• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد بريش / بحوث ودراسات
علامة باركود

المنهج في استشراف المستقبل

د. محمد بريش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/7/2014 ميلادي - 9/9/1435 هجري

الزيارات: 36116

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المنهج في استشراف المستقبل

 

في سبيل استشراف محكم

لمستقبل الثقافة في العالم الإسلامي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين

﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]

 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].


﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].

 

في سبيل استشراف محكم لمستقبل الثقافة في العالم الإسلامي

 

1)) العلم جزء من الثقافة:

في سنة 1979م، اهتزت أوروبا خاصة، والغرب عامة، لتحد ياباني شديد اللهجة، عنيف المجادلة، قاسي الحكم، على لسان رجل من كبار الفاعلين في الاقتصاد الياباني، وهو الخبير كونوسوكي ماتسوشيتا، رئيس إدارة الكهرباء الصناعية اليابانية.


مما جاء في هذا التحدي، الحكم التالي:

"سننجح لا محالة، والغرب الصناعي حتما مآله الفشل، ذلك أنه يحمل في ذاته عناصر فشله. لقد ظلت مؤسساتكم (يا أهل الغرب) طيلورية الفكر (نسبة إلى مذهب طيلور الاقتصادي المعروف)، والخطر المحدق بكم، أن عقولكم طيلورية كذلك! إنكم تتخيلون أن حسن العمل يتجلى في الفصل بين ما ينبغي أن يقوم به أولئك الذين يفكرون، وأولئك الذين ينفذون. فالتدبير عندكم فمن تمرير فكر القادة إلى أيدي العاملين والمنفذين".


"أما نحن فقد نبذنا المذهب الطيلوري، وأحطنا علما بالتحديات التي تجابهنا في المستقبل، وحرصنا على تنمية ذكاء كل العاملين، واستثمرنا أموالنا لتعميم هذا الذكاء لجعل الحوار المتبادل مستمر بين كل العناصر الفاعلة، والعمل كأسرة واحدة. إن التدبير عندنا هو كيفية تجنيد ذكاء الكل، لصالح مشروع يخدم الكل"[1].


وما أكثر الأقوال والخطب والتقارير التي ساقت هذا التحديث في مضامينها، وكم كتاب بدأ بهذه الأقوال لإيقاظ الهمم الأوروبية، وتحفيز القوى لكسب مقام رفيع ودوام الحرص عليه في الركب الحضاري.


ونحن لا نسوق هذا التحدي في معرض كلمتنا للإشادة باليابان، فالنموذج التنموي الياباني غير قابل للنقل، ولكن لنضرب المثل على ما تقوم به الدول الراغبة في التمكن والمحافظة على السبق الحضاري، والحريصة على مواكبة التقدم والتنافس ابتكارا وإبداعا في مختلف مجالات الحياة. فأوروبا لم تستسلم بتاتا لهذا التحدي، بل واجهته بما يلزم من إعداد واستشراف، وكانت نتيجة الخبراء أن الحل يكمن في الثقافة، ذلك النسيج الأساسي والضروري للبحث العلمي والتنمية بصفتهما العجلتين الأماميتين والمحركتين والموجهتين للتقدم الحضاري.


لقد أدركت أوروبا دو الثقافة في البنيان الحضاري الياباني موازاة مع التعليم، فعكفت على إنجاز برامج في ميدان العلم والتكنولوجية تصب في المجال الثقافي والمجال العلمي، مثل برنامج كوست (COST)، وبرنامج أوريكا (EUREKA)، وبرامج المختبرات (REL)، وبرامج المؤسسة الأوروبية للعلم (ESF)، وبرنامج (FAST) الخاص باستشراق مستقبل العلوم والتكنولوجية[2].


هذه البرامج ومثيلاتها في شتى أنحاء العالم الصناعي فجرت السؤال التالي: "هل العلم جزء من الثقافة؟"[3]، وانطلقت بفضله حمى استشراف مستقبل العلوم والتكنولوجية، ومستقبل الثقافة والقطيعات الثقافية، لأن مستقبل الثقافة لا يستقيم دون دراسة مستقبل العلوم وتطبيقاتها التكنولوجية. واشتدت أصوات العلماء، خاصة في العقد الأخير، لزجر الراغبين في فصل العلم عن الثقافة، والتنديد بكل بحث أو مشروع لا ينطلق من اعتبار العلم جزءا فاعلا في الثقافة، ويؤمن بانصهار بعضها ببعض.


من هؤلاء العالم الدولي "إيليا بريغوجين" (IIya Prigorine) صاحب جائزة نوبل والعديد من البحوث والدراسات العلمية. فمما جاء في كتابه "التحالف الجديد"[4] قوله: "أضحى من المُلِح على العلم أن يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ من الثقافة التي تطور بين أحضانها"، وقوله كذلك: "إن العلم سينفتج على العالمية عندما ينتهي من نكران اهتمامات المجتمع ويعدل عن اعتبار نفسه غريبا عنها، فيصبح بالتالي قادرا على محاور الناس من جميع الثقافات واحترام تساؤلاتهم".


منهم كذلك روني ماهو (Rene Maheu) المدير العام السابق لليونسكو، الذي يحكي عنه الدكتور المنجرة الذي صاحبه مدة طويلة في هذا المنصب كمدير مساعد، أنه لم يُفهم خطابه بصفته مديرا عاما من طرف الإدارة البيروقراطية لمنظمة الأمم المتحدة. لو فُهم، لتمكنا من ربح سنوات من الجهد، ومئات الملايين من الدولارات، بتخلينا ببساطة عن الوهم الذي يدعي إمكانية نقل التكنولوجية. لقد كان ما هو أول من استعمل مفهوم التنمية الذاتية في سياق اجتماعي ثقافي، خصوصا حينما يتكلم عن العلم[5]. هذا الخبير يحدد التنمية تحديدا دقيقا في قوله "التنمية هي العلم حين يصبح ثقافة".


منهم الدكتور المنجرة نفسه، في قوله: "العلم لا يمكن نقله، لأنه نتاج نسق ثقافي، فالقيم الثقافية هي التي تحدد الفكر العلمي والإبداع والابتكار. التي تمكن من الفهم والهضم والإضافة في القيم الذاتية للمنقولات، وإلا فلن تشتري إلا لعباً"[6].


ولقد ركزت في مدخلي هذا على تلاحم العلم والثقافة، وتأثير كل منهم على حاضر ومستقبل الآخر، لأشير إلى أن أي استشراف لمستقبل الثقافة لا يمكن أن يتم بشكل واضح وعلمي إلا إذا كان يوازيه ويصاحبه استشراف لمستقبل العلم والتكنولوجية، والتي هي إنزال للعلم على الواقع الصناعي والاقتصادي والاجتماعي في المجتمع.


2)) أية استراتيجية وأي استشراف للثقافة؟

في أواخر سنة 1978م، قامت وزارة الثقافة الفرنسية بإنجاز دراسة من طرف الجمعية الدولية للمستقبلية حول "استشراف مستقبل التنمية الثقافية"، وكان من نتيجة المناقشات والدراسات حول "أية ثقافة في المستقبل؟" أن اتضح للباحثين أن هناك استراتيجتين للثقافة[7]:

استراتيجية الاستقالة:

وهي استراتيجية تتخلى فيها الفئات الشعبية بشكل تصاعدي عن كل منافسة للنخبة في مواجهة التقلبات المستمرة داخل المجتمع أو محاولة السيطرة على زمام حركتها. وهي استراتيجية تزيد من تأزم الوضع القائم، وتنتهي بمزيد من تمركز السلطة والإدارة بيد النخبة، ومزيد من الغرق للمجتمع تحت طوفان المشاكل الناجمة عن الآثار السلبية غير المعالجة للتقلبات، وانحصار اتخاذ القرار وتحديد البدائل في أيدي زمرة منعزلة من الفاعلين وأصحاب القرار.


استراتيجية التجنيد:

وهي استراتيجية تجند فيها جميع الضمائر الواعية في المجتمع للتمكن من الوصول إلى مستوى حضاري نوعي، وإلى المشاركة الفعلية للفرد في صياغة حياته، والاهتمام ببيئته ومحيطه الاجتماعي، وإسهامه في تقويم ذاته، والتأثير إيجابا عل تطوير وإصلاح مجتمعه، بشكل يجعل من تقلبات ذلك المجتمع ومخاضها ظاهرة طبيعية توظف لصالح تطوير المجتمع، وليست هوساً يشل فاعلياته ويحد من طاقاته. هذه الاستراتيجية تمكن من تطوير ثقافة تسمح بالانتقال من مجتمع ذي أغلبية صامتة إلى مجتمع ذي أغلبية فاعلة، مقدمة على التصريح بما تعانيه، ومناقشة ما تعيشه من مشاكل، ومشاركة في صياغة برامج الإصلاح. استراتيجية تسمح بالانتقال من مجتمع سلطة جزافية إلى مجتمع سلطة واعية.


ولقد كان اختيارنا لهذه الدراسة نظرا لما صاحبها من بعد استشرافي دقيق ومتنوع، وإلا فما من دراسة جادة أنجزت لصياغة استراتيجية الثقافة في مجتمع ما أو لأمة ما إلا وكان مشروطا لتنفيذها وتعميق أثرها وجود مناخ ديمقراطي مبلور ومحرك للأفكار والتصورات التي تتضمنها وتوصي بها تلك الاستراتيجية.


ولقد ظلت عديد من الإدارات الثقافية في عالمنا الإسلامي تعمل بمضمون الاستراتيجية الأولى، استراتيجية الاستقالة، وأضحى لزاما على جميع مؤسسات وإدارات الثقافة وأجهزتها في العالم الإسلامي العمل بالنموذج الثاني من الاستراتيجية الذي ذكرناه: استراتيجية التجنيد.


ذلك أن النموذج الثاني كما هو جلي وواضح للعيان، يساهم ويدفع الطاقات للانتقال من حالة الغموض، والاستهلاك السلبي، والتحجير على الفكر والإبداع، إلى حالة التجنيد، والابتكار الجماعي، وتحمل تبعات التغيير من طرف جميع الفاعلين في الحياة الاجتماعية، بشكل يسمع بتطوير بنى المجتمع وأطرافه بما يحفظ نوعيته، ويقوي ذاته وأواصره، ويزكي عطاءاته، وينمي إشعاعات فكره.


مثل هذه الاستراتيجية لا تكتمل إلا بعناصر ثلاثة:

• ديمقراطية الصياغة والتطبيق،

• لا مركزية العمليات المدرجة،

• تنوع الميادين المطروقة.


وهي بذلك ترفض أن تصاغ من طرف جهاز مركزي، أو طرف مفوّض، بمعزل عن باقي القطاعات، من قطاع خاص، وجمعيات، ومؤسسات. فالإبداع يشترط إلى جنب الحرية والديمقراطية، التنوع والتعددية. فالثقافة إبداع، وإعادة إنتاج، وعطاء مسترسل، متجدد الإقدام بفضل الاكتشاف والابتكار، وإلا فلا أمل في البقاء. ذلك أن من سنن الله في تداول الأيام والزمن، عدم الرحمة بالمتخلفين عن مجال الإبداع والاكتشاف، والرب سبحانه ما وعد كسولا بخير! أولئك الكسالى والمتخلفين تدكهم رحى الصراع من أجل البقاء دكا، وتهوي بهم أعاصير الهيمنة الثقافية المعززة بذوبان الذات وتآكل المعرفة في مكان سحيق.


وليس بدعا من الخبر أن تكون مؤسسات وإدارات عديدة في مجال الثقافة مشلولة في العالم الإسلامي، أو معرضة للشلل كلما هبت ريح الأزمات واشتدت عصافتها. وليس عجبا من المعلومات أن تكون نفس المؤسسات والإدارات بالدول الصناعية صلبة العود قوية البنية. ففي بلدان العالم الإسلامي ينفق على الثقافة من المال العام في معظمها، ولهذا يكون للجهاز الحاكم القول الفصل فيما يخطط وينجز في المجال الثقافي. أما في الدول الصناعية، فأزيد من 50%. من الموارد المالية والبشرية (54%. بفرنسا مثلا) هي من القطاع الخاص. ولهذا وغيره، كانت تتميز الثقافة عندها بالتنوع والتعددية، وبالتالي بالعطاء والمردودية.


هذه الاستراتيجية لها أهداف عامة وتفصيلية، ولها خصائص تميزها، ولها عقبات وعوائق يلزم أن تتخطاها لتصنع أو تساهم في صنع المستقبل المرغوب فيه للأمة الإسلامية.


أما أهدافها العامة فهي تتمحور حول بناء الذات الإسلامية فردا ومجتمعا، وإصلاح مناهج الفكر، وبناء النسق الثقافي، وتحقيق الأصالة الإسلامية مع ما يلزم من هضم للحداثة، واستلهام لمستجدات العلوم والتكنولوجية، وتمكين الأمة من الشهود الحضاري، وتبوء المكانة اللائقة بها في ما كانت به وبفضله خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر.


وتحقيق تلك الأهداف، يفترض في ميدان علوم المستقبل دراسة مشاهد مستقبلية مشروطة بتحقيق تلك الأهداف، ثم القيام بالتحليل العكسي لكيفية بلوغها إلى أن نصل للواقع المشهود. وهذا يقتضي الانطلاق من تحليل الواقع الثقافي الحالي، واستخلاص المسار الثقافي في التاريخ القريب، وتحديد جميع الفاعليات قرارا ومشاركة لمعرفة الجنينات الكامنة في الحاضر، والمشكلة للمستقبل.


فأما الواقع الثقافي، فقد أجمعت الدراسات على تميزه بفقدان الهوية عند المسلم المعاصر، واضطراب الرؤية عنده بخصوص كفاءته في صياغة مستقبله، وانعدام ثقته بنفسه في تحقيق سبق علمي وتكنولوجي في المستقبل القريب على أقرانه في المجتمع الإنساني، وبالتالي انعدام شخصيته حاضرا، وذوبان ذاته مع ما يصاحب هذا الذوبان من ضباب فكري، وتغييب ثقافي، وتخلف علمي، واستقالة حضارية وإنسانية.


ولقد أجريت عديد من الدراسات في سبيل صياغة استراتيجية الثقافة في العالم الإسلامي، لكنها لم تعرف دراسة استشرافية للمستقبل ممهدة لهذه الصياغة، بل كثيرا ما طبعت هذه الدراسات بالموسم وحاجاته التي أملتها حيث اعترتها نواقض، وشابها قصور في المنهج أو التحليل، لم يتجل إلا حين إنزال المقترحات على أرض الواقع وإدخالها حيز التطبيق.


هذه النواقص كانت نتيجة عقبات على منهج الاستراتيجية أن يتجنبها ويتجاوزها ليصب الصبيب المراد والمطلوب في المستقبل. من هذه العقبات: تكرار الجهود وضياع الطاقات في الانطلاق من الصفر، أو اعتبار ما أنجز في حقل الثقافة لاغياً، أو غير ذي قيمة نفعية. والصواب أن فيما أنجز وتحقق ولو على الصعيد النظري الخير الكثير رغم ما يشوبه من نقص أو يعتريه من غموض. ولعل أوضح مثال على تكرار الجهود وضياع الطاقات واستنزافها في مواضيع مستهلكة، رغبة كل مؤسسة في أن تكون صاحبة الحق في بلورة تخطيط أو استراتيجية أو منهج عمل في الميدان الثقافي بالعالم الإسلامي، قس على هذا المنوال عديدا من الكتاب والمفكرين الذين يقدمون مشاريع ثقافية تدور حول نفسها وينقل بعضها عن بعض رغم تجاهل كل مشروع للآخر.


من هذه العقبات كذلك التبني الموسمي للأفكار، هذه الموسمية تمخضت عنها عقبتان أخريان: ركوب الموجة دون سابق اقتناع، والدخول في إطار فئة المؤلفة عقولهم. فعلى كل راغب في استشراف مستقبل الثقافة الحذر من هذه العقبات، والانطلاق بعد التسلح بالنفس الطويل، من تحديد المنهج وطريقة التفكير مع إدراك للعقبات والثغرات.


3) استشراف مستقبل الثقافة:

لعل الخوض في موضوع استشراف مستقبل الثقافة يقتضي قبل الشروع فيه تحديد المفهوم والمفصود من الاستشراف، ثم تحديد الاتجاهات السائدة أو الغالبة في الواقع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الحالي. نحتاج إلى تحديد مفهوم الاستشراف لإبرازه دوره والحاجة منه، وأننا حين نستشرف المستقبل، ونعالج تصورات تطور الواقع الحاضر، فإننا لا نبتعد عن الحاضر فرارا إلى التخمين في المستقبل، بل ما تلك الرؤى التي نتخيلها للمستقبل، أو التي نرجوها ونشترطها فيه، إلا معالم على الطريق لتحديد السير، وتجنب المعوقات، ونهج سبل الإصلاح السليم للواقع الحالي نحو واقع مقبل أرقى حالة وأسلم وضعا.


ونحتاج لتحديد الاتجاهات لاستخلاص ما يراه المستقبليون من اتجاهات غالبة يطلقون عليها مصطلح "الاتجاهات الغالبة"، أو "الاتجاهات الثقيلة" للعشرية المقبلة، والتي ليست من نسج الخيال أو الرمي بالتنبؤات، وإنما هي نابعة عن تحليل دقيق لمسار الواقع الحالي، ودراسة عميقة ومستفيضة لآثاره وتقلباته في الماضي القريب، وإحاطة واعية بالعوامل الكامنة داخله، أو المحيطة به، أو المتفاعلة معه، والمحددة جميعها لشكل تطوره في المستقبل، وحالة تجلياته في الأزمنة القادمة، بشكل غير خال من إعمال الخيال والتنبؤ، ولكن بوعي وإخضاع للسنن والنواميس الكونية.


3. 1 المفهوم:

نحن نميل إلى الذين عبّروا عن هذا الفن بمفهوم "استشراف المستقبل" لما تحمله لفظة الاستشراف من دلالة عريقة في لغة العرب، تعبّر كما سنرى في الفقرة التالية أحسن تعبير عن المراد فعلا من اكتشاف آفاق المستقبل، والتطلع لسبر أغواره.


وحتى نجلي بوضوح دلالة مفهوم "استشراف المستقبل"، نورد التوضيح اللغوي والاصطلاحي التالي:

الاستشراف في لغة العرب تحديد النظر إلى الشيء بشكل يجعل الناظر أقوى على إدراكه واستبيانه، كأن يبسط الكف فوق الحاجب كالمستظل من الشمس، أو ينظر إليه من شرفة أو مكان مرتفع، أو يمد عنقه ويسدد بصره نحوه، كل ذلك يفعله للإحاطة بشكل الشيء والتدقيق في ماهيته.


يقول صاحب "اللسان":

"وتشرف الشيء واستشرفه: وضع يده على حاجبه كالذي يستظل من الشمس حتى يبصره ويستبينه، ومنه قول ابن مطير:

فيما عجبا للناس يستشرفونني
كأن لم يروا بعدي محبا ولا قبلي!

 

وفي حديث أبي طلحة رضي الله عنه: أنه كان حسن الرمي. فكان إذا رمى استشرفه النبي صلى الله عليه وسلم، لينظر مواقع نبله، أي يحقق نظره ويطلّع عليه. والاستشراف أن تضع يدك على حاجبك وتنظر، وأصله من الشرف العلو، كأنه ينظر إلى موضع مرتفع فيكون أكثر لإدراكه".


وذكر صاحب "المحيط":

"واستشرف الشيء: رفع بصره إليه، وبسط كفه فوق حاجبه كالمستظل من الشمس".


ونضيف أنه قد رفع بصره إليه لينظر إليه نظرة متفحصة حتى يحيط به ويستبينه، وبسط كفه فوق حاجبه ليتجنب أي شعاع ضوئي يشوش على رؤيته، حتى يكون نظره حديدا وصورة ما ينظر إليه أوضح له.


ومن هنا كان استشراف المستقبل، هو النظر إلى الزمن القادم ببصر حديد ونظر ثاقب، بغية تصور الواقع المقبل، انطلاقا من شرفة الواقع الحاضر، واستيعابا لعبر الواقع الراحل.


ورغم أننا نميل إلى الاستمساك باسم لعلوم المستقبل تضرب جذوره اللغوية في لغة العرب الأوائل، فإننا لا نسعى إلى نهج أسلوب إسقاط التعابير المعاصرة على مفردات تراثنا اللغوي، ولن نحاول عبثا تحميل التاريخ ما لا يحتمل، وندخل على التراث ما ليس فيه، فنتصنّع أصولا إسلامية أو تراثية لعلوم المستقبل الحديثة، أو نختزل نصوصا للبرهنة على سبق العرب والمسلمين في ميدان الاهتمام بالمستقبل. فذلك أمر إن كان يؤيده كوننا أمة مأمورة وحيا بالإعداد والتقديم للغد – وهو أمر صريح للاهتمام بالمستقبل – فإن غلفتنا المزمنة عن هذا الإعداد ترمي إلى الدلالة على العكس.


فكون الآيات القرآنية والأحاديث النبوية نصت وطلبت من المسلمين العمل على الاهتمام بمستقبلهم الدنيوي، لكسب مستقبل أخروي، وحثتهم على إحكام العدة، وإتقان التطلع، فإن ذلك لا يكفي للدلالة على سبق المسلمين في ميدان العلوم المستقبلية، علما بأن الأمم السابقة من أهل الكتاب، أمرت بنفس الإعداد والاستعداد.


ولا يعني قولنا هذا أن المسلمين الأوائل كانوا فاقدي الحس المستقبلي، أو منعدمي التخطيط البعيد المدى! بل على العكس، كان إيمانهم الساطع ويقينهم التام في مستقبلهم بين يدي الله عز وجل خير حافز لهم لتخطي العقبات، ومواجهة التحديات، والعمل لصالح قومهم، والأجيال المقبلة، حتى أنهم لم يروا المستقبل في أنفسهم، بل رأوه في أبنائهم وأبناء من يدخلون دين الله أفواجا، أبناء التواقين للحرية والانعتاق من جبروت الطغاة، فهاجروا ديارهم، وضحوا بدنياهم في سبيل دينهم، لكي يعيش الخلف في رغد من العيش، وحرية في الدين، تضمن حياته ومستقبله ومستقبل دينه.


2. 3 الاتجاهات الغالبة أو الضخمة:

سنعتمد هنا على دراستين حديثتين، حتى لا نجتر تكهنات وتوقعات سابقة لم يعف عليها الزمان بعد، ولكنها أقل حداثة، خاصة وأن مجال الاستشراف مجال كثير التقلب، سريع التغيير، هاوٍ للتجديد، مغرم بإعادة التشكيل.


وعمدنا كذلك إضافة إلى الحداثة، أن تكون الدراستان معبرتان عن أكبر مدرستين معاصرتين في مجال المستقبليات: المدرسة الانجليزية – الأمريكية، والمدرسة الفرنسية، حرصا منا على تكامل وجهات النظر، وبسط خلاصات البحوث المنجزة حديثا في الميدان واستخلاص العبر منها.


أ) أما الدراسة الأولى فهي لجون نيزبيت وباتريسيا أبو ردين، بعنوان "الاتجاهات الجد غالبة لعشرية التسعينات: ماذا سيتغير؟"[8].


فرغم ما كتب عن الدراسة من تقارير مزكية أو ساخطة، فإن للخيران ميزة خاصة، وهي تتبعهما لأغلب ما يصدر من المجلات والجرائد وتحاليلهما للتقلبات والزلازل السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية، وما يصاحبها من أزمات وصعوبات وانقلابات على مختلف الأصعدة. يضاف إلى ذلك حرصهما على استجواب عديد من الخبراء ورجال الأعمال السياسييين حول المستقبل واحتمالاته.


أما حصيلة عملها بخصوص آفاق التسعينات، فهو بزوغ الاتجاهات الغالبة التالية:

1)) تدهور نظام الاقتصاد العالمي.

2)) نهضة الفنون.

3)) بزوغ اشتراكية جديدة في دول الكتلة الشرقية.

4)) عالمية أنماط الحياة، مع تعزيز الخاصيات الثقافية.

5)) انبثاق دور المحيط الهادئ.

6)) انهيار نموذج الدولة الراعية بالبلدان الغربية.

7)) صعود النساء إلى الحكم.

8)) عصر البيولوجيا.

9)) ازدهار الإحياء الديني.

10)) انتصار الفرد.


ولن نحاول تفسير بواعث كل اتجاه في هذه الورقة التي يراد منها توجيه الباحث في التخطيط الثقافي إلى الاتجاهات المحتمل سيادتها في المستقبل القريب، وتمهيد السبل له لإدراك ما يلزم فعله الآن، وقبل فوات الأوان، وإنما حسبنا الإشارة إلى خلاصة الدراسة في بيان الاتجاهات التي تراها سائدة باحتمالٍ ما في العشرية القادمة، انطلاقا من تحليل الماضي القريب ومعطيات الواقع الجاري.


ب) أما الدراسة الثانية فهي عن أكبر مدرسة فرنسية ذات سمعة دولية، وهي الجمعية الدولية المستقبلية، قام بها الرئيس الإداري لهذه المؤسسة هوك دو جو فنيل Hugues de Jouvenel، لم تنشر بعد، وقدمت ضمن ندوة المستقبلية التي نظمتها هذه المؤسسة مع برنامج الأمم المتحدة لصالح أطر التخطيط بالجزائر يومي 22 و23 ماي 1990م. عنوان هذه الدراسة "الإطار الدولي: ثمانية اتجاهات ضخمة".


أما الاتجاهات الثمانية فهي:

1)) تفاقم سكان العالم وتضاعف النمو الديموغرافي (ما بين 8 إلى 10 مليار من السكان سنة 225)، ويتفجر عن هذا الاتجاه أربعة مشاكل أساسية:

• الإدماج الاجتماعي والمهني للشباب.

• الشيخوخة الديموغرافية في البلدان الصناعية.

• الهجرات الدولية وما تحدثه من بزوغ مجتمعات متعددة الثقافة ومتعددة العرق.

• الحضرية وتطور المدن.


2)) صعوبة تحقيق الأمن الغذائي للبشرية، خاصة في دول الجنوب.


3)) تفاقم الأمية (واحد من أربعة أفراد في العام أمي) مع التركيز على تلا زم الفقر والأمية.


4)) دخول العالم الثالث إلى المأزق (تدهور أسعار المواد الأولية وارتفاع المديونية).


5)) الأخطار الكونية (تفاقم الكوارث الطبيعية والتكنولوجية، تزايد التلوث والصداع، واتساع رقعة التصحر من جراء ارتفاع حرارة المناخ الأرضي).


6)) أثر التكنولوجيات الحديثة (الإعلاميات، البيوتكنولوجية، المواد الجديدة) وانعكاس هذا الأثر على ثقافة المجتمع.


7)) بزوغ مجتمع الإعلاميات، وستصاحبه ثلاث قطعيات:

• القطيعة المتزايدة بين التنمية الاقتصادية واستهلاك المواد الأولية الطاقية وغير الطاقية.


• القطيعة بين دائرة تداول النقد والاقتصاد الحقيقي.


• القطيعة بين التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص الشغل (يبرر الباحث ذلك بدخول التكنولوجيات الحديثة إلى جميع الميادين بدرجة يمكن معها إنتاج المحتاج إليه فورا وحسب مواصفات طالبه، حيث تصبح المقاولات والمؤسسات ملبية حاجيات شخصية وينتقل الاقتصاد إلى أن يصبح اقتصادا كونيا).


8)) التحدي الكبير: ثقافي وسياسي.


من خلال هذا العرض السريع نرى أن الباحث انتهى في دراسته إلى أن التحدي الذي على المجتمعات مستقبلا رفعه هو ثقافي وسياسي، وهو ناتج عن الاتجاهات الأخرى التي تم تقديمها.


ونرى بعد إمعان النظر في نتائج الدراستين أن مؤسسات الصحافة والرأي العام قدمت الاتجاهات التي نصت عليها الدراسة الأولى، والمنبثقة من قراءة وتجميع التحاليل الصحفية والأخبارية، وأن الدراسة الثانية عبرت عن رأي علماء المستقبليات كعلم قائم بذاته بمعزل عن الصحافة ودون تأثير بما يراه الرأي العام، وكلا النظرتين لازمتين لوضع مشاهد المستقبل، سواء مشروطا بمستقبلات مرغوب فيها، أو محرر من كل قيد أو شرط.


وحتى نلمس مصداقية مثل هذه الدراسات، على الأقل فميا تقصده وهو تنوير رأي أصحاب القرار والمخططين، نقدم خلاصة الاتجاهات التي قدمتها دراسة أجرتها وزارة الثقافة والاتصال الفرنسية سنة 1978 حول "السياسات الثقافية واختيارات المجتمع"، وقامت بالدراسة الجمعية الدولية للمستقبلية بباريس. هذه الدراسة انتهت إلى سيادة الاتجاهات الخمس التالية في المستقبل:

1)) النمو الديموغرافي.

2)) تطور العالم الحضري.

3)) تصاعد الطلب على الحاجيات الجماعية.

4)) تصاعد حظ اللامادي في الاقتصاد.

5)) سرعة التطورات ظهور ظاهرة الندرة.


كما أجمع المستقبليون الدوليون الذين شاركوا في الدراسة ومناقشاتها على أن العالم سيشاهد تقلبات انطلاقا من ثلاثة اتجاهات:

1)) الانتقال من الازدهار الكمي إلى التطور النوعي.

2)) تطور مستويات مشاركة الإنسان في حفظ مستقبل محيطه وبيئته.

3)) حصول تغيير جذري في النظر للإنسان وتكوينه.


نرى أننا قد قدمنا موجزا كافيا عن الاتجاهات الغالبة أو الضخمة التي يرى المستقبليون الدوليون احتمال وقوعها، فبعض هذه الاتجاهات قد ساد بالفعل خلال الثمانينات، ولعله يستمر في التسعينات وما بعدها، وحري بنا أن نقدم الاتجاهات التي نراها ويراها بعض المهتمين بالمستقبل محتملة السيادة في العالم الإسلامي في السنوات القادمة، ذلك أن هذا العالم لم يخضع ولو مرة واحدة لدراسة شاملة تهتم بتصورات مستقبله بشكل عملي رصين جاد، يقوم به فريق متعدد التخصصات من الغيورين على إسلامهم والمحبين لأمتهم، وإن تعددت المحاولات الفرعية في عديد من المجالات، كل منها على حدة.


فمن الاتجاهات التي نراها محتملة السيادة ما هو سنن من سنن الله في الكون، مستمرة ودائمة، وباتالي فهي ليست محتملة، بل قارة وباقية ودائمة، ومنها ما نرى بعد تحليل الواقع الحالي أنها في حالة استمرار بواعثها وظروفها ستتضخم لتتولد عنها اتجاهات سائدة أخرى.

هذه الاتجاهات هي:

1)) اشتداد صراع الحق والباطل، وبالتالي إحكام الطوق على الفرد المسلم والأمة الإسلامية من طرف أعداء الإسلام، وأعداء العدل والحرية.

2)) عودة الفرد والمجتمع داخل الأمة الإسلامية إلى الأصول والتراث وبحث كل منهما عن تأكيد الذات والفرار من سرطان فقدان الهوية.

3)) إلحاح الشعوب الإسلامية على الشورى وبداية نهاية عهد الديكتاتوريات.

4)) تزايد النمو الديموغرافي وارتفاع سكان المدن واكتظاظها في الضواحي.

5)) تفاقم رغبات الهجرة وتقلص فرص العمل بالداخل والخارج.

6)) انهيار القدرة الشرائية للمواطن بالعالم الإسلامي وارتفاع نسب الفقر والأمية.

7)) اشتداد الغزو الإعلامي والفكري واللغوي مع التركيز على النخبة المستفيدة من الوضع القائم كي تتبنى أصوله وتدافع عن محتواه.

8)) تعدد مشاريع الإصلاح وإحباط المحاولات للقيام ببعضها.

9)) بداية أفول الانهيار بحضارة الغرب وتنامي الرغبة لدى الشعوب المسلمة في رفع التحدي العلمي والتكنولوجي وتحقيق سبق في هذا الميدان.

10)) انفجار الأوضاع الاقتصادية بفعل المديونية المرتفعة.

11)) احتمال اندلاع صراعات إقليمية شاغلة ومكبلة تحركها جهات عنصرية أو عرقية أو طوائف معادية مذهبيا أو أيديولوجيا.

12)) تهاوي عديد من النظم السياسية والاقتصادية والتربوية القائمة.

13)) تضاعف التحديات واشتداد الأزمات.

14)) استمرار وجود المقاولة كقلعة لم تلجها الصحوة الإسلامية إلا لماماً.

15)) تنامي صدور الدراسات العلمية الرصينة ولو ببطء بغية الخروج من الأزمة.

16)) بلورة الفكر الإسلامي خاصة في العلوم الاجتماعية ليكون في مستوى مواجهة التحديات.

17)) تضخم الوقت الثالث مع محدودية الرواتب والمداخيل.

18)) تكاثر العاطلين وانتشار البطالة داخل جميع الفئات الشابة.

19)) انتقال الصحوة من إثبات الوجود إلى صياغة المشروع الحضاري البديل.

20)) اشتداد الدعوة للوحدة الإسلامية وانبثاق مؤسسات لصياغة مشروع إنجازها الفعلي والعملي.


هذه الاتجاهات ليس هذا مقام البسط في شرحها، بل نحيل كل راغب في المزيد إلى مراجعة بحوث ومناقشات ندوة الجزائر حول "مستقبل العالم الإسلامي" (شوال 1410هـ/ مايو 1990م) والتي نظمها مركز دراسات المستقبل الإسلامي الفتي (لندن)، والتي ستصدر في كتاب قريبا إن شاء الله عن نفس المركز.


ويتبين لنا أن الطوق سيشتد على العالم الإسلامي، وهذا ليس بالأمر الجديد، فقد اشتدت عمليات الغزو والتمزيق والتفرقة منذ ما يقارب القرنين من زمان أو يزيد، وهي في استحكام للطوق مستمر، وهذا إن كان يشل حركة العالم الإسلامي ويغرقه في دوامة من المشاكل المكبلة أو الجانبية التي لا طائل من ورائها، فإنه يمكن من جهة أخرى من تحفيز الهمم، وتنشيط الجهود، وإحكام العدة لدى الفرد المسلم الغيور للخروج من التبعية والتخلف، وأخذ زمام الركب الحضاري والإنساني المبوأ له.


وسيتلو هذه الحالة من التدهور استقالة عديد من الدول من كل عمل اجتماعي بغية توفير الجهود وحشدها لمعالجة معضل اقتصادي منبثق عن تفاقم المديونية، وانخفاض خطير في العمل، ولهث حول اقتناء المنتوج الغربي واستلهام الفكر المواكب له لغة وثقافة وحارة، وبزوغ استرقاق من نوع جديد لأبناء المسلمين من جراء الحاجة إلى العمل أو العملة الصعبة، وبالتالي بزوغ نمط جديد من أنماط الاستعمار أو الحماية، يمكن الزائر والمستثمر والتاجر الأجنبي من حريات وامتيازات لا يتمتع بها أفراد البلد.


3. 3 برنامج العمل الثقافي بهدف مستقبل راغد:

لمواجهة الريح السلبية للاتجاهات السابق ذكرها، والمحتملة في المستقبل القريب، وللاستفادة من رياحها الإيجابية، نرى أن تنكب المجهودات في العالم الإسلامي وتصب في الأوعية والمجالات التالية:

• التربية والتكوين الثقافي لبناء الذات الثقافية.

• الحصانة لتحصين الفرد المسلم عقيدة وعلما وفكرا وثقافة.

• غرس روح التحدي والمنافسة.

• غرس روح التصابر والمقاومة.

• غرس مبادئ العدل والدفاع عن الكرامة ومقاومة الاستبداد والتسيب.

• مقاومة الأنماط الاستهلاكية وظواهر الاتكالية والتبعية.

• إحلال الشريعة المكانة اللازمة لها في صياغة المجتمع قانونا ونظاما ونمط حياة.

• تربية الجيل الحالي على حسن التعامل مع الكتاب والسنة دون غلو ولا جهل.

• صقل النفوس وحثها على فعل البر بإبراز فضل الثواب في اليوم الآخر.

• تحبيب الرسول صلى الله عليه وسلم كقدوة ونموذج.

• غرس الروح الجماعية ومحاربة الانعزالية والشخصانية.

• التشجيع على المشاركة في المشروع الحضاري الإسلامي.


هذه الأوعية والمجالات مرتبط بعضها ببعض، ويفضي بعضها إلى بعض، مثلما يستوجب بعضها إنجار البعض، لكن يبقى أننا إذا أردنا تحقيقها أن نبادر بالبدء بمحاربة الخمول والكسل والاتكالية وروح الانهزام أمام مشاكل الواقع، أو الاستقالة بعد التجربة الأولى وعدم تكرار المحاولة لدى أفراد الأمة الإسلامية، وهذه معضلات ثقافية بالأساس، يضاف إليها مكافحة الغلو والجهل معا، والتعامل مع الكتاب والسنة بوعي والتزام، يحافظ على مقومات الشريعة السمحة وأسسها، ويستفيد من عطاء العصر وفنونه.


وأكيد خسران الذين يرغبون في فصل التعلّم عن العلم، والعلم عن الثقافة، والثقافة عن التنمية، وأوكد منه نجاح الذين يرون أن التنمية هي العلم حين يصبح ثقافة، كما أن الإسلام هو القرآن حين يصبح حياة، ولنا في النبي محمد صلى الله عليه وسلم خير القدوة.


فعسى أن نكون من الناجحين، وبالرسول مقتدين. والله الموفق، وهو يهدي إلى سواء السبيل.

 

محمد بريش

عضو الجمعية الدولية المستقبلية

الرباط 16/11/1990م

لتحميل البحث(PDF) إضغط هنا


[1] "تقرير حول الوضع التقني" Rapport sur l etat de la technique، الصادر عن "مركز الاستشراف والتقدير" Centre de Prospective et d evaluation ووزارة البحث العلمي والتكنولوجي، ووزارة إعادة الانتشار الصناعي والتجارة الخارجية بفرنسا، وقد نشر كعدد خاص من مجلة "العلوم والتقنيات" Sciences et Techniques التي تصدرها جمعية المهندسين والتقنيين بفرنسا في أواخر سنة 1985م، ص 11.

[2] يمكن مراجعة العديد من المراجع في هذا الصدد، منها:

تمهيد للتعاون الأوروبي في مجال البحث التكنولوجي والتنمية التكنولوجية

Initiation a la cooperation europeenne en recherché et developpement technologiques.

جاك موليناري Jacques Molinari، نشر ضمن دراسات "مركز الاستشراف والتقدير" CPE الفرنسي، 1990م.

"تبديل عصر" Changer d ere للدكتور جاك روبان Jacques Robin، وهو طبيب أشرف على مركز دراسات التكنولوجيات المتقدمة، ويشرف على إصدار نشرة العلم والثقافة الفرنسية - منشورات سويSeuil 1989، وخاصة منه الفصول 2و 3و 4 المتعلقة بالأزمات الثقافية وعلاقتها بالعلم والتكنولوجية.

"التربية والمجتمع: تحديات عام 2000"

Education et societe: Les defis de l an 2000

جاك لورسون Jacques Lesourne، وهو الخبير المشرف على المشروع المستقبلي الشهير Interfuturs لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE، وكتابه هذا هو تقرير موسع ودقيق مرفوع لوزير التربية الفرنسي، وسمح بنشره سنة 1988م.

"العالم من خلال أوروبا" Le monde vu d Europe، وهو حصيلة مؤتمر استشراف المستقبل الأوروبي المنعقد في باريس، إبريل 1987م، نشر مركز الاستشراف والتقدير CPE، باريس 1989م.

"أوروبا سنة 1995م، تقرير برنامج فاست"، Europe 1995، rapport FAST

وقد نشر من طرف المجموعة الأوروبية في مجلدين ضخمين، ولخص في كتاب هام من طرف الجمعية الدولية للمستقبلية Futuribles، دجنبر 1983م.

"الدخول في القرن الواحد والعشرين" Entrer dans le XXIe siècle، إعداد كتابة الدولة في التخطيط الفرنسية، وهو تقرير لمجموعة من الخبراء تبحث عن المنظومة الثقافية والحضارية التي ترصد مستقبل فرنسا وهويتها في القرن المقبل – شتنبر 1990م، منشورات La Decouverte، باريس.

[3] طرح هذا السؤال بحدة في ندوة "العلم والثقافة في القرن الحادي والعشرين: برنامج البقاء" والمنظمة من طرف اليونسكو بفانكوفر (كندا) ما بين 10 و15 سبتمبر 1989م، وقد قام صاحب هذه الورقة بترجمة بحث هام قدمه الدكتور المهدي المنجرة لهذه الندوة بعنوان "انصهار العلم والثقافة - مفتاح القرن الحادي والعشرين"، ونشر في مجلة "المستقبل العربي" عدد 136، يونيو 1990م.

كما طرح السؤال نفسه في ندوة اليونسكو بباريس ما بين 14 و16 يونيو 1989م حول "العلم والتكنولوجيا في خدمة المستقبل". وقد نشرت ملخصاته في مجلة Impact، عدد 155/ 1989م التي تصدرها اليونسكو. كما أن العدد نفسه قد احتوى دراسة تستحق ان تقرأ للخبير السوفياتي فلاديمير بيتروفيتش زينتشيكنو، وهو العضو بأكاديمية العلوم بالاتحاد السوفيتي وعضو الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم والرئيس المؤسس لمعهد الإنسان، بعنوان "هل العلم جزء من الثقافة؟" ص 291 - 305 من العدد المذكور.

[4] يمكن مراجعة أفكار بريغوجين ومفهومه للعلم في مقال ترجم له في مجلة "الثقافة العالمية" بعنوان "العلم والحضارة والديمقراطية: القيم، النظم، البُنى والأواصر"، عدد 44، يناير 1989م، ص 7- 26.

[5] راجع مقال الدكتور المهدي المنجرة المذكور، ص 17.

[6] نفس المرجع.

[7] انظر العدد الخاص من مجلة Futuribles التي تصدرها الجمعية الدولية للمستقبلية، شتنبر - أكتوبر 1978م، عدد 17، والذي تضمن بحوث الدراسة المشار إليها.

[8] "لسان العرب" لابن منظور، دار صادر - بيروت - المجلد 9، ص 171 و172.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التراث والتاريخ واستشراف المستقبل في الأدب الإسلامي
  • الإسلام وحوار الحضارات قراءة الحاضر واستشراف المستقبل
  • ملخص بحث: تنمية الشعور بالمسؤولية معالجة الواقع واستشراف المستقبل
  • خطوة نحو استشراف المستقبل
  • نقد المنهج البنيوي
  • المستقبل
  • استشراف المستقبل

مختارات من الشبكة

  • مدلول المنهج والتواصل والحوار اللغوي والاصطلاحي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة العاشرة: أضواء على المنهج العقدي في وصايا لقمان)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • المنهج التاريخي: نشأته وتقاطعاته مع المنهج الوصفي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المنهج التاريخي عند المؤرخين العراقيين في القرن الثالث الهجري: المنهج الحولي والموضوعي نموذجا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • سيد المناهج (المنهج الوصفي)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة السادسة: تابع منهج الإمام الطبري في التفسير)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثانية: التعريف بالمنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • المنهج التاريخي والمنهج المقارن في الدراسات الصوتية والصرفية العربية الحديثة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • منهج لم الشتات (المنهج المقارن)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • علم الجغرافيا بين المنهج الواحد وتعدد المناهج(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
linda - lebanon 26-08-2018 03:32 AM

شكرا لكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب