• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مراحل تنزلات وجمع القرآن - دروس وعبر
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    ستندمل جراح الشام (قصيدة)
    د. وليد قصاب
  •  
    ما يلقاه الإنسان بعد موته
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    نعم أجر العاملين (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    سورة آل عمران (5) الثبات والتثبيت
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    حف الشارب وإزالة شعر الإبطين والعانة في السنة ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    آداب استعمال أجهزة الاتصالات الحديثة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    التمر غذاء ودواء في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    أعلى النعيم رؤية العلي العظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    كان صلى الله عليه وسلم يتداوى بالقرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    التحذير من الافتتان والاغترار بالدنيا الفانية ...
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    استراتيجيات تدريس المهارات (عرض تقديمي)
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    صحة العيون في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / خطب
علامة باركود

تأملات في الحياة والممات (خطبة)

تأملات في الحياة والممات (خطبة)
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/12/2023 ميلادي - 1/6/1445 هجري

الزيارات: 16736

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تأمُّلاتٌ في الحياةِ والمَماتِ


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 1-3]. لَقَدْ مَضَى عَلَى الْإِنْسَانِ مُدَّةٌ زَمَنِيَّةٌ - لَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا إِلَّا الَّذِي خَلَقَهُ سُبْحَانَهُ - لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا وُجُودٌ يُذْكَرُ.

 

وَزَوَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذَا الْمَخْلُوقَ الضَّعِيفَ بِوَسَائِلِ الْحِسِّ وَالْإِدْرَاكِ؛ كَيْ تَكُونَ لِحَيَاتِهِ قِيمَةٌ، وَلِوُجُودِهِ مَعْنًى، وَلِخَلْقِهِ رِسَالَةٌ يَحْيَا لَهَا، وَهِيَ الَّتِي تَتَمَثَّلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 56]. وَحَذَّرَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تَغَافُلِهَا وَعَدَمِ إِدْرَاكِهَا؛ لِيَلْفِتَ أَنْظَارَنَا إِلَى حَقِيقَةِ وُجُودِنَا: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 115-116].

 

هَذَا هُوَ الْإِنْسَانُ؛ "نُطْفَةٌ" وُضِعَتْ فِي "الرَّحِمِ"، ثُمَّ ثَبَّتَهَا اللَّهُ فِي مَكَانٍ أَمِينٍ، وَقَرَارٍ مَكِينٍ، لَا يَدْخُلُ فِيهِ هَوَاءٌ فَيَقْضِي عَلَيْهَا، وَلَا أَشِعَّةُ ضَوْءٍ فَتَعْصِفُ بِهَا، وَلَا تَصِلُ إِلَيْهَا جَرَاثِيمُ مُهْلِكَةٌ فَتُتْلِفُهَا، فَهُوَ فِي الْحِفْظِ وَالصَّوْنِ، وَالرِّعَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ؛ لِذَا جَعَلَهُ اللَّهُ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ: ظُلْمَةِ الْبَطْنِ، وَظُلْمَةِ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةِ الْمَشِيمَةِ: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ﴾ [الزُّمَرِ: 6]. كُلُّ ذَلِكَ حِمَايَةً لَهُ وَرِعَايَةً.

 

وَجَاءَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى – وَهُوَ يُبَيِّنُ مَظَاهِرَ قُدْرَتِهِ، وَعَظِيمَ صَنْعَتِهِ: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 12-14].

 

وَأَخْبَرَ نَبِيُّنَا الْمَعْصُومُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْمَرَاحِلِ مَعَ تَحْدِيدِ أَزْمِنَتِهَا، وَمَا يَعْتَرِيهَا مِنْ تَقْدِيرَاتٍ إِلَهِيَّةٍ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِمَضْمُونِهَا: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَبَعْدَ انْتِهَاءِ مَرْحَلَةِ "الْحَمْلِ" يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى "الْأَرْضِ"، وَيَظْهَرُ فِي عَالَمِ الْوَاقِعِ الْمُفْعَمِ بِالْأَحْدَاثِ الثِّقَالِ، وَالْمَتَاعِبِ الْجِسَامِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ عَنْهَا: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [الْبَلَدِ: 4]. فَيَخْرُجُ مِنْ ضِيقِ الرَّحِمِ إِلَى سَعَةِ الدُّنْيَا ضَعِيفًا؛ لَيْسَ لَهُ سِنٌّ تَقْطَعُ، وَلَا يَدٌ تَبْطِشُ، وَلَا قَدَمٌ تَسْعَى بِهِ، فَأَنْبَعَ اللَّهُ لَهُ عِرْقَيْنِ رَقِيقَيْنِ فِي صَدْرِ أُمِّهِ، يَجْرِيَانِ لَبَنًا خَالِصًا، وَأَلْقَى اللَّهُ مَحَبَّتَهُ فِي قَلْبِ أَبَوَيْهِ، فَلَا يَشْبَعَانِ حَتَّى يَشْبَعَ، وَلَا يَرْقُدَانِ حَتَّى يَرْقُدَ، وَلَا قِيمَةَ لِحَيَاتِهِ بِدُونِ مَعُونَةِ وَالِدَيْهِ، وَرِعَايَتِهَا لَهُ.

 

ثُمَّ انْتَقَلَ هَذَا الْإِنْسَانُ مِنَ "الطُّفُولَةِ الْمُبَكِّرَةِ الْعَاجِزَةِ" إِلَى مَرْحَلَةِ "الصِّبَا"؛ حَيْثُ كَانَ الْبَدْءُ فِي التَّعْلِيمِ، وَتَفْهِيمِ نُظُمِ الْحَيَاةِ، ثُمَّ دَخَلَ – مَعَ مُرُورِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَمْضِي بِسُرْعَةٍ مُذْهِلَةٍ – إِلَى مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ؛ حَيْثُ الْقُوَّةُ، وَالنَّشَاطُ وَالْحَيَوِيَّةُ، ثُمَّ تَجَاوَزَ هَذِهِ الْمَرْحَلَةَ بِالدُّخُولِ فِي مَرْحَلَةِ الرُّجُولَةِ؛ حَيْثُ تَحَمُّلُ الْمَسْئُولِيَّاتِ، وَالْقِيَامُ بِالْوَاجِبَاتِ.

 

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَبْدَأُ الْإِنْسَانُ بِالِانْحِدَارِ إِلَى "مَرْحَلَةِ الْكُهُولَةِ"، وَمِنْهَا إِلَى "مَرْحَلَةِ الشَّيْخُوخَةِ"؛ حَيْثُ الضَّعْفُ الْمُطْلَقُ، وَالْحَاجَةُ إِلَى الْمَعُونَةِ وَالْمُسَانَدَةِ وَالْمُسَاعَدَةِ، وَإِذَا طَالَ بِهِ الْعُمْرُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا؛ انْحَدَرَ إِلَى الضَّعْفِ وَالْهُزَالِ مِنْ جَدِيدٍ مَرَّةً أُخْرَى، أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذِي قَبْلُ، وَقَدْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِيَرْتَاحَ مِنْ هَذَا الْعَنَاءِ الَّذِي يُقَاسِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَهُ النِّهَايَةُ الْحَتْمِيَّةُ؛ وَهِيَ الْمَوْتُ؛ مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزُّمَرِ: 30]؛ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ! عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ ‌فَإِنَّكَ ‌مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ» حَسَنٌ – رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.

 

فَالْمَوْتُ فِي - هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ - رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تُسْدَى إِلَى الْإِنْسَانِ، وَرَحْمَةٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِلْآخَرِينَ الْمُحِيطِينَ بِهِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُوضَعُ فِي قَبْرِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ الزَّمَنِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ جَدِيدٍ إِلَى الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ الْبَاقِيَةِ، الَّتِي لَا تَعَبَ فِيهَا وَلَا نَصَبَ، وَلَا هَمَّ وَلَا شَقَاءَ، وَلَا ضَعْفَ وَلَا هُزَالَ – إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].

 

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى – عَنْ هَذِهِ الْمَرَاحِلِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي رِحْلَةِ وُجُودِهِ مِنَ الضَّعْفِ الَّذِي يَعْتَرِيهِ فِي بِدَايَةِ تَكْوِينِهِ، إِلَى الضَّعْفِ الَّذِي يَأْتِيهِ عِنْدَ كِبَرِهِ وَشَيْخُوخَتِهِ: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الرُّومِ: 54].

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ... عِبَادَ اللَّهِ.. ثُمَّ يَنْتَقِلُ الْإِنْسَانُ إِلَى "مَرْحَلَةِ قِيَامِ السَّاعَةِ"، وَمَا بَعْدَهَا؛ حَيْثُ يُبَصَّرُ النَّاسُ بِالْحَقَائِقِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي تَأْتِي فِيمَا بَعْدَ قِيَامِهَا، وَالَّتِي يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا؛ كَيْ يَسْتَعِدُّوا لَهَا: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ [الرُّومِ: 55-57].

 

وَهُنَا يَأْتِي السُّؤَالُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ: مَا هُوَ الْمِقْدَارُ الزَّمَنِيُّ الَّذِي أَضَعْنَاهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا سُدًى، وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْهُ؟ سَوْفَ نَجِدُ أَنَّهَا لَحَظَاتٌ فُقِدَتْ بِلَا رَجْعَةٍ، وَأَنَّهَا فِي جُمْلَتِهَا لَا تُسَاوِي يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ: ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الْحَجِّ: 47].

 

عِنْدَهَا سَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُفَرِّطِينَ وَالْمُضَيِّعِينَ لِأَعْمَارِهِمْ فِي الْعَبَثِ وَاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ: ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ ﴾ كَلَامُهُمْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِقْصَارِهِمْ لِمُدَّةِ مُكْثِهِمْ فِي الدُّنْيَا؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾؛ أَيِ: الضَّابِطِينَ لِعَدَدِهِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَفِي شُغْلٍ شَاغِلٍ، وَعَذَابٍ مُذْهِلٍ عَنْ مَعْرِفَةِ عَدَدِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾؛ أَيْ: أَفَحَسِبْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ سُدًى وَبَاطِلًا؛ تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ وَتَمْرَحُونَ، وَتَتَمَتَّعُونَ بِلَذَّاتِ الدُّنْيَا، وَنَتْرُكُكُمْ لَا نَأْمُرُكُمْ، وَلَا نَنْهَاكُمْ، وَلَا نُثِيبُكُمْ، وَلَا نُعَاقِبُكُمْ؟


ثُمَّ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾؛ أَيْ: تَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ الْمَلِكُ الْحَقُّ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا عَبَثًا؛ فَإِنَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَمِنْ عَدْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَلَّا يُعَذِّبَ أَحَدًا قَبْلَ الْإِنْذَارِ، وَبَعْثَةِ الرُّسُلِ، وَالْإِعْذَارِ إِلَى خَلْقِهِ؛ لِئَلَّا يَبْقَى لِأَحَدٍ حُجَّةٌ، وَلَا شُبْهَةٌ.

 

ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 112-118]. فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ مِنْ بَيَانٍ؟ وَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخِتَامِ مِنْ خِتَامٍ؟ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ: أَنْ يَرْحَمَنَا بِرَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ، وَأَنْ يُسَدِّدَ خُطَانَا فِي الدُّنْيَا إِلَى مَا فِيهِ فَلَاحُنَا، وَسَعَادَتُنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القلب بين الحياة والممات (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تأملات في أخوة المصالح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في المساواة والعدالة الاجتماعية في القرآن الكريم والسنة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مجلس ختم صحيح البخاري بدار العلوم لندن: فوائد وتأملات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رحلة الروح إلى الله: تأملات في مناسك الحج(مقالة - ملفات خاصة)
  • تأملات في سورة الفاتحة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تأملات بين الواقع وبعض معاني سورة الحجرات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في الطلاق وأحكامه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: تأملات في سورة العنكبوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في قوله تعالى: (أن أرضعيه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في بعض آيات سورة النازعات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/2/1447هـ - الساعة: 19:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب