• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    قراءات اقتصادية (65) رأس المال في القرن الحادي ...
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    التعامل مع شهوة المريض للطعام والشراب
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    وفد النصارى.. وصدق المحبة..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    خطبة (النسك وواجباته)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    سطور منسية.. من يكتب تاريخ الأسر وكيف يخلد؟ ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الاستشراق ووسائل صناعة الكراهية: صهينة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الرؤى والأحلام (1) أنواع الناس في الرؤى
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    قراءات اقتصادية (64) الاقتصاد المؤسسي
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    التقادم في القضايا المدنية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    قصة التوكل والمتوكلين (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تنافس الصحابة - رضي الله عنهم - في حفظ القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أساليب الصليبية للغزو الفكري ومناهجنا التعليمية
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    أوقات النهي عن الصلاة (درس 1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    قاعدة للحياة الطيبة (ادفع بالتي هي أحسن)
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
  •  
    مناهجنا التعليمية وبيان بعض القوى المؤثرة في ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

النعم الدائمة والنعم المتجددة (خطبة)‏

النعم الدائمة والنعم المتجددة (خطبة)‏
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/1/2019 ميلادي - 24/5/1440 هجري

الزيارات: 57104

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التذكير بالنعم المألوفة (1)

النعم الدائمة والنعم المتجددة


﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 1 - 3]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَكَفَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ مَا عَرَفَهُ الْعِبَادُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَلَمْ يَقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ؛ فَكَفَرَ بِهِ مَنْ كَفَرَ، وَعَصَاهُ مَنْ عَصَى، وَقَصَّرَ فِي طَاعَتِهِ مَنْ قَصَّرَ، وَلَوْ عَرَفُوا عَظَمَتَهُ سُبْحَانَهُ لَمُلِئَتْ قُلُوبُهُمْ؛ هَيْبَةً لَهُ وَإِجْلَالًا وَمَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا، وَلَوْ عَلِمُوا قُدْرَتَهُ سُبْحَانَهُ لَمَا تَعَلَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَدْرَكُوا جَزَاءَهُ لَنُصِبَتْ أَرْكَانُهُمْ فِي طَاعَتِهِ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَرْحَمُ بِالْعِبَادِ مِنْ رَحْمَةِ وَالِدِيهِمْ بِهِمْ، وَأَرْحَمُ بِهِمْ مَنْ رَحْمَتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ كَثِيرَ التَّفَكُّرِ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ وَآلَائِهِ وَنِعْمَتِهِ، فَقَادَهُ ذَلِكَ إِلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ، وَأَوْصَى أُمَّتَهُ بِذَلِكَ التَّفَكُّرِ لِيَقُودَهُمْ إِلَى الْجِدِّ فِي الطَّاعَةِ، وَمُجَانَبَةِ الْمَعْصِيَةِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ؛ فَإِنَّ شُكْرَهَا يَزِيدُهَا، كَمَا أَنَّ كُفْرَهَا يَسْلُبُهَا ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 7].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

مِنَ الْخِذْلَانِ لِلْعَبْدِ نِسْيَانُهُ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ جَحْدِهَا، أَوْ بِسَبَبِ إِلْفِهَا وَاعْتِيَادِهَا. وَمِنَ التَّوْفِيقِ لَهُ فِي الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ تَذَكُّرُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ وَأَحْوَالِهِ، وَتَذْكِيرُ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ بِهَا، فِي عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ، وَفِي فَرَحِهِ وَتَرَحِهِ، وَفِي فَرَاغِهِ وَشُغْلِهِ، وَفِي شَبَابِهِ وَكُهُولَتِهِ وَهَرَمِهِ؛ فَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى تُحِيطُ بِالْعَبْدِ فِي كُلِّ مَرَاحِلِ عُمْرِهِ، وَإِنَّ تَذَكُّرَهَا يَقُودُ إِلَى شُكْرِهَا، فَتَزْدَادُ النِّعَمُ بِالشُّكْرِ. كَمَا أَنَّ تَذَكُّرَهَا يُهَوِّنُ عَلَى الْعَبْدِ حَسْرَةَ مَا يَفُوتُهُ مِنْ أَمْرٍ يُؤَمِّلُهُ، وَيُخَفِّفُ عَنْهُ مَا يُصِيبُهُ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنْيَا وَأَوْصَابِهَا وَأَكْدَارِهَا. فَإِذَا نَظَرَ إِلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْخَيْرِ فِيمَا مَضَى، مَعَ نَظَرِهِ إِلَى مَنْ حُرِمَ مِنْ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ أَقْرَانِهِ أَيْقَنَ أَنَّ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ؛ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَةً. كَمَا أَنَّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مُصَابٍ أَعْظَمَ مِنْ مُصَابِهِ هَانَ عَلَيْهِ مُصَابُهُ، وَبِهَذَا يَعِيشُ قَرِيرَ الْعَيْنِ، يَتَقَلَّبُ بَيْنَ الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ تَقَلُّبَهُ بَيْنَ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَقَلْبُهُ مَمْلُوءٌ بِالرِّضَا عَنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ.

 

وَلَا آفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ أَشَدُّ مِنْ نِسْيَانِ النِّعَمِ، فَيَنْسَى الْعَبْدُ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ الْمَاضِيَةَ وَالْحَاضِرَةَ، وَيَضِيقُ بَصَرُهُ وَعَقْلُهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا فَاتَهُ مِنْ شَيْءٍ قَلِيلٍ يَطْلُبُهُ، أَوْ مَا أَصَابَهُ مِنْ ضَرَّاءَ تُزْعِجُهُ. بَلْ يَصِلُ النِّسْيَانُ بِالْعَبْدِ إِلَى حَدِّ أَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ النِّعَمَ الْمَاضِيَةَ وَالْحَاضِرَةَ هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ، لَيْسَ لِشَيْءٍ إِلَّا لِأَنَّهَا أُغْدِقَتْ عَلَيْهِ. وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ نَالَهَا الْعَبْدُ فَهِيَ مِنْ مَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا العَبْدُ لَوْلَا رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، وَعَفْوُهُ عَنْ ظُلْمِهِ وَعِصْيَانِهِ، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا وَاضِحَةٌ بَيِّنَةٌ: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ﴾ [الْكَهْفِ: 58]، ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [النَّحْلِ: 61]. وَلَمَّا أُصِيبَ الصَّحَابَةُ فِي أُحُدٍ بِجِرَاحِهِمْ وَقُتِلَ أَحِبَّتُهُمْ خَاطَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مُذَكِّرًا إِيَّاهُمْ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِالِانْتِصَارِ فِي بَدْرٍ فَكَانَ ذَلِكَ مُخَفِّفًا لِمُصَابِهِمْ، مُذَكِّرًا لَهُمْ بِشُكْرِ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 165].

 

وَكُفَّارُ مَكَّةَ لَمَّا أَلِفُوا نِعَمَ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ لَمْ يَنْظُرُوا إِلَيْهَا فَيَشْكُرُوهَا، بَلْ ظَنُّوا أَنَّهَا نِعَمٌ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُمْ، فَأَدَّى بِهِمْ ظَنُّهُمْ هَذَا إِلَى كُفْرِهَا، وَقَدْ ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِيْلَافِهِمْ لِلنِّعَمِ ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قُرَيْشٍ: 1 - 4]. فَأَلِفَتْ قُرَيْشٌ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ لِجَلْبِ الْبَضَائِعِ إِلَى مَكَّةَ، كَمَا أَلِفَتْ رِحْلَةَ الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ لِلْغَرَضِ ذَاتِهِ. وَنَسِيَتْ أَنَّ هِدَايَتَهُمْ لِهَاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ وَتَيْسِيرَهَا وَحِفْظَهَا هُوَ مَحْضُ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ قَوَافِلَهُمُ التِّجَارِيَّةَ تَنْجُو مِنَ السَّطْوِ عَلَيْهَا وَاخْتِلَاسِهَا. لَكِنَّ إِلْفَهُمْ لَهَا أَنْسَاهُمْ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِهَا؛ وَلِذَا لَمَّا ذَكَّرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِهَاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ، أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. كَمَا ذَكَّرَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ أَمْرِهِمْ بِعِبَادَتِهِ «بِأَنَّهُ أَمَّنَهُمْ مِنَ الْمَجَاعَاتِ، وَأَمَّنَهُمْ مِنَ الْمَخَاوِفِ؛ لِمَا وَقَرَ فِي نُفُوسِ الْعَرَبِ مِنْ حُرْمَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ سُكَّانُ الْحَرَمِ وَعُمَّارُ الْكَعْبَةِ. وَبِمَا أَلْهَمَ النَّاسَ مِنْ جَلْبِ الْمِيرَةِ إِلَيْهِمْ مِنَ الْآفَاقِ الْمُجَاوِرَةِ كَبِلَادِ الْحَبَشَةِ. وَرَدَّ الْقَبَائِلَ فَلَا يُغِيرُ عَلَى بَلَدِهِمْ أَحَدٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 67]، فَأَكْسَبَهُمْ ذَلِكَ مَهَابَةً فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَعَطْفًا مِنْهُمْ». وَهَذَا التَّذْكِيرُ الرَّبَّانِيُّ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ بِمَا أَلِفُوا مِنَ النِّعَمِ يَجِبُ عَلَيْنَا -وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَتَمُرُّ بِنَا سُورَةُ قُرَيْشٍ كَثِيرًا - أَنْ نَتَأَمَّلَ فِيمَا أَلِفْنَاهُ مِنْ نِعَمٍ؛ لِئَلَّا نَظُنَّ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لَنَا بِإِلْفِنَا إِيَّاهَا؛ وَلِكَيْ نَتَذَكَّرَهَا فَنُؤَدِّيَ شُكْرَهَا.

 

وَالنِّعَمُ الْمَأْلُوفَةُ لِلْعَبْدِ لَا تَكَادُ تُحْصَى، وَمِنْهَا مَا هُوَ دَائِمٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَجَدِّدٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَالْعَبْدُ -فِي الْغَالِبِ- لَا يَتَذَكَّرُ مِنَ النِّعَمِ إِلَّا مَا هُوَ حَادِثٌ دُونَ مَا هُوَ دَائِمٌ مُتَجَدِّدٌ.

 

وَمِنَ النِّعَمِ الدَّائِمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ: نِعْمَةُ الْخَلْقِ، وَنِعْمَةُ تَسْخِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَنِعْمَةُ تَسْخِيرِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَنِعْمَةُ تَذْلِيلِ الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا لِلْإِنْسَانِ، وَنِعْمَةُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ النِّعَمِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْخَيْرَاتِ وَالثَّرَوَاتِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَنِعْمَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَنِعْمَةُ النَّوْمِ وَالسُّبَاتِ، وَغَيْرُهَا مِنَ النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ الدَّائِمَةِ وَالْعَامَّةِ عَلَى الْبَشَرِ، وَقَدْ أَلِفُوهَا، وَقَلَّ فِيهِمْ مَنْ يَشْكُرُهَا، مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَّرَنَا بِهَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا أَخْبَرَنَا سُبْحَانَهُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى سَلْبِهَا، فَوَجَبَ عَلَيْنَا -نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ- تَذَكُّرُهَا وَشُكْرُهَا عَلَى الدَّوَامِ، وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ إِلْفُنَا لَهَا إِلَى نِسْيَانِهَا، أَوِ الظَّنِّ بِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لَنَا، أَوِ اعْتِقَادُ أَنَّهَا لَا تُسْلَبُ مِنَّا؛ فَإِنَّ الشُّكْرَ عِبَادَةٌ يُؤَدِّيهَا الْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا، مَعَ مَا فِيهَا مِنَ اسْتِدَامَةِ النِّعَمِ وَزِيَادَتِهَا.

 

وَمِنَ النِّعَمِ الْمُتَجَدِّدَةِ الْمُشْتَرَكَةِ: هُطُولُ الْأَمْطَارِ، وَالِاسْتِقْرَارُ فِي الْأَوْطَانِ، وَاسْتِتْبَابُ الْأَمْنِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَهِيَ نِعَمٌ تَتَجَدَّدُ كُلَّ حِينٍ حَتَّى أَلِفَهَا النَّاسُ فَقَصَّرُوا فِي شُكْرِهَا رَغْمَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ سَلْبَهَا مِمَّنْ هُمْ حَوْلَهُمْ. وَلَا يُدِيمُهَا لَهُمْ وَيَحْفَظُهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى؛ فَحَقَّ شُكْرُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ.

 

وَثَمَّةَ نِعَمٌ فَرْدِيَّةٌ مُتَجَدِّدَةٌ يَنْسَاهَا الْعَبْدُ لِإِلْفِهِ لَهَا، فَيُقَصِّرُ فِي شُكْرِهَا، وَمِنْهَا: نِعْمَةُ الْهِدَايَةِ لِلْحَقِّ، وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ، وَنِعَمُ التَّوْفِيقِ لِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، وَنِعْمَةُ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ. وَمِنْهَا نِعْمَةُ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالسِّتْرِ وَالشِّبَعِ وَغَيْرِهَا؛ فَإِنَّهَا مُتَجَدِّدَةٌ، وَيُقَصِّرُ الْعَبْدُ فِي شُكْرِهَا لِأَنَّهُ أَلِفَهَا، وَلَوْ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى مَنْ فَقَدَهَا لَعَلِمَ فَضْلَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيهَا، فَاجْتَهَدَ فِي شُكْرِهَا.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُدِيمَ عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ وَيَزِيدَهَا وَيُبَارِكَهَا، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِشُكْرِهَا، وَنَعُوذُ بِهِ تَعَالَى أَنْ نَكْفُرَهَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131- 132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ يُذَكِّرُهُمْ نِعَمَهُ الدَّائِمَةَ وَالْمُتَجَدِّدَةَ، وَيَأْمُرُهُمْ بِشُكْرِهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا؛ لِيَكُونُوا مِنَ الشَّاكِرِينَ؛ وَلِيُؤْجَرُوا عَلَى شُكْرِهِمْ؛ وَلِتَبْقَى نِعَمُهُمْ بِالشُّكْرِ وَتَزْدَادَ؛ وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلْفُهُمْ لَهَا إِلَى نِسْيَانِهَا. فَفِي النِّعَمِ الدَّائِمَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 62]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الْقَصَصِ: 73]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [غَافِرٍ: 61].

 

وَفِي النِّعَمِ الْمُتَجَدِّدَةِ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 57-58]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس: 71 - 73].

 

وَمَا هَذِهِ إِلَّا أَمْثِلَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ تَذَكُّرِ النِّعَمِ الدَّائِمَةِ وَالْمُتَجَدِّدَةِ، وَشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَأَنْ لَا يُنْسِيَ شُكْرَهَا إِلْفُ الْعِبَادِ لَهَا؛ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا أَعْظَمُ نَفْعًا لِلْعَبْدِ مِنَ النِّعَمِ الْحَادِثَةِ وَالْفَرْدِيَّةِ لَوْ تَدَبَّرَهَا النَّاسُ وَعَرَفَوا قِيمَتَهَا.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حال الناس مع النعم
  • من النعم أن يحجب عنك بعض النعم!
  • شكر النعم
  • شكر النعم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • شناعة جحود النعم وقوله تعالى (إن الإنسان لربه لكنود)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حمر النعم كفر النعم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في الحسبلة "حسبي الله ونعم الوكيل"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: شكر النعم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آداب النعمة وواجبنا نحوها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 13/6/1433 هـ - وجوب شكر النعم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المبتلى الصبور (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الأمن.. والنعم.. والذكاء الاصطناعي(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • معيد النعم ومبيد النقم لتاج الدين السبكي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خطبة: الذكاء الاصطناعي(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مركز تعليمي إسلامي جديد بمنطقة بيستريتشينسكي شمال غرب تتارستان
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان
  • اختتام فعاليات المسابقة الثامنة عشرة للمعارف الإسلامية بمدينة شومن البلغارية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/3/1447هـ - الساعة: 4:22
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب