• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    السكينة وسط الضجيج: تأملات شرعية في زمن الصخب ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا ...
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
  •  
    الخليل عليه السلام (12) دعوات الخليل في سورة ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    الحلقة الأولى: بداية رحلة السعادة
    الدكتور مثنى الزيدي
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حرص الصحابة رضي الله عنهم على اقتران العلم ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    مشروعية الزواج من واحدة فأكثر في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    سورة ق في خطبة الجمعة وأبرز سننها الكونية ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    التقنيات الحديثة والتحكم في المطر
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    خير الناس أنفعهم للناس (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تمويل المنشآت الوقفية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الإحسان والرحمة.. وحذر الطمع والجشع
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لبس السلاسل والأساور
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    خطبة (أم الكتاب 2)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

استعجال العذاب

استعجال العذاب
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/10/2025 ميلادي - 10/4/1447 هجري

الزيارات: 5249

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

استعجال العذاب


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَلِيمِ الرَّحِيمِ، الْعَزِيزِ الْمَجِيدِ؛ يَجْزِي الطَّائِعِينَ، وَيُمْهِلُ الْعَاصِينَ، وَيُمْلِي لِلظَّالِمِينَ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ الرَّبُّ الْمَعْبُودُ، وَالْإِلَهُ الْمَحْمُودُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ هَادِيًا وَمُرْشِدًا، وَدَاعِيًا وَمُعَلِّمًا، فَأَنَارَ بِهِ الطَّرِيقَ، وَهَدَى بِهِ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْذَرُوا نِقْمَتَهُ، وَاخْشَوْا عَذَابَهُ، وَتَوَقَّوْا سَخَطَهُ، وَاجْتَنِبُوا مَعْصِيَتَهُ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ قَدِيرٌ، وَبِأَعْمَالِهِمْ عَلِيمٌ، وَبِهِمْ مُحِيطٌ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَلَا يَرُدُّهُ أَحَدٌ عَنْ عَذَابِهِمْ، فَمَا شَاءَهُ كَانَ وَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى مَنْعِهِ لَمَا مَنَعُوهُ، يَقُولُ لِعِبَادِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ ‌لَنْ ‌تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ يَسْتَبْطِئُونَ الْعَذَابَ وَيَخَافُونَهُ، وَأَهْلُ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ يَسْتَعْجِلُونَ الْعَذَابَ وَيَطْلُبُونَهُ؛ إِمَّا تَكْذِيبًا بِهِ وَاسْتِخْفَافًا، وَإِمَّا عُجْبًا بِأَنْفُسِهِمْ وَاسْتِكْبَارًا، وَإِمَّا غَفْلَةً مِنْهُمْ وَجَهْلًا.

 

وَأَهْلُ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَاسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ، فَمَاذَا كَانَتْ عَاقِبَةُ اسْتِعْجَالِهِمْ لِلْعَذَابِ، وَاسْتِخْفَافِهِمْ بِالْوَعِيدِ، وَاسْتِكْبَارِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَتَكْذِيبِهِمُ النَّاصِحِينَ، وَاتِّبَاعِهِمُ الْمُبْطِلِينَ؟! لَقَدْ كَانَتْ عَاقِبَةً أَلِيمَةً مُهِينَةً، هَلَكُوا فِيهَا شَرَّ مَهْلِكٍ، وَعُذِّبُوا فِيهَا أَشَدَّ الْعَذَابِ، وَفَقَدُوا دُنْيَاهُمُ الَّتِي عَاشُوهَا، وَمَنَازِلَهُمُ الَّتِي عَمَّرُوهَا، وَأَمْوَالَهُمُ الَّتِي جَمَعُوهَا، وَفَقَدُوا أَهْلَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا.

 

نَصَحَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ، وَكَرَّرَ النُّصْحَ عَلَيْهِمْ، وَجَادَلَهُمْ فِي شِرْكِهِمْ وَمَعْصِيَتِهِمْ؛ حَتَّى ضَاقُوا بِدَعْوَتِهِ، وَضَجِرُوا مِنْ نُصْحِهِ، وَسَخِرُوا مِنْهُ وَمِنْ أَتْبَاعِهِ، وَاسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ وَطَلَبُوهُ؛ ﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا ‌بِمَا ‌تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [هُودٍ: 32]، وَنَتِيجَةَ اسْتِعْجَالِهِمْ لِلْعَذَابِ، وَاسْتِخْفَافِهِمْ بِهِ طُوفَانٌ عَظِيمٌ أَغْرَقَهُمْ جَمِيعًا؛ ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 14].

 

وَاسْتَخَفَّتْ عَادٌ بِالْعَذَابِ وَاسْتَعْجَلُوهُ، وَنَصَحَ لَهُمْ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يَقْبَلُوا نُصْحَهُ، وَلَمْ يَتَّبِعُوا دَعْوَتَهُ؛ ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا ‌تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 70]، فَحَلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ فَأَفْنَاهُمْ، وَقَطَعَ دَابِرَهُمْ؛ ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ‌الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 41-42].

 

وَعَانَدَتْ ثَمُودُ نَبِيَّهُمْ صَالِحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَطَلَبُوا آيَةً عَلَى صِدْقِهِ، فَأَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ نَاقَةً مِنَ الْجَبَلِ، فَكَذَّبُوا بِالْآيَةِ، وَنَحَرُوا النَّاقَةَ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ صَالِحٌ مِنَ الْحَقِّ، وَاسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ؛ ﴿ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا ‌تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 77-78].

 

وَدَعَا لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمُجَانَبَةِ الْفَوَاحِشِ الَّتِي عُرِفُوا بِهَا؛ فَرَدُّوا دَعْوَتَهُ، وَاسْتَخَفُّوا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَهَدَّدُوهُ وَمَنْ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ؛ ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 29]، وَكَانَتْ نَتِيجَةُ اسْتِخْفَافِهِمْ بِالْعَذَابِ وَاسْتِعْجَالِهِ مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا حَلَّ بِهِمْ؛ ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هُودٍ: 82-83].

 

وَمَا وَقَعَ مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ وَعُصَاتِهَا مِنَ اسْتِعْجَالِ الْعَذَابِ وَقَعَ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ وَعُصَاتِهَا، فَسَخِرُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدُّوا دَعْوَتَهُ، وَأَصَرُّوا عَلَى شِرْكِهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ، وَاسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ، وَوُعِظُوا بِآيَاتِ الْقُرْآنِ فَلَمْ يَتَّعِظُوا، وَذُكِّرُوا بِعَذَابِ السَّابِقِينَ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا، وَحَكَى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ ‌الْمَثُلَاتُ ﴾، قَالَ الْبَغَوِيُّ: «وَذَلِكَ أَنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ كَانُوا يَطْلُبُونَ الْعُقُوبَةَ بَدَلًا مِنَ الْعَافِيَةِ اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ... ﴿ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ ‌الْمَثُلَاتُ ﴾ [الرَّعْدِ: 6]؛ أَيْ: مَضَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ فِي الْأُمَمِ الَّتِي عَصَتْ رَبَّهَا وَكَذَّبَتْ رُسُلَهَا الْعُقُوبَاتُ».

 

وَمِنْ إِمْعَانِ الْمُشْرِكِينَ فِي الضَّلَالِ، وَاسْتِخْفَافِهِمْ بِالْعَذَابِ، أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ صَرَاحَةً عَذَابَ الدُّنْيَا قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ؛ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ ‌وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 53]، وَهَذَا الْأَجَلُ الْمُسَمَّى هُوَ: «مُدَّةُ أَعْمَارِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا مَاتُوا صَارُوا إِلَى الْعَذَابِ»، أَوْ عَذَابُهُمْ فُرَادَى فِي الدُّنْيَا؛ كَمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ يَوْمَ بَدْرٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفَعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْعَذَابَ الْمُسْتَأْصِلَ لَهَا جَمِيعًا؛ كَمَا وَقَعَ لِقَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَشُعَيْبٍ وَفِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «مَا وَعَدْتُكَ أَنِّي لَا أُعَذِّبُ قَوْمَكَ وَلَا أَسْتَأْصِلُهُمْ، وَأُؤَخِّرُ عَذَابَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ: ﴿ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ﴾ [الْقَمَرِ-46]؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ: ﴿ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 53-55].

 

وَفِي آيَةٍ أُخْرَى أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنِ اسْتِخْفَافِهِمْ بِالْعَذَابِ، وَاسْتِعْجَالِهِمْ لَهُ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا ‌قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 16]؛ أَيْ: عَجِّلْ عِقَابَنَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ تَكْذِيبًا بِهِ، وَاسْتِبْعَادًا لَهُ.

 

نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ، وَنَسْأَلُهُ الِاسْتِقَامَةَ عَلَى أَمْرِهِ، وَالثَّبَاتَ عَلَى دِينِهِ إِلَى الْمَمَاتِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 123].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كُلُّ الَّذِينَ اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَتَكْذِيبًا لَهُ؛ عُذِّبُوا أَشَدَّ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ؛ فَإِنَّهُ اسْتَعْجَلَ الْعَذَابَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ‌فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَنَزَلَتْ: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 34]، الْآيَةَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يُؤَاخِذِ الْأُمَّةَ كُلَّهَا بِدَعْوَةِ أَبِي جَهْلٍ؛ فَخَصَّهُ بِالْعَذَابِ، وَقُتِلَ شَرَّ قِتْلَةٍ يَوْمَ بَدْرٍ، قَتَلَهُ غُلَامَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ؛ إِذْلَالًا لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ إِذْ لَمْ يَقْتُلْهُ مَنْ هُوَ مُكَافِئٌ لَهُ فِي الْعُمْرِ وَالْقُوَّةِ وَشِدَّةِ الْبَأْسِ، وَأُلْقِيَتْ جُثَّتُهُ فِي قَلِيبٍ فِي بَدْرٍ.

 

وَاسْتَعْجَلَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْعَذَابَ، وَدَعَا بِدَعْوَةِ أَبِي جَهْلٍ، وَفِيهِ نَزَلَتْ: ﴿ سَأَلَ ‌سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ [الْمَعَارِجِ: 1-2]، «وَالسُّؤَالُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ؛ أَيْ: دَعَا دَاعٍ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ»، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَذَا السَّائِلَ هُوَ ‌النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا ‌هُوَ ‌الْحَقَّ ‌مِنْ ‌عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: «لَقَدْ نَزَلَ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بِضْعَ عَشْرَةَ آيَةً فَحَاقَ بِهِ مَا سَأَلَ مِنَ الْعَذَابِ يَوْمَ بَدْرٍ»؛ إِذْ كَانَ مِنَ الْأَسْرَى، وَقُتِلَ فِي الطَّرِيقِ بَيْنَ بَدْرٍ وَالْمَدِينَةِ، وَهَذَا جَزَاءُ مَنِ اسْتَعْجَلَ عَذَابَ اللَّهِ تَعَالَى.

 

وَالْمُؤْمِنُ الْحَقُّ هُوَ مَنْ يَخَافُ عَذَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُشْفِقُ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُعَذَّبَ عَلَى ذُنُوبِهِ؛ ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * ‌يَسْتَعْجِلُ ‌بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [الشُّورَى: 17-18]، وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ بَادَرَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَمَحْوِ أَثَرِهَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ ‌يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هُودٍ: 114]، وَإِذَا ظَلَمَ غَيْرَهُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَزَالَ آثَارَ الظُّلْمِ، وَأَرْضَى الْمَظْلُومَ؛ لِئَلَّا يَدْعُوَ عَلَيْهِ؛ فَتَنْزِلَ بِهِ الْعُقُوبَةُ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ، وَيُوقِنَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِعَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْلَا عَفْوُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتُهُ وَسَتْرُهُ وَمَغْفِرَتُهُ، وَلَا يَغْتَرَّ بِعَمَلِهِ مَهْمَا كَانَ كَثِيرًا؛ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَكْبَرُ، وَنِعَمَهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ، وَلَوْ حُوسِبَ عَلَيْهَا لَهَلَكَ؛ ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ ‌يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ﴾ [الْكَهْفِ: 58].

 

وَصَلُوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • استعجال العذاب

مختارات من الشبكة

  • فخ استعجال النتائج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب العذاب(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • تفسير: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العجلة المذمومة في الصلاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آفة الاستعجال وأثرها في تأخر النصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • استعجال إجابة الدعاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آفة الاستعجال(محاضرة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • نصيحة حول الاستعجال في الطلاق(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • آفة الاستعجال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النصر بين استعجال البشر وتأخير القدر ( ملف صوتي )(محاضرة - موقع ثلاثية الأمير أحمد بن بندر السديري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/5/1447هـ - الساعة: 17:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب