• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض / مقالات
علامة باركود

العدل

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/8/2010 ميلادي - 21/9/1431 هجري

الزيارات: 25358

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

"العدل أساس الملك"، هذا مَثلٌ يتفوَّه به الناس، ويرددونه بكثرة، ولكن هل فكَّر كلُّ واحد في معنى هذا المثل، وهل عدلْنا في أنفسنا وذوينا، وأعدائنا وأصدقائنا؟ وهل راعيْنا العدلَ في البيت والمدرسة، والمكتب والشارِع، والمدينة والقرية؟


إنَّ العدل أساسُ الملك، وأساس التماسُك في المجتمع، وأساس الحبِّ والتعاون والتفاهم، فما أحوجَنا أن نعيَ هذا المثل، وأن نطبِّقه في أوسع المجالات، ولا نحصر مدلولَه في ناحية ضيِّقة، أو أن نردِّده بدون أن يظهر أثرُه على واقعنا، مقتنعين بأهميته، وعظيم جدواه.

 

♦ قال الحسن للمُغيرة بن مخارش التميمي: إنَّ مَن خوَّفك حتى تلقى الأمنَ، خيرٌ لك ممَّن أمَّنك حتى تلْقى الخوف.

 

♦ قيل لمحمد بن عليٍّ الباقر: مَن أشدُّ الناس زهدًا؟ قال: مَن لا يبالي الدنيا في يدِ مَن كانت.

 

♦ أعجبتني هذه الفقرات من كتاب «مشاكلة الناس لزمانهم»؛ تأليف أحمد بن إسحاق اليعقوبي:

«كان أبو بكر - رضي الله عنه - لا يحمل أحدًا من الأشراف على التجاوُز، حتى إنَّه بلغه عن أبي سفيان بن حرْب أمرٌ يكرهه، فدعَا به، فجعل يُصيح عليه، وأبو سفيان يتذلَّل له ويتواضع بين يديه، وأقبل أبو قحافة يقودُه قائِدُه، وكان قد عَمِي فسمع صياح أبي بكر، فقال لقائده: على مَن يصيح أبو بكر؟ قال: على أبي سفيان بن حرْب، قال: أبو عتيق، أعلى أبي سفيان تَرْفع صوتَك؟! لقد تعديتَ طورك، فقال: يا أبتِ، إنَّ الله قد رَفَع بالإسلام قومًا، ووضع به آخرين».

 

♦ قال القطامي أبياتًا شائقة:

لَيْسَ الْجَدِيدُ مُقِيمًا فِي بِشَاشَتِهِ
إِلاَّ قَلِيلاً وَلاَ ذُو خَلَّةٍ يَصِلُ
وَالْعَيْشُ لاَ عَيْشَ إِلاَّ مَا تَقَرُّ بِهِ
عَيْنٌ وَلاَ حَالٌ الاَّ سَوْفَ تَنْتَقِلُ
وَالنَّاسُ مَنْ يَلقَ خَيْرًا قَائِلُونَ لَهُ
مَا يَشْتَهِي وَلِأُمِّ الْمُخْطِىءِ الْهَبَلُ
قَدْ يُدْرِكُ الْمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ
وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْمُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ

 

المال وسيلة:

المال وديعةٌ عند الإنسان، ينفقه في المباحات والمستحبَّات والواجبات، ويستعينُ به على قضاء الحقوق، وعلى نوائب تحدُث، وطوارق تطرق، ومَن وفَّقه الله عَرَف كيف يتصرَّف فيه بلا بُخل ولا تبذير، ولا شحّ ولا إسراف، بل بعدل خيار، يبعد عن الإجحاف، وينأى عن الهوس.

 

♦ قدم عقيل بن أبي طالب على أخيه عليٍّ وهو بالكوفة يسأله مالاً، فقال للحسن: اكْسُ عمَّك، فكساه قميصًا من قمصانه، ورداء من أرديته، فلمَّا حضر العَشاء دعا عليَّ بالعشاء، فإذا كِسرٌ تقعقع يبوسة، فقال عقيل: أوليس عندك إلاَّ ما أرى؟ قال عليٌّ: أوليس هذا من نعمة الله؟! فله الحمد والشكر.

 

فقال عقيل: يا أمير المؤمنين، لا ضيرَ، إذا كان هذا أعطني ما أقضي دَيْني، وعجِّل سراحي لأرحل عنك، فقال عليٌّ: فكم دَينُك؟ فقال: أربعمائة ألف درهم، فقال علي: فما هي عندي ولا أملكها، ولكن تصبر حتى يخرج عطائي فأُقاسمك، فقال عقيل: بيت المال في يدِك وأنت تُسوِّفني؟!


قال: واللهِ يا أخي، ما أنا وأنت في هذا المال إلاَّ بمنزلة رجل من المسلمين، وجعلاَ يتكالمانِ في هذا وهما فوق قصر الإمارة مشرفَين على صناديق أهْل السوق، فقال علي: إذا أبيتَ ما أقول، فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكْسِرْها، وخُذْ ما فيها، قال عقيل: أتأمرُني أن أكسِر صناديق قوم قد توكَّلوا على الله، وجعلوا أموالهم فيها، واتَّكلوا عليها؟! قال: أفتأمرني أن أفتحَ بيت مال المسلمين، وقد توكَّلوا على الله، وهم يرجون قبضَها، وأنا متقلِّد أخْذها من وجوهها ، ووضْعها في حقوقها؟!


فإن أبيت ما أقول أخذتَ سيفًا، ثم أخذتُ سيفًا، ثم انطلقنا إلى الجيّر، فإنَّ فيها تجارًا مياسير، فدخلنا على بعضهم وأخذْنا أموالهم؟ قال عقيل: أسارقًا جئت؟! قال عليٌّ: ولأن تَسرِقَ من واحد خيرٌ من أن تسرق من كافَّة المسلمين.

 

قال عقيل: فائذن لي أن آتيَ هذا الرجل - يعني معاوية - غير متَّهِم لي أني إليه هجرت، ولا عنك صدرت، ولا به انتصرت، قال: قد أذنتُ لك، قال: فأعنِّي على سفري إليه، قال: يا حسنُ، أعطِ عمَّك أربعمائة درهم، فأعطاه إيَّاها، فخرج من عنده وهو يقول:

سَيُغْنِينِي الَّذِي أَغْنَى عَلِيًّا
فَيُدْرِكُهُ إِلَى الرَّحِمِ الطَّلُوبُ
وَيُغْنِينِي الَّذِي أَغْنَاهُ عَنِّي
وَيُغْنِي رَبّنَا رَبٌّ قَرِيبُ

 

ثم وصل إلى معاوية، فوصَلَه بأربعمائة ألْف لقضاء دَيْنه، ثم وصله بمثلها.

 

♦ حضر بابَ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جماعةٌ، منهم سُهَيل بن عمرو، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، فخرج الآذن فقال: أين صُهيب؟ أين عمَّار؟ أين سلمان؟ فتمعَّرتْ وجوه القوم، فقال واحد منهم: لِمَ تتمعر وجوهُكم؟! دُعوا ودُعينا، فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على بابِ عمر، لَمَا أعدَّ الله لهم في الجنة أكثر.

 

♦ كتب عمر بن الخطَّاب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما:

أما بعد: فإنَّ القضاء فريضةٌ محكمة، وسُنَّة متَّبعة، فافهم إذ أُدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلُّم بحقٍّ لا نفاذ له، آسِ بين الناس في مجلسك ووجهك، حتى لا يطمعَ شريف في حَيْفك، ولا يخاف ضعيف من جَوْرك، البينة على المدَّعي واليمينُ على مَن أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا حرَّم حلالاً، أو أحلَّ حرامًا، ولا يمنعنك قضاءٌ قضيته بالأمس، فراجعت فيه نفسك، وهُديت فيه لرُشْدِك أن ترجع عنه إلى الحق، فإنَّ الحق قديم، ومراجعة الحقِّ خيرٌ من التمادي في الباطل.

 

♦ قال الشاعر:

كَرِيمٌ يَغُضُّ الطَّرْفَ عِنْدَ حَيَائِهِ
وَيَدْنُو وَأَطْرَافُ الرِّمَاحِ دَوَانِ
وَكَالسَّيْفِ إِنْ لاَيَنْتَهُ لاَنَ مَتْنُهُ
وَحَدَّاهُ إِنْ خَاشَنْتَهُ خَشِنَانِ

 

نادرة:

♦ خَطَب أحدُ الولاة فَقَال: إنَّ الله لا يقار عباده على المعاصي، وقد أهلك اللهُ أمَّةً عظيمة في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم، فسمِّي مُقوِّمَ الناقة.

 

♦ قال عامر الشعبي: كتب عمر إلى معاوية: أما بعد: فإِّني كتبت إليك بكتاب في القضاء لم آلك ونفسي فيه خيرًا: الْزمْ خمس خصال، يسلمْ لك دِينُك، وتأخذ فيه بأفضل حظِّك: إذا تقدَّم إليك خَصْمان، فعليك بالبينة العادلة، واليمين القاطعة، وأدْنِ الضعيف حتى يشتدَّ قلبُه، ويتبسط لسانه، وتعهَّدِ الغريب، فإنَّك إن لم تتعهدْه تَرَك حقَّه، ورجع إلى أهله، وإنما ضَيَّع حقَّه مَن لم يرفق به، وآسِ بينهم في لحْظك وطرْفك، وعليك بالصلح بين الناس ما لم يستبنْ لك فصلُ القضاء، والسلام عليك.

 

♦ قال رجاءُ بن حيوة عن ابن مَخْرمة: إني لتحت مِنبرِ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالجابية حين قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، اقرؤوا القرآن تُعرفوا به، واعملوا به تكونوا مِن أهله، إنه لن يبلغ ذو حقٍّ في حقِّه أن يُطاع في معصية الله، ألاَ إنه لن يبعد مِن رزق الله ولن يقرِّب من أَجَلٍ أن يقول المرءُ حقًّا، وأن يذكر بعظيم، ألاَ وإني ما وجدتُ صلاح ما ولاَّني الله إلاَّ بثلاث: أداء الأمانة، والأخْذ بالقوة، والحُكم بما أنزل الله، ألاَ وإني ما وجدتُ صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن يُؤخَذ من حق، ويُعطى في حق، ويمنع من باطل، ألاَ وإنما أنا في مالِكم هذا كوالي اليتيم، إنِ استغنيتُ استعففت، وإنِ افتقرتُ أكلتُ بالمعروف تقرمَ البهمة.

 

♦ قال عبدالملك بن مرْوان لأخيه عبدالعزيز حين وجَّهه إلى مصر: تفقدْ كاتبك وحاجبَك وجليسك، فإنَّ الغائب يخبره عنك كاتبُك، والمتوسم يُعرِّفك بحاجبك، والداخل عليك يعرِّفك بجليسك.

 

♦ أوصى عمرُ بن عبدالعزيز واليًا، فقال: عليك بتقوى الله، فإنها جِماع الدنيا والآخرة، واجعلْ رعيتَك الكبيرَ منهم كالوالد، والوسطَ كالأخ، والصغيرَ كالولد، فبرَّ والدك، وصِلْ أخاك، وتلطَّفْ بولدك.

 

♦ كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الجرَّاح بن عبدالملك الحَكمي: إنِ استطعت أن تدع ممَّا أحلَّ الله لك ما يكون حاجزًا بينك وبين ما حرَّم الله عليك فافعلْ، فإنَّه مَن استوعب الحلالَ كلَّه تاقتْ نفسه إلى الحرام.

 

♦ قال عمرُ بن عبدالعزيز: إذا كان في القاضي خمسُ خِصال فقد كَمُل: عِلم ما كان قبلَه، ونزاهة عن الطَّمْع، وحِلم عن الخَصْم، واقتداء بالأئمَّة، ومشاورة أهل الرأي.

 

♦ قال ابن أبي الزناد: كنت كاتبًا لعمر بن عبدالعزيز، وكان يكتُب إلى عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطَّاب في المظالِم فيراجعه، فكتب إليه: إنه ليخيَّل إليَّ أنَّه لو كتبتُ إليك أن تعطي رجلاً شاةً لكتبت إلي أذكرٌ أم أنثى؟! فإذا أتاك كتابي في مظلمة، فلا تراجعني، والسلام.

 

♦ قال زياد في خُطبته: أيُّها الناس، إنَّا قد أصبحْنا لكم ساسةً، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفَيْء الله الذي خوَّلَنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببْنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا، فاستوجبوا عدلَنا وفيئَنا بمناصحتكم لنا.

 

♦ ومن كتاب عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - للأشتر النخعي لَمَّا ولاَّه مصر وأعمالها: ولا يكوننَّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإنَّ في ذلك تزهيدًا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبًا لأهل الإساءة على الإساءة، ولا تَنقض سُنَّةً صالحة عَمِل بها صدورُ هذه الأمَّة، واجتمعت بها الألفة، وجُبلت عليها الرعية، ولا تُحدِثنَّ سنَّةً تضرُّ بشيء من ماضي تلك السُّنن، فيكون الأجْر لِمَن سنَّها، والوزر لك بما نقضتَ منها، وأكثِرْ مدارسة العلماء، ومنافثة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمرُ بلادِك، وإقامة ما استقام به الناس قبلَك.

 

♦ قال الحسن بن أبي الحسن: واللهِ لولا ما ذَكَره الله من أمر هذَين الرجلين؛ يعني: داود وسليمان، لرأيتُ أنَّ القضاة قد هلكوا، فإنه أثْنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده.

 

♦ وقال الحسين بن أحمد المعروف بابن الحجاج:

قَدْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَلَّتِي
وَاقْتَسَمُوهَا كَارِهٌ وَكَارِهْ
لاَ يُفْلِسُ الْبَقَّالُ إِلاَّ إِذَا
تَصَالَحَ السِّنَّوْرُ وَالْفَارَهْ

 

♦ تظلَّم أهل الكوفة مِن عاملها إلى المأمون، فقال: ما علمتُ في عمَّالي أعدلَ منه، فقال رجل مِن القوم: يا أمير المؤمنين، فقد لزَمِك أن تجعل لسائر البلدان نصيبًا من عدلِه، حتى تكون قد ساويتَ رعاياك في حُسْن النظر، فأما نحن فلا تخصَّنا منه بأكثرَ من ثلاث سنين، فضحِك المأمون، وأمر بصرفه.

 

♦ قال أبو دهْمان لسعيد بن مسلِم - وكان وقف إلى بابه فحَجَبه حينًا، ثم أذن له، فمثُل بين يديه - فقال: إنَّ هذا الأمرَ الذي صار إليك، وفي يديك قد كان في يدي غيرِك، فأمسى واللهِ حديثًا، إنْ خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، فتحبَّبْ إلى عباد الله بحُسن البِّشر، وتسهيل الحجاب، ولِين الجانب، فإنَّ حبَّ عِباد الله موصولٌ بحب الله، وبُغضَهم موصول ببُغض الله؛ لأنَّهم شهداء الله على خلقه، ورقباؤه على من أعوج عن سبيله.

 

♦ كان عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - إذا بعث عاملاً يشترط عليه أربعًا: ألاَّ يركب البراذين، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقي، ولا يتخذ بوَّابًا.

 

♦ أحضر هارون الرشيد رجلاً ليوليه القضاء، فقال: إني لا أُحسن القضاء، ولا أنا فقيه، فقال الرشيد: فيك ثلاث خِلال: لك شَرَف، والشرف يمنع صاحبَه من الدناءة، ولك حِلم يمنعك من العجلة، ومَن لم يعجل قلَّ خطؤه، وأنت رجل تشاور، ومَن شاور كثُر صوابُه، وأما الفِقه، فسينضمُّ إليك مَن تتفقه به.

 

♦ خطب سعيد بن سويد بحمص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، إنَّ للإسلام حائطًا منيعًا، وبابًا وثيقًا، فحائط الإسلام الحقّ، وبابه العدل، ولا يزال الإسلام منيعًا ما اشتدَّ السلطان، وليستْ شدَّة السلطان قتلاً بالسيف، ولا ضربًا بالسوط، ولكن قضاء بالحقّ، وأخْذ بالعدل.

 

التحلي بالإنصاف:

قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام":

"الإنصاف مِن النفس من أجلِّ مظاهر الخُلُق الكريم، وأدلها على محبَّة العدل في الضمير.

 

واسم الإنصاف أشهر ما يُطلق على إعطاء حقِّ الغير طوعًا، يقال: أنصف إذا أعطى حقًّا عليه طوعًا.

 

وهو خصلة رفيعة، قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾[النساء: 135]، فقوله: ﴿ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ يتنازعه وصْفَا قوَّامين بالقسط شهداء لله، وهو داخلٌ في عموم قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يؤمِن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))، فإنَّ المؤمن يحب لنفسه أن يُعطَى حقَّه، وقد تكرَّر في آداب القرآن الترويضُ على قياس المرء حقَّ غيره على حقِّ نفسه، قال - تعالى -: في معرِض التحذير من أكْل مال اليتيم: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ﴾ [النساء: 9]، وقال - تعالى -: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ﴾ [النساء: 94]، وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الكَيِّس مَن دان نفسَه))؛ أي: حكم عليها وحْدَه، وحاسبها وبيَّن لنفسه تقصيرها.

 

نادرة:

سمع أبو يعقوب الخريميُّ منصورَ بن عمار صاحبَ المجالس يقول في دعائه: اللهم اغفرْ لأعظمنا ذنبًا، وأقسانا قلبًا، وأقربنا بالخطيئة عهدًا، وأشدِّنا على الدنيا حرصًا، فقال له: امرأتي طالق إن كنتَ دعوتَ إلاَّ لإبليس.

 

♦ قال محمود الوراق:

إِذَا اعْتَصَمَ الْوَالِي بِإِغْلاَقِ بَابِهِ
وَرَدَّ ذَوِي الْحَاجَاتِ دُونَ حِجَابِهِ
ظَنَنْتُ بِهِ إِحْدَى ثَلاَثٍ وَرُبَّمَا
نَزَعْتُ بِظَنٍّ وَاقِعٍ بِصَوَابِهِ
فَقُلْتُ: بِهِ مَسٌّ مِنَ الْعِيِّ ظَاهِرٌ
فِفِي إِذْنِهِ لِلنَّاسِ إِظْهَارُ مَا بِهِ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِيُّ اللِّسَانِ فَغَالِبٌ
مِنَ الْبُخْلِ يَحْمِي مَالَهُ عَنْ طِلاَبِهِ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلاَ ذَا فَرِيبَةٌ
يُصِرُّ عَلَيْهَا عِنْدَ إِغْلاَقِ بَابِهِ

 

♦ ذُكِر الظُّلم في مجلس ابن عبَّاس، فقال كعب: إني لأجد في كتاب الله المنزل أن الظُّلْم يخرب الديار.

 

فقال ابن عباس: أنا وجدتُه في القرآن؟ قال الله - عز وجل -: ﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ﴾ [النمل: 52].

 

♦ قال بعضهم: دعوتانِ أرجو إحداهما، وأخاف الأخرى: دعوة مظلوم أعنتُه، ودعوة ضعيف ظلمتُه.

 

إنصاف:

ما أحسنَ الإنصاف، وما أقلَّ فاعلَه! ولقد ندب الله له، وحثَّ على العدل، وأمَر به في آيات كثيرة، فقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النحل: 90]، وأمر الله بالعدل في حقِّ مَن بين الإنسان وبينه عداوة، فقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

 

♦ سأل هشامُ بن عبدالملك أسدَ بن عبدالله القسري عن نصْر بن سيار - وكان عدوَّه - فقال: ذلك رجلٌ محاسِنُه أكثر من مساويه، لا يضرب طبقة إلاَّ انتصف منها، لا يأتي أمرًا يعتذر منه، قسم أخلاقَه بين أيَّام الفضل، فجعل لكلِّ خُلُق نوبة، لا يُدرى أيُّ أحواله أحسن، ما هداه إليه عقلُه، أو ما كسبه إيَّاه أدبه؟!


فقال هشام: لقد مدحتَه على سوء رأيك فيه، فقال: نعم؛ لأني فيما يسألني أميرُ المؤمنين عنه كما قال الشاعر:

كَفَى ثَمَنًا لِمَا أَسْدَيْتَ أَنِّي
صَدَقْتُكَ فِي الصَّدِيقِ وَفِي عِدَاي
وَأَنِّي حِينَ تَنْدُبُنِي لِأَمْرٍ
يَكُونُ هَوَاكَ أَغْلَبَ مِنْ هَوَاي

 

♦ يقال: الولاية حُلوة الرَّضاع، مُرَّة الفَطام.

 

♦ وقال حكيم: ينبغي للوالي أن يتثبتَ فيما أنهي إليه ولا يتعجَّل، ويتأني ويتمهل، حتى ينظرَ ويستكشف الحال، ويأخذ بأدَب سليمان - عليه السلام - حيث قال: ﴿ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النمل: 27].

 

 كتَب الحسنُ البصريُّ إلى عمرَ بن عبدالعزيز يصف الإمامَ العادل جوابًا لسؤال عمرَ له عن ذلك:

اعلم يا أميرَ المؤمنين، أنَّ الله جعل الإمام العادل قِوامَ كلِّ مائل، وقصْدَ كلِّ جائر، وصلاحَ كلِّ فاسد، وقوَّةَ كلِّ ضعيف، ونصْفةَ كلِّ مظلوم، ومفْزع كلِّ ملهوف، والإمام العادل يا أميرَ المؤمنين، كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيبَ المرعى، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها مِنَ السِّباع، ويكنها من أذى الحرِّ والقرّ.

 

والإمام العادل يا أمير المؤمنين، كالأبِ الحاني على ولده، يسعى لهم صِغارًا، ويُعلِّمهم كِبارًا، يكتسب لهم في حياته، ويدَّخر لهم بعد مماته.

 

والإمام العدل يا أمير المؤمنين، كالأمِّ الشفيقة البرَّة، الرفيقة بولدها، حملته كرهًا، ووضعته كرهًا، وربته طفلاً، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، تُرضِعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته، والإمام العدل يا أمير المؤمنين، وَصِيُّ اليتامى، وخازِنُ المساكين، يربِّي صغيرَهم، ويَمُون كبيرَهم، والإمام العدل يا أمير المؤمنين، كالقلْب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده.

 

♦ دخل إياس بن معاوية الشام وهو غلام فتقدَّم خصمًا له - وكان الخصم كبيرَ السِّنِّ - إلى بعض القضاة، فقال له القاضي: أتتقدَّم شيخًا كبيرًا؟ قال: الحقُّ أكبرُ منه، قال: اسكت، قال: فمَن ينطق بحُجَّتي؟ قال: لا أظنُّك تقول حقًّا حتى تقوم؟ قال: لا إله إلا الله، أحقًّا هذا أم باطلاً؟ فقام القاضي فدخَل على عبدالملك من ساعتِه، فخبَّره بالخبر، فقال عبدالملك: اقضِ حاجتَه الساعة، وأخرِجْه من الشام، لا يفسد عليَّ الناس.

 

دعاء:

اللهمَّ ارزقْنا علمًا نافعًا، وعملاً صالحًا، واجعلْنا هداةً مهتدين، بالحقِّ ناطقين، وإليه داعين، وعلى الله متوكِّلين، فإنَّه نِعم المولى، ونعم النصير.

 

♦ دخَل عديُّ بن أرطأة على شُرَيح القاضي، فقال له: أين أنت - أصلحك الله؟ قال: بينك وبين الحائط، قال: اسمعْ مني، قال: قل نسمع، قال: إني رجلٌ من أهل الشام، قال: مكانٌ سحيق، قال: وتزوجتُ عندكم، قال: بالرفاء والبنين، قال: ووُلِد لي غلام، قال: ليهنك الفارس، قال: وأردتُ أن أرحلها، قال: الرجل أحقُّ بأهله، قال: وشرطتُ لها دارها، قال: الشرط أملك، قال: فاحكم الآن بيننا، قال: قد فعلتُ، قال: فعلى مَن حكمت؟ قال: على ابنِ أمِّك، قال: بشهادة مَن؟ قال: بشهادة ابن أُخْت خالتك.

 

عرج بالجملة:

كان الحَكم بن عَبْدل أعرجَ، فدخل على عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب وهو أعرج أيضًا، وكان صاحِبُ شُرَطته أعرجَ كذلك، فقال:

أَلْقِ الْعَصَا وَدَعِ التَّخَادُعَ وَالْتَمِسْ
عَمَلاً فَهَذِي دَوْلَةُ الْعُرْجَانِ
لِأَمِيرِنَا وَأَمِيرِ شُرْطَتِنَا مَعًا
لِكِلَيْهِمَا يَا قَوْمَنَا رِجْلاَنِ
فَإِذَا يَكُونُ أَمِيرُنَا وَوَزِيرُنَا
وَأَنَا فَجِئْ بِالرَّابِعِ الشَّيْطَانِ

 

حج قبل أن تحفر زمزم:

شَهِد رجل عند بعض القُضاة على رجل، فقال المشهود عليه: أيُّها القاضي: تَقْبَل شهادته ومعه عِشرون ألف دينار ولم يحجَّ إلى بيت الله الحرام؟! فقال: بلى حَججتُ، قال: فاسأله عن زمزم، فقال: حججتُ قبل أن تُحفر زمزم، فلم أرَها.

 

♦ وقال حَمَد بن إبراهيم الخطابيُّ:

تَسَامَحْ وَلاَ تَسْتَوْفِ حَقَّكَ كُلَّهُ
وَأَبْقِ فَلَمْ يَسْتَقْصِ قَطُّ كَرِيمُ
وَلاَ تُغْلِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرِ وَاقْتَصِدْ
كِلاَ طَرَفِيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ

 

موهبة الذكاء:

الذكاء موهِبة يهبها الله لِمَن يشاء، والناس متفاوتون في ذكائهم، ومنهم مَن طبقتْ شهرتُه الآفاق في ذكائه، وصِدْق فراسته، وعمْق حدسه.

 

وكان إياس بن معاوية القاضي ممَّن يُضرَب به المَثَل في فراسته، فدِقَّة الملاحظة، والتنبُّه والقياس، ممَّا يصقل هذه الموهبة ويُنمِّيها.

 

وطريقة بعض القُضاة في التوصُّل إلى معرفة المحقِّ من المبطل، وتمييز الخطوط، وإظهار المزيف منها، ومعرفة الشُّبه، وآثار الأقدام بالقيافة، كل هذا وغيره مما يُبرِهن على هذه الموهبة، وعلى تفاوت الناس فيها.

 

العين تبدي ما في النفس:

قال ابن أبي حازم:

خُذْ مِنَ الْعَيْشِ مَا كَفَى
وَمِنَ الدَّهْرِ مَا صَفَا
عَيْنُ مَنْ لاَ يُحِبُّ وَصْلَكَ
تُبْدِي لَكَ الْجَفَا

 

♦ قال بعض الحُكماء:

العين بابُ القلْب، فما كان في القلْب ظهر في العين.

 

♦ وقال الشاعر:

شَكَوْتُ وَمَا الشَّكْوَى لِمِثْلِيَ عَادَةٌ
وَلَكِنْ تَفِيضُ النَّفْسُ عِنْدَ امْتِلاَئِهَا

 

الجود والبخل:

بين الكَرَم والبخل فاصِل يتجاوزه المبذر، ويقصر دونه البخيل، ويراه الجَوَاد فضيلةً إن تجاوز فيه الحدَّ إلى الأسمى والأطيب، وإن وقف عندَه فقد تُسوِّل له نفسه التراجعَ والسير في قافلة البُخلاء، وهو لا يهتمُّ للثراء واكتناز المال، ولكنَّه يريد أن يؤدِّيَ واجب الضِّيافة، وإعطاء الراغب، وكسْب الثناء الحسن، والمجد الشامخ، ويقول: إنَّ الكرم والسماحة والجود ممَّا دعتْ إليها الأديان، ورغَّبت فيها الشرائع، وأثْنى عليها ذَوُو العقول الحصيفة، وأهلُ الندى والمكرمات، الذين كانوا أعلامًا في فضائل السخاء، والمروءة والنخوة.

 

والجُبن عارٌ ومذمَّة، وصاحبه مستهجَن ممقوت، مالُه وبال عليه، يتعب ويُضني جسمَه في تحصيله، ثم يُحرَم من الانتفاع به، وينال بسببه القدحَ العيب والاستهزاء، أمَّا البخيل فهو يُعلِّل بسفسطات وتمويهات، وادعاءات فارغة، فهو يردِّد: "احفظ القرشَ الأبيض لليَوْم الأسود"، كردٍّ على قول السخي: "أنفِق ما في الجَيْب يأتك ما في الغَيْب"، والصواب الاعتدال بين التبذير والبخل، وبين الإسراف والشُّحّ، فذلك سبيل الرَّشَاد، وطريق النجاح.

 

والجُود صِفة كريمة، تعتزُّ بها القبيلة، وتشرُف بها الجماعة، وتسمو البلدان، فكم من كريم رَفَع رأس قومِه عاليًا بجُوده وسخائه، وما فتئ حاتمٌ الطائي مضرِبَ المثل في الكَرم، وأنشودةً على فمِ الزمان، وما بَرِح من المسلمين مَن عُرِفوا بالكرم والسخاء، تروي أخبارَهم كتبُ التاريخ، وتعطِّر أمجادُهم المجالس، وتعبق بأريج ذِكْرهم المنتديات، وكلُّ أمَّة تباهي بكرمائها وأجوادها، وتعدُّ من مفاخرها أنَّ بها أسخياءَ كرماء.

 

♦ قال أحد الشعراء:

إِنَّ الْكَرِيمَ الَّذِي لاَ مَالَ فِي يَدِهِ
مِثْلُ الشُّجَاعِ الَّذِي فِي كَفِّهِ شَلَلُ
وَالْمَالُ مِثْلُ الْحَصَى مَا دَامَ فِي يَدِنَا
فَلَيْسَ يَنْفَعُ إِلاَّ حَينَ يَنْتَقِلُ

 

♦ قال أبو بكر الطُّرْطُوشي في كتابه "سراج الملوك":

♦ ومِن عجائب ما رُوي في الإيثار: ما ذَكَره أبو محمد الأزديُّ، قال: لَمَّا احترق المسجد بمِصر، وظنَّ المسلمون أنَّ النصارى أحْرقوه، فأحرقوا خانًا لهم، فقَبَض السلطانُ جماعة مِن الذين أحْرقوا الخان، وكتب رقاعًا فيها القَتْل، وفيها القطع، وفيها الجَلْد، ونَثَرها عليهم، فمَن وقعتْ عليه رُقْعة فُعِل به ما فيها، فوقعتْ رُقعةٌ فيها القتْل بِيَدِ رجل، فقال: ما كنت أبالي لولا أمٌّ لي، وكان بجانبه بعضُ الفتيان، فقال له: في رُقْعتي الجلْد، وليستْ لي أمّ، فادفعْ إليَّ رقعتَك، وخُذْ رقعتي، ففعلاَ فقُتِل ذاك، وتخلَّص هذا!!

 

♦ وحُكِي أنَّ أبا العباس الأنطاكيَّ اجتمع عنده نَيِّف وثمانون رجلاً بقرية بقُرْب الري، ولهم أرغفة لَمْ تَسَعْ جميعَهم، فكسروا الرغفان، وأطفؤوا السِّراج، وجلسوا للطعام إلى أن كفوا، فلمَّا رُفِع إذا الطعامُ بحاله لم يأكلْ منه واحدٌ منهم؛ إيثارًا لصاحبه على نفسه.

 

لولا المشقة:

لَوْلاَ الْمَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمُ
الْجُودُ يُفْقِرُ وَالْإِقْدَامُ قَتَّالُ

 

ومَن يروم المعالي، وينشد المكارم، فلا بدَّ له من الصبر والتجمُّل، واحتمال الأذى والجود، فإذا ادَّان أو قلَّ مالُه، فإنَّه بما بذله لدرء خَلَّة، أو إصْلاح ذات بيْن، أو تَحمَّل حَمَالةً قد كسب الأجر، أو الثناء الطيِّب، أو هما معًا.

 

♦ قال المقنع الكندي - الذي لقِّب بهذا اللقب للزومِه القناع؛ خوفًا من العَيْن تُصيبه لجماله، واسمه محمد بن ظفر بن عمير -:

يُعَاتِبُنِي فِي الدَّيْنِ قَوْمِي وَإِنَّمَا
دُيُونِيَ فِي أَشْيَاءَ تُكْسِبُهُمْ حَمْدَا
أَسُدُّ بِهِ مَا قَدْ أَخَلُّوا وَضَيَّعُوا
ثُغُورَ حُقُوقٍ مَا أَطَاقُوا لَهَا سَدَّا
وَفِي جَفْنَةٍ مَا يُغْلَقُ الْبَابُ دُونَهَا
مُكَلَّلَةٍ لَحْمًا مُدَفَّقَةٍ ثَرْدَا
وَفِي فَرَسٍ نَهْدٍ عَتِيقٍ جَعَلْتُهُ
حِجَابًا لِبَيْتِي ثُمَّ أَخْدَمْتُهُ عَبْدَا
وَإِنَّ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي أَبِي
وَبَيْنَ بَنِي عَمِّي لَمُخْتَلِفٌ جِدَّا
فَإِنْ يَأْكُلُوا لَحْمِي وَفَرْتُ لُحُومَهُمْ
وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْدَا
وَإِنْ زَجَرُوا طَيْرِي بِنَحْسٍ تَمُرُّ بِي
زَجَرْتُ لَهُمْ طَيْرًا تَمُرُّ بِهِمْ سَعْدَا
وَلاَ أَحْمِلُ الْحِقْدَ الْقَدِيمَ عَلَيْهُمُ
وَلَيْسَ رَئِيسُ الْقَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الْحِقْدَا
لَهُمْ جُلُّ مَالِي إِنْ تَتَابَعَ لِي غِنًى
وَإِنْ قَلَّ مَالِي لَمْ أُكَلِّفْهُمُ رِفْدَا

 

♦ أخذ عبيدُالله بن زياد عروة بن أدية أخَا أبي بلال وقطع يدَه ورِجْله، وصلبَه على باب داره، فقال لأهله: - وهو ومصلوب - انظروا إلى هؤلاء الموكَّلين بنا، فأحسِنوا إليهم، فإنَّهم أضيافُكم.

 

♦ قال أسامة بن مرشد المعروف بمؤيد الدولة مجد الدين، جوابًا عن أبيات كتبَها أبوه:

وَمَا أَشْكُو تَلَوُّنَ أَهْلِ وُدِّي
وَلَوْ أَجْدَتْ شَكِيَّتَهُمْ شَكَوْتُ
مَلِلْتُ عِتَابَهُمْ وَيَئِسْتُ مِنْهُمْ
فَمَا أَرْجُوهُمُ فِيمَنْ رَجَوْتُ
إِذَا أَدْمَتْ قَوَارِصُهُمْ فُؤَادِي
كَظَمْتُ عَلَى أَذَاهُمْ وَانْطَوَيْتُ
وَرُحْتُ عَلَيْهُمُ طَلْقَ الْمُحَيَّا
كَأَنِّي مَا سَمِعْتُ وَلاَ رَأَيْتُ
تَجَنَّوْا لِي ذُنُوبًا مَا جَنَتْهَا
يَدَايَ وَلاَ أَمَرْتُ وَلاَ نَهَيْتُ
وَلاَ وَاللَّهِ مَا أَضْمَرْتُ غَدْرًا
كَمَا قَدْ أَظْهَرُوهُ وَلاَ نَوَيْتُ
وَيَوْمُ الْحَشْرِ مَوْعِدُنَا وَتَبْدُو
صَحِيفَةُ مَا جَنَوْهُ وَمَا جَنَيْتُ

 

♦ خَرَج عبدالله بن جعفر إلى ضَيْعة له فنَزَل على نخْل لقوم فيها غلامٌ أسودُ يعمل فيها، إذ أتى الغلام بقُوتِه فدخل الحائط كَلْب فَدَنا من الغلام، فرمَى إليه قرصًا فأكلَه، ثم رمى إليه قرصًا آخَرَ فأكلَه، ثم رمى إليه الثالث فأكله؛ وعبدالله ينظر، فقال: يا غلامُ، كم قُوتُك كلَّ يوم؟ قال: ما رأيت، قال: فلِمَ آثرتَ به هذا الكلب؟! قال: ما هي بأرض كلاب، جاء من مسافة بعيدة جائعًا، فكرهتُ ردَّه، قال: فما أنت صانع؟ قال: أطوي يومي هذا، فقال عبدالله بن جعفر: أُلاَمُ على السخاء، وهذا أسخى مني! فاشترَى الحائط وما فيه مِن الآلات، واشترى الغلام، وأعتقَه ووهبَه له.

 

♦ قال سِراج بن عبدالملك بن سراج:

بُثَّ الصَّنَائِعَ لاَ تَحْفَلْ بِمَوْقِعَهَا
فِي آمَلٍ شَكَرَ الْمَعْرُوفَ أَوْ كَفَرَا
كَالْغَيْثِ لَيْسَ يُبَالِي حَيْثُمَا انْسَكَبَتْ
مِنْهُ الْغَمَائِمُ تُرْبًا كَانَ أَوْ حَجَرَا

 

♦ وقال سماك بن خالد الطائي:

إِنِّي إِذَا كَانَ ابْنُ عَمِّيَ غَائِبًا
لَمُقَاذِفٌ مِنْ دُونِهِ وَوَرَائِهِ
وَأَعَدُّهُ نَصْرِي وَإِنْ كَانَ امْرَءًا
مُتَرَجْرِجًا فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ
وَمَتَى أَجِدْهُ فِي الشَّدَائِدِ مُرْمِلاً
أُلْقِ الَّذِي فِي مِزْوَدِي بِوِعَائِهِ
وَإِذَا تَتَبَّعَتِ الْجَوَائِفُ مَالَهُ
خُلِطَتْ صَحِيحَتُنَا إِلَى جَرْبَائِهِ
وَإِذَا أَتَى مِنْ وِجْهَةٍ بِطَرِيفَةٍ
لَمْ أَطَّلِعْ مِمَّا وَرَاءَ خِبَائِهِ
وَإِذَا اكْتَسَى لَوْنًا جَمِيلاً لَمْ أَقُلْ
يَا لَيْتَ أَنَّ عَلَيَّ حُسْنَ رِدَائِهِ
وَإِذَا غَدَا يَوْمًا لِيَرْكَبَ مَرْكَبًا
صَعْبًا قَعَدْتُ لَهُ عَلَى سَيْسَائِهِ[1]
وَإِذَا اسْتَرَاشَ وَفَرْتُهُ وَحَمَدْتُهُ
وَإِذَا تَصَعْلَكَ كُنْتُ مِنْ قُرَبَائِهِ

 

♦ عن حذيفة العدوي قال: انطلقتُ يوم اليرموك أطلب ابنَ عمٍّ لي في القتْلى، ومعي شيء من الماء، وأنا أقول: إن كان به رَمَق سقيتُه، فإذا أنا به بين القتْلى، فقلت له: أسقِيك؟ فأشار إليَّ أن نعم، فإذا برجل يقول: آه، فأشار إليَّ ابنُ عمِّي أنِ انطلق إليه واسقِه، فإذا هو هِشام بن العاص، فقلت: أسقِيك؟ فأشار إليَّ أن نعم، فسمع آخَرَ يقول: آه، فأشار إليَّ أنِ انطلق إليه، فجئتُه فإذا هو قد مات، فرجعتُ إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعتُ إلى ابن عمِّي، فإذا هو قد مات!

 

♦ ومن أخبار الحمقى: سقَط رجل في بئر، فقال أخوه: أنت في البِئر؟ قال: أما تراني؟ قال: لا تذهب حتى أُجيئَك بمَن يخرجك.

 

♦ أراد أحدُ المغفَّلين السفر، فوضع سُلَّمًا وجعل يصعد وينزل، فقيل له: ما تصنع؟ قال: أتعلَّم السفر.

 

♦ قال ابن عمر: أهديتُ لرجل من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - شاةً فقال: أخي فلان أحوجُ إليها، وبعث بها إليه، فلم يزلْ يَبعث بها واحدٌ بعد واحد حتى تداولها تسعةُ أبيات، ورجعتْ إلى الأول، فنزلت:﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9].

 

♦ قال ابن الرومي:

عَرَفْتُ مَقَادِيرَ الرِّجَالِ بِنَكْبَةٍ
أَفَدْتُ بِهَا غُنْمًا وَإِنْ عُدَّ مَغْرَمَا
كَفَانِي لَعَمْرِي أَيُّهَا النَّاسُ خِبْرَتِي
بِكُمْ بَعْدَ جَهْلِي وَاغْتِرَارِيَ مَغْنَمَا
أَلاَ طَالَ مَا حَمَّلْتُ قَلْبِيَ ظَالِمًا
تَكَالِيفَ مِنْ إِعْظَامِ مَنْ لَيْسَ مُعْظِمَا
فَقَدْ حَطَّهَا عِنِّي الْإِلَهُ بِمِحْنَةٍ
أَرَانِي بِهَا رُشْدِي وَمَا زَالَ مُنْعِمَا

 

♦ قال الشاعر:

وَمَا ضَاعَ مَالٌ وَرَّثَ الْحَمْدَ أَهْلَهُ
وَلَكِنَّ أَمْوَالَ الْبَخِيلِ تَضِيعُ

 

♦ قال جعفر الصادق: لا تستحِ من إحصاء القليل، فكلُّ فوائد الدنيا قليل، والحِرْمان أقلُّ منه.

 

♦ كان سعيد بن العاص إذا أتاه سائِل فلمْ يكُ عنده ما سأل قال: اكتب عليَّ بمسألتك إلى أيَّام يُسري.

 

♦ أعطَى عبدالله بن جعفر امرأةً سألته مالاً عظيمًا ، فلاموه وقالوا: إنها لا تَعرِفك، وإنما كان يُرضيها اليسير، فقال: إن كانتْ ترضَى باليسير، فإنِّي لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانتْ لا تعرفني فإنِّي أَعرِفُ نفسي.

 

♦ أراد عبدالله وعبيدالله بن العباس أن يقتسمَا ميراثهما من أبيهما بمكَّة، فدُعي القاسم ليقسم، فلمَّا مدَّ الحبل قال له عبدالله: أقم المطمر - يعني الحبل الذي يُمد - فقال له عبيدالله: يا أخي، الدار دارك لا يُمدُّ - واللهِ - فيها اليوم مطمر.

 

♦ روى أبو تمَّام قال: حدَّثَني شيخ من الحي قال: كان فينا رجل شريف، فأتْلَف ماله في الجود، فصار يَعِد ولا يَفي، فقيل له: أصرتَ كذَّابًا؟ فقال: نصرةُ الصِّدق، أفضتْ بي إلى الكذب.

 

♦ قال الأصمعي: سُئِل أقرى أهل اليمامة للضيف: كيف ضبطتم القرى؟ قال: بألاَّ نتكلَّف ما ليس عندنا.

 

♦ كان ابن أبي بكرة يُنفِق على جيرانه أربعين دارًا سوى سائر نفقاته، وكان يبعث إليهم الأضاحي والكُسوة في الأعياد، وكان يعتق في كلِّ يوم عيد مائةَ مملوك.

 

♦ قال القاضي أبو بكر بن عبدالرحمن بن خزيمة: كنت مع الوزير المهلبي بالأهواز، فاتّفق أن حضرتُ عنده في يوم من شهر رمضان، والزمان صائف، والحر شديد، ونحن في خيش بارِد، فسمع صوتَ رجل ينادي على الناطف، فقال: أمَا تسمع أيُّها القاضي صوتَ هذا البائس في مثل هذا الوقت، والشمس على رأسه، وحرُّها تحت قدميه، ونحن نقاسي في مكاننا هذا البارِدِ ما نقاسيه من الحرّ، وأمر بإحضاره، فأحضر فرآه شيخًا ضعيفًا، عليه قميص رثٌّ، وهو بغيْر سراويل، وفي رِجله تاسومة مخلقة، وعلى رأسه مئزر، ومعه نبيخة فيها ناطِف لا تساوي خمسة دراهم، فقال له: ألم يكن لك أيُّها الشيخ، في طَرَفي النهار مندوحةٌ عن مِثل هذا الوقت؟ فتنفس، وقال: ما أهونَ على الراقد سهرَ الساهد! وقال:

مَا كُنْتُ بَائِعَ نَاطِفٍ فِيمَا مَضَى
لَكِنْ قَضَتْ لِيَ ذَاكَ أَسْبَابُ الْقَضَا
وَإِذَا الْمُعِيلُ تَعَذَّرَتْ طَلَبَاتُهُ
رَامَ الْمَعَاشَ وَلَوْ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا

 

فقال له الوزير: أراك متأدِّبًا، فمِن أين لك ذلك؟ فقال: إني أيُّها الوزير، من أهل بيت لم يكن فيهم مِن صناعة ما ترى، وأسرَّ إليه أنَّه من ولد معن بن زائدة، فأعطاه مائةَ دينار وخمسة أثواب، وجعل ذلك رسمًا له في كلِّ سَنَة.

 

♦ وقال كلثوم بن عمرو العتابي:

تَلُومُ عَلَى تَرْكِ الْغِنَى بَاهِلِيَّةٌ
زَوَى الْفَقْرُ عَنْهَا كُلَّ طَرْفٍ وَتَالِدِ
رَأَتْ حَوْلَهَا النِّسْوَانَ يَرْفُلْنَ فِي الثَّرَى
مُقَلَّدَةً أَعْنَاقُهَا بِالْقَلاَئِدِ
أَسَرَّكِ أَنِّي نِلْتُ مَا نَالَ جَعْفَرٌ
مِنَ الْعَيْشِ أَوْ مَا نَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدِ
وَأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَغَصَّنِي
مَغَصَّهُمَا بِالْمُرْهِفَاتِ الْبَوَارِدِ
دَعِينِي تَجِئْنِي مُنْيَتِي مُطْمَئِنَّةً
وَلَمْ أَتَجَشَّمْ هَوْلَ تِلْكَ الْمَوَارِدِ
رَأَيْتُ رَفِيعَاتِ الْأُمُورِ مَشُوبَةً
بِمُسْتَوْدَعَاتٍ فِي بُطُونِ الْأَسَاوِدِ

 

♦ وعد رجلٌ رجلاً، فلم يقدر على الوفاء لِمَا وَعَدَه، فقال له: كذبتني، قال: لا، ولكن كذَبَك مالي.

 

♦ قال أعرابي:

تُبَصِّرُنِي بِالْعَيْشِ عِرْسِي كَأَنَّمَا
تُبَصِّرُنِي الْأَمْرَ الَّذِي أَنَا جَاهِلُهْ
يَعِيشُ الْفَتَى بِالْفَقْرِ يَوْمًا وَبِالْغِنَى
وَكُلاًّ كَأَنْ لَمْ يَلْقَ حِينَ يُزَايِلُهْ

 

♦ كانتْ حال الحسن بن محمَّد المهلبي قبلَ الاتصال بالسلطان حالَ ضعْف وقلَّة، وكان يُقاسي منها قذَا عينه، وشجَا صدرِه، فبينما هو ذات يوم في بعض أسفارِه مع رفيق له من أهْل الأدب إذ لقي مِن سفره نصبًا، واشتهى اللحم فلم يَقدِرْ على ثمنه، فقال ارتجالاً:

أَلاَ مَوْتٌ يُبَاعُ فَأَشْتَرِيهِ
فَهَذَا الْعَيْشُ مَا لاَ خَيْرَ فِيهِ
إِذَا أَبْصَرْتُ قَبْرًا مِنْ بَعِيدٍ
وَدِدْتُ لَوَ انَّنِي فِيمَا يَلِيهِ
أَلاَ رَحِمَ الْمُهَيْمِنُ نَفْسَ حُرٍّ
تَصَدَّقَ بِالْوَفَاةِ عَلَى أَخِيهِ

 

فاشترى له رفيقُه بدرهم واحد ما سكَّن قرمَه، وتحفَّظ الأبيات وتفارقَا، وضرب الدهر ضرباتِه، حتى ترقَّت حال المهلبي إلى أعظمِ درجة من الوزارة، فقال:

رَقَّ الزَّمَانُ لِحَاجَتِي
وَرَثَى لِطُولِ تَحَرُّقِي
فَأَنَالَنِي مَا أَرْتَجِي
وَأَفَاتَنِي مَا أَتَّقِي
فَلَأَصْفَحَنْ عَمَّا أَتَا
هُ مِنَ الذُّنُوبِ السُّبَّقِ
حَتَّى جِنَايَتِهُ لِمَا
فَعَلَ الْمَشِيبُ بِمَفْرِقِي

 

وحصل الرفيق تحت كَلْكل من كلاكل الدهر، ثقل عليه بركه، وهاضه وعركه، فقصَد حضرته، وتوَصَّل إلى إيصال رُقعة تتضمَّن أبياتًا؛ منها:

أَلاَ قُلْ لِلْوَزِيرِ فَدَتْكَ نَفْسِي
مَقَالَةَ مُذْكِرٍ مَا قَدْ نَسِيهِ
أَتَذْكُرُ إِذْ تَقُولُ لِضَنْكِ عَيْشٍ
أَلاَ مَوْتٌ يُبَاعُ فَأْشْتَرِيهِ

 

فلمَّا نظر فيها تذكَّره، وهزته أريحيةُ الكرم للحنين إليه، ورعى حقَّ الصحبة فيه، والجري على حُكم مَن قال:

إِنَّ الْكِرَامَ إِذَا مَا أَيْسَرُوا ذَكَرُوا
مَنْ كَانَ يَأْلَفُهُمْ فِي الْمَوْطِنِ الْخَشِنِ

 

فأمر له في العاجل بسبعمائة درهم، ووقَّع في رُقعته ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 261].

 

♦ كان ابن عباس يقول: صاحبُ المعروف لا يقع، فإن وقَعَ وجد مُتَّكأً.

 

♦ قال أرطأة بن سهية:

وَإِنِّي لَقَوَّامٌ إِلَى الضَّيْفِ مُوهِنًا
إِذَا أَغْدَقَ السِتْرَ الْبَخِيلُ الْمُوَاكِلُ
دَعَا فَأَجَابَتْهُ كِلاَبٌ كَثِيرَةٌ
عَلَى ثِقَةٍ مِنِّي بِمَا أَنَا فَاعِلُ
وَمَا دُونَ ضَيْفِي مِنْ تِلاَدٍ تَحُوزُهُ
لِيَ النَّفْسُ إِلاَّ أَنْ تُصَانَ الْحَلاَئِلُ

 

♦ قال القطامي:

وَالنَّاسُ مَنْ يَلْقَ خَيْرًا قَائِلُونَ لَهُ
مَا يَشْتَهِي وَلِأُمِّ الْمُخْطِئِ الْهَبَلُ

 

♦ وقد أخذ هذا مِن قول امرئ القيس:

وَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ
وَمَنْ يَغْوِ لاَ يُعْدَمْ عَلَى الْغَيِّ لاَئِمًا

 

♦ وجاء في الأثر: «حصِّنوا أموالَكم بالزكاة، وادْفعوا أمواجَ البلاء بالدعاء».

 

♦ قال الحسن: مَن أيقن بالخَلَف جاد بالعطية.

 

♦ قال العتَّابي: ثواب الجُود ثلاثة: خَلَف ومحبَّة ومكافأة، وثواب البخل مثلها: تَلَف ومذمَّة وحِرْمان.

 

♦ قال الأوزاعيُّ: كان للزُّبير ألْف مملوك يؤدُّون الضريبة، لا يدخل بيتَ ماله منها درهم، بل كان يتصدَّق بها، وباع دارًا له بستمائة ألف درهم، فقيل له: يا أبا عبدالله غبنت، قال: كلاَّ والله، إني لم أُغبن، أُشهِدكم أنها في سبيل الله - تعالى.

 

♦ قال الأعمش: أدركتُ أقوامًا كان الرجل منهم لا يَلْقَى أخاه شهرًا وشهرَين، فإذا لقيه لم يَزِدْه على «كيف أنت؟ وكيف الحال؟» ولو سألَه شطرَ ماله لأعطاه، ثم أدركتُ أقوامًا لو كان لا يَلقى أخاه يومًا سأله عن الدجاجة في البيت، ولو سأله حبَّةً من ماله لِمَنعَه.

 

♦ كان حمَّاد بن أبي سليمان يُفطِّر كلَّ ليلة من شهر رمضان خمسين إنسانًا، وإذا كان يومُ الفطر كساهم ثوبًا، وأعطاهم مائةً مائةً.

 

♦ وقالت أمُّ البنين أخت عمر بن عبدالعزيز: أفٍّ للبخل، لو كان طريقًا ما سلكتُه، ولو كان ثوبًا ما لبستُه، ولو كان سِراجًا ما استضأتُ به.

 

♦ قال أبو حازم المدني: أسعدُ الناس بالخُلُق الحسن صاحبُه، نفسُه منه في راحة، ثم زوجتُه، ثم ولده، حتى إنَّ فرسه ليصهل إذا سَمِع صوته، وكلبه يُشرشر بِذَنَبِه إذا رآه، وقطَّه يدخل تحت مائدته، وإنَّ السيِّئ الخُلُق لأشقى الناس، نفسُه منه في بلاء، ثم زوجتُه، ثم ولده، ثم خدمه، وإنه ليدخل وهم في سُرور فيتفرَّقون فرقًا منه، وإنَّ دابَّتَه لتحيد عنه إذا رأتْه ممَّا ترى منه، وكلبَه ينزو على الجِدار، وقطَّه يفرُّ منه.

 

♦ قال إبراهيم بن السندي: قلتُ لرجل من أهل الكوفة مِن وجوه أهلها، كان لا يجفُّ لبدُه، ولا يستريح قلْبُه، ولا تسكن حركتُه في طلب حوائج الرِّجال، وإدخال المرافق على الضُّعفاء، وكان رجلاً مفوهًا، فقلت له: أخبرني عن الحالة التي خفَّفتْ عنك النصب، وهوَّنتْ عليك التعب في القيام بحوائجِ الناس، ما هي؟ قال: قد واللهِ سمعتُ تغريدَ الطير بالأسحار، في فروع الأشجار، وسمعتُ خفق أوتار العيدان، وترجيعَ أصوات القيان، فما طربتُ من صوت قطُّ طربي من ثناءٍ حسن، بلسان حسن، على رجل قد أحْسن، ومِن شُكْر حُرٍّ لمنعِم حُرّ، ومِن شفاعة محتسب لطالب شاكر، قال إبراهيم: فقلت له: للهِ أبوك، لقد حُشيتَ كرمًا.

لا يغتاب إبليس:

قيل لبعض البله - وكان يتورَّع من الغِيبة - ما تقول في إبليس؟ فقال: أسمع الكلام عليه كثيرًا، واللهُ أعلمُ بسريرته.



[1] السيساء فقار الظهر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العدل: فضله وأهميته
  • حصنوها بالعدل
  • أزمة القِيَم في عالمنا المعاصر
  • العدل
  • آيات عن الحكم بالعدل
  • العدل في الإسلام

مختارات من الشبكة

  • العدل بين الأبناء من أهم عوامل التربية الصحيحة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • العدل بين الزوجات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وهن العدل والمساواة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العدل بين الأولاد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص الجزاء في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لوحات جمالية: العدل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خطبة عن وجوب العدل في كل شيء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما لا يراه الشاطبي شرطا للاجتهاد (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من قضاة الإسلام: (الماوردي والتنظيم القضائي في عصره)(مقالة - موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد)
  • العدل بين الأولاد في العطية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب