• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية ( 153 )

تفسير سورة البقرة .. الآية ( 153 )
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/12/2012 ميلادي - 21/1/1434 هجري

الزيارات: 54805

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآية [153]

 

يقول سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [153].

 

يعني: استعينوا على إقامة دينكم والدفاع عنه، وعلى سائر ما يشق عليكم من مصائب الحياة بالصبر وتوطين النفس على احتمال المكاره، فالصبر هو حبس النفس على ما تكره، وهو ثلاثة أقسام: صبرها على طاعة الله حتى تؤديها، وعن معاصيه حتى تتركها، وعلى أقداره المؤلمة فلا تتسخطها.

 

وقد مضى توضيح أركان الصبر في الكلام على الآية (46).

 

والصبر نصف الإيمان، لأنه ماهية مركبة من صبر وشكر، قال بعض السلف مستنداً إلى قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سبأ: 19].

 

والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ومن استكمل أركان الصبر كانت عاقبته الحصول على لذة الدنيا والآخرة، والفوز والظفر بما هو موعود فيهما من حصول النصر والسؤدد والتمكين، ونيل المقصود الطيب في الدنيا، والحصول على العيشة الراضية والغرف العالية في جنان الخلد والنعيم يوم القيامة.

 

قال ابن القيم ما معناه: لا يصل أحد إلى مقصوده إلا على جسر الصبر، كما لا يصل أحد إلى الجنة إلا على الصراط، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (خير عيش أدركناه بالصبر).

 

وإذا تأملت مراتب الكمال المكتسب في العالم رأيتها كلها منوطة بالصبر[1] وناشئة من الصبر، وإذا تأملت النقصان الذي يذم صاحبه لكونه يدخل تحت قدرته، وجدته من عدم الصبر، وكذلك أكثر أسقام البدن والقلب تنشأ من عدم الصبر، فما حفظت صحة القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصبر، ولولم يكن فيه إلا أن معية الله مع أهله لكفى، فإن الله مع الصابرين، يؤيدهم ويقويهم ويثبتهم ويؤنسهم ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم، ولا يكلهم على أنفسهم، ويتركهم لطاقاتهم المحدودة ما داموا متوكلين عليه، حاملين لواءه، بل يمدهم حين ينفد زادهم المعنوي ويجدد عزائهم حين يطول بهم الطريق، ولكونه سبحانه يحب الصابرين على اتباع وحيه وحمل رسالته وتوزيع هدايته ناداهم بنداء الحبيب في هذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾. وختم النداء بما ذكرنا من التشجيع، ووعدهم بالنصر.

 

نعم إن الله وعد الصابرين بالنصر على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، إذ يقول: ((إن النصر مع الصبر)) وأخبر الله المؤمنين أن الصبر خير بجميع معاني العموم الشمولي، بقوله سبحانه: ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126].

 

وأخبرهم أيضاً أنه سبب الفلاح بقوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]. وكرر الله في القرآن الكريم ذكر الصبر، والأمر به، وحسن نتائجه، وعظيم مثوبته، لأنه سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي يقتضيه حمل الرسالة والاستقامة على الطريق بين شتى النزعات والدوافع المختلفة، وضخامة المجهود الذي يقتضيه القيام على دعوة الله، والدفع بدينه إلى الأمام بين شتى المذاهب والتقاليد، مما يتطلب أن تبقى النفس مشدودة الأعصاب، مجندة القوى، مستيقظة للمداخل والمخارج وللمتربصين به الدوائر في عقر داره.

 

فلا بد من الصبر والمصابرة في هذا كله، وصبر المؤمن على طاعات الله، ثم صبره في كف نفسه عن معاصيه يقويانه على الصبر في جهاد أعداء الله، وعلى كيدهم والكيد لهم، ثم المصابرة على بطء النصر والمرابطة لارتجائه، مع الصبر على ما يكون من بعد الشقة والجدال بالباطل، وقلة المعين المناصر، وعلى كثرة الأشواك الشائكة التي تعترض القائم بهذه المهمة، والسالك فيها من الإعراض والمعاندة والشهوات الانتهازية، وكل هذا مع قوة ثقة الصابر بربه الذي أخلص له العمل وجاهد نفسه في ذاته.

 

ولئلا يضعف الصبر بطول المدة وكثرة المشقة أرشد الله عباده إلى الزاد والمدد الروحي العظيم، فقرن الصلاة إلى الصبر، وقال: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾، فهي المدد الروحي الذي لا ينقطع، والزاد المعنوي الذي لا ينضب ولا ينفد. فيها يزداد القلب قوة ولذة وسروراً ومحبة لله، يستسهل بها الصعاب، ويقرب عليه بها البعيد، فتتجدد طاقات المؤمنين، ويمتد حبل صبرهم، وتكسبهم هذه الصلاة كمال الرضى والثقة واليقين، إذ هي صلة بالله يحصل لهم بها الاستعانة بالقوة الكبرى التي لا يغلبها غالب، يستمدون منها العون حين يبلغ بهم الجهد ذروته، كما في يوم الخندق، و(حنين)، وغيرهما من كل محنة تتظافر بها قوى الشر الباطنة والظاهرة.

 

وحينما تبلغ القلوب منهم الحناجر يجدون قيمة الصلاة الخاشعة الحقيقية وحسن تأثيرها وبركة نتائجها، فهي الصلة المباشرة بين الإنسان العاجز الفاني والقوة الربانية الباقية، وهي الوعد المختار لاتصال الحبيب بحبيبه والتقاء القطرة المنعزلة من القوة الضعيفة بالنبع القوي الذي لا يغيض، فهي مفتاح كنز السعادة الذي يغني ويغني في الدارين، وببركة إقامتها لله تحصل الانطلاقة من الحدود الضيقة الصغيرة إلى المجال الكوني الكبير الواسع، كما حصل للصحابة والتابعين، فهي الروح والراحة من الله، كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)). وكما كان يكثر منها إذا حزبه أمر لتكثر من الاتصال بالله معنوياً وروحياً فهي زاد الطريق، ومدد الروح، وجلاء القلب، وخير المعونة على أداء الصبر وقوة الجلد في الكفاح، وهي مفتاح التذوق لحلاوة كل عبادة، ومن أصدق من الله قليلاً: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾، وذلك التذوق لا ينفتح ويحلو إلا للمؤمن الذي انفتح قلبه وانشرح صدره لذكر الله وما نزل من الحق، وامتلأ من حب الله وتعظيمه وخشيته ومراقبته، واستشعار كماله وجماله ومعروفه وإحسانه ودقة عمله، وإحاطته بالجلبات والخفيات. فهذا هو الذي يتلذذ بحلاوة العبادة والصلاة ويحصل له الفرح واليسر والبشاشة فتهون عليه جميع التكاليف الإلهية ويتقبلها مسروراً بسبب إقامته للصلاة إقامة صحيحة.

 

ولذا كان كل عبد لله مطلوباً منه أن يأمر أهله بالصلاة من ذكور وإناث، كما قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم على تركها بعشر..))[2] إذ بها يحصل الإعداد للتقوى، وتقبل التكاليف، وحمل أعباء الرسالة، والقيام بواجب خلافة الله في الأرض.

 

ولذا جعل الله قيام الليل وتلاوة القرآن فيه مفتاحاً للقلوب ومدفعة للجوارح على ذلك، إذ يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 2-4]. وكما ازدادت همة الإنسان بذلك وقوي عليه كان أقوى من غيره في القيام بالواجب أجمع.

 

هذا وقد أظهر الطب الحديث فائدة عظيمة للصلاة، هي أن الدماغ ينتفع انتفاعاً كبيراً بالصلاة ذات الخشوع، كما قرر ذلك فطاحل الأطباء في هذا العصر، وهذا من بعض الأدلة التي يتبين لنا بها سبب قوة تفكير الصحابة الكرام، وسلامة عقولهم، ونفوذ بصيرتهم، وقوة جنانهم، وصلابة عودهم، الذي كانوا به معجزة في الأرض بين الأمم بحيث لم يخلفهم مثلهم إلا القليل النادر.

 

ولا شك أن الذين يتجهون بكل حب وتعظيم إلى القوة المطلقة إلى ذي الحول والطول جل وعلا، ويحنون ظهورهم له لا لغيره من البشر أبداً، ويخرون للأذقان سجداً لعزته، وخضوعاً لسلطانه، وشكراً لنعمته وإحسانه، ويتصلون به في أوقات معينة من الليل والنهار، يكونون موصلي السبب بجنابه العظيم، فيستمدون منه جميع قواهم، وتستنير عقولهم، وتصح قلوبهم، وتسمو نفوسهم إلى أعلى المطالب وأشرف الغايات التي يكونون بها مرفوعي الرأس، أصحاء العقول والأرواح بين الأمم، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي عن ربه تعالى: ((ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها..))[3].

 

وقال أيضاً: ((فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه...)) إلخ. وأحاديث كثيرة في ذلك المعنى.

 

ولا عجب أن يخصص الله استعانة عباده المؤمنين بالصبر والصلاة، فإن الصلاة من أكبر العوامل التي تربي الشخصية، وتجعلها ربانية التصور، وربانية الشعور والوعي، وربانية السلوك والتصرف.

 

ثم إن في الصلاة منفعة عظيمة وعلاجاً واقياً شافياً من شر ما يصاب به الإنسان في حياته الاجتماعية، وهو الشح والجبن القاضيان على شخصيته، والذي نبه الله عليها ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: ﴿ إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 19، 23]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((شر ما أوتي العبد شح هالع أو جبن خالع))[4] فالشح يبذر الهلع في القلب بحيث يجعل صاحبه فقير القلب مهما كان عنده من الغنى والثروة. كما وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر[5] بأنه كالذي يشرب ماء البحر فإنه لا يروى بل يزداد عطشه وغلته ويكون منهوماً أشد ما يكون، ومنوعاً للخير مختالاً فخوراً، كاتماً فضل الله، آمراً للناس بالبخل، مستهتراً بالقيم العليا.

 

أما الجبن فإنه يورث الخوف والذعر الذي يتزايد بصاحبه حتى يكون عند المصائب والحروب كالذي يغشى عليه من الموت، وفي حال الأمن والرخاء يكون حديد البصر، ذلق اللسان، مثل المنافقين المعوقين الذين فضحهم الله في سورة الأحزاب، وقد يكون الشحيح بماله شحيحاً ببدنه، فيحبس خيره ونفعه عن الناس ببدنه.

 

والمصاب بهذه الأدواء المعنوية المذكورة في وحي الله من كتاب وسنة، يعتريه في الغالب الهم والغم والحزن والانقهار، فينخلع من العزة والكرامة ويعيش دليلاً حقيراً مهاناً مستعيداً ممتهماً من أعدائه أو من أعداء الله وأعدائه، ويكون الجبان أيضاً كسولاً عادم الإرادة أو عاجزاً عديم المقدرة.

 

ولهذا ورد في الحديث: تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته أن يدعو كل واحد منهم بهذه الدعوات كما في حديث أبي أسامة: ((اللَّهم إني أعود بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وقهر الرجال))[6].

 

فإنها ثمانية أشياء كل اثنين منها قريبان مزدوجان: فالهم والحزن أخوان، والعجز والكسل أخوان، والجبن والبخل أخوان، وضلع الدين وقهر الرجال أخوان.

 

وتوضيح ذلك أن المكروه المؤلم إذا ورد على القلب فإما أن يكون سببه ماضياً أو مستقبلاً، فإن كان أمراً ماضياً أوجب له الحزن، وإن كان شيئاً متوقعاً في المستقبل أوجب له الهم، ثم إن تفويت المصالح عن الإنسان أو تخلفه عن تحقيقها بالسعي والطلب إما أن يكون من عدم القدرة فهو العجز، أو من عدم الإرادة وهو الكسل. ثم إن حبس خيره ونفعه عن نفسه وعن الغير إما أن يكون حابساً أو مانعاً خيره ونفعه الناتج من حركة بدنه فهو الجبن، وإما أن يكون مانعاً نفعه من ماله فهو الشح. أما قهر الناس له فهذا إما أن يكون بحق فهو يسمى غلبة الدين وضلع الدين، وإما أن يكون بباطل فهو قهر الرجال.

 

والمصلي الصحيح الذي يقيم الصلاة حق إقامتها ينجيه الله من هذه الأمور كلها.

 

إن كلام الله حق ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ﴾ [النساء: 122]، ووعده حق ﴿ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الحج: 47]، وعلاجه حق لا يماثله علاج، فإذا رأينا أمثال هؤلاء من الضعفاء المضطرين جزمنا بأن صلاتهم صورية وصبرهم ضعيف، وأنهم لو كانوا في الحقيقة مصلين كانوا من الصابرين وإنما عندهم من الصلاة حركات تعودوها، فهم يكررونها ساهين عنها، أو يقصدون بها استمالة قلوب الناس، يبتغون بها عندهم المكانة الرفيعة باسم الدين، لما يترتب على ذلك من المنافع الدنيوية التي لا يعقلون سواها، أو لا يريدون سواها.

 

فيجب على كل مؤمن أن يعود نفسه احتمال المكارة ويحاول تحصيل ملكة الصبر، فمن لم يستعن على عمله بالصبر لا يتم له أمر ولا يثبت على عمل ولا سيما الأعمال العظيمة، كوظيفة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - التي هي تربية الأمم، والانتقال بهم من حال إلى حال. لذلك يوجد الكثيرون ممن يشرعون في الأعمال العظيمة، فيعوزهم الصبر، يقفون عند الخطوة الثانية، ومن يزعم أنه عاجز عن تحصيل هذه الملكة فهو خائن لنفسه، جاهل بما أودع الله فيه من الاستعداد، فهو باحتقاره لنفسه محتقر نعمة الله عليه، بل مسيء للتصرف فيها، وهو بمجرد إحساسه بالعجز قد سجل على نفسه الحرمان من جميع الفضائل.

 

حقاً إن تلك النعم التي يجب ذكرها وشكرها للمنعم سبحانه وتعالى كانت تقرن بضروب من البلاء وأنواع المصائب، أكبرها ما يلاقيه أهل الحق من مقاومة الباطل وأحزابه، وأصغرها لا يسلم أحد منه في ماله وأهله وأحبابه، كما سيأتي بعد الآية التي بعد هذه الآية التي نحن نفسرها. فمن كمال إرشاد الله لعباده في هذا المقام أن يثني بعد الأمر بالشكر الأمر بالصبر، وأن يعد الله المؤمنين بالجزاء على هذا كما وعدهم بالجزاء على ذلك. فما أحسن اتصال هذه الآيات بما قبلها وكونها متممة للإرشاد فيها.

 

وقد هدى الله سبحانه وتعالى بلطفه إلى علاج الداء قبل بيانه، فأمر المؤمنين بالاستعانة بالصبر والصلاة على ما يلاقونه من المحن والشدائد ومشقة القتال، ووعدهم على ذلك بمعونته الإلهية، وأشعرهم أيضاً بمعيته التي من حاز عليها كان منتصراً ظافراً فائزاً بمطلوبه، كما أشعرهم بما يلاقونه في سبيل الحق والدعوة إلى الدين والمدافعة عن أنفسهم، فهو سبحانه وتعالى يأمرهم بالصبر على ذلك كله.

 

ووجه الحاجة إلى الاستعانة بالصبر على تأييد الحق والقيام بأعبائه ظاهر جلي، وأما الحاجة إلى الاستعانة بالصلاة فوجهها محجوب لا يكاد ينكشف إلا للمصلين ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 2]، تلك الصلاة التي أكثر الله من ذكرها في الكتاب العزيز، ووصف أهلها بأفضل الصفات، وهي التوجه إلى الله تعالى ومناجاته، وحضور القلب معه سبحانه باستغراقه في الشعور بهيبته وجلاله وكمال سلطانه، تلك الصلاة التي قال فيها سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، وقال فيها: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]. وليست هي الصورة المعهودة للناس من القيام والركوع والسجود والتلاوة باللسان خاصة مما يسهل على كل صبي فعله وتعوده. فهذه صلاة صورية نرى بعض أهلها لم يرتفعوا عن الفحشاء والمنكر ولم ينتهوا عن اقتراف السيئات. فأي قيمة لتلك الحركات الخفيفة في نفسها حتى يصفها الله بأنها ﴿ لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]؟ وإنما جعلت تلك الحركات وسيلة لتذكير الغافلين وتنبيه الذاهلين، ودافعاً يدفع المصلَّي إلى ذلك التوجه المقصود الذي يملأ القلب بعظمة الله وسلطانه، حتى يستسهل في سبيلها كل صعب، ويستخف بكل كرب، ويسهل عليه عند ذلك احتمال كل بلاء ومقاومة كل عناء، لا يتصور شيئاً يعترض في سبيله إلا ويرى سيده ومولاه رب العالمين أكبر منه لانطباعه بالتكبير الصادق، فهو بتكريره الله أكبر يزداد قوة معنوية ورباطة جأش تجعله يهزأ بالصعاب ولا يبقى أمامه شيء كبير، ولا يكون في نفسه شيء كبير أبداً إلا ما كان مرضياً لله سبحانه، لله الذي هو أكبر من كل كبير. لله الذي يلجأ إليه في الحوادث ويفزع إليه عند الكوارث.

 

ثم إن الله سبحانه وتعالى ختم هذه الآية المتضمنة للأمر بالصبر والصلاة بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾، ولم يقل معكم، بل قيد معيته لمن كان الصبر لهم خلقاً وصفة. فالصابرون تتحقق لهم معية الله بتوفيقه ومعونته وتسديده، بذلك تهون عليهم المشاق، وتزول عنهم المكاره ويسهل عليهم كل صعب وعظيم.

 

وهذه المعية الإلهية معية خاصة تقتضي صحبته ومعونته وقربه ونصره، وهي منقبة عظيمة للصابرين، فلو لم يكن لهم فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله لكفى بها شرفاً وفضلاً.

 

وأما المعية العامة فهي معية العلم والقدرة التي ذكرها الله بقوله: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]، فهده عامة لجميع الخلق. وقد كان من سنة الله سبحانه أن الأعمال العظيمة لا تنجح ولا تتم إلا بثبات صاحبها واستمراره، وهذا لا يكون إلا بالصبر، فمن صبر فقد سار على سنة الله وامتثل أمره، فيكون الله معه بالتوفيق والتسديد والنصر والظفر بالمطلوب، ومن لم يصبر فقد حرم نفسه من معية الله المنصوص عليها، لأنه تنكب عن أمره وسنته، فلا يمكن أن يبلغ غايته.

 

والله سبحانه عليم بما يعترض المؤمنين في الدعوة ولوازمها من المعارضات والمقاومات وأنواع التثبيط والإرجاف، وإن ذلك يوجب عليهم بذل النفوس زيادة على الأموال، فكيف تبذل هذه النفوس بمخالفتها الأمم كلها؟ لا تبذل إلا بتحقيق الصبر وإقامة الصلاة، إذ بذلك يتحقق الثبات وإرخاص النفوس. ثم ما الغاية من إرخاص المؤمن نفسه لأجل تعزيز الدعوة؟ الغاية هي تحصيل ثمنها من الله الذي اشتراها والذي علمهم ما يستعينون به على مجاهدة الخواطر والهواجس ومقاومة الشبهات ودفع الأراجيف.



[1] انظر فيض القدير (4/232).

[2] أخرجه أبو داود (495، 496) وأحمد (2/187،180) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

وأخرجه أبو داود (494) والترمذي (407) وأحمد (3/404) من حديث سبرة بن معبد رضي الله عنه، وفي الحديث عبد الملك حفيد سبرة. قال في الميزان (4/398): قال ابن أبي خيثمة: سئل ابن معين عن أحاديثه عن أبيه عن جده فقال: ضعاف. اهـ

[3] أخرجه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي إسناده خالد بن مخلد، وله أحاديث مناكير كما قال الإمام أحمد وغيره، وقال الذهبي في الميزان (1/ رقم 2463): هذا حديث غريب جداً، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه؛ ولأنه مما ينفرد به شريك، وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا الإسناد ولا خرجه عدا البخاري. اهـ

[4] أخرجه أبو داود (2511) وأحمد (2/320) وابن حبان (8/42) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

والحديث فيه موسى بن علي بن رباح. قال الحافظ في التقريب (6994): صدوق ربما أخطأ. وقال ابن عبد البر (10/364): ما انفرد به فليس بالقوي.

[5] لم أجد هذا الأثر فيما بين من مصادر.

[6] أخرجه البخاري (6369) والترمذي (3484) والنسائي (8/257، 265، 274) وأبو داود (1541) وأحمد (3/122، 220، 240) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 138 : 140 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 141 : 142 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 143 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 144 : 147 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (148 : 149)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 150 : 152 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 154 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 155 - 157 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (158 : 160)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 161 : 163 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 164)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (165)

مختارات من الشبكة

  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سور المفصل 204 - الغاشية ج 30 - وقفة تدبرية في الآيات من 17 إلى الآية 20(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 10 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 9 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • فوائد من سورة الطلاق (من الآية 1 إلى الآية 5)(محاضرة - موقع الشيخ د. عبد الله بن محمد الجرفالي)

 


تعليقات الزوار
1- بالتوفيق
زائر - United States 18-12-2016 04:18 PM

ما شاء الله وفق الله كل المسلمين في الدنيا في عمل الخير

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب