• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الخشية من الله تعالى (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    استراتيجيات تحقيق الهدف الأول لتدريس المفاهيم ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    ما حدود العلاقة بين الخاطب ومخطوبته؟
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة آيات ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    العناية بالشَّعر في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    قسوة القلب (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    التمهيد للدرس (عرض تقديمي)
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    أسباب النجاة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    حديث: دخل رمضان فخفت أن أُصيب امرأتي، فظاهرت منها
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطر الشائعات.. ونقلتها
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    المرأة والاستهلاك: رؤية اقتصادية
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    البشرة الجافة والتشققات الجلدية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    مرتبة الراسخون في العلم في القرآن
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    خطبة (النت والاختبارات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    إطلالة على أنوار من النبوة
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم / مقالات
علامة باركود

خطبة آثار قسوة القلب (خطبة)

خطبة آثار قسوة القلب (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/2/2021 ميلادي - 28/6/1442 هجري

الزيارات: 90835

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خُطبة آثار قسوة القلب

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِيْ امتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِنَبيِّهِ الْمُرسَلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، حَتَّى اتَّسَعَ عَلَى أهلِ الأفكارِ طَرِيقُ الاعْتِبَارِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقَصَصِ وَالأَخْبَارِ، وَاتَّضَحَ بِهِ سُلُوكُ الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ بِمَا فَصَّلَ فِيهِ مِنَ الأَحْكَامِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ؛ فَهُوَ الضِّيَاءُ وَالنُّورُ، وَبِهِ النَّجَاةُ مِنَ الْغُرُورِ، وَفِيهِ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ.

 

أمَّا بَعْدُ:

فإنَّ طُولَ الأَمَلِ أَصْلُ الْمَعَاصِي، وإنَّ القَلبَ إذا قسَا حَمَلَ صَاحِبَهُ عَلَى مَراكِبِ الْهَوَى؛ فيَظْلِمُ ويَبْخَلُ، ويَطْغَى ويَبغِي.

 

وفي الْحَديثِ: « إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّهُ دَعَا مَنْ قَبْلَكُمْ فَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ، وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَقَطَّعُوا أَرْحَامَهُمْ». رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ والبخاري في " الأدبِ الْمُفْرَد ".

 

وفي الحديثِ الآخَرِ: « إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ، فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَبِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَبِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا»؛ رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داود.

 

وإذا قَسَا؛ فلا تَسْألْ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ غِيابِ الرَّحْمَةِ؛ فَلا يَرْحَمُ صَغِيرا، وَلا يَحْتَرِمُ كَبيرا، ولا يُوقّرُ شَيْخًا كبيرا.

 

لا يَرْعَوي لِعقْلٍ، وَلا يَلْتفِتُ إلى مَوْعِظَةٍ، وَلا يَرْجِعُ عَنْ غَيٍّ؛ فَيَأكُلُ مَالَ غَيرِهِ، ويَظْلِمُ - رُبَّمَا - أَقْرَبَ النَّاسِ إليهِ.


وَرُبْمَا أَضَرَّ بِغيرِهِ غَيْرَ مُبَالٍ بمشاعِرِ الآخَرِينَ

لا يَحْسِبُ حِسَابَ يومِ الدِّينِ.

يُحبُّ الانتقامَ والتَّشفّي حتى يُفرِّقَ بيْنَ الأمِّ وابْنِهَا بقصد الْمُضارَّة.

 

قَبْلَ أيامٍ يَشْكو رَجُلٌ جَاوزَ الثمانينَ مِنْ تَصرُّفِ زوجِ ابنتِهِ الذي انتَزَعَ صَبِيًّا عُمُرُهُ خَمْسَةُ أيامٍ مِنْ حُضْنِ أمِّهِ وَحَضَانَتِهَا.


وأَمْثِلَةُ هَذَا كَثَيرَةٌ. حَتَّى يَقولَ بَعضُهُمْ: أريدُ أنْ أَحْرِقَ قَلْبَ أمِّه، وَنَحوَ هَذَهَ العِبَارَةِ.

كلُّ ذَلِكَ رَغْبَةً في الانتقامِ، وحُبًّا في التَّشَفِّي.

أيْنَ هُذا مِنْ هَدْيِ الإسلامِ ورَحْمَتِهِ؟؟

فَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنِ التَّفْريقِ بينَ الْمَرْأةِ وأولادِهَا في حَالِ السَّبْيِ.

 

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رَوَاهُ الإمامُ أحمَدُ والترْمِذِيُّ. وَحَسَّنَهُ الألبَانيُّ والأرنؤوطُ.

 

وفي روايةِ الدَّارميِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ كَانَ فِي جَيْشٍ فَفُرِّقَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ، فَرَآهُمْ يَبْكُونَ، فَجَعَلَ يَرُدُّ الصَّبِيَّ إِلَى أُمِّهِ، وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَحِبَّاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

 

فَإذَا حُرِّمَ التَّفريقُ بينَ المرأةِ وولَدِهَا في حَالِ السَّبْيِ وأعقابِ الْحَرَبِ، فَكَيْفَ بِالتفريقِ بينَ الأمِّ وولدِها بِقَصدِ المضارَّةِ بِهَا؟

 

أيُّها الْمؤمنونَ:

لِقسوةِ القَلْبِ آثارٌ، مِنْهَا:

أنْ لا يتوجّعَ الْمسلِمُ لِجراحاتِ الْمُسلمينَ، وَلا تُؤلِمَهُ الْمَصائبُ وأنهارُ الدِّماءِ.

 

بَلْ رُبْمَا كانَتْ آلامُهُ على الدُّنيا، وفَرَحُهُ وَبُكَاؤه عَلَى تفاهَاتِ الأمورِ؛ فَيَبْكِي لِهَزيمةِ فريقِهِ، ويَفرَحُ ويَشتدُّ بِهِ الفَرَحُ لفَوْزِ فَريقِهِ، وَرُبْمَا أقَامَ الْمَوائدَ بِالْمَبَالِغِ الطائلَةِ لأجْلِ ذلِكَ الفَرَحِ!

 

فَلا يَهتَمُّ إلاَّ لِتوافِهِ الأمورِ.

وفي الأَثَرِ: مَنْ لا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ.

 

قَالَ شيخُنَا الشيخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: ومَعناهُ: أنَّ الذي لا يَهْتَمُّ بِأمورِ الْمسلمينَ بالنَّظَرِ إلى مَصْلَحتِهِمْ، والدِّفَاعِ عَنْهُمْ إذا حَصَلَ عَلَيْهِمْ خَطَرٌ، وَنَصْرِ المظلومِ، وَرَدْعِ الظالِمِ، وَمُساعَدَتِهِمْ عَلَى عدوِّهِمْ، ومواسَاةِ فقيرِهِمْ، إلى غَيْرِ هَذَا مِنْ شئونِهِمْ مَعَنَاهُ أنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَهَذَا لَوْ صَحَّ مِنْ بَابِ الوَعيدِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أنَّهُ يَكونُ كَافِرًا، لَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الوعيدِ والتَّحذيرِ، والْحَثِّ عَلَى التَّراحُمِ بَيْنَ الْمُسلمينَ، والتعاونِ فِيمَا بينَهُمْ. اهـ.

 

وَرُبْمَا بَلَغَتْ قسوةُ القَلْبِ بِصَاحِبِهِ: أن يُواليَ ويُعاديَ عَلَى تفاهاتِ الأمورِ، بَلْ رُبْمَا تَمَنّى الْخَيْرَ للكُفَّارِ دُونَ الْمُسلمِينَ.

 

قَالَ شيخُنَا العثيمينُ رَحِمَهُ اللهُ: الإنسانُ الذي لا يَودُّ الْخَيْرَ للمسلِمينَ فِيهِ شَبَهٌ باليهودِ والنَّصَارَى؛ لأنَّ مَنْ لَمْ يَهتَمَّ بِأمْرِ المسلمينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ. اهـ.

 

ومِنْ آثارِ قسوةِ القَلْبِ: أنْ لا يتمعَّرَ وَجْهُ الإنسانِ عِنْدَ رؤيةِ الْمُنكراتِ.

 

رَوى سُفيانُ بنُ عيينةَ عَنْ سُفيانَ بنِ سَعيدٍ عَنْ مِسْعَرٍ قَالَ: بَلَغَنِي أنَّ مَلَكًا أُمِرَ أنْ يَخْسِفَ بِقَرْيَةٍ، فقَالَ: يا رَبُّ فِيهَا فُلانٌ العَابِدُ، فأوْحَى اللهُ تَعَالَى إليهِ: أنْ بِهِ فَابْدَأْ فإنَّهُ لَم يَتَمَعَّرْ وَجْهُهُ فيَّ سَاعَةً قَطُّ.

 

وقَالَ مالِكُ بنُ دينارٍ: إنَّ اللهَ عزَّ وَجَلَّ أمَرَ بِقَرْيَةٍ أنْ تُعَذَّبَ، فَضَجَّتِ الْمَلائكَةُ، قَالَتْ: إنَّ فِيهِمْ عَبدَكَ فُلانا. قَالَ: أسْمِعُونِي ضَجِيجَهُ، فإنَّ وَجْهَهُ لَم يَتَمَعَّرْ غَضَبًا لِمَحَارِمِي.

 

ومِنْ آثارِ قَسْوَةِ القَلْبِ والطَّمْسِ عَلَيْهِ: أنْ يَفْرَحَ الإنسانُ بِالْمَعصيَةِ.

 

قَالَ ابنُ القيِّمِ: الْفَرَحُ بِالْمَعْصِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا، وَالْجَهْلِ بِقَدْرِ مَنْ عَصَاهُ، وَالْجَهْلِ بِسُوءِ عَاقِبَتِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا، فَفَرَحُهُ بِهَا غَطَّى عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَفَرَحُهُ بِهَا أَشَدُّ ضَرَرًا عَلَيْهِ مِنْ مُوَاقَعَتِهَا، وَالْمُؤْمِنُ لا تَتِمُّ لَهُ لَذَّةٌ بِمَعْصِيَةٍ أَبَدًا، وَلا يَكْمُلُ بِهَا فَرَحُهُ، بَلْ لا يُبَاشِرُهَا إِلاّ وَالْحُزْنُ مُخَالِطٌ لِقَلْبِهِ، وَلَكِنَّ سُكْرَ الشَّهْوَةِ يَحْجُبُهُ عَنِ الشُّعُورِ بِهِ، وَمَتَى خَلَّى قَلْبُهُ مِنْ هَذَا الْحُزْنِ، وَاشْتَدَّتْ غِبْطَتُهُ وَسُرُورُهُ فَلْيَتَّهِمْ إِيمَانَهُ، وَلْيَبْكِ عَلَى مَوْتِ قَلْبِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لأَحْزَنَهُ ارْتِكَابُهُ لِلذَّنْبِ، وَغَاظَهُ وَصَعُبَ عَلَيْهِ، وَلا يُحِسُّ الْقَلْبُ بِذَلِكَ، فَحَيْثُ لَمْ يُحِسَّ بِهِ فَمَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلامٌ.

 

وَهَذِهِ النُّكْتَةُ فِي الذَّنْبِ قَلَّ مَنْ يَهْتَدِي إِلَيْهَا أَوْ يَنْتَبِهُ لَهَا، وَهِيَ مَوْضِعٌ مَخُوفٌ جِدًّا، مُتَرَامٍ إِلَى هَلاكٍ إِنْ لَمْ يُتَدَارَكْ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: خَوْفٍ مِنَ الْمُوَافَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَنَدَمٍ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنَ اللَّهِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، وَتَشْمِيرٍ لِلْجِدِّ فِي اسْتِدْرَاكِهِ. اهـ.

 

وفَرْقٌ بيْنَ أنْ يَتَلَذَّذَ الإنسانُ بِالْمَعصيةِ فِي لَحْظَةِ ضَعْفِهِ، وبَيْنَ أنْ يَفْرَحَ بِارتِكَابِ الْمَعصيَةِ لِكونِهَا مَعْصَيَة.

 

ومِنْ آثارِ قَسْوَةِ القلْبِ: أنْ يُجاهِرَ الإنسانُ بِالمعصيَةِ؛ فَلا يَكتفِيْ أنَّهُ ارتَكَبَ الْمَعصيَةَ، وَلا أنَّهُ استهانَ بِنَظرِ اللهِ إليهِ. بَلْ يُجاهِرُ بِهَا ويرويهَا بَعَدْ أنْ سَتَرَهُ اللهُ.

 

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ. رَوَاهُ البخاريُّ ومُسْلِمٌ.

 

وَمِنْ آثارِ قَسْوَةِ الْقَلْبِ: أنْ لا يَتَأَلّمَ القلْبُ للتفريطِ والتَّقْصِيرِ في الطَّاعَاتِ. فَضْلا عَنْ أَنْ يَتَأَلّمَ لِفواتِ مَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ وَلِذَلِكَ جَاءَ في وَصْفِ الْمُؤمنينَ البَكّائينَ: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92].

 

قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَهَاوَنُ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى، فَاغْسِلْ يَدَكَ مِنْهُ. أيْ: إذَا كَانَ يَتهاونُ في إدراكِ تَكْبيرَةِ الإحرَامِ.

 

قَالَ أبو القَاسِمِ البَغَويُّ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ القَوَارِيْرِيَّ يَقُوْلُ:

لَمْ تَكُنْ تَكَادُ تَفُوتُنِي صَلاَةُ العَتَمَةِ فِي جَمَاعَةٍ، فَنَزَلَ بِي ضَيْفٌ، فَشُغِلْتُ بِهِ، فَخَرَجتُ أَطْلُبُ الصَّلاَةَ فِي قَبَائِلِ البَصْرَةِ، فَإِذَا النَّاسُ قَدْ صَلَّوْا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: صَلاَةُ الجَمِيْعِ تَفْضُلُ عَلَى صَلاَةِ الفَذِّ سَبْعا وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةً.

 

فَانْقَلَبْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَصَلَّيْتُ العَتَمَةَ سَبْعا وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً، ثُمَّ رَقَدتُ، فَرَأَيْتُنِي مَعَ قَوْمٍ رَاكِبِي أَفْرَاسٍ وَأَنَا رَاكِبٌ، وَنَحْنُ نَتَجَارَى وَأَفرَاسُهُم تَسبِقُ فَرَسِي، فَجَعَلتُ أَضرِبُه لأَلحَقَهُم، فَالتَفَتَ إِلَيَّ آخِرُهُم، فَقَالَ: لاَ تُجْهِدْ فَرَسَكَ، فَلَسْتَ بِلاَحِقِنَا.

قَالَ: فَقُلْتُ: وَلِمَ؟

قَالَ: لأَنَّا صَلَّيْنَا العَتَمَةَ فِي جَمَاعَةٍ.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ذي الجلال والإكرام، مسْبِغِ النِّعمِ على الدوام. وهُوَ أَهْلٌ أَنْ يُجَلَّ فَلا يُعْصَى، وأن يُذْكَرَ فلا يُنْسَى.

والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ خيرِ الأنام، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ البررةِ الكِرام.

 

أما بعد:

فإن مِنْ آثارِ قَسْوَةِ الْقَلْبِ: أن لا يَخَافَ العبدُ ذُنُوبَهُ، ولا يَستعدَّ لِمَا أمَامَهُ.

 

قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: كَلِمَاتٌ لَوْ رَكِبْتُمُ الإبلَ فِي طَلَبِهِنَّ لأَنْضَيْتُمُوهُنَّ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكُوا مِثْلَهُنَّ: لاَ يَرْجُو عَبْدٌ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَخَافُ إِلاَّ ذَنْبَهُ، وَلاَ يَسْتَحْيِي مَنْ لاَ يَعْلَمُ أَنْ يَتَعَلَّمَ، وَلاَ يَسْتَحْيِي عَالِمٌ إذَا سُئِلَ عَمَّا لاَ يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْزِلَةَ الصَّبْرِ مِنَ الإِيمَانِ كَمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، فَإِذَا ذَهَبَ الرَّأْسُ ذَهَبَ الْجَسَدُ، وَإِذَا ذَهَبَ الصَّبْرُ ذَهَبَ الإِيمَانُ.

 

وقَالَ ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا رَوَاهُ البخاريُّ.

 

وقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: يَنْبَغِي لِمَنْ لَمْ يَحْزَنْ أَنْ يَخَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ لأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ قَالَوا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ). وَيَنْبَغِي لِمَنْ لَمْ يُشْفِقْ أَنْ يَخَافَ أَنْ لا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ لأَنَّهُمْ قَالَوا: (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ).

 

ومِنْ آثارِ قَسْوَةِ القَلْبِ: قَحْطُ الْعَيْنِ وقِلّةُ الدَّمْعِ، فَإذَا قَسَا الْقَلْبُ جَفَّتِ الْمَآقي، وإذا رَقَّ القَلْبُ فَاضَتِ العيونُ.

 

قال ابنُ القيم: ومَتى أقْحَطتِ العينُ مِن البكاءِ مِن خشيةِ اللهِ تعالى فاعلم أن قَحْطَها مِن قَسوةِ القَلب. اهـ.

 

وَلَوْ أَنّ عَيْنًا سَاعَدتْ لتوَكّفَتْ
سَحَائِبُهَا بالدَّمْعِ دِيمًا وهُطَّلا
ولكِنَّها عنْ قَسْوةِ القلبِ قحْطُها
فيا ضَيْعةَ الأعمارِ تَمْشِي سَبهللا

 

أيها الكرام:

مَعْرِفَةُ الحقِّ واتِّبَاعُهُ سَبَبٌ لِرقّةِ القَلْبِ، فَفِي أخبَارِ مُؤمِني أهلِ الكتابِ: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة: 83].

 

أيُّها الْمؤمِنونَ:

عَلَى المؤمِنِ أنْ يَتَفَقَدَّ قَلْبَهُ، وأَنْ يَتَّهِمَ نَفْسَهُ

 

رُوِي أنَّ وَفَدًا مِنْ نَجْرَانَ قدِمَ عَلَى أبي بكرٍ الصِّديقِ في شَيءٍ مِنْ أمورِهِمْ، فَأَمَرَ مَنْ يَقرأُ القرآنَ بِحَضْرَتِهِمْ، فَبَكُوا بكاءً شَديدًا فقَالَ أبو بكْرٍ: هَكَذَا كُنَّا وَلَكِنْ قستِ القلوبُ.

 

هذا وأبو بكْرٍ الذيْ قِيلَ عَنْهُ: وَكَانَ لا يَمْلِكُ دَمْعَةً حِينَ يَقْرَأُ القرآنَ.

 

والذيْ قِيلَ عَنْهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ – يا رسولَ اللهِ - لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. كَمَا في الصحيحينِ.

 

وفي رِوَايةٍ: إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكي، فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ.

والأسيفُ: هُوَ سريعُ البُكاءِ والْحُزْنِ. وقِيلَ: هُوَ الرَّقيقُ القَلْبِ.

 

وعاتَبَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى أصحابَ نبيِّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].

 

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلاَمِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الآيَةِ: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) إِلاَّ أَرْبَعُ سِنِينَ. رَوَاهُ مسلمٌ.

 

أيها المؤمنون:

الخطايا تُؤثِّرُ حتى في الْحَجَرِ الأصَمّ.

 

وفي الحديثِ عندَ الترمذيّ: نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ.

 

قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: فِي بَقَائِهِ أَسْوَدَ عِبْرَةٌ لِمَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ، فَإِنَّ الْخَطَايَا إِذَا أَثَّرَتْ فِي الْحَجَرِ الصَّلْدِ، فَتَأْثِيرُهَا فِي الْقَلْبِ أَشَدُّ.

 

اللهم أصلح فساد قلوبنا. ونعوذ بك اللهم مِن قلب لا يخشع، ومِن عينٍ لا تدْمَع.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قسوة القلب: مظاهره، أسبابه، وعلاجه
  • ذم قسوة القلب
  • علاج قسوة القلب
  • قسوة القلب (خطبة)‏
  • قسوة القلب: أسبابها وعلاجها
  • ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب
  • قسوة القلب (خطبة) (باللغة الأردية)
  • قسوة القلب (1)

مختارات من الشبكة

  • خطبة الملائكة(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • السياسة النبوية في اكتشاف القدرات وتنمية المهارات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • توبة الأمة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هوس الشهرة عند الشباب والفتيات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخشية من الله تعالى (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • العولمة وتشويه الغيب في وعي المسلم المعاصر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع الذكاء الاصطناعي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تقنية الذكاء بين الهدم والبناء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: مفهوم الرذيلة عند الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (27) «البر حسن الخلق» (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/2/1447هـ - الساعة: 12:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب