• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي / استشارات
علامة باركود

التعرض لحوادث مفجعة مرارًا

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي


تاريخ الإضافة: 7/5/2011 ميلادي - 3/6/1432 هجري

الزيارات: 12873

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
السؤال:

تعرضت في صغري لرؤية الأموات من أهلي، سواء جدتي أو بسماع وفاة أخي الشاب في سن 19 ساقطًا من أعلى، وكبرت وأنا في ذهني الخاتمة والدين، وهل كان يصلي أو لا؟ وفي عام 2000 حدث حادث رهيب في بيتنا، فقد وجدت أختي الشابة والنار ممسكة بها كلها، وسارعت بإطفائها بعدما ظننت - والعياذ بالله - أنَّنا سنموت جميعًا تلك الميتة، وظلَّت أختي بمشفاها أربعة أيام، ثم ماتت - رحمها الله - وفي 2007 فُوجِئنا في السادسة صباحًا بصراخ شديد جدًّا، أيقظ الجيران كلهم، مات أخي الشاب فجأة - رحمه الله - وبعدها بشهور أربعة مات أبي - رحمه الله - نفس الميتة، ومن وقتها وأنا عندي إحساس فظيع بالفزع والخوف يملأ قلبي، صرت أتفزَّع من أيِّ شيء، وأخافُ على الباقين من أهلي بشدَّة، لدرجة أنَّني أقول: لو متُّ قبلهم كان أرحم لي، ثم أعود وأقول: أمي لا تتحمَّل.

 

متى يخفُّ عندي هذا الشعور بالفزع واستدعاء الأحداث المؤلمة كأنها حقيقة؟ فإني أتخيَّل في بالي حوادث أخرى نتيجة ما حدث، ولا شيء يطمئن قلبي مع أني أقرأ القرآن، وعندي يقين شديد في الموت.

 

جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فالحمد لله الذي جعل الدنيا دارَ امتحان واختبار وابتلاء لعباده المؤمنين، وأشدُّهم فيها بلاءً الأنبياءُ، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يَلُونهم؛ يُبتلى المرء على حسب دِينه، فإنْ كان في دينه صلابة شُدِّد عليه البلاء، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على وجْه الأرض وليس عليه خطيئة، وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يمرض كما يمرض الرجلان منَّا، ومات أبوه وهو ما زال جنينًا في بطن أمه، ولما بلغ ست سنين ماتت أمه، ولثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره توفِّي جده عبدالمطلب، ولما نزلت عليه الرسالة حاطَه عمُّه أبو طالب ومنعه من كفار مكة، فكان الحصن الحصين الذي احتمتْ به الدعوة الإسلامية من هجمات الكبراء والسفهاء، فابتُلِي بفقده، حتى قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما نالَتْ مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب))، وبعد وفاته بشهرين أو بثلاثة أيام - على اختلاف القولين - توفيت أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - وكانت من نعم الله الجليلة على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فثبَّتَتْه وآزرَتْه في أحرج الأوقات، كيوم نزل عليه جبريل في الغار، فذهب إليها يقول: ((زمِّلوني زمِّلوني))، وقال: ((لقد خشيت على نفسي))، فأجابته - رضي الله عنها - بثقةٍ بالغةٍ في الله سبحانه: "والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنَّك لتَصِلُ الرَّحِم، وتحملُ الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نَوائِب الحق".

 

ومات أبناؤه واحدًا تِلوَ الآخَر في حياته وأمام عينه إلا فاطمة الزهراء - رضِي الله عنها - وكانت عائشة - رضِي الله عنها - أحبَّ الناس عنده، فامتُحِن فيها وتكلَّم فيها المنافقون إفكًا ونِفاقًا، واقتضى تمام الابتلاء أنْ حُبِسَ عنه الوحي شهرًا في شأنها؛ لتتمَّ حكمة الله التي قدَّرها وقَضاها، وتظهر على أكمل الوُجوه، ويزداد المؤمنون الصادقون إيمانًا وثباتًا على العدل والصدق وحُسن الظن بالله ورسوله وأهل بيته، ويزداد المنافقون إفكًا ونفاقًا، ولتتمَّ العبوديَّة المرادة من الصِّدِّيقة وأبويها، ولتشتدَّ الفاقة والرغبة منها ومن أبويها والافتقار إلى الله، والذل له وحُسن الظن به والرجاء له، ولينقطع رجاؤها من المخلوقين، وتيئس من حصول النصرة والفرج على يد أحدٍ من الخلق، فلمَّا وفَّتْ هذا المقام حقَّه، أنزل الله براءتها من فوق سبع سماوات في قُرآنٍ يتلى، ومن ثَمَّ قالت: لا أحمد إلا الله؛ هو الذي أنزل براءتي.

 

فشُدِّد عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الابتلاء؛ لكمال صبره، وثباته، ورفقه، وحُسن ظنه بربه، حتى جاءَه الوحي بما أقرَّ عينه، وسرَّ قلبه، وعظَّم قدره، وظهر لأمَّته احتفال ربه به واعتناؤه بشأنه.

 

وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [الملك: 2].

 

وقال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].

 

فيتقلَّب المسلم بين حالٍ وحالٍ، وقال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [الملك: 2].

 

وقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [هود: 7].

 

فخلق الله السماوات والأرض والموت والحياة؛ لابتلاء عِباده وامتحانهم؛ ليعلَم مَن يريده ويريد ما عنده، ممَّن يريد الدنيا وزِينتها.

 

وقال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155-157].

 

وقد أقسم النبي بنفسه الشريفة: أنَّه ((لا يَقضِي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إنْ أصابَتْه سرَّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإنْ أصابَتْه ضرَّاءُ صبَر فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم عن أبي سعيد.

 

فالابتلاء والامتحان من تمام نصره وعزه وعافيته، فما يُصِيب المؤمنين في الله تعالى مقرونٌ بالرضا والاحتساب، فإنْ فاتَه الرضا، فمعولهم على الصبر وعلى الاحتساب؛ وذلك يُخفِّف ثقل البلاء ومُؤنته، فكلَّما شاهَد المؤمن العوض، هانَ عليه تحمُّل المشاقِّ والبلاء، وظهرت معاني العبوديَّة من الذل والانكسار والافتقار لله تعالى، وسؤاله الفرجَ والعافيةَ.

 

ثم هذا شيءٌ لم ينجُ منه مؤمنٌ ولا كافرٌ، إلا أنَّه للمؤمنين تمحيصٌ وتنقيةٌ من ذنوبهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 139-144].

 

وروى الشيخان في "صحيحيهما" عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مثل المؤمن كمثل الخامة (النبتة أو القصبة اللينة) في الزرع؛ تُفيئها (تقلبها) الريح، تصرعها مرَّة، وتَعدِلها أخرى، حتى تهيج (تيبس)، ومثل المنافق كالأرْزة؛ لا تزال حتى يكون انجِعافُها مرَّة واحدة)).

 

وهذا كله خيرٌ للمؤمن يُؤجَر عليه عاجلاً وآجلاً، وتُرفع به درجته عند الله تعالى، وقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما يُصِيب المسلم من نصبٍ ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يُشاكُها - إلا كان له بها أجرٌ))؛ متفق عليه من حديث أبي سعيدٍ وأبي هريرة.

 

والحاصل أنَّ الدنيا دار محنةٍ وبَلاءٍ، وأنَّ علاج ذلك هو الصبر، وإذا صبر العبد جبر الله مصيبته، وأحسن عاقبته، وجعل له خَلفًا من مُصِيبته.

 

قال الشاعر:

 

السيف أصدق إنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب

وقال:

 

وَمَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا رَأَى مَا يَسُرُّهُ
مِنَ العَيْشِ هَمًّا يَتْرُكُ الشَّهْدَ عَلْقَمَا
وَأَيُّ نَعِيمٍ فِي حَيَاةٍ وَرَاءَهَا
مَصَائِبُ لَوْ حَلَّتْ بِنَجْمٍ لَأَظْلَمَا
إِذَا كَانَ عُقْبَى كُلِّ حَيٍّ مَنِيَّةٌ
فَسِِيَّانِ مَنْ حَلَّ الْوِهَادَ وَمَنْ سَمَا
وَمِنْ عَجَبٍ أَنَّا نَرَى الحَقَّ جَهْرَةً
وَنَلْهُو كَأَنَّا لاَ نُحَاذِرُ مَنْدَمَا

وقل الآخر:

 

أَفِي كُلِّ يَوْمٍ لِي حَمِيمٌ أُفَارِقُهْ
وَخِلٌّ نَآنِي مَا نَبَتْ بِي خَلاَئِقُهْ
وَمُضْطَجَعٌ فِي رَيْبِ دَهْرٍ مُسَلَّطٍ
تُطَالِعُنِي فِي كُلِّ فَجٍّ طَوَارِقُهْ
وَمُلْتَفَتٌ فِي إِثْرِ مَاضٍ مُغَرَّبٍ
تَرَامَاهُ أَجْرَاعُ الرَّدَى وَأَبَارِقُهْ
فَثَلْمٌ عَلَى ثَلْمٍ وَرُزْءٌ مُضَاعَفٌ
عَلَى فَتْقِ رُزْءٍ ضَلَّ بِالدَّهْرِ رَاتِقُهْ
مَصَائِبُ لَوْ أُنْزِلْنَ بِالشَّمْسِ لَمْ تُنِرْ
وَبِالبَدْرِ لَمْ تَمْدُدْ بِلَيْلٍ سُرَادِقُهْ

والصبر على البلاء والآلام والمشاق، والتجلد وحبس النفس عن التسخُّط، واللسانِ عن الشكوى - من أعظم العبوديَّة، ومحْض استكانة لله، وعين كمال، مع حُسن الظن بالله في تفريج الكربات، وإصلاح الحال؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5-6]، وقال: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].

 

مع احتساب الأجر الجزيل عند الله؛ فله ما أخذ وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجلٍ مسمى، وكلُّ نفس ذائقة الموت، والمصائب بعد موت الحبيب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - هيِّنة؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فتح رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بابًا بينه وبين الناس، أو كشف سترًا؛ فإذا الناس يصلُّون وراء أبي بكر؛ فحمد الله على ما رأى من حُسن حالهم، ورجاء أنْ يُخلِفه الله فيهم بالذي رآهم، فقال: ((يا أيها الناس، أيُّما أحد من الناس - أو من المؤمنين - أُصِيبَ بمصيبة، فليتعزَّ بمصيبتي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإنَّ أحدًا من أمَّتي لن يُصاب بمصيبةٍ بعدي أشدّ عليه من مُصيبتي))؛ رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني.

 

فإذا استشعرتِ تلك المعاني، ووقرتْ في قلبك، فسيُسَرَّى عنك، ويذهب فزعك باليقين، والإيمان بالقضاء والقدر، وأنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك؛ كما قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22-23].

 

والحياة كلُّها بما فيها دار ممرٍّ، لا دار مقرٍّ، وإنما أنزل إليها آدم - عليه السلام - عقوبةً لا مثوبةً، وينبغي لكلِّ عاقل أنْ يكون فيها كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لابن عمر: ((كُنْ في الدنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل))، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخُذْ من صحَّتك لمرضك، ومن حَياتك لموتك"؛ رواه البخاري.

 

واجتِرار الحزن والأسَف عليها لا يردُّ غائبًا، ولا يعيد فائتًا، ولا يُجنَى من وَرائِه إلا الحسرات والخسارة والحِرمان، وجعل المصيبة مُصِيبتين: فَوات المحبوب، وفَوات الأجر.

 

فاتركي الخوف خلف ظهرك، ولتحرصي على كلِّ ما من شأنه تقويةُ إيمانك من الأعمال الصالحة، وقراءة بعض الكتب، مثل كتابَيْ: "عدة الصابرين" و"مدارج السالكين"؛ لابن القيم، و"الفرج بعد الشدة"، للقاضي التنوخي.

 

قال الأستاذ سيد قطب في "الظلال" (1 /116):

"فالشدائد تستَجِيش مكنون القُوَى، ومذخور الطاقة، وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد، والقيم والموازين والتصوُّرات ما كانت لتصحَّ وتدِقَّ وتستقيم إلا في جوِّ المِحنة التي تزيل الغبش عن العُيون، والران عن القُلوب، وأهمُّ من هذا كله، أو القاعدة لهذا كله: الالتجاءُ إلى الله وحدَه حين تهتزُّ الأسناد كلها، وتتوارى الأوهام - وهي شتَّى - ويخلو القلب إلى الله وحدَه، لا يجد سندًا إلا سنده، وفي هذه اللحظة فقط تنجَلِي الغِشاوات، وتتفتَّح البصيرة، وينجَلِي الأفق على مدِّ البصر، لا شيء إلا الله، لا قوَّة إلا قوَّته، لا حول إلا حوله، لا إرادة إلا إرادته، لا مَلجَأ إلا إليه، وعندئذٍ تلتَقِي الروح بالحقيقة الواحدة التي يقومُ عليها تصوُّر صحيح.

 

والنص القرآني هنا يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق:

﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 155-156].

 

إنَّا لله، كلنا، كل ما فينا، كل كياننا وذاتيَّتنا لله، وإليه المرجع والمآب، في كلِّ أمر وفي كلِّ مصير، التسليم، التسليم المطلق، تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجهًا لوجه بالحقيقة الوحيدة، وبالتصوُّر الصحيح.

 

هؤلاء هم الصابرون، الذين يبلغهم الرسول الكريم بالبُشرَى من المنعم الجليل.

 

وهؤلاء هم الذين يُعلِن المنعم الجليل مكانهم عنده جزاءَ الصبر الجميل:

﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157].

 

صلواتٌ من ربهم، يرفعهم بها إلى المشاركة في نصيب نبيِّه الذي يُصلِّي عليه هو وملائكته سبحانه، وهو مقام كريم، ورحمة، وشهادة من الله بأنهم هم المهتدون، وكل أمرٍ من هذه هائل عظيم". اهـ.

 

واللهَ أسأل أنْ يبدل حزنك فرحًا، وفزعك أمنًا وسكينة، وأنْ يفرج كربك وكرب المسلمين أجمين، آمين.

 

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • عقبة التعرض للفتن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيفية التصرف عند التعرض للتحرش(استشارة - الاستشارات)
  • التعرض للإهانة في مرحلة الخطبة(استشارة - الاستشارات)
  • التعرض للتنمر(استشارة - الاستشارات)
  • الأزهر الشريف يحذر من التعرض لمقام النبوة الكريم(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • التعرض لبرامج الإفتاء في القنوات الفضائية العربية وإشباعاتها: دراسة ميدانية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • العزوف عن الزواج بسبب التعرض للتحرش(استشارة - الاستشارات)
  • روسيا: هيئة إسلامية تطالب الفنانين بتجنب التعرض للرموز الدينية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إفريقيا الوسطى: صلاة الجمعة وسط مخاوف من التعرض للعنف(مقالة - ملفات خاصة)
  • نيجيريا: المسلمون يشكون التعرض للتطهير العرقي المنظم(مقالة - المسلمون في العالم)

 


مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب