأثيرها في صيرورة التغيير الاجتماعي.

ولمزيدٍ من التدقيق؛ تَمَّ تخصيص جانب للحديث عن قنوات الأطفال الفضائية وعَلاقتها بزبونها الأول "الطفل"، وفيه تم التطرُّق أيضًا لما يَشُوب قنوات الأطفال الفضائية من شبهات، وما تثيره من شهوات، إضافة للرُّؤى المتباينة بين الزخم الهائل من القنوات الموجودة حاليًّا، بعدها أوليتُ بعض الاهتمام بجمهور الأطفال وتقسيماته، ثقافته وطرق اكتسابها، وبيان ما يميِّزها عن ثقافة عالَم الكبار أو الراشدين.

لأصِلَ بعد هذه المحاور إلى أكثر الفصول ارتباطًا بعنوان الدراسة، ألا وهو "أفلام الكرتون والصراع القيمي عند الأطفال"، وفيه تم التركيز على الآثار السلبية والإيجابية لأكثر برامج الأطفال إثارة للجدل "أفلام الكرتون".

أما السلبيات، فيمكن تلخيصها فيما يأتي:

• أضرار بدنية: إخلال بنظام الليل، التأخُّر في النوم والسهر، التشوهات القوامية، أمراض القلب، ارتفاع نسبة الكولسترول، السِّمنة، الإمساك واحتقان البول، ضرر الأشعة على البدن كاملاً، والعينين خاصة، إلحاق الضرر بحاسة السمع.

• أضرار نفسية: تبلُّد المشاعر، صناعة الوَهم، إضعاف القدرة التخيُّلية للطفل، العنف والسلوك العدواني، العُزْلة الاجتماعية، توقُّع الترفيه المحترف باستمرار في الحياة، تأثير البيت الساخن، مرض الثلاثين دقيقة.

• الأضرار العقدية: التشكيك في الذات الإلهية، السحر والشعوذة، أفكار مغلوطة عن يوم الحساب...

• الأضرار الأخلاقية: التعرِّي، عَلاقات "boy freind"، و"girl freind"...

• أضرار على مستوى الهُوِيَّة: التمرُّد على القِيم، اعتبار الأرض بمثابة الأم، والوقت بمثابة الأب...

أما الإيجابيات فتمثلت في التالي:

• تنمية الحس الجمالي: على مستوى اللون، على مستوى الكلمة...

• تنمية الخيال بأنواعه.

• تنمية الشعور الوطني.

• تعزيز الشعور الديني.

• تعزيز القدرة على التمكُّن من اللغة العربية الفصحى.

• تذكير الطفل بتاريخ أمته.

• تنمية الرصيد المعرفي للطفل.

ثم خصصتُ قسمًا سادسًا في هذا الجانب للحديث عن الصراع القيمي عبر الإعلان التلفزيوني بقنوات الأطفال، وفيه تم رصدُ مكامن الخطورة في الإعلان عبر القنوات الفضائية؛ مما يحوِّله من مجرد وسيلة تسويق وترفيه، إلى سلاح خطير يعمل على استغلال براءة الأطفال، والنظر إليهم كزبائن محتملين لا كأطفال صغار، في غياب أي تأطير قانوني، وفي تغييب لكل المعايير الأخلاقية والدينية والاجتماعية.

لأختم الإطار النظري للدراسة بقسم سابع تناوَلَ مسألة وجود الطفل بين صراع قِيم القنوات الفضائية وقيم مؤسسات التربية؛ حيث يعرف أن مسؤولية تربية وحماية الأطفال، والحرص على نموهم، تقع على عاتق عددٍ من مؤسسات التنشئة، بَدْءًا بالأسرة، ومرورًا بالمدرسة والتلفاز، ثم وصولاً للمجتمع ككلٍّ، وأن أي إخلال بدور إحدى تلك الركائز سيؤدِّي حتمًا إلى نتائجَ كارثية على مستوى المنظومة القيمية للطفل ككل.

الباب الثاني عنونتُه بالإطار المنهجي للدراسة، ويحوي كلاًّ من خطوات البحث، ثم نتائج الدراسة ومناقشتها، لأختتمَ بعدها بحثي هذا بتوصيات موجَّهة لمن يهمُّهم الأمر من أولياء الأمور، والجهات الحكومية الرسمية، ثم أجهزة الإعلام وقنوات الأطفال الفضائية.

ومن بين أهم النتائج التي خلصت لها الدراسة نسرد ما يلي:

• احتواء برامج الأطفال على عددٍ من القيم، وفي نفس الوقت على نقيضها.

• أغلب البرامج لا تُولِي اعتبارًا لعدد من القيم الدينية، الوطنية، الحضارية...

• التركيز على الإنتاجات الأجنبية.

• عدم التوازن في عرضِ القِيم على قنوات الأطفال الفضائية.

• عدم وجود معايير قيمية لهذه البرامج.

• بعض برامج الأطفال تَحوِي مشاهد وأحداثًا تَفُوق إدراك الطفل.

• أغلب برامج الأطفال لا تهتمُّ بغرس قِيم الترابط العائلي، بقدر ما تهتم بتنمية وتعزيز القيم الفردية.

• اعتماد أفلام الكرتون الحديثة على المؤثِّرات الصوتية والحركية.

أما أهم التوصيات التي فضَّل الباحث تقديمها لكل مَن يهمُّهم الأمر، فقد تمثَّلت في:

• ضرورة التقييم الدائم والدوري لبرامج الأطفال.

• تشجيع البحوث والدراسات بين فِرَقٍ وطنية ودولية مشتركة من الباحثين في مجالات التربية، وعلم النفس، والاجتماع، والإعلام؛ لدراسة تأثيرات التلفزيون الإيجابية والسلبية على الأطفال.

• تشكيل لجنة دائمة من المهتمِّين بثقافة الطفل.

• إنشاء مجالس ولجانٍ من المختصين الاجتماعيين والنفسانيين لمراقبة برامج القنوات التلفزيونية.

• تدبير وترشيد ساعات المشاهدة.

• تشجيع أولياء أمور الأسرة على أن يقضوا وقتًا أطول مع أطفالهم.

• التأكيد على عدم انعزال الأطفال في غُرَفهم الخاصة لمشاهدة القنوات الفضائية.

• مناقشة أولياء الأمور لأطفالهم أثناء مشاهدة برامجهم المفضَّلة.

• عدم استخدام مشاهدة قنوات الأطفال كأسلوب عقاب أو مكافأة.

• ضرورة التركيز على البُعْد القيمي في إنتاج برامج الأطفال عامة، وأفلام الكرتون خاصة.

• الانطلاق من أجندة أولويات وطنية.

• إنتاج برامج أطفال عربية وذات مضامين قيمية إيجابية.

• عرضُ القِيم بشكل متوازنٍ من خلال البرامج، وعدم التركيز على قيم بعينها دون الأخرى.

• تقديم برامج للأطفال تحكي بطولاتٍ ونماذجَ عربية.

• الاستفادة من المؤتمرات والندوات واللقاءات التي تعقدُها بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية في مجال الإعلام والقيم، وخاصة برامج الأطفال.

• تكثيف البرامج التربوية الهادفة إلى تنمية مفاهيم الترابط الأُسري.‏

• أن تكون لغة برامج الأطفال هي اللغةَ الفصحى.

ثم ختمت الدراسة بخاتمة، رجوتُ من خلالها العليَّ القديرَ أن أكون قد وفِّقتُ في تبليغ المقصود منها، وأن يُصبِح بحثي مرجعًا مفيدًا يستفيد منه الباحثون العرب المهتمون بقضايا أطفالنا وفِلْذات أكبادنا.

والله ولي التوفيق