لزوم السنة في الصلاة

لزوم السنة في الصلاة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمد صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله خير العابدين، وخاتم النبيين، وسيد المرسلين وأسوة المؤمنين، وأعظم شفيع يوم القيامة بين يدي رب العالمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذي آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك المفلحون.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى واتبعوا ما بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من الدين والهدى، والزموا سنة نبيكم محمدًا صلى الله عليه وسلم فإنه أتقاكم لله تعالى وأخشى وهو صلى الله عليه وسلم النبي الأمين، والرسول المبين، والإمام المكمل، والعابد المتبتل، فاتبعوا هديه، والزموا سنته وتحروا عبادته، واحذروا مخالفته، تنالوا ثواب متابعته إذ يقول الرب الكريم في التنزيل الكريم: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، وقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بستني»، وقال: «من رغب عن سنتي فليس مني»، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله، قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى» وقال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].

عباد الله: كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة [غالبًا وربما صلى عدة صلوات بوضوء واحد] فيحسن الوضوء ويقول: «من يتوضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه»، ويقول: «من توضأ كما أمر وصلى كما أمر: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6].

معشر المسلمين: أكمل ما ثبت من صفة وضوء صلى الله عليه وسلم ـ تبيانًا للقرآن ـ أنه صلى الله عليه وسلم غسل يديه قبل أن يدخلها لأناءٍ ثلاثًا ثم تمضمض، واستنشق، واستنثر ثلاثًا ثلاثًا، وغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ثلاثا ثم وضع يديه مبلولتين على مقدم رأسه فمسحه بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى مقدمه مرة واحدة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاثًا، فهذا الوضوء الكامل الذي تكمل عليه المثوبة من تحقق الحلية، وتحمل الخطيئة، وحصول المغفرة ومضاعفة الحسنة، ورفعة الدرجة فهنيئًا للمحسنين.

عباد الله: وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من وضوءه قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ويخبر أن من قال ذلك فحت له أبواب الجنة الثمانية، وربما قال: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.

معشر المؤمنين: وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد الصلاة توجه إلى الكعبة أي القبلة بجميع بدنه قاصدًا بقلبه فعل الصلاة التي يريدها فريضة كانت أو نافلة فينوي الصلاة بقلبه ولا ينطق بلسانه لأن النية عمل القلب ودينه، والله تعالى مطلع على نيته وقد قال تعالى: ﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 16].

وإقبال القبلة في الصلاة شرط في الجملة وينبغي للإمام والمنفرد أن يجعلا لهما سترة من شيء قائم ما أمكن فإن السترة سنة، وهي للمصلي طمأنينة وللصلاة حفظ وتكمله.

أمة الإسلام:

وكان صلى الله عليه وسلم يكبر تكبيرة الإحرام بالصلاة قائلًا: الله أكبر، رافعًا يديه مقابل كتفيه أو... جانبي أذنيه ممدودتي الأصابع إلى أعلى وبطون يديه إلى القبلة، ثم يقرا دعاء الاستفتاح: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك»، أو: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» إلى آخره، أو يقول: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض.. إلخ، أو ما تيسر من الاستفتاحات الأخرى، ثم يقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ سورة الفاتحة، ويقول بعدها آمين جهرًا في الصلاة الجهرية، وسرًّا في الصلاة السرية، ويقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من القرآن في ركعتي الفجر والأوليين من كل صلاة فكانت وقراءته - غالبًا - والمفصل من الحجرات إلى آخر القرآن فيقرأ في الفجر من طواله وفي الظهر والعصر والعشاء من أوساطه، وفي المغرب من قصاره»، وكان صلى الله عليه وسلم يؤكد على قراءة الفاتحة في كل ركعة ويشدد فيقول: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، ويقول: «كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج»، يعني: نقصًا غير تمام فقراءة الفاتحة في كل ركعة ركن لا تصح الصلاة بدونها.

أمة الإسلام: وكان صلى الله عليه وسلم يكبر للركوع رافعًا يديه - إلى حذو منكبيه أو فروع أذنيه - فيركع ها... ظهره جاعلًا رأسه مساويًا لظهره واضعًا يديه على ركبتيه مفارقًا أصابعه على ركبتيه، ويطمئن في ركوعه يقول سبحان ربي العظيم يكررها ثلاثًا أو أكثر، ويقول حال ركوعه سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، ويقول حاضا على كثرة تعظيم الله فيه: أما الركوع فعظموا فيه الرب.

معشر المؤمنين: وكان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه من الركوع رافعًا يديه حذو منكبيه أو أذنيه قائلًا سمع الله لمن حمده ـ فهكذا يقول الإمام والمنفرد، ثم يقول حال قيامه - وهكذا يقول المأموم: «اللهم ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه»، وإن زاد المصلي قائلًا: «ملء السماوات وملء الأرض ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد»، فهو أفضل وإن زاد فقال: «أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد»، كأن أكمل، وإن طال القيام أكثر من قول «لربي الحمد لربي الحمد» ويكون المصلي حال قيامه بعد الركوع واضعًا يديه اليمنى على اليسرى على صدره لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

معشر المؤمنين: وكان صلى الله عليه وسلم يسجد مكبرًا غير رافع يديه، واضعا ركبتيه على الأرض - إن تيسر له ذلك - قبل يديه فيسجد بيه يديه واضعًا يديه تحت منكبيه راحتيه على الأرض م... وأصابع يديه ورجليه القبلة ضامًا أصابع يديه ما دالهما ساجدًا على جميع أعضائه السبعة، الجبهة مع الأنف، واليدان، والركبتان، والرجلان، ويقول حال سجوده: «سبحان ربي الأعلى»، ثلاثًا أو أكثر ويقول سبحانك: «اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي»، ويكثر من الدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم، ويرفع ذراعيه عن الأرض ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه حتى يأخذ حظه من السجود ولا يتشبه بالحيوان لقوله صلى الله عليه وسلم: «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب».

أيها المصلون:

كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه من السجود مكبرًا ويجلس بين السجدتين يفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويضع يديه على فخذيه وركبتيه، ويقول حال جلوسه بين السجدتين: «رب اغفر وارحمني واهدني وارزقني وعافني واجبرني»، وربما كرر رب اغفر لي رب اغفر لي ما شاء الله مهما طال الجلوس. وكان صلى الله عليه وسلم يطمئن في جلوسه كما يطمئن في جميع أركان صلاته، ويعلم الطمأنينة قولًا وفعلًا وينكر على من أخل بالطمأنينة فيها.

أيها المصلون: وكان صلى الله عليه وسلم يحض أصحابه على الطمأنينة في جميع أركان الصلاة قولًا وفعلًا وينكر على من أساء صلاته بنقص الطمأنينة فيها وينهى عن نقر كنقر الغراب والتفات كالتفات الثعلب وانبساط كانبساط الكلب أو السبع.

وينهى عن رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل الإمام ويحذر من فعل ذلك أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يحول الله صورته إلى صورة حمار» ويحذر من رفع البصر إلى السماء حال الصلاة ويهدد من يفعل ذلك بأنهم على خطر أتخطف أبصارهم.

ألا فاتقوا الله عباد الله واعلموا بما علمتم من الهدى واسألوا الله المزيد، واحذروا المخالفة فإن العقاب شديد، واعلموا أن ربكم ليس بظلام للعبيد.