• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المرض والتداوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    آداب التلاوة وأثرها في الانتفاع بالقرآن الكريم
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    الأحاديث الطوال (22) حديث أم زرع
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أمثال القرآن: حكم وبيان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أثر الإيمان بالكتاب المنشور يوم القيامة، وفضائل ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ابن تيمية وعلم التفسير
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد من قصة يونس عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    طبيعة العلم
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    فضل ذي القعدة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / مقالات
علامة باركود

الغلو في تزكية النفوس عند الصوفية

الغلو في تزكية النفوس عند الصوفية
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/5/2022 ميلادي - 8/10/1443 هجري

الزيارات: 11450

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الغُلُوُّ في تزكيةِ النُّفوسِ عِندَ الصُّوفية

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

أهل السنة يزكون أنفسهم بالاعتقاد الصحيح في الله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، ويُعبِّدون قلوبهم وجوارحهم لله عز وجل بمقتضى هذه العقيدة الصحيحة، ويعتقدون أنَّ كمال التزكية في الاستسلام لشرع الله عز وجل ظاهرًا وباطنًا، ويبدؤون بالفرائض؛ لأنها أحب العبادات إلى الله عز وجل، ثم يترقَّون بالنوافل حتى يصلوا إلى محبة الله عز وجل، ولا يستغنون عن الكتاب والسنة بحالٍ؛ في حال بدايتهم ونهايتهم، بل اتِّباع السُّنة هو علامة محبة الله عز وجل، والموصل إلى مزيدِ محبته؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]، ويسيرون إلى الله عز وجل بين الخوف والرجاء والمحبة، فهم لا يفرِّطون في الخوف فِعل الخوارج، ولا يُبالغون في الرجاء فعل المرجئة، ولا يَتَمادون في دعاوي الحب فِعل الصوفية.

 

ولقد زعمت الصوفية أنهم أصحاب الأحوال والمقامات والنفوس الزاكيات، وأنهم بلغوا الذروة في تصفية النفوس وتربيتها وتنقيتها، ومع ذلك هم يخالفون منهج الكتاب والسنة، وأهل الحديث والأثر؛ فلا يزكون أنفسهم بعقيدة التوحيد الصحيحة، ولا تتعبد قلوبهم لله تعالى، وتمتلئ بأنوار أسمائه وصفاته وربوبيته وإلهيته، وأداء الواجبات وترك المحرمات، والازدياد من النوافل والمستحبات؛ لأنَّ المتصوِّفة من أجهل الفِرق بآثار النبوة، وأكثرها ترويجًا للأحاديث الضعيفة والموضوعة، وذلك واضح جليٌّ في مصنفاتهم؛ فإنها مليئة بالأخبار الموضوعة، وما لا أصل له[1].

 

وسائل الصوفية في التزكية:

يُعوِّضُ الصوفيةُ فقرَهم بالآثار النبوية، والسنن المصطفوية، بالحكايات والمنامات والخرافات، وتكلُّف ما لم يشرعه اللهُ تعالى، ولا رسولُه صلى الله عليه وسلم من العبادات، ومن أهم وسائلهم في تزكية النفوس ما يلي[2]:

1- التزكية بالمُكاء والتصدية، والغِناء والتَّصفيق والوَجْد:

روى بعضُهم – كذبًا – أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنشده أعرابيٌّ شِعرًا، فقال:

قَدْ لَسَعَتْ حَيَّةُ الْهَوَى كَبِدِي
فَلاَ طَبِيبَ لَهَا وَلاَ رَاقِي
إلاَّ الطَّبِيبُ الَّذِي شُغِفْت بِهِ
فَعِنْدَهُ رُقْيَتِي وَتِرْيَاقِي

 

وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تواجدَ حتى سقطتْ البُردةُ عن مَنكِبيه؛ وقال: (ليس بكريمٍ مَنْ لم يَتَواجدْ عند ذِكْرِ المَحْبوب)[3].

 

قال الطوفي رحمه الله: (لم يكن في القرون الثلاثة؛ لا بالحجاز، ولا بالشام، ولا بالعراق، ولا خراسان، مَنْ يجتمع على هذا "السَّماع المُحْدَث"، فضلًا عن أن يكون كان نظيرُه على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا كان أحدٌ يُمزِّق ثيابه، ولا يرقص في سماع)[4].

 

وقال ابن تيمية رحمه الله: (عُرِفَ بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الإسْلامِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُشَرِّعْ لِصَالِحِي أُمَّتِهِ وَعُبَّادِهِمْ وَزُهَّادِهِمْ؛ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى اسْتِمَاعِ الأبْيَاتِ الْمُلَحَّنَةِ مَعَ ضَرْبٍ بِالْكَفِّ أَوْ ضَرْبٍ بِالْقَضِيبِ أَوْ الدُّفِّ، كَمَا لَمْ يُبَحْ لأحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ؛ لا فِي بَاطِنِ الأمْرِ وَلا فِي ظَاهِرِهِ، وَلا لِعَامِّيِّ وَلا لِخَاصِّيِّ، وَلَكِنْ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَنْوَاعٍ مِنْ اللَّهْوِ فِي الْعُرْسِ وَنَحْوِهِ؛ كَمَا رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ أَنْ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ فِي الأعْرَاسِ وَالأفْرَاحِ. وَأَمَّا الرِّجَالُ عَلَى عَهْدِهِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَضْرِبُ بِدُفِّ، وَلا يُصَفِّقُ بِكَفِّ... وَلَمَّا كَانَ الْغِنَاءُ وَالضَّرْبُ بِالدُّفِّ وَالْكَفِّ مِنْ عَمَلِ النِّسَاءِ؛ كَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ مُخَنَّثًا، وَيُسَمُّونَ الرِّجَالَ المُغَنِّينَ مَخَانِيث، وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي كَلامِهِمْ)[5].

 

وقال أيضًا: (وَمَنْ كَانَتْ لَهُ خِبْرَةٌ بِحَقَائِقِ الدِّينِ، وَأَحْوَالِ الْقُلُوبِ وَمَعَارِفهَا وَأَذْوَاقِهَا وَمَوَاجِيدِهَا؛ عَرَفَ أَنَّ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ لا يَجْلِبُ لِلْقُلُوبِ مَنْفَعَةً وَلا مَصْلَحَةً، إلاَّ وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَالْمَفْسَدَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، فَهُوَ لِلرُّوحِ كَالْخَمْرِ لِلْجَسَدِ، يَفْعَلُ فِي النُّفُوسِ فِعْلَ حُمَّيَا الْكُؤُوسِ. وَلِهَذَا يُوَرِّثُ أَصْحَابَهُ سُكْرًا أَعْظَمَ مِنْ سُكْرِ الْخَمْرِ فَيَجِدُونَ لَذَّةً بِلا تَمْيِيزٍ كَمَا يَجِدُ شَارِبُ الْخَمْرِ؛ بَلْ يَحْصُلُ لَهُمْ أَكْثَرُ وَأَكْبَرُ مِمَّا يَحْصُلُ لِشَارِبِ الْخَمْرِ، وَيَصُدُّهُمْ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ أَعْظَمَ مِمَّا يَصُدُّهُمْ الْخَمْرُ، وَيُوقِعُ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ أَعْظَمَ مِنْ الْخَمْرِ؛ حَتَّى يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ غَيْرِ مَسٍّ بِيَدٍ، بَلْ بِمَا يَقْتَرِنُ بِهِمْ مِنْ الشَّيَاطِينِ؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ بِحَيْثُ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الشَّيَاطِينُ فِي تِلْكَ الْحَالِ)[6].

 

2- التزكية "بالاسم المُفرد" مُظهَرًا أو مُضْمَرًا:

قال ابن تيمية رحمه الله: (الشَّرْعُ لا يَسْتَحِبُّ مِنْ الذِّكْرِ إلاَّ مَا كَانَ كَلامًا تَامًّا مُفِيدًا؛ مِثْلَ: "لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" وَمِثْلَ "اللَّهُ أَكْبَرُ" وَمِثْلَ "سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ" وَمِثْلَ "لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ" وَمِثْلَ ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ﴾ ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ﴾ ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ﴾.

 

فَأَمَّا "الاسْمُ الْمُفْرَدُ" مُظْهَرًا؛ مِثْلَ: "اللَّهُ" "اللَّهُ". أَوْ مُضْمَرًا؛ مِثْلَ "هُوَ" "هُوَ". فَهَذَا لَيْسَ بِمَشْرُوعِ فِي كِتَابٍ وَلا سُنَّةٍ. وَلا هُوَ مَأْثُورٌ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الأُمَّةِ، وَلا عَنْ أَعْيَانِ الأُمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ، وَإِنَّمَا لَهِجَ بِهِ قَوْمٌ مِنْ ضُلاَّلِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

 

وَرُبَّمَا غَلا بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَجْعَلُوا ذِكْرَ "الاسْمِ الْمُفْرَدِ" لِلْخَاصَّةِ وَذِكْرَ "الكَلِمَةِ التَّامَّةِ" لِلْعَامَّةِ. وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: "لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" لِلْمُؤْمِنِينَ، و"اللَّهُ" لِلْعَارِفِينَ، و"هُوَ" لِلْمُحَقِّقِينَ. وَرُبَّمَا اقْتَصَرَ أَحَدُهُمْ فِي خَلْوَتِهِ أَوْ فِي جَمَاعَتِهِ عَلَى "اللَّهُ اللَّهُ اللَّهُ" أَوْ عَلَى "هُوَ" أَوْ "يَا هُوَ" أَوْ "لا هُوَ إلاَّ هُوَ")[7].

 

3- التزكية بتحريم ما أحلَّ اللهُ من المطاعم والمشارب، ولبس الصوف، وتكلُّف ما لم يشرعه الله تعالى من العبادات:

قال ابن الجوزي رحمه الله: (قد بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية فأمرهم بتقليل المطعم وخشونته، ومَنَعَهم شرب الماء البارد، وكان في القوم مَنْ يبقى الأيام لا يأكل إلاَّ أنْ تضعف قُوَّتُه، وفيهم مَن يتناول كل يوم الشيء اليسير الذي لا يقيم البدن، وقد كان منهم قومٌ لا يأكلون اللحم؛ حتى قال بعضهم: أكْلُ دِرهمٍ من اللحم يُقسِّي القلب أربعين صباحًا.

 

وقد صنف لهم أبو عبد الله محمد بن عليٍّ الترمذي كتابًا سمَّاه "رياضة النفوس" قال فيه: فينبغي للمبتدئ في هذا الأمر أن يصوم شهرين متتابعين؛ توبةً من الله، ثم يُفطر فيَطْعَم اليسير، ويأكل كسرةً كسرة، ويقطع الإدامَ والفواكه، واللَّذة، ومجالسة الإخوان، والنظر في الكتب، وهذه كلُّها أفراحٌ للنفس، فيمنع النفس لذَّتَها حتى تملأ غمًّا. وهذا الذي نهينا عنه؛ من التَّقلُّل الزائد في الحد، قد انعكس في صوفية زماننا؛ فصارت هِمَّتُهم في المآكل كما كانت همة مُتقدِّميهم في الجوع)[8].

 

وادَّعت الصوفية: بأنهم بلبسهم للصوف يتقرَّبون إلى الله تعالى؛ واحتجُّوا: بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ الصوف، وقد لبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصوفَ والقطنَ والكتان، وما روي في "فضل لبس الصوف" فمن "الموضوعات التي لا تثبت"، بل إنَّ تَعَمُّد لبس الصوف وما دونه من الملابس يُعدُّ من البدع التي تُخالف ما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم.

 

قال ابن الجوزي رحمه الله: (وقد كان السلف يلبسون الثِّياب المتوسطة، لا المرتفعة، ولا الدُّون، ويَتَخَيَّرون أجودَها؛ للجمعة، والعيدين، ولقاء الإخوان، ولم يكن غير الأجود عندهم قبيحًا)[9].

 

وقال أيضًا: (واعلم أنَّ اللِّباس الذي يزري بصاحبه يتضمَّن: إظهارَ الزهد، وإظهارَ الفقر، وكأنه لسان شكوى من الله عز وجل، ويوجب احتقارَ اللاَّبس، وكلُّ ذلك مكروه، ومنهي عنه. وقد كان في الصوفية مَن إذا لَبِسَ ثوبًا خَرَقَ بعضَه، وربما أفسدَ الثوبَ الرَّفيعَ القَدْر)[10].

 

4- التزكية بالرهبانية، وترك الزواج:

قال ابن الجوزي رحمه الله: (النكاح - مع خوف العنت – واجب، ومن - غير خوف العنت - سُنَّة مؤكدة؛ عند جمهورِ الفقهاء. ومذهبُ أبي حنيفة، وأحمدَ بن حنبل أنه حينئذ أفضل من جميع النوافل؛ لأنه سببٌ في وجود الولد، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ، وَلاَ تَكُونُوا كَرَهْبَانِيَّةِ النَّصَارَى)[11]. وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَتَزَوَّجُوا؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ)[12].

 

وقد لَبَّسَ إبليسُ على كثير من الصوفية؛ فمَنَعَهم من النكاح، فقدماؤهم تركوا ذلك تشاغلًا بالتَّعبد، ورأوا النِّكاحَ شاغلًا عن طاعة الله عز وجل، وهؤلاء إنْ كانت بهم حاجةٌ إلى النكاح، أو بهم نوع تشوُّقٍ إليه، فقد خاطروا بأبدانهم وأديانهم، وإن لم يكن بهم حاجة إليه فاتتهم الفضيلة، وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ؛ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ، فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ)[13].

 

ومنهم مَنْ قال: النكاح يُوجِب المَيلَ إلى الدنيا، فعن أبي سليمان الداراني أنه قال: إذا طلب الرجل الحديث، أو سافر في طلب المعاش، أو تزوَّج فقد رَكَن إلى الدنيا.

 

قلتُ: وهذا كلُّه مخالِفٌ للشرع، وكيف لا يطلب الحديثَ، والملائكةُ تضع أجنحتها لطلب العلم، وكيف لا يطلب المعاش. وكيف لا يتزوج.

 

فأمَّا جماعةٌ من متأخري الصوفية فإنهم تركوا النكاح؛ ليقال زاهد، والعوامُّ تُعظِّم الصُّوفي إذا لم تكن له زوجةٌ، فيقولون: ما عرف امرأة قط، فهذه رهبانيةٌ تُخالف شَرْعَنا، قال أبو حامدٍ: "ينبغي ألا يشغل المُرِيدُ نفسَه بالتزويج، فإنه يشغله عن السلوك، ويأنس بالزوجة، ومن أَنِسَ بغير الله شُغِلَ عن الله تعالى"[14].

 

وإني لأعْجَبُ من كلامه، أتُراه ما عَلِمَ أنَّ مَنْ قصد عفافَ نفسِه ووجودَ ولدٍ أو عفافَ زوجتِه؛ فإنه لم يخرج عن جادَّة السلوك، أو يرى الأُنسَ الطبيعي بالزوجة يُنافي أُنْسَ القلوب بطاعة الله تعالى، واللهُ تعالى مَنَّ على الخَلْق بقوله: ﴿ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم:21]، وفي الحديث الصحيح عن جابرٍ رضي الله عنه؛ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال له: (هَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا؛ تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ)[15].

 

وما كان بالذي يدله على ما يقطع أُنْسَه بالله تعالى، أتَرَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا كان ينبسط إلى نسائه، ويُسابِق عائشةَ رضي الله عنها أكان خارجًا عن الأُنس بالله، هذه كلُّها جهالات بالعلم. وقد حمل الجهلُ أقوامًا فجَبُّوا أنفسَهم، وزعموا أنهم فعلوا ذلك حياءً من الله تعالى، وهذه غاية الحماقة؛ لأنَّ الله تعالى شرَّف الذَّكر على الأنثى بهذه الآلة، وخَلَقَها؛ لتكون سببًا للتناسل، والذي يَجُبُّ نفسَه، يقول بلسان الحال: الصواب ضِدُّ هذا)[16].

 

وقد نسي المتصوفة أنَّ الإسلام دينٌ جاء ليرفع عن البشرية العنتَ والإصرَ والأغلال، فأبو إلاَّ أنْ يعنتوا ويضعوا الأغلال في أعناقهم والآصار، إذ حرموا أنفسَهم من كلِّ لذَّةٍ أحلَّها الله، وحرموا أنفسَهم من علم الحديث الشريف الذي به يُنَضِّرُ اللهُ وجوهَهم ويملأ عقولَهم علمًا ونورًا، مخالفين بذلك سُنَّةَ نبيِّهم صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله تعالى باتخاذه أسوةً حسنةً، فقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ﴾ [الأحزاب:21]، فهذا هو كلام مَن اتَّجه المتصوفةُ إليه بالعبادة، أمَرَهم أنْ يتَّخِذوا من الرسول قدوةً وأسوةً لهم في جميع أحوالهم التعبُّدية والدنيوية، إذ تُمثِّل سُنَّتُه مِنهاجَ الله الذي أراده لعباده، وتُمثِّل النموذج البشري الأكمل الذي أوجب على البشرية الاقتداءَ به والعملَ على هديه، فإذا كان المتصوفة قد سلكوا طُرُقًا وسُبُلًا أخرى غير طريقه وغير سبيله، فهم بذلك قد هجروا سُنَّته وخالفوا هديه صلى الله عليه وسلم.



[1] انظر: التزكية بين أهل السنة والصوفية، أحمد فريد (ص 11، 43).

[2] انظر: التزكية بين أهل السنة والصوفية، (ص 26، 31).

[3] قال ابن تيمية: (هذا الْحَدِيثُ كَذِبٌ بِالإجْمَاعِ)، وقال الطوفي: (موضوع باتفاق أهل العلم). انظر: مجموع الفتاوى، (11/ 598)؛ الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة، مرعي بن يوسف الكرمي (ص 127).

[4] الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة، (ص 128).

[5] مجموع الفتاوى، (11/ 565، 566).

[6] مجموع الفتاوى، (11/ 573، 574).

[7] مجموع الفتاوى، (10/ 556، 557) باختصار.

[8] تلبيس إبليس، (ص 144، 188، 197) باختصار.

[9] تلبيس إبليس، (ص 178).

[10] تلبيس إبليس، (ص 179، 181).

[11] رواه البيهقي في (الكبرى)، (7/ 78)، (ح 13839). وصححه الألباني في (صحيح الجامع)، (1/ 526)، (ح 5252).

[12] رواه ابن ماجه، (1/ 269)، (ح 1919). وحسنه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه)، (2/ 118)، (ح 1508).

[13] رواه مسلم، (1/ 396)، (ح 2376).

[14] انظر: إحياء علوم الدين، (4/ 161).

[15] رواه البخاري، واللفظ له، (2/ 575)، (ح 3003)؛ ومسلم، (1/ 606)، (ح 3711).

[16] تلبيس إبليس، (ص 260-263) باختصار.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المدد عند الصوفية
  • الذوق وسيلة المعرفة عند الصوفية
  • الخروج عن التكاليف الشرعية عند الصوفية
  • أيها الصوفية إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (خطبة)
  • واقع الصوفية اليوم
  • الصوفية في ميزان الكتاب والسنة
  • خطبة تزكية النفوس
  • تزكية النفوس والاستقامة بعد رمضان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة: دراسة علمية حول مظاهر الغلو ومفاهيم التطرف والأصولية (PDF)(كتاب - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • التحذير من الغلو في التبديع لمشاري سعيد المطرفي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التوسط والاعتدال (2) تحذير المسلمين من الغلو في الدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مظاهر الغلو عند الصوفية – حقائق وملابسات (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تعريف الغلو ونشأته وملامحه(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • محبة آل البيت عليهم السلام بين الغلو والجفاء (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • محبة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الغلو في الصالحين: نتائج وخيمة وآثار سيئة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الغلو في نظرية المؤامرة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الولاء والبراء بين الغلو والجفاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب