• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم من المنظور الإسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية ( 37 )

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/6/2011 ميلادي - 28/7/1432 هجري

الزيارات: 28232

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة (6)

[37]

فوائد وحكم وأحكام

في قصة آدم مع الملائكة ومع إبليس


الفائدة الأولى:

أن الله لما أخبر ملائكته بأنه جاعل في الأرض خليفة وتساءلت معه الملائكة في هذا الشأن حجمهم بعلمه المحيط الذي لا يعلمون مداه، ولم يكتف بذلك بل عمل على إظهار فضل آدم فعلمه الأسماء كلها ثم عرضها على الملائكة طالباً منهم معرفتها، فسبحوا بحمده متبرئين من القول عليه بلا علم ومنزهين جنابه عن مقابلتهم له بذلك، كما مضى توضيح هذا مرشداً لنا إلى الأدب معه وانه لا يسأل عما يفعله، وأن العقل المحدود يجب عليه أن يقف عند حده.

 

الفائدة الثانية:

أصول المعاصي ثلاثة: الكبر والحرص والحسد. فالكبر أول معصية عصي الله بها من إبليس ثم تلاه كل من تكبر عن وحيه وعتا عن أمره من جميع الأفراد والأمم التي نفخ إبليس فيها من الكبر. أما الحرص فهو أيضاً أول معصية عُصي بها من الأبوين حين الأكل من الشجرة، ثم تلاهما كل من تجاوز حدود الله في نهيه من بني آدم إلى قيام الساعة، وأما الحسد فهو أول ذنب عصى الله به في الأرض من جهة قابيل حيث قتل هابيل حسداً، وجميع الفتن والجحود الحاصلة بين أهل الأرض منشؤها الحسد.

 

الفائدة الثالثة:

معصية إبليس معصية عظيمة خطيرة، ولهذا كررها الله في القرآن الكريم وأعادها بضع مرات لنعتبر ونكون منها على غاية الحذر، ذلك أن المعاصي نوعان: إما مخالفة أمر أو مخالفة نهي. والشنيع الفظيع هو مخالفة الأمر لأنه في الغالب لا يجري إلا من استخفاف بالآمر وانتقاص لجنابه وعدم مبالاة به، ولذا كان منشؤه الاستكبار والغطرسة كما جرى من ذنب إبليس الذي أراده وأكسبه الشقاوة في الدارين؛ لأن عصيانه عن تكبر من خبث في نفسه جره إلى الكفر، لأن منشأ الكفر في الغالب من الكبر، وعلى الإطلاق فترك الأوامر أعظم عند الله من ارتكاب المنهيات، وذلك أولاً أن ترك الأمر منشؤه العزة والكبر، وثانياً أن فعل المأمور أحب إلى الله من اجتناب المحظور، كما دلت النصوص على ذلك، فكل تارك لأمر من أوامر الله فهو وارث لإبليس، كتارك الصلاة فإنه من جند إبليس الذي قيل له اسجد فلم يسجد، ولهذا وردت النصوص بكفره ووجوب قتله كما في حديث علي وجابر وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الناظم الفقيه العمري المقدسي:

وتارك الصلاة حتى كسلا
يقتل كفراً إن دعي وقال لا
وماله فيء ولا يغسل
وصحح الشيخان حدّاً يقتل

 

 

وقوله: وماله فيء: يعني لبيت المال لأنه لا يرث ولا يورث، وأصل الفيء مشتق من فاء إذا رجع. قال الشيخ ابن تيمية: لما كان جميع ما في الأرض حلالاً وملكاً للمسلم المؤمن ولا يستحقه الكافر لعدم قيامه بشكر النعمة، ولذلك وجب جهاده ليلتزم حكم الله أو يدخل في دينه وحل ما عنده من المال والنساء والمتاع فإنه لها كالمغتصب لعدم شكره، فسمي ما يغنمه المسلمون من الكافرين فيئاً لأنه ملك لهم رجع إليهم بعد استغلال الغير له. هذا معنى كلامه باختصار.

 

والمقصود التنبيه على خطيئة واحدة استحق صاحبها اللعنة إلى يوم الدين وكتب الله عليه الشقاء في الدارين، لأنها مخالفة أمر ولا تجري مخالفة الأمر إلا من عزة واستكبار عنه واستخفاف بالآمر كما قدمنا. فينبغي للمسلم المؤمن التوقي من ذلك، والمبادرة بفعل المأمورات وعدم التراخي في تنفيذها، وبغض كل تارك لأوامر الله، معرض عنها، وعداوته لله وفي الله، ولو كان أقرب قريب، لأنه تابع لإبليس وشريك له في سلوكه. فينبغي أن لا تسيطر العاطفة على الدين، والله يقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63] والفتنة هي الشرك كما فسرها الإمام أحمد، لأن المصرَّ على ترك الأمر مشرك بالله، متخذ إلهه هواه، كما سيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.

 

الفائدة الرابعة:

مخالفة النهي معصية لا يستهان بها، ولذلك نال الأبوين ما نالهما من شؤمها، ولكنها أهون من مخالفة الأمر الذي فيه استهانة بالآمر واستخفاف به، وإنما كانت أهون لأن مخالفة النهي لا تجري عن كبر واستخفاف واستهانة، وإنما تجري من ثورة شهوة يطمع بها صاحبها أو من غلبة وسوسة وقوة إغراء أو تأثير قرناء السوء. ولهذا يكون في الغالب صاحبها أو من غلبة وسوسة وقوة إغراء أو من تأثير قرناء السوء، ولهذا يكون في الغالب صاحبها أوّاباً رجاعاً إلى الله وإن سوّف بالتوبة على مهل، وهي معصية آدم وحواء، جرهما إليها الطمع بشهوة الأكل من شجرة ممنوعة بإغراء وخداع لا مثيل له من عدوهما، فينبغي التفريق بين المعصيتين واجتنابهما جميعاً في ذات الله.

 

الفائدة الخامسة:

يجب على من تلبس بشيء من معصية الله أن يبادر إلى التوبة حالاً بدون تمهل، لأنه أولاً: لا يدري في أي لحظة يموت، وثانياً: أن السيئات تجر أخواتها، وثالثاً: أن الإصرار على المعصية وإن كانت صغيرة يجعلها كبيرة حتى تكون كمعصية إبليس. فعلى المسلم المؤمن أن يبادر بالتوبة عن هفواته مقتدياً بالأبوين ليتوب الله عليه كما تاب عليهما، وبرفع درجاته مثلهما.

 

الفائدة السادسة:

تارك أوامر الله لا يكون مطيعاً ولا ممدوحاً باجتنابه ما نهى الله عنه، وهذه قاعدة زلت بها أقدام كثير من الناس بتلبيس إبليس وتسويله لهم، فتجد أحدهم يقول: أنا لا أصلي ولا أصوم لكني خير ممن يصلي ويفعل المحرمات، وأنا لا أصلي ولكني لا أسرق ولا أكذب ولا أفعل المحرمات، فيكون مثَلُه أسخف من مثل (شبكة تهزأ بالمنخل) وهذا لفرط جهله وحماقته وغروره، إذ يشابه إبليس في ترك الأمر ويهزأ بمن شابه أباه آدم.

 

الفائدة السابعة:

وهي قاعدة مهمة هي أن إيجاد ما طلب الله من المسلم إيجاده أحب إلى الله مما طلب تركه، فعدم إيجاد ما يحبه الله أعظم ذنباً وأكره إلى الله من إيجاد ما يبغضه، ذلك أن إيجاد ما يحبه الله جالب لرحمته ونصره ومدده، وإيجاد ما يبغضه الله جالب لغضبه، والرحمة تغلب الغضب، وأيضاً فإن آثار إيجاد ما يبغضه الله أسرع زوالاً من آثار ترك ما يحبه الله من الأوامر، فان السيئات تزول بالتوبة والاستغفار والصدقة والدعاء والشفاعة بإذن الله، والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ولو بلغت عنان السماء ولكن ترك الأوامر التي فيها إعدام ما يحبه الله من الوجود جريمة خطيرة جدا تدخل صاحبها في الكفر والشرك، فليتنبه لذلك المخدوعون الذين وقعوا في مصائد الشياطين. وأيضاً فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة بحسب موقعها وقوة إخلاص صاحبها لله وصدقه مع الله، فهذه موهبات ودرجات لا يجوز التفريط فيها، وأما السيئة فجزاؤها سيئة واحدة.

 

الفائدة الثامنة:

هذه القصة العظيمة من أمر إبليس بالسجود ونهى الأبوين عن الأكل من الشجرة يعلم منها يقيناً أن الأمر المطلق للوجوب لاستحقاق تاركه الذم والعقوبة شرعاً وعقلاً، وأن النهي للتحريم خصوصاً إذا شفع بتهديد كقوله ﴿ فتكونا من الظالمين ﴾ لاستحقاق فاعله الذم والعقوبة شرعاً وعقلاً، خلافاً لما ذهب إليه بعض الأصوليين المتأثرين بعلم الكلام، فالصواب عند الأكثرين كما تدل عليه هذه القصة.

 

الفائدة التاسعة:

في الجنة التي أسكنها الله الأبوين هل هي جنة الخلد أم جنة غيرها جعلها الله لهما امتحاناً ولم تكن جنة المأوى؟ والصحيح القول الأخير وهو مذهب الإمام أبي حنيفة وبعض المحققين، ويؤيد أمور منها: أن الله خلق آدم في الأرض ليكون خليفة ولم يرد نص برفعه إلى السماء. وهذا شئ مهم لا يترك الله ذكره لكرامة آدم، ومنها: إن جنة المأوى للمؤمنين وإبليس رأس الكفر فكيف يدخلها، ومنها: أنها ليست محلاً للتكليف وأنه ليس فيها شيء ممنوع، ومنها: أنه لا يقع فيها العصيان إلى آخر دلائلهم المبسوطة في كتاب (حادي الأرواح) لابن القيم، وقد رجح كثير من المفسرين ذلك كابن عيينة وابن قتيبة وغيرهما، والله أعلم.

 

قوله تعالى: ﴿ فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [37].

تدارك آدم رحمة الله الذي يحب التوابين، فينهض آدم من عثرته ويتوب من زلته بما ركب الله فيه من فطرة الخير والتوحيد، فيلهمه الله لقبول توبته كلمات حبيبات إليه فيهن الاعتراف بالذنب والتقصير واللجؤ الكامل إلى فضله وطلب العفو والرحمة له ولزوجه، حاصراً فلاحه في جهته سبحانه ومن جهته معترفاً بخسرانه هو وزوجته إن تخلى عنهما. وحينئذ قال هذه الكلمات المباركات: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]. وعند ذلك تاب عليه لأنه (هو التواب) الذي ييسر لعبده وسائل التوبة ثم يتوب عليه فهو التواب لعباده مهما أذنبوا إذا ذكروا الله وأنابوا إليه ولم يصروا على ما فعلوا، وهو (الرحيم) الذي يرحم عباده مهما أساءوا فيقبل توبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات.

وقد وردت أحاديث في الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وردت أحاديث، منها الحسن، ومنها الضعيف، ومنها الموضوع المكذوب باتفاق أهل الحديث. وقد أعرضنا عن ذكرها لأنها ليس لها وزن مع نص القرآن الذي ورد في سورة الأعراف كما ذكرناه، وإذا وجد الماء بطل التيمم.

ثم إننا نستفيد من هذه القصة طبيعة ابن آدم وموقفه أمام التكليف وما ركب الله فيه من الطبائع، طبيعة الحرص والطمع والتطلع والشغف بما له ينله، خصوصاً ما منع منه وحرم عليه، والكنود والهلع والغرور والانخداع والعجلة والإعراض عن الله والابتعاد عنه إذا نال من نعمه ما نال وما يقابل به النعم من كفر وفخر وجدال وعجب وغضب وأحوال متقلبة وحمق وملل وهمز ولمز وسماع تكلم وغيرها مما يقارب أربعين صفة نظمتها في ردي على الشاعر القروي، وآخرها الأنانية المتأصلة في نفسه.

 

أقول: هذا الإنسان الذي ركب الله فيه هذه الطبائع لعمارة الكون جعلته يشرق بالتكاليف ولا يهضم الدين ولا يتقبل الدعوة إليه لجنوحه إلى الهوى والشهوات وتعلقه بالأنانية وحبه للرئاسة، ولهذا نجد الله يقص علينا تمرد بني الإنسان على أنبيائهم منذ عهد نوع عليه الصلاة والسلام. فقول الملاحدة في زماننا: "إن الدين لا يصلح لهذا العصر ولا يساير التطور" قول كاذب من جهة حصره على هذا العصر، ومن زعمهم عدم صلاحيته أو مسايرته التطور، فالدين الإسلامي الصحيح هو صالح مصلح لكل عصر وزمان، وهو يساير التطور الصحيح: التطور في الصنائع والاختراعات، والتطور بأنواع الزينة والجمال الذي هو مظهر من مظاهر نعم الله، والتطور في المسابقة إلى العلم النافع واستعمال العقل والقوى والمواهب، والتطور بأنواع القوة الحربية الرادعة للأعداء.

 

أما الدين المكذوب المفترى على الله، دين الكنيسة والكهنوت الذي هو من غش الماسونية اليهودية ومكرها، فهو الذي لا يصلح لهذا العصر ولا لكل عصر، لأنه يحرم على أهله العلم ويحجر على عقولهم حتى ثاروا عليه طبقاً لما خططته الماسونية ضد الأديان، ليست قاصرة مقاصدها على النصارى ونحوهم، بل هدفها الثاني هو الإسلام والمسلمون، فنقول للمنخدعين بتلبيسات الماسونيين: إن الذين الإسلامي الحق هو كما ذكرناه صالح مصلح للبشرية، مساير لجميع تطوراتها الصحيحة لا الفاسدة التي تريدون، ولكن الدين الرباني منذ البداية لا يساير الأغراض الشخصية والشهوات البهيمية والنزعات العصيبة والمطالب الأنانية، وليس لعصر من العصور طبائع ما ضد الدين، فالعصور واحدة ولكنها الطبائع البشرية التي تضيق ذرعاً بالتكاليف مهما كانت صغيرة، فقد قص الله علينا نبأ الأبوين كيف لم يكتفيا بما أعطاهما في الجنة من صنوف النعيم وجرهما طبعهما إلى الأكل من الشجرة الممنوعة منقادين إلى وسوسة عدو مبين، قد حذرهما الله منه، فحالة أبنائهم كحالتهم حتى يقفوا عند حدود الله وإلا فهم يتمردون على الدين بحجة عدم صلاحه، أي موافقته لأهوائهم، فقوم نوع ومن بعده موقفهم معروف من الدين إلى عهد كفار قريش الذين قالوا لمحمد صلى الله وعليه وسلم: ﴿ ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ﴾ [يونس: 15] قرآنك هذا لا يوافق أهواءنا ولا يساير شهواتنا ورغباتنا. قرآنك هذا يقضي على رئاستنا وتسلط بعضنا على بعض. قرآنك هذا لا يتفق مع أنانياتنا، فلابد أن تأتينا بغيره أو بدله، فأرشده الله أن يجيبهم بقوله: ﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [يونس: 15].

 

فهذه سمة البشر وليست سمة العصر، هذا طبع أصيل للابتلاء والامتحان ولحصول الجهاد ولتمييز الخبيث من الطيب منذ عهد الأبوين في الأقدمين، إلى عصر كفار قريش في الآخرين، إلى ورثتهم في هذا الزمان من أفراخ الماسونية المنادين بعدم صلاحية الدين، متبجحين بدعوى التقدمية وهم سلكوا مسلك الرجعية من كفار قريش، ولكن كفار قريش أشرف لأنهم يحملون عقولاً استقلالية اهتدوا بها فيما بعد إلى الحق، وصاروا أعواناً للحق انتفع بهم الدين كما سجله التاريخ، أما هؤلاء فلم ينتفع بهم إلا الماسونية التي أبرزتهم لصالح الدولة اليهودية. فهنيئاً لبني إسرائيل بكل فرخ للماسونية ينادي ضد الدين ويعمل على فساد الأخلاق.

 

ومن تدبر قصة آدم الذي اختاره الله وذريته خليفة في الأرض وكيف رفع من شأنه وأسجد الملائكة له ثم امتحنه امتحاناً سلط عليه الشيطان العدو المضل المبين وجعله يسقط في هذا الامتحان بتقبله الغواية، ويتجرع مرارة الحزن والندامة ثم يؤويه إلى حصنه الحصين بالتوبة ويعلمه في سبيلها ما لم يكن يعلمه. كل هذا تربية إلهية من عليم حكيم لخليفته في الأرض حيث اقتضت حكمته أن لا يسلم إليه عهدة الخلافة حتى يمر بهذا الامتحان القاسي والتجربة المريرة التي نسي فيها العهد بالتحذير من الشيطان بسبب الأنانية التي جرته إلى معصية ضحك عليه الشيطان لكي يستلم العهد الدائم في الأرض، وهو مزود بهذه التجربة التي يتفطن فيها لمواصلة الجهاد بكل صدق وقوة هو وأولاده مع عدوهم الشيطان؛ ليقيم في الأرض جميع الفضائل التي يريدها الله سبحانه ويطهر الأرض مما يخالفها بغاية المستطاع. وهنا يجئ دوره الحقيقي متجلياً في قول الله سبحانه: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [38- 39].

 

وأعظم الاعتبارات في هذا الدور هو أن الإنسان سيد هذه الأرض ومن أجله خلق الله له كل شيء فيها وهو إذا أحسن التصرف في الخلافة الإلهية باتباعه وحي الله، فهو أعز وأكبر وأغلى عند الله من جميع الدنيا وما فيها وقيمته عند الله أعظم فلا يجوز له أن يستعبد نفسه ويستذلها لغاية مادية أو رغبه في شهوة حيوانية يخون بها عهد الله أولاً، وينزل بنفسه ثانياً إلى غاية السقوط، وهو لا يشعر لما ران على قلبه من ظلمات المادة والشهوة والهوى، فدوره في هذه الأرض دور القيادة والتوجيه التي يستلهم أنظمتها من السماء لا من أي مصدر آخر كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]. فمالك الملك رب السموات والأرض يمنح الإنسان جميع ما في الأرض ويوجب عليه قيادتها جميعاً بشرط ارتباطه بالسماء، وذلك باتباع وحي الله يكون له الاستخلاف والقيادة العالمية على جميع الأرض، فأي مذهب مادي أو مبدأ قومي عصبي يمنحه عشر معشار ذلك، ولو منحه ما قدر على ذلك ولا تم له ذلك لأنه لا يقدر على رفع الخوف والحزن إلا الله الذي تعهد لأوليائه الصادقين في حمل رسالته والمخلصين في العمل بهدايته وتوزيعها أن ينصرهم ويستخلفهم في الأرض ويحييهم حياة طيبة لا يجري فيها عليهم خوف يزعجهم ولا حزن يغمهم كما في هذه الآية وفي الآية (97) من سورة النحل والآية (55) من سورة النور. وما أبعد الفرق بين ما وهبه الله للإنسان من عموم الملك والاستخلاف والتمكين وبين ما قيدته المبادئ القومية والمذاهب المادية في حدود اصطناعية لا يملك فيها حقيقة التصرف كما يريد الله منه، إنه لفرق عظيم ولكن الانحطاط العقلي والخلقي جعل الكثير في عماية عن ذلك.

 

إن ارتباطات خلائف الله في أرضه ارتباطات سماوية في جميع أحوالهم وشئونهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ارتباطات الخليفة بمن استخلفه، ولا يلتفت إلى غير مراد الله في جميع شئون حياته ولا يستسلم لشيء من الأوهام والمغريات، إن على الإنسانية إلا تجرب ما جربه أبوها فتنتابها الحوادث الجسام وتحل بها الندامة. إن الأبوين انكشفت عوراتهما وبدت لهما سوءاتهما من خطيئة واحدة فكيف بآلاف الخطايا والذنوب.

نصل الذنوب إلى الذنوب ونرتجي
درج الجنان لدى النعيم الخالدِ
ولقد علمنا أخرج الأبوين من
ملكوتها الأعلى بذنب واحدِ

 

إن أشنع ما يردي الإنسانية ويهويها في كفر إبليس أو ما هو أعظم من كفر إبليس والعياذ بالله هو تنكرها لحقيقتها الأصلية وواجبها في الأرض واتجاهها نحو المادة والأنانية وتعلقها بالشهوات. إنه مسخ لحقيقتها، وطمس لشرفها، وقضاء على جميع مقوماتها، وطبع على قلوبها، وخراب لضمائرها، وذهاب بحريتها؛ فان الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسانية قيمتها الكبرى في الأرض، تلك القيمة التي يجب على المسلم أن ينطبع بها ويندفع وأن تكون جميع تصوراته نابعة منها، وأن يقيم الوزن لحقيقته في الوجود الذي أوجب الله عليه أن يرتبط بعهده الذي أوجده من أجله ليكون خليفة في الأرض، ولا يحصل له ذلك إلا إذا حصر التلقي للهداية والسير في الحياة على وحي ربه الذي استخلفه وأوجب عليه أن يسير على نهجه الذي اختاره له سبحانه وتعالى، فلا يجعل لنفسه الخيرة في أي شأن من شئون الحياة ولا يتخذ أنداداً من دون الله يستلهم منهم الرشد والمعلومات، فان هذا هو مفرق الطرق بين حزبية الرحمن وحزبية الشيطان.

 

إنه ليس في الوجود طريق ثالث ولا حزب ثالث، وإنما هما حزبان فقط: حزب متبع لهداية الله، مرتبط بعهد الله، متمسك بوحيه، سائر على صراطه وإلى صراطه، مجاهد نفسه في سبيله، موثوق الصلة به، معتمد عليه، غير مبال بما سواه، فهذا هو حزب الله. وحزب آخر متبع لهواه، تابع لما يقدسه ويرتضيه من البشر في ميدان السياسة أو ميدان الثقافة أو الاقتصاد أو الاجتماع، يتلقى الرشد والثقافة من نظريات وزبالة الأفكار اليهودية التي تروجها في سائر الطبقات البشرية مما هو مخالف لوحي الله وشارد بصاحبه على الصراط المستقيم ومزهد له أو مبغض لكل ما هو من طريق النبي محمد صلى الله وعليه وسلم، ويعلق آماله في نواحي حياته السياسية على أشخاص قد وهبهم ثقته من دون الله، وسلم لهم رقبته بدون حبل نخاسة، قد أوقع نفسه في رق معنوي لا يمكن التحرر منه لأنه لا يتصور الرق، فيسعى لإزالته وإنما يتصور الحرية الكاذبة بعقليته الفاسدة.

 

وفي ميدان الاقتصاد والاجتماع والتشريع يستحسن ما يشرعه أولئك، ويستهجن شرائع الله وحدوده لمروج عقله وفساد تصوراته وانعكاس مفاهيمه وتنكره لنفسه وحقيقته. فهذا الحزب أو هذا النوع من الناس مهما اختلفت أسماؤه وتنوعت ألقابه وتشعبت نظرياته ومبادئه ومذاهبه، فهو حزب الشيطان ما بين كافر أصيل أو منافق عميل دخيل، فالله العليم الحكيم إذ يقص علينا قصة آدم والملائكة، ثم قصة إبليس مع آدم، ثم قصة آدم وحواء مع إبليس، ويكررها في بضع سور من كتابه العزيز لم يقصها للتفكه والتسلي، وإنما قصها للاعتبار أولاً، وللتعريف بحقيقتها العظيمة ثانياً، ثم للتعريف بواجبنا المقدس ثالثاً، حقاً إن واجبنا المقدس هو تسيير هذا الكون حسب منهج الله الذي أوجبه على البشر فيما أنزله من وحيه المبارك. فالله سبحانه وتعالى يرفع بني آدم ويرتفع بنفوسهم إلى ما لا نهاية له إلى جنات عدن في غرف من فوقها غرف. والمادية الهوجاء التي هي من ألعن مصائد الشياطين تتسفل بهم إلى أسفل السافلين مما لا نهاية له إلا الخزي في الحياة الدنيا ثم الانهيار الأخير في نيران الجحيم. فما أعظم الفرق بين المنزلتين!!

 

إن في أطراف هذه القصة وأبعادها تصورات عظيمة فيها إعلاء من شان إرادة الإنسان وحريته الواسعة في جميع مجالات الحياة التي لا يلتفت لشيء فيها ولا يخضع لشيء منها سوى رب العالمين، ليس بينه وبين البشر واسطة ولا كهنوت كما في العرف النصراني، ولا أحزاب أو تقيد بدساتيرها كما في العرف المادي المتقلب بين هوايات الأشخاص ورغباتهم والخاضع لبطشهم وإرهابهم، بل الإنسان إذا انحصرت تصوراته، على وحي الله ولم يتأثر بشيء من التيارات الإلحادية فانه يملك الارتفاع بنفسه إذا شمخ برأسه نحو الوفاء بعهد الله فقط، ولم يخضع لشهواته ويتسفل بأنانياته التي تنسيه عهد الله. فقصة الأبوين مع إبليس فيها إيحاء دائم لإيقاظ بني آدم وتحريك مشاعرهم وإلهاب عواطفهم وتحميسهم نحو واجبهم المقدس أمام الله مع التحذير الشديد من الشيطان وجنوده؛ ليحاربوا كل إغراء يرد عليهم ويصدهم عن الوفاء بعهد الله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (1 : 16)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 17 : 24 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 25 : 27 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 28 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 30 : 36 )
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (38: 41)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 40 : 44 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 45 : 47 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 49 : 50 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 51 : 57 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 61 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (64)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 67 : 74 )
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (81: 82)
  • تفسير سورة البقرة.. الآية (91)

مختارات من الشبكة

  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تيسير الوصول في تفسير آمن الرسول: الآية (285 - 286) من سورة البقرة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (284)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (283)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب