• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي / كتب ومؤلفات
علامة باركود

الإعلام بمكانة البلد الحرام (مطوية)

الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي

عدد الصفحات:10
عدد المجلدات:1

تاريخ الإضافة: 16/9/2015 ميلادي - 2/12/1436 هجري

الزيارات: 15574

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب

الإعلام بمكانة البلد الحرام

 

الحمد لله الذي جعل البيت مثابةً للناس وأمنا، وضمِن لقاصديه الغنيمةَ والمَغنَى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أيسرُ الأذكار لفظًا وأعظمها معنى، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، خيرُ مَن طاف بالبيت واتخذ مِن مقام إبراهيم مُصلَّى، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن بهداهم اقتدى.

 

أما بعد:

فإنَّ مِن دلائل ربوبيةِ الله عزَّ وجلَّ ووحدانيته، وكمال حِكمته، وعِلمه، أنْ فاوت بين الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأعمال تفضيلًا واصطفاءً، ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص: 68]، قال الإمامُ ابن القيم رحمه الله: «ومِن هذا اختيارُه سبحانه وتعالى من الأماكنِ والبلادِ خيرَها وأشرفَها وهي البلد الحرام... فلو لم يكن البلدُ الأمينُ خيرَ بلاده، وأحبَّها إليه، ومُختارَه مِن البلاد، لَما جعل عَرصَاتِها مناسكَ لعباده، فرَض عليهم قصدَها، وجعل ذلك مِن آكد فروض الإسلام» انتهى.

 

• ولهذا صار لمكةَ المكرمةَ من الخصائص والميزات، ما ليس لغيرها من الأماكن والبقاع، وتعددت أسماؤها.

 

• ومن أعظم خصائص مكة أن فيها بيتَ الله الكعبة، الذي لا يوجد على وجه الأرض موضعٌ يشرع تقبيله واستلامه غير الحَجر الأسود والرُّكن اليماني منه، والحَجرُ يستلمُ ويقبل اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، لا طلبًا للبركة منه، كما قال عمر رضي الله عنه حينَ قَبَّله: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ؛ مَا قَبَّلْتُكَ»، رواه الشيخان.

 

فمن تجاوز في الحجرِ الأسودِ ما سنَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَشَرعه، فلا يكون مستلماً له بحق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِهَذَا الْحَجَرِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَقٍّ»، رواه أحمد.

 

وبالمناسبة فإن على المسلمِ أن يحذر كل الحذر أن تَميلَ به العاطفةُ فيقعَ في تعظيم شيءٍ لم يعظمه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى جعل علامةَ محبتِه اتباعَ رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

 

ومع الأسف فإنك تجد بعض المسلمين - هدانا الله وإياهم أجمعين - مهتما بتتبع الآثار، باحثاً عن الكهوف والمغارات، كغار حراء وغار ثور مثلاً، وقد لا يكتفي بمجرد المشاهدة بل يظن أنَّ التمسُّح بالمقام وما على الكعبة من الستور أو بعض الصخور يُعدُّ مِن تعظيم البيت، أو أنه بذلك الصنيع تناله البركةُ، وهذا لا يجدي على صاحبه شيئاً، بل إنه إضاعة للوقت وتعدياً لحدود الله عز وجل، ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1].

 

ومن فضائل المسجد الحرام وخصائصه:

• أنه أولُ مسجدٍ وضع في الأرض: ففي محكم التنزيل ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 96، 97]، يعني: «وجَبَ أن يُؤَمَّن»، قاله الشيخ ابن باز رحمه الله.

 

قال الإمامُ ابن القيم رحمه الله في معنى الآية: «فوصفه بخمس صفات:

أحدها: أنه أسبق بيوت العالم وضْعًا في الأرض.

 

الثاني: أنه مبارك، والبركة كثرة الخير ودوامه، وليس في بيوت العالم أبرك منه ولا أكثر خيرا ولا أدوم ولا أنفع للخلائق.

 

الثالث: أنه هدى، ووصفه بالمصدر نفسه مبالغة، حتى كأنه هو نفس الهدى.

 

الرابع: ما تضمنه من الآيات البيِّنات التي تزيد على أربعين آية.

 

الخامس: الأمن الحاصل لداخله. وفي وَصفِه بهذه الصفات دون إيجاب قَصدِه ما يبعث النفوسَ على حَجِّه، وإن شَطَّت بالزائرين الديار وتناءت بهم الأقطار، ثم أَتْبَعَ ذلك بصريح الوجوب المؤَّكد بتلك التأكيدات، وهذا يدلك على الاعتناء منه - سبحانه- بهذا البيت العظيم، والتنويه بذِكْره، والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره»، انتهى كلامه.

 

ولهذا كان المسجدان هما مَأرِزُ الإيمان، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الـْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ في جُحْرِهَا».

 

• ومن بركات هذا البيت، ما خصه الله تعالى من مضاعفة الأجور، في الصلاة ونحو ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «صَلاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَفْضَلُ مِنْ مِئَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ»، رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.

 

قال أبو بكر النقاش: «حسَبت الصلاة بالمسجد الحرام فبلغت صلاةٌ واحدة فيه عُمُرَ 55سنة و6 أشهر و20 ليلة، وصلاةُ يومٍ وليلةٍ -وهي خمس صلوات- فيه تُضاعف عُمُرَ 270 سنة وسبعة أشهر وعشر ليال».

 

فحري بالمسلم أن يغتنم وُجُودَه في تلك العَرَصَاتِ المباركة، والبقاع المقدسة، ويجتهدَ في إيقاع الصلاة على أكمل حال، مِن الخشوع فيها والإقبال عليها، والمشي إليها بسكينة ووقار، ويحفظَ للمكان حرمتَه، وللمسلمين حرمتَهم، لئلا تفوته تلك الغنائم فيكون من المغبونين.

 

قال الإمامُ النووي رحمه الله: «يُستحب إذا وصل الحَرم أن يستحضرَ في قلبه ما أمكنه من الخشوع والخضوع بظاهره وباطنه ويتذكر جلالةَ الحَرم ومزيتَه على غيره ».

 

وقد اتفق الفقهاء على أنَّ الحسنات تُضاعف في حَرم مكة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والصلاة وغيرها مِن القُرب بمكة أفضل، والمجاورة بمكان يَكثُر فيه إيمانُه وتقواه أفضل حيث كان، وتُضاعف السيئةُ والحسنةُ بمكان أو زمان فاضل»، انتهى.

 

• ومن خصائص مكة -حرسها الله- أن الله تعالى صانها من الدجال، وحفظها من شره، قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلاَّ سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلاَّ مَكَّةَ وَالْـمَدِينَةَ، وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلاَّ عَلَيْهِ الْمـَلاَئِكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا...» رواه الشيخان.

 

• وهي البلدةُ التي يحرم استقبالها، أو استدبارها، عند قضاء الحاجة، قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلاَ يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ»، رواه الشيخان.

 

• وهي البلدة التي يجبُ تكريمُها وتنزيهها عن المشركينَ الذين يدعون مع الله غيره، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾ [التوبة: 28].

 

• وهي البلدة التي جعلها الله تعالى قبلةَ المسلمين أينما كانوا، يتوجهون إليها في صلاتهم ودعائهم، ويُوجَّهون إليها في قبورهم بعد مماتهم، فهي قبلةُ المسلمين أحياءً وأمواتا.

 

* وهي البلدة التي أقسمَ اللهُ تعالى بها في موضعين من كتابِه الكريم ؛ فقال سبحانه: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 1 - 3]، وقال سبحانه: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد: 1، 2].

 

• وهي البلدُ الذي دعا له ولأهله إبراهيمُ الخليلُ صلى الله عليه وسلمكما في قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لو قال: «أفئدة الناس» لازدحم عليه فارسُ، والرومُ، واليهودُ، والنصارى، والناسُ كلهم. ولكن قال: ﴿ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ ﴾ فاختُص به المسلمون».

 

• وهي أم القرى، فالقرى كلها تبع لها وفرع عليها، وهي أصل القرى، فيجب أن لا يكون لها في القرى عديلٌ، فهي كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الفاتحة أنها أم القرآن.

 

• وهي البلد الذي اختار اللهُ أفضلَ رسلِه وأنبيائِه منه، وجعله مهبطَ الوحي، فبَدْءُ نزولِ القرآن الكريم كان فيه.

 

• وهي البلد الذي اختاره اللهُ -جل وعلا- وشرَّفَه واصطفاه وأضافه إلى ذاتِه العليَّة، تعظيمًا وتشريفًا وحمايةً، قال صلى الله عليه وسلم: «وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَيَّ، وَاللهِ لَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ، مَا خَرَجْتُ»، رواه الترمذي وابنُ ماجه، وصححه الألباني.

 

قال الإمامُ ابن القيم رحمه الله: «وقد ظهر سِرُّ هذا التفضيلِ والاختصاص في انجذاب الأفئدة وهوى القلوب وانعطافها ومحبتها لهذا البلد الأمين، فجذبُه للقلوبِ أعظمُ من جذب المغناطيس للحديد.

 

ولهذا أخبر سبحانه أنه مثابةٌ للناس، أي: يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يقضون منه وطرًا، بل كلما ازدادوا له زيارةً، ازدادوا له اشتياقا.

لا يَرجِعُ الطَّرفُ عنها حِينَ ينظرُهَا ♦♦♦ حتَّى يعُودَ إليها الطَّرفُ مُشْتاقًا

 

وهذا كلُّه سرُّ إضافته إليه سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ﴾ [الحج: ٢٦]».

 

• مكةُ المكرمة: هي البلد الذي يفِدُ إليه الحجيجُ مِن كلِّ فج عميق ليشهدوا منافع لهم، كما قال تعالى لخليله إبراهيم: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 27، 28]، وهذه منافعُ عامة، تشمل منافع الدنيا والآخرة، ويأتي على رأس تلك المنافع، مغفرةُ الذنوب كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: « مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، رواه الشيخان.

 

وما يتبع ذلك من الرَّاحةِ النفسية، والطمأنينة القلبية التي يجدها من أتى هذا البيت، فلم يرفث ولم يفسق جرَّاء اتصال القلب بالله عز وجل، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

 

ومن أجلِّ تلك المنافع، تحقيق التَّقوى، الناشئة من تعظيم شعائر الله في الحج كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، وغير ذلك.

 

فحاسب نفسك يا عبد الله ما هو زادك ورصيدك من تلك المنافع العظيمة؟ وليُعلم أنَّ مَن حالَ بين الحجيج وبين تلك المنافع التي أعظمها تجريدُ التوحيد، وإخلاص العبادة للحميد المجيد، فقد ضادَّ اللهَ في أمره.

 

• مكة المكرمة: هي البلد الذي لا يبقى فيه شيءٌ إلا أَمِنَ، حتى الطيورُ والجماداتُ، والحشائشُ والأموالُ، فعن عبد الله بن عبَّاس -رضي اللهُ عنهما- قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ فتحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ؛ فَهْوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهْوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهُ» رواه البخاري ومسلم.

 

إذا دخله الخائف يأمنُ مِن كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية، قال الحسن البصري-رحمه الله-: «كان الرجل يَقْتُل فيَضَع في عُنُقِه صوفَة ويدخل الحَرَم فيلقاه ابنُ المقتول فلا يُهَيِّجُهُ حتى يخرج »، هذا مع ما عُرِفَ عنهم مِن حبِّ الانتقام، والافتخارِ بأخذِ الثأر، فتبًا لمِن كانَ أهلُ الجاهليةِ أحسنَ حالاً منه!

 

ولقد كان السلف الصالح يُقدِّرون حرمةَ البيت، ويعظمونه في نفوسهم تعظيمًا عجيبًا، قال الحافظُ ابنُ رجب - رحمه الله-: «وكان جماعة من الصحابة يتَّقونَ سُكنى الحَرَم خَشيةَ ارتكابِ الذُّنوب فيه».

 

وكيف لا يخشى العبدُ الإقدامَ على المعاصي والآثام في البلد الحرام والله تعالى يقول: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25]، وأيُّ وعيدٍ أشد من هذا الوعيد؟ عياذا بالله.

 

واعلم -يرحمك الله- أن الإلحادَ هو مطلقُ المعاصي، وإرادةُ السوء، فمَن همَّ فيه بسوءٍ، ولو لم يفعل، عاجله الله تعالى بالعقوبة وأذاقه عذابًا أليما، ولو كان في أقصى الدنيا، ففي الصحيحين عن عائشةَ - رضيَ اللهُ عنها - قالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِم».

 

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «وإذا كان مَن همَّ بالإلحاد في الحرم متوعدًا بالعذاب الأليم، فكيف بحالِ مَن فعلَ في الحرم الإلحادَ بالسيئات والمنكرات، فإن إثمَه يكون أكبر مِن مجرد الهمِّ، وهذا كله يدلنا على أنَّ السيئة في الحرم لها شأن خطير».

 

قال الإمامُ ابن القيم رحمه الله: «ومِن هذا تضَاعفُ مقادير السيئات فيه، لا كمياتُها، فإن السيئةَ جزاؤها سيئةٌ، لكن سيئةٌ كبيرة جزاؤها مثلها، وصغيرة جزاؤها مثلها، فالسيئةُ في حَرَم الله وبلدِه وعلى بِساطِه آكدُ وأعظمُ منها في طرفٍ من أطراف الأرض».

 

فمَن أحدثَ فيه حدثًا فقد باء بالخسران المبين، وقد حذَّرَ النبيُّ الكريمُ صلى الله عليه وسلم مِن الإحداثِ في المدينةِ النبويةِ أو إيذاءِ أهلها، فقال صلى الله عليه وسلم: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ، وَلاَ عَدْلٌ» رواه الشيخان.

 

فإذا كان هذا الوعيدُ في بلد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فما الظن فيمن أحدثَ حدثًا في البلدةِ التي حرَّمها - سبحانه- وفيها بيته؟؛ ولهذا سُميت مكة بذلك لأنها تمكُّ مَن ظلم فيها، و تهلكه، وسماها اللهُ بكَّة؛ لأنها كانت تدقُّ رقاب الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم.

 

قال عبدُ الله بن الزبير- رضي الله عنهما-: «لم يقصدها جبارٌ قط بسوءٍ إلا قصمَه اللهُ»، ولهذا لم يَظهر على بيت الله العتيق جبَّارٌ قط، فهو عتيقٌ مِن الجبابرة، قال تعالى ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 29].

 

فالإلحادُ في الحرم جُرمٌ عظيمٌ وإثمٌ كبيرٌ، ومنكرٌ وخيمٌ، وصاحبه مِن أبغضِ الخلق إلى الله، قال صلى الله عليه وسلم: «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ»، رواه البخاري.

 

وإلى الله المشتكى مِن حال أناس هانت عندهم تلك الحرمة حتى وصل الحالُ ببعضهم -هداهم الله- بتعاطي قاذورة التدخين في تلك البقاع الطاهرة! فما أقبح أثرهم على الناس وأشدَّ أذيَّتَهم هذا وليس بينهم وبين الكعبة سوى عدة أمتار!

 

ومما ينافي تعظيم الحرم ظهور المرأة متبرجة سافرة متطيبة مما يكون سبباً لوقوع الفتنة منها وبها، وعلى العبد أن يحذر من إرسال النظر إلى ما لا يحلُّ النظر إليه، قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: «ولكَم جلب إطلاقه مِن آفة خصوصا في زمن الإحرام، وقد فسد خلْقٌ كثير بإطلاق أبصارهم هناك».

 

ومن أقبح صور الإلحاد في الحرم التعرضُ للحجيج والعمَّار والقاطنين بالأذيَّة والعدوان بأي نوع من أنواع الأذى والاعتداء، سواء كان ذلك سبًّا وشتماً باللسان، أو تعديا على الأبدان، أو بغيا بسرقة الأمتعة والأموال.

 

وقد جاء من الوعيد الشديد والتهديد الأكيد ما يكون زاجرا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فمما حُفِظَ من خطبته صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس قوله: «مَا مِنْ شيء تُوعَدُونَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِى صَلاَتِي هَذِهِ، لَقَدْ جِىءَ بِالنَّارِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ»، رواه مسلم.

 

فعلى الجميع أن يعظموا شعائر الله فإن تعظيم الشرائع من تعظيم الشارع، ولا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما عظَّموا هذا البيتَ، ولا يقومُ دينُهم ودنياهم إلا بذلك، كما قال تعالى: ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾ [المائدة: 97].

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • مخطوطة الإعلام بأعلام بلد الله الحرام (النسخة 7)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الإعلام بأعلام بلد الله الحرام (النسخة 6)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الإعلام بأعلام بلد الله الحرام (النسخة 5)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الإعلام بأعلام بلد الله الحرام (النسخة 4)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الإعلام بأعلام بلد الله الحرام (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الإعلام بأعلام بلد الله الحرام (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • أين "أمة الإعلام" من الإعلام؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص بحث: إعلام الأطفال واقعه وسبل النهوض به (بحث ثاني)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • مفهوم الإعلام والأسس المشتركة بين الإعلامين الإنساني والإسلامي(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • مخطوطة الإعلام بأعلام بيت الله الحرام(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب